02 من حديث: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة وكبر)

بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ

673 - عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَكَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَكَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغَ وَالسَّاعِدَ».

674 - وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: وَلَا أَعْلَمُهُ إلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

675 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَرَآهُ النَّبِيُّ ﷺ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

676 - وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «إنَّ مِنْ السَّنَةِ فِي الصَّلَاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بوضع اليمين على الشمال في الصلاة حال الوقوف في الصلاة، هذا هو السنة حال الوقوف في الصلاة يضع الرجل كفه اليمنى على كفه اليسرى حين قيامه في الصلاة، وأطراف أصابعه على ذراعه الأيسر كما في حديث وائل، وحديث سهل بن سعد، وهذا هو السنة أن تكون اليمنى على اليسرى كما دل على هذا حديث وائل، وحديث سهل، وحديث ابن مسعود، وحديث قبيصة بن هلب عن أبيه عند أحمد بإسناد جيد «أن النبي ﷺ كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره حال قيامه في الصلاة»، وفي حديث أبي داود وهو حديث وائل «كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره إذا كان قائمًا في الصلاة» فالسنة أن تكون هكذا يضع يمينه على شماله، هكذا أطرافه على الذراع والكف على الرسغ حال قيامه قبل الركوع وبعده، وإذا سجد في حديث وائل يكون رأسه بين كفيه، وفي حديث ابن عمر وغيره حيال منكبيه، وكلاهما سنة، إن وضع رأسه حيال منكبيه فلا بأس، وإن كان بين يديه كفيه فلا بأس، يكون هذا تارة وهذا تارة.

والمقصود أن الأحاديث متفقة على أن اليمين على اليسار في حال الصلاة، لكن أين يضعهما؟

الأحاديث الصحيحة كلها دالة على أنه يضعهما على صدره وأطراف أصابعه على ذراعه اليسرى، أما حديث علي: «من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة» فهو حديث ضعيف عند أهل العلم باتفاق أهل العلم، حديث ضعيف لا يصح ولا يعتمد عليه، وإنما الأحاديث الصحيحة ما ورد في وضع اليمين على الشمال على الصدر والأطراف على الذراع الأيسر، هذا هو الثابت من حديث وائل، ومن حديث سهل، ومن حديث قبيصة بن هلب عن أبيه، هذا هو السنة، وإن أطلقهما صحت الصلاة، إن أطلقهما وأرسلهما فلا بأس لكنه خلاف السنة، وإلا الصلاة صحيحة، كل هذه تتعلق بالسنة ما ينبغي فيها النزاع والجدال لأنها سنة ليست واجبة، أطلقهما أو وضعهما تحت سرته أو على صدره كله مجزئ وليس فيه إثم، لكن السنة التي دلت عليه الأحاديث الصحيحة السنة أن تكون اليدان على الصدر حال القيام، تكون اليمنى على كف اليسرى وأطراف الأصابع على الذراع كما في حديث سهل، هكذا هذا الرسغ على الصدر، وهذا الساعد أطراف اليد على الساعد، الذراع على الساعد جمعًا بين الأحاديث، هذا هو الصواب، وهذا هو الأفضل، وهذا هو السنة، لكن لو أطلقهما صحت، وقد يقع بين كثير من الطلبة في إفريقية وغيرها نزاع كبير في هذا ولا ينبغي في هذا النزاع، ينبغي في هذا حل النزاع بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، وأن الموضوع موضوع سنة ليس ركنًا ولا واجبًا.

س: القبض؟

الشيخ: هذا هو القبض، يقبض كفه - كفه اليمنى على كف اليسرى - والأصابع ممتدة هكذا على الذراع.

س: يعني ما يمسك؟

الشيخ: هكذا وضع اليد يسمى قبض.

س: .....؟

الشيخ: إن كبر فهو أحسن، جاء في بعض الأحاديث التكبير رواه الحاكم وأبو داود.

س: .....؟

الشيخ: لا، ما ورد فيه رفع.

س: .....؟

الشيخ: هكذا.

بَابُ نَظَرِ الْمُصَلِّي إلَى موضع سُجُودِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ

677 - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِي السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ: «وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مُصَلَّاهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.

678 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

679 - وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالتِّرْمِذِيَّ.

680 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تدل على شرعية النظر إلى موضع السجود، وأن السنة أن يطرح المصلي بصره، وأن لا يرفعه إلى السماء، في أثر ابن سيرين أنهم كانوا يرفعون أبصارهم في رواية يلتفتون يمينًا وشمالًا حتى نزل قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] فطرحوا أبصارهم وخشعوا، وزاد الحاكم واصلًا لهذا الحديث عن النبي ﷺ، ويدل على المعنى حديث جابر بن سمرة وحديث أنس في نهي النبي ﷺ عن رفع الأبصار إلى السماء، وأنه توعد على ذلك، وأنهم متوعدون بأنهم إن لم ينتهوا تخطف أبصارهم لينتهن أقوام عن رفع أبصارهم في السماء أو لا ترجع إليهم، وفي اللفظ الآخر: فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن أو لتخطفن أبصارهم فهذا يدل على أن السنة طرح البصر في الصلاة نافلة أو فريضة، وأن ينظر إلى مواضع سجوده لأن هذا أخشع لقلبه وأجمع له وأقرب إلى أداء الصلاة على وجهها.

