04 (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشر سجدة في القرآن)

أَبْوَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

بَابُ مَوَاضِعِ السُّجُودِ فِي الْحَجِّ وص وَالْمُفَصَّل

996 - عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَقَرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

997 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا مِنْ قُرَيْشٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عبداللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

998 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

999 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1]، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

1000 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَيْسَتْ (ص) مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَلَقَدْ رَأَيْت النَّبِيَّ ﷺ يَسْجُدُ فِيهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1001 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ فِي (ص) وَقَالَ: سَجَدَهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً، وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1002 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ (ص)، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ سَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بسجود التلاوة، وقد ثبت عنه ﷺ أنه سجد للتلاوة في الصلاة وخارجها، وكان يقرأ بين أصحابه في المجلس فإذا مر بالسجدة سجد وسجدوا معه عليه الصلاة والسلام، فالسنة لمن قرأ القرآن ومر بآية السجدة أن يسجد، وهي خمسة عشر سجدة في القرآن كما في حديث عمرو بن العاص، وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد مجموعها خمسة عشر سجدة في القرآن الكريم، أولها في آخر سورة الأعراف وآخرها سجدة سورة اقرأ، فمن مر بها فليسجد: في الأعراف، في الرعد، وفي النحل، وفي بني إسرائيل، وفي مريم، في الحج سجدتان، وفي سورة السجدة، وفي الفرقان أيضًا، في سورة النجم، في سورة الانشقاق، سورة اقرأ، السنة لمن مر بها سورة (ص) كذلك، السنة لمن مر بشيء منها أن يسجد كما سجد النبي ﷺ، وسجد النبي ﷺ بالناس لما قرأ سورة النجم سجد معه الناس كفار ومسلمون وظنوا أنه وافقهم على آلهتهم لما قرأ قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ۝ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى [النجم:19-20] ألقى الشيطان في أمنيته كلمات ظنوا أنهم وافقهم على ما هم عليه فسجدوا جميعًا إلا شيخًا واحدًا من قريش لم يسجد وأخذ كفًا من تراب وسجد عليه، قال ابن مسعود: رأيته قتل كافرًا، يعني يوم بدر، وهو أمية بن خلف قتل يوم بدر هو وابنه علي بن أمية، وقتل أخوه أبي بن خلف يوم أحد، وسجد ﷺ في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، كل هذا يدل على شرعية السجود، وسجد في (ص) عند قوله وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۝ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص:24-25] وهي مستحبة، ليست واجبة مستحبة، ولهذا لما مر بها في خطبته أخبر أنها سجدة نبي، فلما رآهم قد تهيؤوا للسجود سجد بهم، وثبت عنه أنه قرأ عليه زيد بن ثابت سورة النجم فلم يسجد، فدل على أنها ليست واجبة ولكنها مستحبة، سواء كان القارئ على طهارة أو ليس على طهارة، إذا كان في خارج الصلاة السنة السجود ولو كان على غير طهارة لأنها خضوع لله وذل بين يديه وليست لها حكم الصلاة على الصحيح، حكمها حكم الذكر والدعاء، الإنسان يذكر الله ويدعو ولو كان على غير طهارة، يقرأ القرآن على غير طهارة إذا لم يكن جنبًا، فهكذا إذا مر بالسجدة فإنه يسجد مطلقًا ولو كان على غير طهارة إذا كان في خارج الصلاة، أما في الصلاة فمعلوم أن الصلاة لا بدّ فيها من الطهارة ويكبر عند السجود، جاء في بعض الروايات التكبير عند السجود وليس لها تكبير ثان ولا سلام، إذا كانت خارج الصلاة ليس لها تكبير ثان ولا سلام، أما في الصلاة فإنه يكبر عند السجود وعند النهوض، إذا كانت في الصلاة يكبر عندما يسجد ويكبر عندما ينهض لأنه ﷺ كان في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا كان في داخل الصلاة يكبر في كل خفض ورفع لسجود الصلاة ولسجود التلاوة، أما خارج الصلاة فالأفضل أن يكبر عند السجود لأنه جاء في حديث فيه أنه كبر عند السجود ولم يثبت أنه كبر عند الرفع في خارج الصلاة ولا أنه سلم لأنها مجرد خضوع لله ومجرد انكسار بين يديه كالدعاء، وفق الله الجميع.

س: ماذا يقال في سجود التلاوة؟

الشيخ: يقال فيها مثل ما يقال في سجود الصلاة سواء، سبحان ربي الأعلى، اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين، مثل ما يقال في الصلاة: اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا، وامح عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، أراد هذا في سجود الشجرة.

بَابُ قِرَاءَة السَّجْدَة فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ

1003 - وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ الصَّائِغِ قَالَ: «صَلَيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] فَسَجَدَ فِيهَا، فَقُلْت: مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ سَجَدْت بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ ﷺ، فَمَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1004 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَرَأَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَلَفْظُهُ: «سَجَدَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ قَرَأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ».

بَاب سُجُود الْمُسْتَمِعِ إذَا سَجَدَ التَّالِي وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدْ

1005 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ.

