الصَّلَاةُ عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّيَّةِ وَعَلَى الْقَبْرِ إلَى شَهْرٍ
1406 - عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: قد تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ فَهَلُمُّوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فصففنا وَنَحْنُ صُفُوفٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1407 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَفِي لَفْظٍ: نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ إلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بِهِمْ كَمَا يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1408 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ، قَالَ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَفُّ عَلَى الْمَيِّتِ، وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1409 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى قَبْرٍ رَطْبٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
1410 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَ عَنْهَا أَوْ عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟ قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا أَوْ أَمْرَهُ، فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِا فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَلَيْسَ لِلْبُخَارِيِّ إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً إلَى آخِرِ الْخَبَرِ.
1411 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ.
1412 – وَعَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ. رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ.
1413 - وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ وَالنَّبِيُّ ﷺ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ مَضَى لِذَلِكَ شَهْرٌ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث في الصلاة على الغائب وعلى القبر، الرسول ﷺ صلى على النجاشي صلاة الغائب، وكان مات في الحبشة وهي في يد النصارى ذاك الوقت، ولكنه أسلم وآوى الصحابة المهاجرين وحماهم وأحسن إليهم وهداه الله على أيديهم، فلما توفي صلى عليه النبي ﷺ، ويسمى أصحمة، وقال: إن أخاكم النجاشي قد مات، فخرج إلى المصلى وصف بالناس وصلوا عليه أربعًا. صلى عليه صلاة الجنازة وكبّر عليه أربعًا، قال بعض أهل العلم أن هذا خاص بالنجاشي لأن الرسول ﷺ لم يصل على ميت غائب سواه، فقالوا هذا خاص به لأنه آوى المهاجرين جعفر بن أبي طالب وغيره من المهاجرين الذين هاجروا إلى الحبشة من مكة بسبب اضطهاد قريش لهم، آواهم وحماهم وأحسن إليهم وهداه الله على يديهم وأسلم، وقال بعض أهل العلم: يقاس عليه من كان يشبهه، من كان له قدم في الإسلام، أمير له قدم في الإسلام، أو عالم له قدم في الإسلام ونصره للإسلام وجهود، فهذا يصلى عليه صلاة الغائب، ولا يصلى على كل لأحد لأنه مات في حياة النبي ﷺ أمم في مكة وفي غير مكة، في الطائف وفي محلات أخرى ولم يصل عليهم، فدل على أن هذا خاص بالنجاشي أو به ومن كان مثله، أما عموم الناس فلا يصلى على الغائب، أما القبر فيصلى عليه ما دام قريبا، فإذا لم يصل عليه مع الناس في المسجد وصلى عليه على القبر فلا بأس، الذي ما صلى عليه إذا صلوا عليه بعد الدفن فلا حرج، وإذا صلى معهم من قد صلى عليه فلا بأس أيضًا، والحد في هذا شهر، أكثر ما ورد شهر، إذا كان مضى له شهر أو أقل يصلى عليه، فإذا إنسان ما أدرك الصلاة عليه وصلى على قبره بعد يوم أو يومين إلى شهر فلا بأس، لأن أكثر ما ورد شهر كما في حديث ابن عباس وحديث سعيد بن المسيب أن الرسول ﷺ صلى على أم سعد بن عبادة وقد مضى على دفنها شهر، وهذا أكثر ما ورد، وهو حديث صحيح مرسل عن أبي سعيد، حديث صحيح لكنه من مراسيل سعيد، ومراسيل سعيد بن المسيب جيدة لأنه من كبار التابعين، وقد أدرك الجم الغفير من الصحابة، فتشت مراسيله فوجدت مسانيد، فلهذا استثناه بعض أهل العلم من المراسيل، وقال: إنه مراسيله جيدة بخلاف غيره، وحديث ابن عباس يشهد له، والصلاة على القبر مثل الصلاة على الميت الحاضر سواء سواء، والتكبير يكون أربع، هذا آخر ما ورد عنه ﷺ واستقرت السنة على أن التكبير على الجنازة أربع، بعد الأولى يقرأ الفاتحة، وبعد الثانية يصلي على النبي ﷺ، وبعد الثالثة يدعو للميت، وبعد الرابعة يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، هذه السنة في صلاة الميت، وهي كالصلاة لا بدّ لها من الطهارة فيقول: الله أكبر ويقرأ الحمد وما تيسر معها ولا يطول آيتين أو ثلاث آيات أو سورة قصيرة، ثم يكبر ويصلي على النبي ﷺ مثل ما يصلي في الصلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد إلى آخره، ثم يكبر في الثالثة ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، ثم يدعو للميت: اللهم اغفر له وارحمه إن كان رجلا، واللهم اغفر لها وارحمها إن كانت امرأة، وعافها واعف عنها وأكرم نزلها إلى آخره، ويقول في آخره: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت، ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه، ويرفع يديه مع التكبيرات الأربع، يرفع يديه هذا هو المشروع في صلاة الجنازة.
س: .....؟
الشيخ: ما ثبت شيء إلا صلاته على النجاشي، ما هو أبو رغال شخص آخر غير أبي رغال.
بَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُرْجَى لَهُ بِكَثْرَةِ الْجَمْعِ
1414 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ بَدَلَ «تُدْفَنَ» وَفِيهِ دَلِيلُ فَضِيلَةِ اللَّحْدِ عَلَى الشَّقِّ.
1415 - وَعَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، يَبْلُغُونَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ فَكَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ يَتَحَرَّى إذَا قَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
1416 - وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1417 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1418 - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ إلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ قَبِلْت عِلْمَهُمْ فِيهِ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا يَعْلَمُونَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذه الأحاديث في فضل الصلاة على الجنازة، وفضل كثرة الجمع على الجنازة، وأن ذلك ينفع الميت، الصلاة على الجنائز واتباع الجنائز أمر مشروع جاءت به الأحاديث الكثيرة فيستحب للمؤمن أن يحرص على الصلاة على الجنازة واتباعها إلى المقبرة لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل يا رسول الله وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين، وفي اللفظ الآخر: أصغرهما مثل جبل أحد، وفي اللفظ الآخر يقول ﷺ: من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين، وكل قيراط مثل جبل أحد رواه البخاري في الصحيح، وفي حديث البراء بن عازب أن الرسول ﷺ أمرهم باتباع الجنائز، فالسنة للمسلمين اتباع الجنائز للصلاة والدفن لما في ذلك من الإحسان للميت والإحسان إلى نفس الإنسان لأنه يتذكر الآخرة، يتذكر الموت، وهذا من أسباب الإعداد للآخرة، إذا حضر الجنائز من أسباب رقة القلب والاستعداد للآخرة والتأهب للموت مع إحسانه للميت بالدعاء له والاستغفار له في صلاته عليه وفي حضور دفنه، وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: ما من مسلم يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة كلهم يشفعون فيه إلا شفعوا فيه فهذا يدل على فضل كثرة الجماعة وأن شفاعتهم تقبل في الميت، وفي حديث ابن عباس: ما من مسلم يقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه، هذا يفيد أن العدد أقل من المائة، وهذا من فضل الله جاء مائة وجاء أقل من مائة وهذا من فضل الله جل وعلا، وحديث مالك بن هبيرة: ما من مسلم يقول على جنازته أمة من الناس يبلغون ثلاثة صفوف إلا أوجب أو إلا غفر له الحديث هذا في سنده ضعف، حديث مالك بن هبيرة من طريق ابن إسحاق وقد عنعن، ولكن يغني عن ذلك حديث عائشة وحديث ابن عباس في كثرة الجمعة، وأنه يستحب قصد المساجد التي فيها الجماعة الكثيرة الذين يصلون على الميت لهذه الفائدة العظيمة.
والحديث الأخير حديث: ما من مسلم يشهد له أربعة من جيرانه الأدنين إلا غفر له هذا الحديث أيضًا ضعيف، رواه أحمد وفي إسناده مبهم ومتنه غريب، لأن الجيران قد يكونون عدول وقد يكونون غير عدول، ولهذا في الحديث الصحيح لما مر عليه بجنازة أثنوا عليها خيرًا قال: وجبت، ومر عليه بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًا فقال: وجبت، قالوا يا رسول الله ما وجبت؟ قال: هذه أثنيتم عليها خيرًا فوجبت لها الجنة، وهذه أثنيتم عليها شرًا فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، وفي اللفظ الآخر: ما من ميت يشهد له أربعة بالخير إلا وجبت له الجنة قيل: يا رسول الله وثلاثة؟ قال: أو ثلاثة، قيل: يا رسول الله أو اثنين؟ قال: أو اثنين فإذا شهد له اثنان بالخير وهم من الأخيار ومن المعروفين الاستقامة فالله يقبل شهادتهما له إذا كان من أهل الخير والاستقامة لهذا الحديث الصحيح: أنتم شهداء الله في أرضه فالذي يتعاطى الخير ويشهد له الناس بالخير هو على خير، ويرجى له السعادة والنجاة، والذي يشهد له الناس بالشر وهو من أهل الشر يخشى عليه والعياذ بالله أن يبوء بإثمه وبالنار التي وعدها لمن خالف أمره وعصى أمره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبكل حال فهذه الأحاديث تفيد أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في فعل الخير والاستقامة على طاعة الله والحذر من كل ما يسبب غضبه - جل وعلا -، وليحرص على أعمال الخير حتى يشهد له بالخير. وفق الله الجميع
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهَةِ النَّعْيِ
1419 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فَإِنَّ النَّعْيَ عَمَلُ الْجَاهِلِيَّةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ، وَرَوَاهُ مَوْقُوفَا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَصَحُّ.
1420 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1421 - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤْذَنَ صَدِيقُهُ وَأَصْحَابُهُ، إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجَالِسِ فَيُقَالَ: أَنْعِي فُلَانًا فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
1422 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عبداللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَتَذْرِفَانِ- ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث تتعلق بالنعي، النعي نوعان:
أحدهما: كون الإنسان يطوف في مجالس الناس أو في القبائل أو في البلدان يقول: أنعى فلان، هذا من عمل الجاهلية، وعليه حديث حذيفة وابن مسعود في النهي عن النعي، حديث حذيفة وابن مسعود يشد أحدهما الآخر، ابن مسعود موقوف وحديث حذيفة مرفوع، وفي كل منهما مقال، لكن يشد أحدهما الآخر، وهما محمولان على النعي الجاهلي الذي يطوف في البلدان والقبائل ونحو ذلك، يقول: أنعى فلانًا، مات فلان، هذا من أمر الجاهلية.