أما في حال التشهد فالسنة أن يكون بصره إلى سبابته، كان ﷺ يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى إذا جلس بين السجدتين وللتشهد، وفي رواية من حديث ابن عمر «كان يضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، واليسرى على اليسرى»، وفي رواية ثالثة: «كان يضع يده على فخذه اليمنى وأطرافها على الركبة، واليسرى على اليسرى وأطرافها على الركبة، وكل سنة» والأمر في هذا واسع، لكن في حال التشهد يرفع أصبعه إلى السماء، يقبض أصابعه ويرفع السبابة إلى السماء، هكذا السنة، وجاء في رواية النسائي «يحنيها قليلًا، إشارة إلى التوحيد»، وفي رواية أخرى «كان يحلق الإبهام مع الوسطى، ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة» وكل سنة هذا وهذا، قبضها كلها إلا السبابة سنة، والتحليق بها مع الوسطى وقبض الخنصر والبنصر والإشارة بالسبابة سنة كله، إن فعل هذا أو فعل هذا كله سنة، ولعله ﷺ كان يفعل هذا تارة وهذا تارة عليه الصلاة والسلام، والإشارة إلى التوحيد، الإشارة بالسبابة إلى أنه سبحانه هو الواحد الأحد في ملكه وخلقه وتدبيره لعباده، وفي أسمائه وصفاته، وفي استحقاقه العبادة، هو واحد في الجميع، واحد في الربوبية، واحد في الإلهية، واحد في الأسماء والصفات، لا شريك له ولا شبيه له ، والسنة في حال الجلوس للتشهد أن لا يجاوز البصر السبابة كما قال ابن الزبير: «كان لا يجاوز بصره سبابته» يعني نظره إلى محل اليد التي جعلها على فخذه، هذا هو الأفضل، وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: في التشهدين نعم.

بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ

681 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

682 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك، ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك، وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك، أَنَا بِك وَإِلَيْك، تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت، أَسَتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك. وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت، وَبِك آمَنْت، وَلَك أَسْلَمْت، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت، وَبِك آمَنْت، وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت، وَمَا أَخَّرْت، وَمَا أَسْرَرْت، وَمَا أَعْلَنْت، وَمَا أَسْرَفْت، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّر، لَا إلَه إلَّا أَنْتَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

683 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وللدَّارَقُطْنِيّ مِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، وَلِلْخَمْسَةِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: يَقُولُ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك»، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ الْأَسْوَدُ: كَانَ عُمَرُ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وَتَبَارَكَ اسْمُك، وَتَعَالَى جَدُّك، وَلَا إلَهَ غَيْرُك» يُسْمِعُنَا ذَلِكَ وَيُعَلِّمُنَا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.