1006 - وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: «أَنَّ رَجُلًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَرَأَ آخَرُ عِنْدَهُ السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَرَأَ فُلَانٌ عِنْدَك السَّجْدَةَ فَسَجَدْت وَقَرَأْت فَلَمْ تَسْجُدْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كُنْتَ إمَامَنَا فَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْتُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا مُرْسَلًا. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمَ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ: اُسْجُدْ فَإِنَّك إمَامُنَا فِيهَا.

1007 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: «قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: «فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ».

وهو حجة في أن السجود لا يجب.

الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بسجود التلاوة، سجود التلاوة سنة، إذا قرأ الإنسان آية السجدة شرع له أن يسجد سواء كان في الصلاة أو في خارجها، ولهذا سجد النبي ﷺ في سورة تنزيل السجدة وغيرها وسجد الناس معه، وسجد في إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] واقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1] وسجد الناس معه، فالسنة لمن قرأ السجدة أن يسجد في الصلاة وخارجها ويسجد من يستمع له، إن كان في الصلاة سجدوا معه، وإن كان في خارج الصلاة سجد معه من يستمع، أما من لا يستمع فلا يشرع له ذلك؛ لأن النبي ﷺ لما سجد سجد الناس معه، ولقصة ابن مسعود مع تميم قال: اسجد فإنك إمامنا، ولقصة زيد بن ثابت فإنه قرأ على النبي ﷺ السجدة فلم يسجد، فدل ذلك على أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد المستمع، ودل ذلك على أن السجدة ليست واجبة لأنها لو كانت واجبة لأمره النبي ﷺ بالسجود، فلما قرأ زيد سورة النجم ولم يسجد ولم يأمره النبي ﷺ بالسجود دل على عدم الوجوب، أخذ العلماء من ذلك أن سجود التلاوة ليس بواجب ولكنه مستحب، وأما رواية عطاء فهي مرسلة، والمرسل ضعيف في كونه أمر القارئ أن يسجد، لكن يؤخذ من الأدلة الأخرى السابقة، وأما رواية أنه سجد في الظهر فهي رواية ضعيفة، إنما المحفوظ السجود في الجهرية، وأما السرية فلم يحفظ أنه سجد فيها، ولا يشرع للإمام أن يسجد في السرية لأنه يحصل به تلبيس على الناس، إذا سجد ظنوا أنه ساه ترك الركوع، فالأفضل والذي ينبغي للإمام إذا قرأ في سرية ما فيه سجدة، لا يسجد لئلا يشوش على الناس، إنما السجود في الجهرية لأنهم يسمعونه ويعرفون أنه سجد للتلاوة، أما في السرية فإنهم لا يعرفون ذلك، فلو سجد لحصل تشويش وظنوا أنه ساه ونبهوه، ورواية أنه سجد في الظهر رواية ضعيفة والله أعلم.

س: الذي يسمعها من الشريط يسجد؟

الشيخ: لا، الذي يسمع في الشريط ما في سجود.

باب السجود على الدابة وبيان أنه لا يجب بحال

1008- عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ عَامَ الْفَتْحِ سَجْدَةً فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى إنَّ الرَّاكِبَ لَيَسْجُدُ عَلَى يَدِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1009 - وَعَنْ عُمَرَ «أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى جَاءَ السَّجْدَةَ فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا لَمْ نُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي لَفْظِ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ».

بَابُ التَّكْبِيرِ لِلسُّجُودِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ

1010 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

1011 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

1012 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الْبَارِحَةَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي إلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، فَقَرَأْتُ السَّجْدَةَ، فَسَجَدَتْ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: اللَّهُمَّ اُحْطُطْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَرَأَيْت النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ الَّذِي أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ فِيهِ: وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ.

الشيخ: في هذه الأحاديث بيان شرعية سجود التلاوة، كما تقدم أنه يستحب للقارئ إذا قرأ سجدة التلاوة أن يسجد والمستمعون أن يسجدوا، وقد فعل ذلك النبي ﷺ كان يقرأ القرآن في مجلسه فيسجد ويسجد الناس معه سجود التلاوة، فدل على شرعية سجود التلاوة وأنه سنة في الصلاة وخارجها لفعله ﷺ في أوقات كثيرة، وهكذا لو كان راكبًا وسجد في الهواء يسجد في الهواء لو كان راكبًا، كما كان يصلي النافلة على بعيره في السفر ويركع ويسجد في الهواء في النافلة في السفر على البعير، وهكذا سجود التلاوة من باب أولى، وخطب عمر ومر بالسجدة فنزل وسجد وسجد الناس كما روي عن النبي ﷺ كما تقدم، وفي مرة أخرى أخبرهم أنه لا يجب السجود وأنها سنة، لم يفرض الله ذلك فلم ينزل ولم يسجد ليبين لهم أن سجود التلاوة ليس بلازم ولكنه مستحب، وتقدم أنه ﷺ قرأ عليه زيد بن ثابت سورة النجم فلم يسجد فيها، فدل ذلك على أن السجود غير واجب، وتقدم أنه قرأها مرة في مكة فسجد وسجد الناس معه، فدل ذلك على أن سجود التلاوة سنة وليس بفريضة، والأفضل عند السجود أن يكبر يقول: الله أكبر، ولم يرد تكبير عند الرفع ولا سلام، إذا كان خارج الصلاة يكبر عند السجود فقط هذا هو الوارد رواه أبو داود وصححه الحاكم، أما في الصلاة فإنه يكبر عند الخفض والرفع، إذا سجد للتلاوة يكبر عند الخفض والرفع لأنه ﷺ كان في صلاته إذا سجد كبر وإذا رفع كبر، كان يكبر في الخفض والرفع في الصلاة يشمل سجود التلاوة وسجود الصلاة، يكبر عند الخفض وعند الرفع ويقول في سجود التلاوة مثل ما يقول في سجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين. كما أتى هذا من حديث علي أن النبي ﷺ كان يقول في السجود هذا: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، يقوله في سجود التلاوة وسجود الصلاة: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، وإذا دعا فيه: اللهم اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، اللهم اغفر لي ذنبه كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، أو دعا بغير ذلك مثل سجود الصلاة، السجود يدعى فيه، فإذا دعا في سجود التلاوة مثل ما يدعو في سجود الصلاة فلا بأس كله حسن. ولكن ليس بواجب إنما هو مستحب، السجود مستحب في الصلاة وخارجها سجود التلاوة. وفق الله الجميع.

