بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَى مَا ثَبَّتَهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ لِنَفْسِهِ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ
قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ نُوحٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسلامه: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود:37]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]، وَقَالَ فِي ذِكْرِ مُوسَى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وَقَالَ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48].
فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يُثْبِتَ لِخَالِقِهِ وَبَارِئِهِ مَا ثَبَّتَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْعَيْنِ، وَغَيْرُ مُؤْمِنٍ مَنْ يَنْفِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا قَدْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، بِبَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَيِّنًا عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ لِلَّهِ عَيْنَيْنِ، فَكَانَ بَيَانُهُ مُوَافِقًا لِبَيَانِ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ الَّذِي هُوَ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، مَقْرُوءٌ فِي الْمَحَارِيبِ وَالْكَتَاتِيبِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حدَّثنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: حدَّثنا حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، عَنْ أَبِي يُونُسَ سليمَ جُبَيْرٍ.
الشيخ: سليم جبير؟
الطالب: نعم.
الشيخ: يمكن هذا من رجاله، انظر "التقريب".
الطالب: سليم بن جبير الدوسي، أبو يونس، المصري، ثقة من الثالثة، مات سنة ثلاث وعشرين (بخ م د ت).
الشيخ: صلحها؛ صلح ابن، ابن جبير، نعم.
عَنْ أَبِي يُونُسَ سَليم بن جُبَيْرٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ .
س: سليم بفتح السين أو ..؟
ج: الله أعلم، الأمر سهل، لما سكت المؤلفُ يدل على أنه سليم؛ لأنه المعروف في الأسماء: سليم، لما الحافظ ذكره وسكت.
الشيخ: إشارة إلى أنه سمع حقيقة، وبصر حقيقة، ليس للتَّشبيه، ولكن المقصود أنَّ الله سميع بصير؛ سمع حقيقة يسمع به الأصوات، وبصر حقيقة يرى به المرئيات، لكن لا يُشبهه شيء: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .
س: لكن هل يجوز أن نقول: لله أذن؟
ج: لا، له سمع وبصر فقط، هذا الذي ورد: السمع والبصر، السمع والعين، النصوص توقيفية.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حدَّثنا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: حدَّثنا أَبِي قَالَ: حدَّثنا حَرْمَلَةُ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، قَرَأَ إِلَى قَوْلِهِ: سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، فَيَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَقُولُ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأهَا وَيَضَعُ إصْبَعَه.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمْلَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِيُّ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَنَا حَاضِرٌ الْمَجْلِسَ، فَكَتَبْتُهُ بِخَطِّي، إِلَّا أَنِّي خَائِفٌ أَنْ أَكُونَ أَخَذْتُ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ عَنِ الْمُسْتَمْلِي أملاه عَلَيْنَا عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إلَّا أنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
س: المؤلف عند ذكر الآيات أليس ....... بحفظ الله؟
ج: نعم، وهذا يدل على أنه سبحانه موصوف بالعينين، وأنهما تليقان به، لا يُشابه الدَّجال الأعور، وأنه سميع بصير، سمع يليق به، وبصر يليق به، لا يُشابه خلقه في سمعه، ولا في بصره، ولا في يده، ولا في قدمه، ولا في غير ذلك من صفاته جلَّ وعلا؛ ولهذا يقول سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، ويقول جلَّ وعلا: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74] .
س: الآيات أليست فُسِّرت بحفظ الله؟
ج: نعم.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حدَّثنا عَبْدُالْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِالْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حدَّثنا عُبَيْدُاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَلَكِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حدَّثنا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ -يَعْنِي الْبَارِقِيَّ- قَالَ: حدَّثنا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
مداخلة: في "التقريب": عاصم بن هلال.
الشيخ: صلحوها باللام، ماذا قال في "التقريب"؟
الطالب: عاصم بن هلال البارقي، أبو النضر، البصري، إمام مسجد أيوب، فيه لين، من السابعة، النسائي.
الشيخ: طيب باللام، صلحه باللام.
الطالب: في "هدي الساري": يقول الحافظُ رحمه الله: سُلَيم بالضم وفتح اللام جماعة، وبالفتح وكسر اللام سليم بن حبان الهذلي فقط.
الشيخ: الأمر سهل.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْهَاشِمِيُّ قَالَ: حدَّثنا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ -يَعْنِي الْبَارِقِيَّ- قَالَ: حدَّثنا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حدَّثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: الدَّجَّالُ هُوَ أَعْوَرُ هِجَانٌ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَأَمَّا هَلَكَ الْهُلَّكُ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.
الشيخ: كذا عندكم: "فإمَّا هلك" أيش؟
الطالب: هنا تكلم عليها في الحاشية، يقول: بضم الهاء وتشديد اللام: الهلّك، جمع هالك.
الشيخ: "فإمَّا هلك الهلّك" يعني: فإن هلك الهلّك فإنَّ ربكم ليس بأعور، إمَّا هلك.
الطالب: أي: فإن هلك به ناسٌ جاهلون وضلُّوا فاعلموا أنَّ الله ليس بأعور.
الشيخ: يعني: فإن هلك، فإمّا هلك، ما زائدة، نعم.
الدَّجَّالُ هُوَ أَعْوَرُ هِجَانٌ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَإمَّا هَلَكَ الْهُلَّكُ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: قَالَ شُعْبَةُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ قَتَادَةَ، فَحَدَّثَ نَحْوًا مِنْ هَذَا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ -وَهُوَ ابْنُ طَهْمَانَ- عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خِفَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَقَالَ: يَأْتِي النَّاسَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، وَهُوَ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حدَّثنا عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها -زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ: ذَكَرْتُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ لَيْلَةً، فَلَمْ يَأْتِنِي النَّوْمُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا حَيٌّ يَكْفِيكُمُوهُ اللَّهُ بِي، وَإِنْ يَخْرُج بَعْدَ أَنْ أَمُوتَ يَكْفِيكُمُوهُ اللَّهُ بِالصَّالِحِينَ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُوهُ، إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، إِنَّهُ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ لِلَّهِ، ألَا إِنَّ الْمَسِيحَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا بَابٌ طَوِيلٌ، خَرَّجْتُهُ فِي كِتَابِ "الْفِتَنِ" فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُالْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: حدَّثنا عَمِّي عُمَرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الْكَبِيرِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو بَكْر ابْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُنْذِرُكُمُ الدَّجَّالَ، أَمَا إِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر، يَقْرَأها كُلُّ مُؤْمِنٍ يَقْرَأُ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ لَا يَقْرَأُ.
مُداخلة: يقول: إسناده ضعيف؛ لجهالة صالح بن عبد الكبير.
س: هل ثبت أنَّهما عينان فقط أم أكثر من ذلك؟
ج: عينان، نعم.
س: الحديث سنده صحيح أم ضعيف؟
ج: نبَّه على أنَّ هذا الحديث ضعيف، لكن أصل الحديث في "الصحيحين": إنَّ الدجال أعور، وإنَّ ربَّكم ليس بأعور هذا أصله في "الصحيحين".
الشيخ: سبحانه وبحمده، لا إله إلا هو: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، لا إله إلَّا هو.
س: مَن أنكر .....؟
ج: يُعلَّم.
س: ما يدخل في هذا المُعتقد؟
ج: يُعلَّم.
س: الآيات التي ذكرها ابن خُزيمة ..... بأعيننا ما تُفسر: بحفظنا ورعايتنا وكلاءتنا؟
ج: هذا من مُقتضاها.