واختيار هؤلاء لهذا الاستفتاح، وجهر عمر به أحيانًا بمحضر من الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل، وأنه الذي كان النبي ﷺ يداوم عليه غالبًا، وإن استفتح بما رواه علي وأبو هريرة فحسن لصحة الرواية به.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالاستفتاح، وهو الذكر الذي يقال بعد تكبيرة الإحرام يقال له استفتاح لأنه يفتح به الصلاة، ولهذا قيل له دعاء الاستفتاح، وهو ما يقال بعد التكبيرة الأولى وقبل القراءة، وقد جاء عن النبي ﷺ عن ذلك أنواع كلها صحيحة، ذكر المؤلف بعضها، ومن أصحها حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ بأبي أنت وأمي يعني أفديك بأبي وأمي، قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد هذا كان يقوله في الفريضة لأن أبا هريرة شاهده في صلوات الفرض، وهو من الدعاء المختصر، وهو سنة قبل أن يقرأ في أول ركعة بعد التكبير اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد هذا أصحها في الصحيحين، وجاء أيضًا في الصحيحين عن ابن عباس استفتاح طويل في صلاة الليل اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك وهذا دعاء عظيم وطويل في التهجد في الليل، ومن الاستفتاحات المختصرة التي كان يقولها في الفريضة عليه الصلاة والسلام ما رواه أبو سعيد وعائشة وعمر وآخرون سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك هذا أخصرها، كله ثناء على الله مختصر وكله ثناء على الله وتعظيم له جل وعلا، وكان عمر يعلمه الناس ويجهر به في بعض الأحيان للتعليم، ويروى عن الصديق وعن عثمان أنهما كانا أيضًا يجهران به ويعلمانه الناس، فهذا أخصرها وأقربها إلى حفظ العامة له، فإن هذا الاستفتاح مختصر يحفظه الخاصة والعامة، وفيه فضل كبير لأنه كله ثناء على الله سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك الجد: العظمة، جدك: يعني عظمتك وكبرياؤك، ولا إله غيرك: يعني لا معبود حق سواك، ومن الاستفتاحات أيضًا الشرعية ما رواه علي المذكور هنا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت أنا من المسلمين، وفي الرواية الأخرى وأنا أول المسلمين، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنت بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك ويروى أنه كان يقول هذا في الليل في صلاة الليل، وهو دعاء عظيم واستفتاح عظيم أيضًا، ومن ذلك ما روته عائشة في الصحيح أنه كان يستفتح في صلاة الليل اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وهو دعاء مختصر، كان النبي ﷺ يستفتح به في صلاة الليل، يعني في بعض الأحيان، فهذه الاستفتاحات كلها حق، وإذا فعل هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة فهذا حسن، إلا الدعاء الاستفتاح الطويل فهذا في الليل أقرب لأن طوله في الفريضة قد يشق على الناس، فإذا استعمل المختصر في الفريضة فهو أقرب، وهو الاستفتاح الذي رواه أبو هريرة اللهم باعد بيني ...، والذي رواه أبو سعيد وعائشة وعمر سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك هذان الاستفتاحان أقرب في الفريضة وأيسر على المصلين الإمام والمنفرد والمأموم، أما حديث علي وحديث ابن عباس في التهجد بالليل، كلها مطولة يناسبها قيام الليل كحديث عائشة اللهم رب جبريل وميكائيل ...، ولو أتى بشيء منها في الفريضة والنافلة فلا بأس، كلها ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام، وما جاز في النافلة جاز في الفرض ما لم يقم دليل على منعه، وإلا فالأصل أنهما سواء صلوا كما رأيتموني أصلي لكن يراعي الإمام في الفريضة التخفيف والتيسير على المأمومين وعدم المشقة عليهم لقوله ﷺ: أيكم أم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: يعني لا يتقرب به إليك ولا ينسب إليك لأنه له الحكمة البالغة فيما خلقه، فهو خير بالنسبة إليه وإن قدره بالنسبة إلى المخلوقين شرًا، كتقديره الزنا وما يقع من المعاصي حكمة من الله يحمد عليها، وله الحكمة البالغة ولكنها ذم بالنسبة إلى المخلوق إذا فعلها لأنها معاصي في حق المخلوق.

بَابُ التَّعَوُّذِ بِالْقِرَاءَةِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]

684 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ. رواه أحمد والترمذي، وقال ابن المنذر: جاء عن النبي ﷺ أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقال الأسود: رأيت عمر حين يفتتح الصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يتعوذ، رواه الدارقطني.

الشيخ: هذه الآية الكريمة مع الحديث والأثر كلها تدل على شرعية التعوذ بالله من الشيطان عند القراءة، سواء كان ذلك في داخل الصلاة أو في خارج الصلاة، متى أراد أن يقرأ شرع له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لأنه عدو مبين، قد يعرض له في قراءته فيشغله بالهواجس والوساوس، وقد يشغله عن التدبر بأشياء أخرى، فالتعوذ بالله من الشيطان من أسباب سلامته من شره، ومن أسباب توفيق الله له حتى يتدبر ويتعقل، قال الله جل وعلا: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] والمعنى إذا أردت القراءة، ولهذا استعاذ النبي ﷺ قبل أن يقرأ، مثل: إذا دخل أحدكم الغائط فليقل اللهم ... يعني إذا أراد الدخول، فالماضي هنا المراد به يعني عند إرادة الفعل ليس المراد بعد الفعل بل المراد عند إرادة الفعل، فإذا أراد القراءة تعوذ ثم سمى ثم قرأ الفاتحة، وكان النبي ﷺ يستعيذ ويسمي ثم يقرأ، وهي نوعان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كله حسن، وإذا زاد: من همزه ونفخه ونفثه كما في حديث أبي سعيد، كذلك الهمز: الصرع يقال له الموتة، والنفخ: الكبر، والنفث: السحر، فالمؤمن يستعيذ بالله مما يدعو إليه الشيطان من التكبر والموتة الصرع، وما يدعو إليه من الشعر الباطل الذي يشغله عن ذكر الله وعن الصلاة، والشيطان معناه المبعد، والرجيم معناه المرجوم لغضب الله عليه وطرده إياه من رحمته، وهذا مستحب في أول الركعة، يتأكد في أول الركعة يستعيذ ثم يسمي، أما بقية الركعات فهو مخير إن تعوذ فلا بأس وإن ترك فلا بأس لعموم الآية، والركعات الأخيرات تبع للأولى، وبعض أهل العلم يرى فيها الاستعاذة وبعضهم لا يرى، والأمر فيها واسع، من استعاذ فلا بأس، ومن ترك فلا بأس، لكن إذا كان يقرأ من أول السورة يسمي، يسمي في أول السورة إلا سورة براءة فهي تابعة لما قبلها، إذا بدأ بها يتعوذ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

685 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَفِي لَفْظِ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٌ: «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا»، وَلِعبداللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْت لِقَتَادَةَ: أَنْتَ سَمِعْته مِنْ أَنَسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ نَحْنُ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ»، وَلِلنَّسَائِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُمَا».