باب سجدة الشكر

1013 - عن أبي بكرة «أن النبي ﷺ كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خر ساجدًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. وَلَفْظُ أَحْمَدَ «أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ ﷺ أَتَاهُ بَشِيرٌ يُبَشِّرُهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ، فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا».

1014 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَفَتِهِ، فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَخَرَّ سَاجِدًا فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْت عَلَيْهِ، فَسَجَدْت لِلَّهِ شُكْرًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1015 - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَاءَ، نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً، ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً. ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَعَلَهُ ثَلَاثًا، وَقَالَ إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْت سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي، فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ، فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.، وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينَ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةُ فِي الْخَوَارِجِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَسَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها في سجود الشكر، وكلها يشد بعضها بعضًا، ويشهد بعضها لبعض، وهي تدل على شرعية سجود الشكر إذا بشر الإنسان بأمر يسره فإنه يستحب له السجود مثل سجود الصلاة ومثل سجود التلاوة، لا يشترط له الطهارة مثل سجود التلاوة لأنه يأتي على حالات ليس بمستعد، فهو خضوع لله مثل سجود التلاوة، فإذا بشر بنصر نصر الله به المسلمين أو بموت عدو من الكبار الذين لهم أثر في عداوة المسلمين أو بشر بشيء آخر مما يسره شرع له السجود، ولهذا سجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه، وسجد أبو بكر الصديق لما جاء خبر مسيلمة، وسجد النبي ﷺ لما جاء خبر الأسود العنسي أنه قتل، وسجد علي لما وجد ذا الثدية في القتلى - قتلى الخوارج -، فالأمر في هذا كثير ومعروف وفيه فضل وفيه أجر.

س: .....؟

الشيخ: يستقبل القبلة ويسجد.

س: .....؟

الشيخ: يحتاج إلى ثبوت سنده، إذا سجد يكفي.

س: .....؟

الشيخ: يسجد والحمد لله لأنها ما هي بصلاة.

س: يعني لا يشترط استقبال القبلة؟

الشيخ: كونه يستقبلها أولى، وإلا ما في دليل على أن استقبالها شرط لأنه خضوع لله.

أَبْوَابُ سُجُود السَّهْو

بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ سَلَّمَ مِنْ نُقْصَانٍ

1016 - عَنْ ابْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجْت السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قُصِرَتْ الصَّلَاةُ؟ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِسيتَ أَمْ قُصِرَتْ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ، فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَيَقُولُ: أُنْبِئْت أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ وَلَا التَّشْبِيكُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ». وَسَاقَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِحَضْرَتِهِ وَبَعْدَ إسْلَامِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا لَمَّا قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيت وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ بَعْد مَا عَلِمَ عَدَمَ النَّسْخ كَلَامًا لَيْسَ بِجَوَابِ سُؤَالٍ.

1017 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَفِي لَفْظٍ: فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَال لَهُ: الْخِرْبَاقُ، وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَر لَهُ صَنِيعَهُ، فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

1018 - وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، فَنَهَضَ لِيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَسَبَّحَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالَ: فَصَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا أَمَاطَ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالسهو إذا سلم عن نقص، حديث أبي هريرة وحديث عمران بن حصين وحديث ابن عباس في قصة ابن الزبير كلها تدل على حكم ما إذا سلم الإنسان عن نقص ماذا يفعل؟

