بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمع الكريم، حديثي معك اليوم فيما يتعلق بالغش والتحذير منه، لقد ثبت عن رسول الله ﷺ في الأحاديث الصحيحة أنه قال: من غشنا فليس منا، وثبت عنه ﷺ أنه مر ذات يوم على صرة من طعام في السوق فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله -يعني المطر- فقال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني.
هذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه يرشدنا إلى أن الواجب على المؤمن أن ينصح لأخيه المسلم، وأن يؤدي الأمانة، وأن يحب له الخير كما يحبه لنفسه، وليس من ذلك أن يغشه في المعاملة، ويخدعه في المعاملة، فإن هذا يخالف ما أوجب الله عليه، إذ الواجب عليه أن يبين له الحقيقة، وأن يكون معه في السلعة على جلية من الأمر حتى يشتريها على بصيرة أو يدعها على بصيرة.
فإذا كان في السلعة عيب فأخفاه، أو كانت السلعة أعيانا كثيرة فجعل الرديء أسفل وجعل الطيب أعلى حتى يغش بذلك الناس فإن هذا من الخداع، ومن الغش، ومن الخيانة التي حرمها الله على المسلمين، وما ذاك إلا لأن بعض الناس قد لا يفطن لما تحت الظاهر، وقد لا يبين له العيب فيخدع بذلك ويشتري ما يساوي الثمن القليل بالثمن الكثير ظنا منه أن هذا المبيع على السلامة، وأنه لا عيب فيه، ولهذا قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: من غشنا فليس منا.
ثم إن الخيانة والغش من صفات أهل النفاق والفسق والجشع والطمع، أما المؤمن فإن من صفته الأمانة والنصح ومحبة الخير لإخوانه، وترك الضرر الذي يضرهم ويؤدي إلى بخسهم حقهم، ولا شك أن إخفاء العيب مما يضر المسلم ويبخسه حقه، فالواجب على المسلم أن يكون في معاملاته على بينة وعلى إيضاح لإخوانه، حتى لا يغشهم وحتى لا يخدعهم وحتى لا يأخذ أموالهم بغير حقها.
وفي الحديث الصحيح يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما، فأبان المصطفى عليه الصلاة والسلام أن النصح والبيان والصدق من أسباب البركة في البيع والنمو والخير والعاقبة الحميدة، وبين عليه الصلاة والسلام أن الكذب والخيانة والغش في المعاملة من أسباب نزع البركة، كما أن ذلك أيضا من أسباب غضب الله، ومن أسباب العقوبات في الدنيا والآخرة.
فحقيق بك يا أخي المسلم أن تتقي الله في معاملاتك وألا تغش إخوانك، وأن تحب لأخيك من الخير ما تحبه لنفسك كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه هكذا قال المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فهل ترضى يا أخي أن يغشك الناس؟ هل ترضى أن يقول لك أخوك إن السلعة قد سيمت بكذا وهو كاذب؟ أو أنه اشتراها بكذا وهو كاذب؟ لا ترضى بذلك لأن هذا يضرك، هكذا لا ترضى به لإخوانك، فلا تقل إن السلعة علي بمائة وأنت كاذب، إنما هي عليك بثمانين أو خمسين، ولا تقل أنها سيمت بمائة وأنت كاذب لأن هذا غش لإخوانك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلًا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأعطي بها كذا وكذا فصدقه على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف فهؤلاء الثلاثة جاء فيهم هذا الوعيد العظيم، وهو أن الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم:
أحدهم: الذي في الفلاة وعنده فضل ماء فيمنعه أبناء السبيل، لا يريدونه شحًا وبخلًا وظلمًا وعدوانًا.
والثاني: يبايع إخوانه بالسلع فيكذب عليهم، ويقول: إنه أعطي كذا وأعطي كذا، سيمت منه بكذا، شراها بكذا، وهو يكذب حتى يخدعهم وحتى يشتروها بأغلى من ثمنها، وإذا كان بعد العصر خاتمة النهار فالأمر أشد وأخطر والإثم أكبر، لأن المطلوب من المؤمن في آخر النهار أن يختم نهاره بالخير والتسبيح والتهليل والاستغفار والتوبة وعدم الوقوع فيما حرم الله ، أما هذا فقد ختم نهاره بالكذب والخيانة والغش للمسلمين، حتى قال لهم: إن هذه السلعة أعطيت بها كذا وكذا، وهو كاذب.