686 - وَعَنْ ابن عبداللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: «سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا كَانَ أَبْغَضَ إلَيْهِ حَدَثًا فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ، فَإِنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَ عُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا فَلَا تَقُلْهَا إذَا أَنْتَ قَرَأْت فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.

ومعنى قوله: لا تقلها وقولها لا يقرأونها أو لا يذكرونها أو لا يستفتحون بها أي جهرًا، بدليل قوله في رواية تقدمت: لا يجهرون بها، وذلك يدل على قراءتهم لها سرًا.

687 - وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَمُدُّ بِبَسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

688 - وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: كَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:1-4]». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة عدم الجهر بالتسمية، كما أن السنة عدم الجهر بالاستعاذة كما تقدم لأن الرسول ﷺ ما كان يجهر في قراءته ببسم الله الرحمن الرحيم ولا بالاستعاذة كما تقدم، وإنما يبدأ بالفاتحة، والأحاديث في هذا كثيرة منها حديث أنس بروايته، وحديث عبدالله بن مغفل، وحديث عائشة أيضًا «كان يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين»، وأحاديث المسيء في صلاته «ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن»، وفي اللفظ الآخر: ثم اقرأ بأم القرآن إلى غيرها من الأحاديث كلها دالة على أن السنة الإسرار بالبسملة في الجهرية في المغرب والعشاء والفجر يسر بها، والاستعاذة يتعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي ثم يبدأ بالفاتحة جهرًا، أما التعوذ والبسملة فالسنة الإخفاء إلا إذا أظهرها بعض الأحيان، جهر بها بعض الأحيان للتعليم فلا بأس كما فعل عمر وغيره للتعليم، وكما روى أبو هريرة كان يجهر للتعليم، وإلا فالسنة للقارئ في الصلاة أن يسر بالتعوذ وبالتسمية، ويبدأ بقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وفي حديث أنس وأم سلمة الدلالة على أن السنة الترتيل والوقوف على رؤوس الآي، قال الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4].

فالسنة تقطيع الآيات، يعني الوقوف على رؤوس الآي لأن هذا أبلغ في التدبر وأبلغ في إفادة المستمع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:1] يعني تكون واضحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] يقف على رؤوس الآي لأن هذا أبلغ في التدبر والتعقل وأكمل في إفادة المستمعين، وإن وصل في بعض الأحيان فلا بأس، لكن التدبر لكن الوقوف على رؤوس الآي أكمل وأفضل، وهو مطابق لقوله جل وعلا: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4] وهو أيضًا يعين على التدبر والتفهم لمعاني الآي، فإنه إن عجل قد لا يحصل له التدبر كما ينبغي، لكن مع الوقوف على رؤوس الآي يحصل له من التدبر أكثر، وفق الله الجميع.

بَابٌ فِي الْبَسْمَلَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ أَمْ لَا

689 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِك فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

690 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ.

ولا يختلف العادون أنها ثلاثون آية بدون التسمية.

691 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ أَغْفَى، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا لَهُ: مَا أَضْحَكَك يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسم الله الرحمن الرحيم ۝ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۝ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرَ ؟ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

692 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن آية التسمية آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها مستقلة فصل بين السور، وهي بعض آية من سورة النمل في قوله سبحانه: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، ولهذا لما أخبر عن فضل الفاتحة بدأها بالحمد يقول الله: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين يعني الفاتحة، سماها صلاة لأنها ركن الصلاة فإذا قال العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله حمدني عبدي يعني أثنى عليّ، وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال الله: أثنى عليّ عبدي يعني ثنى الثناء، وإذا قال مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال الله مجدني عبدي وهو تكرار الثناء زيادة التوسع في الثناء يقال له تمجيد فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل لأن قوله إياك نعبد حق الله العبادة، وقوله إياك نستعين حاجة العبد أن يستعين بربه، وقد وعده أن يعطيه ما سأل لأن إياك نستعين معناها الطلب فإذا قال اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] قال الله سبحانه: هذا لعبدي ولعبدي سأل لأنه كل طلب اهدنا الصراط كله محض طلب، فالعبد يطلب من ربه الهداية، وهذه من نعم الله أن شرع الله لنا هذه السورة في كل الصلوات، هذه من نعم الله العظيمة نثني عليه فيه ونعبده بذلك ونسأله الهداية، فهذه نعمة من الله على عباده أن شرع لهم هذه السورة في جميع الصلوات النفل والفرض يقولون فيها اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] يسألونه الهداية إلى صراطه المستقيم، وصرط الله هو دينه هو الإسلام، والهدى هو الإيمان، هذا صراط الله هو دينه الذي بعث به أنبياءه، وهو الإسلام، فأنت في هذه السورة تسأله الهداية، يعني تسأله أن يبصرك بهذا الصراط ويثبتك عليه حتى تستقيم عليه، فإن الهداية من معانها التثبيت على الحق والدلالة عليه والإرشاد إليه، فأنت في هذا الدعاء تسأل ربك الأمرين جميعًا الدلالة والتثبيت صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] يعني طريق المنعم عليهم وهم الرسل وأتباعهم، وطريقهم هو الإسلام، والله سبحانه أنعم على الرسل وأنعم على أتباعهم بالهداية والتوفيق، فأنت تسأل الله أن يهديك هذا الصراط الذي هو صراطهم وطريقهم.