دلت السنة على أن الإنسان إذا سلم عن نقص وهو إمام أو منفرد ثم تذكر أو ذكر فإنه يكمل الصلاة، فإذا كملها وسلم يسجد للسهو بعد السلام، هذا هو الأفضل لأن الرسول ﷺ سلم من ثنين في الظهر سهوًا فلما نبه قام وصلى الركعتين الأخيرتين ثم سلم ثم سجد للسهو سجدتين بعد السلام، وفي حديث عمران بن حصين أنه ﷺ صلى ثلاثًا في العصر، ثم قام إلى بعض حجر نسائه فنبه أن الصلاة ناقصة وأنه سها فرجع وكملها، صلى ركعة ثم سلم ثم سجد للسهو سجدتين، وفي حديث ابن الزبير أنه سلم من ثنتين في المغرب فنبه أنه ترك ركعة فكملها وسجد للسهو، فقال ابن عباس: ما أماط عن السنة بل وافق السنة، فهذا كله يدلنا على أن الساهي سواء كان إماما أو منفردًا إذا سلم عن نقص فإنه يكمل إذا تذكر أو ذك،ر إذا كمل الصلاة فصلاته صحيحة إذا ما طال الفصل، إذا لم يكن الفصل قد طال فإنه يكملها، وإذا سلم سجد للسهو بعد السلام، هذا هو الأفضل يكون سجوده بعد السلام وإن سجد قبل السلام أجزأ لكن بعد السلام أفضل تأسيًا بالنبي ﷺ، وفي تشبيكه ليديه بعد السلام ما يدل على أنه لا بأس بتشبيك الأصابع بعد السلام بعد الصلاة، إنما يكره ذلك قبل الصلاة في طريقه إلى الصلاة وفي انتظاره الصلاة لا يشبك بين أصابعه هذا السنة، لكن بعد السلام لا حرج أن يشبك بين أصابعه.

وفيه أن كلام الإنسان في حال السهو كونه يتكلم وحصل مراجعة لا يبطل الصلاة لأنه كلام لمصلحتها، كونهم قالوا: أقصرت أم نسيت؟ فقال ﷺ: لم أنس ثم كمل يدل على أن الكلام في النسيان بين الإمام والجماعة حتى يتحقق السهو أنه لا يضر وأنهم يكملون الصلاة، وأن هذا كلام لا يضر ولا يبطل الصلاة لأنه كلام في مصلحتها، هل هي تامة أم ما هي تامة؟ فكان الكلام معفو عنه في هذه الحال لأنه لمصلحة إكمال الصلاة.

س: ......؟

الشيخ: ما في تشهد، سجود بدون تشهد.

بَابُ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ

1019 - عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْجُدُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ سَجْدَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً يَشُكُّ فِي النُّقْصَانِ فَلْيُصَلِّ حَتَّى يَشُكَّ فِي الزِّيَادَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1020 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1021 - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ قَالَ إبْرَاهِيمُ: زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ. وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ فَلْيَنْظُرْ أَقْرَبَ ذَلِكَ إلَى الصَّوَابِ.

1022 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ ابْنِ آدَمَ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ لِبَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ إلَّا قَوْلَهُ: «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ».

1023 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالسهو، وتقدم جملة في ذلك، وهنا ما يتعلق بالشك، بين الرسول ﷺ في حديث أبي سعيد وما جاء في معناه أن الواجب على من شك في صلاته أن يبني على اليقين ويطرح الشك، هذا هو الواجب على المصلي في الفرض والنفل، رجلا كان أو امرأة، إمامًا أو منفردًا، أما المأموم فهو تبع لإمامه يتابع إمامه وينبه إمامه إذا غلط وسها، ففي حديث عبدالرحمن بن عوف وأبي سعيد دلالة على أنه متى شك هل صلى ثنتين أو واحدة يجعلها واحدة، شك هل صلى ثنتين أو ثلاثة يجعلها ثنتين، شك ثلاثا أم أربع في الظهر أو العصر أو العشاء مثلًا يجعلها ثلاثة ثم يكمل صلاته ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، هذه السنة ثم يسلم، يكون سجود السهو قبل السلام، وهذا يقع كثيرًا للناس، قال النبي ﷺ: فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى أربعًا كانتا ترغيمًا للشيطان فهو بهذه الزيادة يرغم الشيطان ويكمل صلاته، وهذا يقع كثيرًا للمصلي، فإذا حدث معه الشك في الظهر أو في العصر أو في العشاء هل صلى ثنتين أو ثلاث يجعلها ثنتين، أو صلى ثلاث أو أربع يجعلها ثلاث، يكمل ثم يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم.

وهكذا في الجمعة والفجر شك هل صلى واحدة أو ثنتين يجعلها واحدة ويأتي بالثانية ويسجد للسهو ويسلم، هكذا لو كان في التراويح بتهجده بالليل في صلاة الضحى في أي صلاة، أما إذا غلب على ظنه كما في حديث ابن مسعود إذا غلب على ظنه فإنه يتحرى الصواب ويتم عليه ويكون سجوده بعد السلام أفضل لحديث ابن مسعود: فليتحرى الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين بعد ذلك فإذا شك ثلاثا أو ثنتين الغالب على ظنه أنها ثلاث يجعلها ثلاثًا ثم كمل ثم أتى بالتحيات ثم بعد الفراغ منها يسلم أفضل، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، فسجود السهو بعد السلام في حالين: إحداهما: إذا بنى على غالب ظنه كمل الصلاة ثم سجد للسهو بعد السلام، والحال الثاني: إذا سلم عن نقص سلم عن نقص ركعتين أو نقص ركعة ثم نبه أو تنبه كمل صلاته وسلم ثم سجد للسهو بعد السلام، هذا أفضل يكون سجوده بعد السلام أفضل في هاتين الحالتين: إذا بنى على غالب ظنه، وإذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر فإنه يكمل صلاته وإذا سلم سجد للسهو، وما سوى ذلك فالسجود يكون قبل السلام أفضل، وبكل حال فسجود السهو سواء كان قبل السلام أو بعد السلام كله مجزئ، ولكنه أفضل قبل السلام إلا في الحالتين: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر، وفيما إذا بنى على غالب ظنه.