والثالث: إنسان بايع إمام المسلمين، ولكن ما بايعه لله ولأداء الواجب، واجب السمع والطاعة لا، ولكنه بايعه للدنيا والطمع فيها، فإن أعطاه مراده من الدنيا وفى وسمع، وإن لم يعطه ما أراد شق العصا وفتح باب الفتنة وحرك الشر ودعا إلى الانشقاق والاختلاف والثورات، فهذا بشر المنازل، وهو متعرض لغضب الله ولهذا العذاب الشديد الذي أوعد الله به هؤلاء الثلاثة.
أيها المسلم: إن الخيانة والغش والخداع من صفات أهل النفاق الذين أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام، فهم أعداء للمسلمين يخدعونهم ويؤذونهم ويغشونهم ويخونونهم لبغضهم لهم وعدائهم لهم بالباطل، فإياك أن تشابه أعداء الله المنافقين في الخداع والخيانة، وإياك أن ترضى بهذا السحت من الحرام، وبهذا المال الخبيث الذي يأتيك عن الخداع والكذب والخيانة والغش، فإنه يضرك في الدنيا والآخرة، ومن أسباب نزع البركة حتى يكون مالك شر عليك، وإن كثر تكون عاقبته وخيمة، ويكون بذلك زادًا لك إلى النار لأنك عصيت فيه ربك وطاوعت فيه نفسك وهواك.
أما المؤمن فإنه يتقي الله ويراقب الله ويؤدي الأمانة، كما قال الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، وقال سبحانه في صفة أهل الجنة: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] فالمؤمن يرعى العهد ولا ينقضه ولا يغدر، والمؤمن يرعى الأمانة فلا يخون ولا يخدع ولا يغش أخاه المسلم، ولكنه يؤدي الأمانة وينصح في أقواله وأعماله ومعاملاته، ويحذر الغش في كل شيء.
كثير منا يتعاطى الخيانة في أشياء كثيرة، تجد المقاول يتفق مع صاحب العمارة، صاحب البيت، صاحب الدكان، صاحب المصنع، على شروط وأعمال، ثم هو يحاول أن يغش وأن يخون حتى يتوفر له بعض المال، فلا يؤدي الواجب ولا يفي الشروط، ويحاول أن يبخس ذلك حتى يتوفر له شيء من المال الذي يغضب الله عليه، وينزع بركة ماله، ويجعله في عداد الخونة والغشاشين والمخادعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله تجد الدلال والوكيل في أي عمل في تعمير أو شراء حاجات أو غير ذلك تجده يعتاد الخيانة ويكذب ويغش لماذا؟
حتى يتوفر له شيء من المال، فيأخذ المال الكثير ممن وكله ويشتري بالقليل لماذا؟
لما سبق من قصد التوفير وظلم المستحق وبخس حقه، فاتق الله يا عبدالله، اتق الله أيها المسلم واتق الله أيتها المسلمة، كل منا يتقي الله فيما تحت يده، الرجل يتقي الله، والمرأة تتقي الله، فلا يجوز لأحد أن يخون أو يغش أو يخادع، بل على كل إنسان على الرجل والمرأة المؤمن والمؤمنة أن يؤدي الأمانة، وأن يحذر الخيانة، وأن يبتعد عن الغش والتلبيس والخداع في جميع الأعمال، لا مع الزوج، ولا مع الزوجة، ولا مع الناس، وبذلك تصلح الأحوال وتستقيم الأمور ويأخذ المؤمن حقه بالتمام والكمال، فيأكل حلالا، ويعطي حلالا، ويرضي ربه، ويغضب شيطانه، ويظن به الخير، وتحسن المعاملة معه.
فإن المؤمن إذا أدى الأمانة ونصح وظهر ذلك للناس استحبوا معاملته وتسابقوا إليه، فحصل له من الخير والفائدة والربح وأكل الحلال والسلامة من الحرام ما لا يخطر على باله، كل ذلك من أسباب نصحه وأدائه الأمانة وصدقه وابتعاده عن الخيانة وعن سائر الأخلاق الرذيلة.
والله هو ولي التوفيق، ولكن علينا على المسلم أن يجتهد، وأن يتعاطى أسباب الخير، وأن يحذر أسباب الشر، وأن يسأل ربه الإعانة والتوفيق والهداية، فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير، وهو الذي يقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، ويقول : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.