وهكذا ما تقدم في حديث عائشة قولها رضي الله عنها: كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله دل على أن أول القراءة الحمد لله، وأن التسمية ليست منها، والأحاديث في هذا كثيرة، ومن ذلك أنه ﷺ ما كان يجهر بالبسملة، وهكذا خلفاؤه الراشدون، فدل على أنها ليست من الفاتحة، وإنما أولها الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أما التسمية فهي فصل بين السور، كان يعرف الفصل بين السور، والسورة إذا نزلت آية التسمية، ومن هذا أنه أوحي إليه سورة عظيمة، وهي سورة الكوثر فقال في أولها بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ۝ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ۝ [الكوثر:1-3] ثلاث آيات، والتسمية فصل بينها وبين ما قبلها، وهكذا سورة الملك تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] التسمية فصل بينها وبين السورة التي قبلها، ولو كانت من الفاتحة لجهر بها معها، وهكذا كل سورة لو كانت التسمية منها لجهر بها في الصلوات المجهورة كالمغرب والعشاء والفجر، ولما أسر بها النبي ﷺ دل على أنها ليست منها، ولكنها فصل وبيان أن ما بعدها غير ما قبلها، وأن الله جعلها فاصلة بين السور التي أنزلها ، وهكذا التعوذ ليس من السور ولكنه فصل بين السور، عند البدء يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، عندما يريد القراءة يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قبل التسمية، وفق الله الجميع.

س: سورة تبارك شفعت لرجل لقراءته أو لحفظه؟

الشيخ: لقراءتها والعمل بها، العمل بما فيها يعني مع الاستقامة على طاعة الله ورسوله.

س: معنى خداج؟

الشيخ: يعني فاسدة، إذا صلى بغير قراءة الصلاة فاسدة، يقال: أخدجت الناقة: إذا أسقطت الجنين ميتًا، أسقطت ولدًا ميتًا.

س: .....؟

الشيخ: علامة أنها سورة مستقلة.

بَابُ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ

693 - عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَفِي لَفْظٍ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

694 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

695 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ فَيُنَادِيَ لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمَا زَادَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على وجوب قراءة الفاتحة، وأنه يجب على المأموم والإمام والمنفرد أن يقرأ الفاتحة وأنها ركن الصلاة، ولهذا قال ﷺ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا نفي لصحتها، ولهذا في اللفظ الآخر: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب، وفي اللفظ الآخر: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، وفي لفظ أبي هريرة: فهي خداج فهي خداج غير تمام رواه مسلم، وفي حديث عائشة وأبي هريرة كلاهما يدلان على أن الصلاة التي ليس فيها قراءة بالفاتحة فهي خداج، يعني ناقصة غير تامة، يقال: أخدجت الناقة إذا أسقطت ولدها، وكذلك حديث أنه بعث من ينادي أنه لا صلاة لم يقرأ بفاتحة الكتاب، كل هذا يدل على وجوب قراءة الفاتحة.

لكن اختلف العلماء في المأموم هل تجب عليه أم لا على قولين، ويأتي الكلام على ذلك، وأن الصواب أنها تجب عليه، المأموم تعمه الأحاديث لكنه ليس من جنس الإمام والمنفرد، بل هو أخف، ولهذا تسقط عنه لو جاء والإمام راكع أجزأته الركعة، أو نسي أو جهل أجزأته الركعة لأنه تابع خلافًا للإمام والمنفرد فإنه لا تجزئ إلا بفاتحة الكتاب.

س: أعظم الله لكم الأجر يقول: هل يجوز تأخير السنن الرواتب إلى آخر الليل؟

الشيخ: السنة البدار بها قبل نصف الليل، سنة العشاء وإن أخرها فلا بأس، لكن ما بعد النصف وقت ضرورة إلى طلوع الفجر، لكن الأفضل البدار بها بعد صلاة العشاء قبل نصف الليل، هذا هو الأفضل في وقت الاختيار.