س: قوله ﷺ: شفعن صلاته؟

الشيخ: صارت شفع، يعني إن صلى خمسًا شفعن صارت سادسة شفعًا لها.

س: .....؟

الشيخ: سجدتا السهو بمثابة ركعة سادسة في الرباعية.

بَابُ أن مَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ

1024 - عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا بِهِ فَمَضَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ». رَوَاهُ النَّسَائِيّ.

1025 - وَعَنْ زِيَادَةَ بْنِ عَلَاقَةَ قَالَ: «صَلَّى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا بِنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِمْ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1026 - وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ وَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

بَابُ مَنْ صَلَّى الرُّبَاعِيَّةَ خَمْسًا

1027 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالُوا: «صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة: الثلاثة الأول فيما يتعلق بالقيام والتشهد الأول ساهيًا، دلت الأحاديث على أنه إذا قام ساهيًا فإنه لا يرجع ويستمر، فإذا أنهى التشهد والدعاء سجد سجدتين للسهو قبل أن يسلم، هكذا صح الحديث عن أبي سعيد وغيره، فإذا قام من التشهد الأول ناسيًا ولم يجلس فإنه يستمر ويكمل صلاته، فإذا فرغ من التشهد والدعاء سجد سجدة السهو قبل أن يسلم، هذا هو المشروع، وإن سجد بعد السلام فلا بأس لكن قبل السلام أفضل، أما إذا لو انبته حين القيام قبل أن يستتم فإنه يرجع ويجلس، إذا انتبه للسهو أو نبه قبل أن يستتم قائمًا عند نهوضه فإنه يبقى ويتشهد ثم يكمل صلاته ويسجد للسهو، أما إذا لم ينتبه إلا بعد ما استتم قائمًا فإن السنة أن يمضي، فلو رجع جاهلا أو ناسيًا وجلس فلا حرج أجزأ ذلك وعليه سجود السهو، لكن السنة له إذا لم ينبه إلا بعد ما استتم قائمًا أو لم يذكر إلا بعدما استتم قائمًا فإنه يمضي ويكمل صلاته ويسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم.

وقد دلت الأحاديث والآثار على أنه لو سجدها بعد السلام أجزأت، لكن الأفضل قبل السلام، أما إذا قام إلى خامسة في الظهر والعصر والعشاء، أو إلى رابعة في المغرب، أو إلى ثالثة في الفجر ولم يتنبه إلا بعد الفراغ فإنه يسجد للسهو سجدتين، أما إن نبه أو تنبه قبل فإنه يجلس ولا يكملها، لو تنبه بعد ما استتم قائمًا، أو بعد ما ركع يجلس ويسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم .....، فإن نبهوه عند قيامه أو تنبه بعد ما قام أو بعد ما ركع يجلس ويقرأ التحيات ثم يسجد للسهو ثم يسلم إذا قام إلى الخامسة أو رابعة في المغرب أو ثالثة في الفجر أو الجمعة، إن تنبه رجع، وإن نبه رجع، وإن لم يتنبه إلا بعد السجود جلس وتشهد وسجد للسهو، وإن نبهوه بعد السلام سجد سجدتين للسهو وكفى، وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: يتابع الإمام، إذا لم يرجع الإمام يتابعه.

س: .....؟

الشيخ: الزيادة في التشهد الأول بس، إذا عرف أنه زائد يجلس ينتظر.

س: .....؟

الشيخ: السجود قبل السلام إلا في حالتين هذا الأفضل، حالة: إذا سلم عن نقص ركعة أو أكثر فيكمل ويسجد للسهو بعد السلام، والحال الثانية: إذا بنى على غالب ظنه تمم الصلاة وسلم ثم سجد للسهو، والبقية قبل السلام، هذا هو الأفضل.

بَابُ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ

1028 - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِمْ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

بَابُ وُجُوبِهَا وَالْحَثِّ عَلَيْهَا

1029 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَثْقَلُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ أَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ.

1030 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

1031 - وَعَنْ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ قَالَ: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1032 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتَنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

1033 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً.

1034 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وهذا الحديث يرد على من أبطل صلاة المنفرد لغير عذر، وجعل الجماعة شرطًا لأن المفاضلة بينهما تستدعي صحتها، وحمل النص على المنفرد لعذر لا يصح لأن الأحاديث قد دلت على أن أجره لا ينقص عما يفعله لولا العذر، فروى أبو موسى عن النبي ﷺ قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. رواه أحمد والبخاري وأبو داود، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي .

1035 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً، فَإِذَا صَلَّاهَا فِي فَلَاةٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث العديدة فيما يتعلق بفضل الجماعة، أما حديث عمران بن حصين في التشهد بعد سجود السهو فهو قد حصل فيه وهم وغلط، وإنما الصواب في حديث عمران كما روى مسلم في الصحيح أنه ﷺ سلم من ثلاث ثم نبه فأتم صلاته وكملها فلما سلم سجد للسهو سجدتين بعد السلام كما في حديث ذي اليدين، فالتشهد وقع قبل السلام تشهد التشهد المعتاد ثم سلم ثم سجد سجدتين هذا هو المحفوظ، أما بعد السجدتين فليس بعدهما تشهد إنما التشهد قبلهما يتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو، هذا هو الأفضل إذا سلم عن نقص ركعة أو ركعتين كما في حديث عمران وحديث ذي اليدين، أما هذه الرواية التي في خارج الصحيح أنه سجد سجدة السهو ثم تشهد ثم سلم فهذا فيه نقص، وهم بعض الرواة فنقص الرواية وصوابها أنه تشهد ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو، وهذه الأحاديث الأخيرة الكثيرة تدل على فضل الجماعة ووجوب الصلاة في جماعة، وأن الواجب على المؤمن أن يصلي في جماعة في بيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وليس له أن يصلي في البيت من غير عذر، ولهذا في الحديث: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بسند صحيح على شرط مسلم، وقال ابن عباس لما سئل عن العذر قال: خوف أو مرض، وهكذا حديث أبي هريرة عن الأعمى الذي قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟، قال: نعم، قال: فأجب. وقال لعمرو بن أم مكتوم: لا أجد لك رخصة كله يدل على وجوب أداء الصلاة في جماعة، وأن الواجب على المسلم أن يعتني بها، وأن يحرص وأن يأخذ بالأسباب حتى يصلي مع الجماعة ولو كان كفيفًا، وفيه فضلها وأنها تضعف على صلاة الفرد بخمسة وعشرين ضعفًا، وفي اللفظ الآخر: سبعًا وعشرين درجة فهذا يدل على صحة صلاة المنفرد لكنها مضاعفة عليها الجماعة بهذه المضاعفة الكثيرة فدل على صحتها، ولهذا قال: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة: بخمس وعشرين ضعفًا فدل على صحتها من المفرد لكنه فاته هذا الفضل العظيم وعليه الإثم من جهة تخلفه عن الجماعة إذا كان بغير عذر، أما إذا كان بعذر فصلاته كاملة، إن تخلف لعذر صلاته كاملة لقوله ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم هذا من فضل الله - جل وعلا - وإحسانه ، وهكذا قوله ﷺ في غزوة تبوك: إن في المدينة لأقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم حبسهم العذر، ويقول ابن مسعود : من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيه سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المختلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين - يعني عضد له لحرصهم على الجماعة - حتى يقام في الصف وأرضاهم.

وهكذا أحاديث همه بتحريق البيوت على أهلها يدل على وجوب الجماعة، وأن الواجب أن يصلي في الجماعة، ولهذا هم ﷺ أن يحرق على المتخلفين بيوتهم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وهذا كله يدل على وجوب أداء الصلاة في الجماعة، وأنه ليس له التخلف إلا من عذر شرعي، أما المرأة فالأفضل لها بيتها، السنة لها أن تصلي في بيتها لأنها عورة وبيتها خير لها، وإن صلت مع الجماعة أجزأت وصحت، لكن بيتها خير لها كما قال ﷺ: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن وفق الله الجميع.

بَابُ حُضُورِ النِّسَاءِ الْمَسَاجِدَ وَفَضْلِ صَلَاتِهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ

1036 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي لَفْظِ: لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إلَى الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1037 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1038 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْنَ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

1039 - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: خَيْرُ مَسَاجِدِ النِّسَاءِ قَعْرُ بُيُوتِهِنَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ.