س: في قول الرسول ﷺ: لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر فكيف يرد القدر؟ وكيف يؤخر الله فيزيد العمر والله يقول: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]؟

الشيخ: لا منافاة بين هذا وهذا، البر يزيد في العمر وصلة، ومن أحب أن ينسأ له في أجله ويبسط له في رزقه فليصل رحمه فالدعاء من أسباب رد القدر المعلق، وصلة الرحم والبر من أسباب زيادة العمر المعلقة، فإن القدر قدران: قدر معلق، وقدر ناجز غير معلق، فالناجز لا حيلة فيه كالموت المحدد ونحو ذلك، أما المعلق: فهذا معلق على أسبابه فقد يعلق الله سبحانه بسط الرزق وطول الأجل على صلة الرحم وعلى البر، فيكون زاد في عمره بما قدره من أنه يبر والديه ويصل رحمه، وأن هذا القدر يرده الدعاء، فهو يصيبه كذا وكذا إلا إذا دعا بكذا قد قدر الله أنه يدعو فزال هذا القدر المعلق بالدعاء، فالقدر المعلق هو الذي ينفع فيه بسط الرزق، وينفع فيه البر، وينفع فيه الدعاء، أما المحتم غير المعلق فهذا يقع في وقته لا يرده شيء وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11] فأجلها إذا جاء المعلق وغير المعلق انتهى.

بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ وَإِنْصَاتِهِ إذَا سَمِعَ إمَامَهُ

696 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ صَحِيحٌ.

697 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

698 - وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: إنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ وَاَللَّهِ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ والبخاري في جزاء القراءة وصححه، وله شواهد عند أحمد وابن حبان. وَفِي لَفْظٍ: فَلَا تَقْرَءُوا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِهِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

699 - وَعَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ. لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.

700 - وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.

701 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ -أَوْ- أَيُّكُمْ الْقَارِئُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على وجوب الإنصات للإمام وعدم القراءة إذا كان يجهر بما زاد على الفاتحة، ولهذا قال ﷺ: إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وقال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه والله يقول في كتابه العظيم وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204]، قال أحمد رحمه الله: أجمع الناس على أنها في الصلاة، المقصود أن الواجب على المأموم الإنصات لإمامه وعدم القراءة فيما جهر فيه الإمام إلا بفاتحة الكتاب، ولهذا أنكر عليهم غير مرة عليه الصلاة والسلام وقال: مالي أنازع القرآن! فالواجب على المأموم الحذر من ذلك، وأن ينصت لإمامه في الفجر والأولى والثانية من المغرب والعشاء وأن لا يزيد على الفاتحة، أما الفاتحة فلا بدّ منها لقوله ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وتقدم قوله: لا تجزئ صلاة بغير فاتحة الكتاب، أما حديث: من كان له إمام فقراءته له قراءة فهو حديث ضعيف كما قال المؤلف، له طرق كلها ضعيفة، ولو صح لم يكن فيه حجة لمن أسقط الفاتحة عن المأموم، لو صح لكان محمولًا على ما زاد على الفاتحة، لو صح قوله: من كان له إمام فقراءته له قراءة لو صح وجب حمله على ما عدا الفاتحة، ويكون حديث الفاتحة يخصصه، لكن مع ذلك هو ضعيف، والأحاديث الصحيحة كلها دالة على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في السرية والجهرية، لكن في السرية يقرأ ويزيد على الفاتحة لا بأس، أما في الجهرية فلا يزيد عليها.

س: .....؟

الشيخ: ليقرأ إذا كان لا يسمع، ما له إنصات يقرأ فاتحة وزيادة مثل السرية.

س: .....؟

الشيخ: إذا كان له سكتة في وقت السكتة، وإذا كان ما في سكتة يقرأ في أول، وإلا في ...، المقصود يقرأ لا يفوت القراءة، سواء مع الفاتحة وإلا مع فيما بعدها.

بَابُ التَّأْمِينِ وَالْجَهْرِ بِهِ مَعَ الْقِرَاءَةِ

702 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: آمِينَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

703 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا تَلَا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قَالَ: آمِينَ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ.

704 - وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

بَابُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ

705 - عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَ رَجُلًا الصَّلَاةَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

706 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي، قَالَ: قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلَفْظُهُ فَقَالَ: إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي فِي صَلَاتِي فَذَكَرَهُ.

الشيخ: الأحاديث الأول كلها تدل على شرعية التأمين، وأن السنة للإمام والمأموم والمنفرد إذا قال: ولا الضالين أن يقول آمين في الفرض والنفل، في داخل الصلاة وفي خارجها، ومعنى آمين: أي اللهم استجب، طلب الاستجابة، يقول ﷺ: إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين، فإن الملائكة تقول آمين، والإمام يقول آمين، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، في الرواية الأخرى إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه فالمشروع للجميع التأمين، فإن أمن الإمام فهم معه وإن لم يؤمن أمنوا، متى قال: ولا الضالين قالوا كلهم آمين، هذا السنة يرفع بها صوته في الجهرية كالأولى والثانية من المغرب والعشاء، وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة والاستسقاء والعيد لأنها جهرية فيجهر الإمام بالتأمين ويجهر المأمومون، هذا هو السنة، والذي لا يستطيع القرآن عاجز يأتي بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ولا حول ولا قوة إلا بالله كما قال ﷺ لرفاعة إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله، وكبره، وهلله، وحديث عبد الله بن أبي أوفى: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله حديث ابن أبي أوفى أوضح وأكمل في المعنى، فالعاجز عن القرآن الذي لا يستطيع الفاتحة يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويكفيه، لكن إذا استطاع وجب عليه أن يتعلمها لأن الرسول ﷺ قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فالذي يستطيع أن يتعلمها يلزمه أن يتعلمها، فإن لم يتيسر وضاق الوقت وجاء الوقت ولم يتيسر يأتي بهذا التسبيح: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، حتى يتعلم، والواجب عليه أن يتعلم.

بَابُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَهَلْ تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَمْ لَا؟

707 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَزَادَ قَالَ: «فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى».

708 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكُوكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَأَحْذِفُ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا آلُو مَا اقْتَدَيْت بِهِ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صَدَقْت ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ أَوْ ظَنِّي بِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

709 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً. وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة تدل على أنه ﷺ كان يطيل في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويختصر في الثالثة من المغرب، وفي الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما في حديث أبي قتادة، وكان يظنون أن ذلك ليدرك الوافدون إلى الصلاة الركعة الأولى، ولهذا يطيلها أكثر، وهكذا في حديث أبي سعيد أنهم حزروا قراءة في الأولى قدر ثلاثين آية من الظهر، وفي الركعتين الأخيرتين قدر النصف من ذلك - قدر خمسة عشر آية -، وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وفي حديث سعد بن أبي وقاص أنه سأله عمر وقال: إن أهل العراق شكوك في كل شيء حتى في الصلاة، فقال سعد : أنه كان يمد في الأوليين ويخفف في الأخريين من الصلاة، وقال: ولا ألو، يعني ولا أدخر وسعًا في التأسي بالرسول ﷺ في صلاته، هذا يدل على أن السنة للإمام في الصلاة أن يطول الأولى بعض الشيء، تكون أطول من الثانية في جميع الصلوات، تكون الأولى أطول من الثانية يسيرًا حتى يكون ذلك معونة للمتأخرين على إدراك الأولى، وأن السنة في صلاة الظهر أن يقرأ فيها قدر ثلاثين آية كما في حديث سنن أبي يسار كان يطول في الظهر ويخفف العصر، فالسنة أن تكون العصر أخف من الظهر، وأن تكون القراءة في العصر على النصف من الظهر، وأن الظهر يطول فيها قدر ثلاثين آية وما يقاربها مثل سورة تبارك، ومثل سورة ما هو دون ذلك كالحاقة وما أشبه ذلك، وفي الأوليين من العصر أخف من ذلك، وفي الأخريين فاتحة الكتاب، يقرأ الفاتحة في الأخريين الثالثة والرابعة يقرأ بفاتحة الكتاب هذا هو الغالب من فعله ﷺ، كما صح به حديث أبي قتادة في الصحيحين، يقرأ بالثالثة والرابعة بفاتحة الكتاب وربما قرأ في الثالثة والرابعة بزيادة على فاتحة الكتاب في الظهر خاصة، كما في حديث أبي سعيد أنه يقرأ في الأخريين على قدر خمسة عشر آية، معناه أنه قد يزيد في الثالثة والرابعة من الظهر بعض الشيء على الفاتحة، لكن الأغلب أنه يقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة في الظهر كما يقتصر عليها في العصر وغيرها، العصر والمغرب والعشاء، فالسنة أن يقرأ مع الفاتحة زيادة سورة في الأولى والثانية، وأما في الثالثة والرابعة فالاقتصار على الفاتحة إلا في الظهر بعض الأحيان فربما زاد في الثالثة والرابعة في الظهر خاصة بعض الشيء على الفاتحة لحديث أبي سعيد.

وفي هذا الحرص على التأسي بالنبي ﷺ لقوله: صلوا كما رأيتموني أصلي وأن الإمام يتحرى صلاة النبي ﷺ حتى يؤديها كما بلغه وكما علمه عن النبي ﷺ، وهكذا المنفرد يتحرى والمأموم تبع لإمامه.

وفق الله الجميع.

بَابُ قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقِرَاءَةِ بَعْضِ سُورَةٍ وَتَنْكِيسِ السُّوَرِ فِي تَرْتِيبِهَا وَجَوَازِ تَكْرِيرِهَا

710 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا فَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ: إنِّي أُحِبُّهَا، قَالَ: حُبُّكَ إيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.