1040 - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهُا، قُلْت لِعَمْرَةَ: أَوْ مَنَعَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها الدلالة على جواز صلاة النساء في المساجد، وأنه لا يجوز منعها من المسجد إذا خرجت متسترة بعيدة عن أسباب الفتنة، وما ذاك إلا لأنها قد تستفيد من حضور المسجد وكيفية الصلاة، تتأسى بصلاة الرجال وتستفيد من الخطب والمواعظ والتذكير فلهذا نهي الأزواج عن منعهن، يقول ﷺ: إذا استأذنت أحدكم امرأته المسجد فلا يمنعها، وفي اللفظ الآخر: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات، ويقول ﷺ: أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء أخرجه مسلم في الصحيح، فإذا التزمت بالآداب الشرعية التستر وعدم الطيب فلا تمنع، وكان نساء الأنصار يحضرن مع النبي ﷺ صلاة الفجر وهن متلفعات متسترات، لكن بيوتهن خير لهن لأنها عورة وفتنة، فبيتها خير لها، لكن إذا خرجت للمصلحة فلا بأس كأن تخرج لسماع الموعظة للتأسي بالإمام والمصلين في الركود والطمأنينة والتعلم لأنها تكسل في مثل التراويح وقيام رمضان، فالمقصود أنه إذا كان في مصلحة مع زوال المضرة فلا يمنعها، وذلك بأن يخرجن متسترات بلا طيب يظهر للمارة لأنهن فتنة، ومع الطيب تكون الفتنة أشد، ولهذا قال ﷺ: أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء لأن البخور يظهر إذا مر بالطرق، ريحه قوي يخرج ويظهر ويتبين، وهكذا أنواع الأطياب التي لها رائحة بينة متى وجد فيها لا تخرج إلى المسجد ولا لغيره حسمًا للفتنة ودرأ للمفسدة، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: لو رأى النبي ﷺ ما أحدث النساء اليوم لمنعهن، والمقصود هو منع - ولو ما رأى - منع خروجهن فاتنات، سنته كافية عليه الصلاة والسلام وقد كفت في كل شيء، فلم يتوفَ ﷺ إلا وقد بلغ البلاغ المبين وأكمل الله له الدين، فقول عائشة هنا من اجتهادها رضي الله عنها، والأمر واقع الذي بينه ﷺ كافٍ شافٍ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] فقد أبان وأوضح أنها لا تخرج إذا لم يحصل منها الستر والبعد عن أسباب الفتنة، فما ذكرته عائشة أمر موجود في سنته عليه الصلاة والسلام واضح، وإنما يسمح لهن عند عدم وجود المفسدة لا تمنعوا إماء الله مساجد الله إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها إذا دعت المصلحة التي قد تحصل لها من التأسي بالرجال في صفة الصلاة والطمأنينة وكيف تصلي وكيف تركع وكيف تسجد، ما كل امرأة عندها من يعلمها، ثم الفائدة الأخرى قد تسمع موعظة خطبة التذكير فتستفيد من خطبة الجمعة، من الموعظة، من الدروس، فهنا في أشد الحاجة إلى الفائدة والعلم، لكن عليهن أن يتقين الله، وأن يخرجن في غاية من الستر والبعد عن أسباب الفتنة وإلا تمنع.

بَابُ فَضْلِ الْمَسْجِدِ الْأَبْعَدِ وَالْكَثِيرِ الْجَمْعِ

1041 - عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ أَجْرًا أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشًى. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1042 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

1043 - وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

بَابُ السَّعْيِ إلَى الْمَسْجِدِ بِالسَّكِينَةِ

1044 - عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، إذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1045 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ. وَلَفْظُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ فَاقْضُوا. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَى إلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَصَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ.

وفيه حجة لمن قال: إن من ما أدركه المسبوق آخر صلاته، واحتج من قال بخلافه بلفظ الإتمام.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها الحث على الصلاة في المسجد الأبعد، وأنه أعظم أجرًا، والحث على السكينة والوقار في السير إلى الصلاة وعدم العجلة، يقول ﷺ: أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم فأبعدهم ممشى كلما كان المسجد أبعد كان الأجر أكبر، ومن هذا الحديث السابق أن رجلًا كان بعيدًا عن المسجد وكانت لا تفوته صلاة مع النبي ﷺ فقال له بعض الناس: لو اشتريت حمارًا تركبه في الرمضاء والليلة الظلماء، فقال: إني أريد أن يكتب لي خطاي ذاهبًا وراجعًا، فقال النبي ﷺ: إن الله قد جمع له ذلك كله إلا أن يكون له في المسجد الأدنى أسباب أخرى ككثرة الجمع، أو لأنه يؤمه، أو لأنه في حضوره يجتمع الناس ويكثرون، إذا كان هناك مصلحة في الأبعد في الأقرب راعى المصلحة، وفي الأحاديث الأخرى الدلالة على أنه ينبغي لقاصد الصلاة أن تكون عليه السكينة والوقار لا يعجل، ولهذا أنكر عليهم النبي ﷺ لما سمع جلبة وقال: لا تفعلوا امشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا هكذا السنة إذا خرج من بيته يمشي وعليه السكينة والوقار، ولو سمع الإقامة يمشي بسكينة المشي المعتاد، فما أدرك صلى وما فاته قضاه والحمد لله، وأكثر الروايات فأتموا وهي تدل على أن ما أدركه فهو أول صلاته وما يقضيه هو آخرها، ما أدركه مع الإمام هو أول صلاته فيقرأ مع الفاتحة ما تيسر ويقرأ في الثالثة والرابعة الفاتحة، وفي رواية فاقضوا احتج بها أهل العلم على أن ما أدركه هو آخر صلاته وما يقضيه هو أولها لقوله: فاقضوا ولكن أكثر الأحاديث وأصحها أتمها وذلك يدل على أن ما أدركه مع الإمام هو أولها وما يقضيه هو تمامها، والأمر في هذا واسع، لكن هذا هو الأرجح أن يكون ما يقضيه هو الكمال والتمام، وفق الله الجميع.

بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ التَّخْفِيفِ

1046 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ. فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.

1047 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلُهَا». وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا صَلَّيْتُ خَلْفَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ النَّبِيِّ ﷺ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1048 - وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ إطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ، لَكِنَّهُ لَهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ.

بَابُ إطَالَةِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَانْتِظَارِ مَنْ أَحَسَّ بِهِ دَاخِلًا لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ

فِيهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَقَدْ سَبَقَ.

1049 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «لَقَدْ كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.