711 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَمَضَى، فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا فَمَضَى، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا مُتَرَسِّلًا إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبّنَا لَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

712 - وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ «إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ» [الزلزلة:1] فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

713 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ: آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]»، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة:136] وَاَلَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ: تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها بيان أنواع من القراءة من قراءته عليه الصلاة والسلام، ومما أقر عليه في الحديث الأول أنه ﷺ أقر الأنصاري على أن يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] مع ما تيسر من السور الأخرى بعد الفاتحة، كان يصلي بأصحابه في قباء، وتقدمت هذه المسألة في أحاديث سبقت، وأنه حمله على ذلك حبه لهذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فلما جاء النبي ﷺ إليه وأخبروه سأله قال: حملني على هذا حبها، قال: حبك إياها أدخلك الجنة، وفي اللفظ الآخر: أخبروه أن الله يحبه وأصله في الصحيحين، وهذا يدل على أنه لا بأس أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين أو أكثر، كما يدل عليه قراءته في الليل البقرة والنساء وآل عمران يدل على أنه لا بأس أن يقرأ أكثر من سورة في ركعة واحدة، ودل أيضًا على فضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وأنه لا بأس أن يقرأ بها في كل ركعة مع ما تيسر من السور الأخرى أو الآيات، لا حرج في ذلك، ولكن فعله ﷺ يدل على أن الترك أفضل، ترك قراءتها في كل ركعة أفضل لأنه ما كان يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام، فلو كان هذا هو الأفضل لفعله ﷺ، لكن كونه أقر الصحابي وأثنى عليه يدل على أن هذا لا بأس به، ولا حرج فيه إذا فعله إنسان بعض الأحيان أو دائمًا فلا حرج في ذلك؛ لأن الرسول أقره عليه الصلاة والسلام، وفي قراءته بالزلزلة في الركعتين يدل على قراءة سورة أو الآيات مكررة في الركعتين، كأن يقرأ في الأولى تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] في الفجر، ويكررها في الثانية، يقرأ التحريم ويكررها في الثانية، ويقرأ عم ويكررها في الثانية، لا بأس لأنه ﷺ صلى ذات مرة بالزلزلة بعد الفاتحة كررها في الركعتين، فدل على الجواز وأنه لا حرج في ذلك، لكن الغالب من فعله ﷺ أنه كان يقرأ في الثانية غير ما قرأ في الأولى، هذا هو الغالب من فعله ﷺ، وهذا هو الأفضل أن يقرأ في الثانية غير ما قرأ في الأولى زيادة في الفائدة وزيادة في نفع المستمعين.

وفيه من الفوائد أن الإنسان في تهجده بالليل يستحب له أن يطيل القراءة ويتدبر ويتعقل، ويقف عند آية الرحمة يسأل، وعند آية التسبيح يسبح، وعند آية الوعيد يتعوذ تأسيًا بالنبي ﷺ، فإنه كان يصلي طويلًا ويقرأ طويلًا، ويقف عند آية الرحمة يسأل مثل ذكر الجنة وذكر رحمة الله لعباده، يقف عند آية العذاب وذكر النار وأهل النار يتعوذ، وعند ذكر أسماء الله وصفاته يسبح الله ويحمده، هذا هو السنة، هذا في التهجد في الليل، ولا نحفظ هذا في الفريضة، لم نحفظ عنه ﷺ أنه فعل هذا في الفريضة لئلا يشق على الناس، لكن هذا كان يفعله في تهجده في الليل، يطيل في تهجده ويقف عند آية الرحمة يسأل، وعند آية الوعيد يتعوذ، وعند آية الصفات يسبح الله ويثني عليه، وفي هذا الباب يقول ﷺ: إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء الصلاة بالليل صلاة لنفسه فإذا طول فيها فلا حرج عليه لأنه أعلم بنفسه وقدرته، والنبي ﷺ يؤخذ بسنته القولية والفعلية والتقريرية كلها سنة، فما فعله أو أمر به أو أقره كله سنة، ففعله سنة، وقوله كذلك لأن الله يقول جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وهكذا إقراره للصحابي على قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] مع سورة بعد الفاتحة سنة، فالسنة تؤخذ من فعله، ومن قوله، ومن تقريره عليه الصلاة والسلام، وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: التعوذ سنة للجميع، التعوذ بالله من الشيطان في أول القراءة والتسمية كذلك سنة للجميع، ومن تركها لا يتركها الآخر.

س: .....؟

الشيخ: إذا كان ينصت، إذا تعوذ الإمام يتعوذ في صلاة الليل، أما في الفريضة ينصت لأن الإمام يستمر، أما لو وقف الإمام وتعوذ لا بأس يفعل المأموم، لكن الأفضل في الفريضة ألا يفعل لئلا يشق على الناس، ولو فعله النبي ﷺ في الفريضة لنقل كما فعله في صلاة الليل.