1050 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالعناية بالصلاة وعدم التساهل بها والعناية بالمأمومين والرحمة لهم والرأفة بهم، وأن صلاته ﷺ كانت إيجازًا في تمام، ولهذا قال أنس : ما صليت خلف إمام أتم صلاة ولا أخف صلاة من النبي ﷺ، يعني أن صلاته كانت تماما في التخفيف، ليس فيها طول يشق على الناس، وكان يطول في الركعة الأولى ويقصر في الثانية كما جاء في حديث أبي قتادة، أما حديث: «حتى لا يسمع قرع قدم» فهو حديث ضعيف لأن فيه رجل مبهم، لكن الأحاديث الثابتة في أنه كان يطول الأولى أكثر من الثانية حتى يتلاحق الناس لإدراك الركعة الأولى، فالسنة للإمام أن تكون الأولى أطول في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر حتى يتلاحق الناس ويتمكنوا من إدراك الركعة الأولى، لكن طول لا يشق على الناس، طول يشابه فعله ﷺ من غير مشقة على الناس، وهذا من باب الرحمة والرأفة والعناية بالمأمومين على وجه لا يشق على المتقدمين السابقين.

بَابُ وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُسَابَقَتِه

1051 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظِ: إنَّمَا الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَلَا تُكَبِّرُوا حَتَّى يُكَبِّرَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَسْجُدُوا حَتَّى يَسْجُدَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

1052 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامَ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1053 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالْقُعُودِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

1054 - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَرْكَعُوا حَتَّى يَرْكَعَ، وَلَا تَرْفَعُوا حَتَّى يَرْفَعَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة وما جاء في معناها كلها تتعلق بوجوب متابعة الإمام وتحريم مسابقته والنهي عن موافقته أيضًا، فإن الواجب هو الاقتداء بالإمام وعدم مسابقته وعدم موافقته بل يكونون بعده، فإن المأموم يكون مع الإمام ثلاث حالات: المسابقة، والموافقة، والمتابعة بعده، والمشروع هو المتابعة لا يسابق ولا يوافق بل بعده، فمتابعته واجبة، ومسابقته محرمة، وموافقته أقل أحوالها الكراهة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الإمام ليؤتم به يعني يأتم به المأموم ويقتدي به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون، وفي اللفظ الآخر: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا الحديث. هذا هو الواجب أن يكون المأموم تبعًا له بالاتصال متابعة متصلة، فإذا كبر كبر بعده في الحال لا يتأخر، وإذا ركع ركع بعده بالحال لأنه أتى بالفاء المقتضية للترتيب بالاتصال إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد فالمأموم يتابعه متصلا لا متأخرًا، لكن لا يكون معه ولا يكون قبله بل يكون بعده متصلًا، فإذا قال الإمام: (الله أكبر) يقول المأموم: (الله أكبر)، وإذا ركع واستوى راكعًا ركع المأموم، وإذا رفع واستوى مرتفعًا ارتفع المأموم، وإذا سجد واستوى وانقطع صوته تابعه المأموم وهكذا، وإذا صلى قاعدًا لمرض صلوا قعودًا أجمعون كما صلى بهم ﷺ في مرض موته قاعدًا فصلوا خلفه قعودًا، ويجوز أن يصلوا قيامًا لأنه في إحدى صلاته في مرضه صلى قاعدًا وصلوا قيامًا، وكان أبو بكر يصلي بالناس متابعًا للنبي ﷺ يعني يسمع الناس، يبلغ الناس صلاة النبي ﷺ، فصلى أبو بكر قائمًا والناس قيام وهو قاعد عليه الصلاة والسلام، فدل على جواز القيام والإمام قاعد، لكن الأفضل أن يصلوا قعودا لقوله: «فصلوا قعودا أجمعون» أجمعون توكيد الواو مرفوعة فصلوا، أما المسابقة فمحرمة لقوله ﷺ: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار فلا يجوز المسابقة بل الواجب أن تكون متابعة لا مسابقة، بعد ما ينقطع صوت الإمام يكبر، بعد ما يستوي راكعًا يركع، يستوي ساجدًا يسجد، فلا يسابق ولا يوافق، وهكذا في حديث أنس يقول ﷺ: إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالانصراف الانصراف يعني بالسلام يعني لا يسلمون قبله بل يسلمون بعده كما في حديث ثوبان: كان إذا انصرف من صلاته قال: أستغفر الله. يعني إذا سلم منها قال: أستغفر الله، أما الانصراف وهو كونه أن يقوم بعد ما سلم الإمام ما يضر، لكن كونه يتركد ويأتي بالتهليل هذا هو السنة، ولا يعجل ويأتي بالتهليل الشرعي أستغفر الله ثلاثًا، اللهم أنت السلام إلى آخره هذا هو الأفضل، وإلا الصلاة انقضت بالصلاة، انقضت الصلاة، وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: لا، السنة أن الإمام لا يطول المد، حتى إذا طول قد يتبعونه ويغلطون، فيكون تكبيره غير مطولة، الله أكبر، سمع الله لمن حمده، هكذا لا يطول، فإنه إذا طول قد يغلط المأموم ويتابعه قبل أن يستوي راكعًا، وقبل أن يستوي جالسًا، وقبل أن يستوي ساجدا، يكون وسطا ما في تمطيط.

س: .....؟

الشيخ: ينتظر حتى ينتهي صوته ثم يكبر.