النوع الثاني: إخبار جيرانه وأقاربه أن يصلوا عليه، هذا ليس من النعي، لا بأس به، قد ثبت عنه ﷺ أنه لما مات النجاشي نعاه لأصحابه وقال: مات النجاشي، مات رجل صالح صلوا عليه، وخرج بهم إلى المصلى وصلى بهم على النجاشي رحمه الله، ونعى لهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة لما قتلوا في مؤتة، نعى لهم قال: أخذ الراية زيد فأصيب، وأخذها جعفر فأصيب، وأخذها عبدالله بن رواحة فأصيب، وإن عينيه لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد ففتح الله عليه هذا نوع من النعي، وهو الخبر عن موت فلان وفلان، هذا لا بأس به.
وبهذا تجتمع الأحاديث ولا يكون بينها تخالف، فإخبار الجيران والأقارب حتى يحضروا الصلاة عليه حتى يشيعوه هذا أمر مطلوب ومستحب، أما كونه يطوف في البلدان أو في القبائل أو ما أشبه ذلك، ينعى فلان يقول: مات فلان، هذا هو المكروه من أمر الجاهلية الذي لا ينبغي.
بَابُ عَدَدِ تَكْبِيرِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ
قَدْ ثَبَتَ الْأَرْبَعُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ.
1423 - عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا، وَإِنَّهُ كَبَّرَ خَمْسًا عَلَى جِنَازَةٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُكَبِّرُهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1424 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ خَمْسًا، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ مَا نَسِيتُ وَلَا وَهَمْتُ، وَلَكِنْ كَبَّرْتُ كَمَا كَبَّرَ النَّبِيُّ ﷺ، صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَكَبَّرَ خَمْسًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1425 - وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ سِتًّا، وَقَالَ: إنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1426 - وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ خَمْسًا وَسِتًّا وَسَبْعًا. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث في تكبيرات الجنازة، ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يكبر على الجنازة أربعًا في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر وغيرهم، وكبر على النجاشي أربعًا لما مات النجاشي في آخر حياة النبي ﷺ، واستقرت سنته على أن التكبير أربع تكبيرات، وثبت من حديث زيد بن أرقم أنه ربما كبر خمسًا، يعني في بعض الأحيان، وجاء عن علي أنه كبر على سهل بن حنيف ستًا لأنه بدري، وهكذا قول الحكم بن عتيبة في شأن الصحابة.
أما حديث حذيفة فهو ضعيف لأن في إسناده من لا يحتج به، والصواب أن السنة أربع، هي التي استقرت عليه السنة أربع كما عليه العمل الآن أن يكبر على الجنائز أربعًا، هذا هو السنة الثابتة المحفوظة عن النبي ﷺ والتي استقر عليها أمره عليه الصلاة والسلام في آخر حياته، فيكبر على الجنازة أربعًا يقرأ في الأولى بالفاتحة، ويصلي على النبي في الثانية، ويدعو في الثالثة للميت، ويكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة، هذا هو السنة، وما زاد على ذلك فهو إما منسوخ، وإما كان يفعله بعض الأحيان وترك ذلك عليه الصلاة والسلام، فالأحوط والسنة أن يكبر أربعًا كما هو الذي عليه العمل الآن، وهو محفوظ في الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ، أصح من حديث زيد ومن غير زيد.
بَابُ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا
1427 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ فِيهِ: فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَجَهَرَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: سُنَّةٌ وَحَقٌّ.
1428 - وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَيُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْجِنَازَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ، وَلَا يَقْرَأَ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ، ثُمَّ يُسَلِّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ.
1429 - وَعَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: قَرَأَ الَّذِي صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
بَابُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ
1430 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1431 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا؛ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ.
1432 - وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ وصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، قَالَ عَوْفٌ: فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَيِّتَ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1433 - وَعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ، اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1434 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: أَنَّهُ مَاتَتْ ابْنَةٌ لَهُ، فَكَبَّرَ عَلَيْهَا أَرْبَعًا، ثُمَّ قَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ يَدْعُو، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ فِي الْجِنَازَةِ هَكَذَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ.
الشيخ: هذه الأحاديث في الدعاء للميت، مقصود الصلاة على الميت الدعاء له هو المقصود، المقصود من الصلاة عليه الدعاء له والترحم عليه من المصلين، وما قبله مقدمة؛ قراءة الفاتحة، والصلاة على النبي ﷺ مقدمة ووسيلة لإجابة الدعاء كما في حديث فضلة: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي، ثم يدعو بما شاء فالحمد بعد التكبيرة الأولى والصلاة على النبي بعد التكبيرة الثانية كل هذا من وسائل إجابة الدعاء ومن مقدمات الدعاء، والمقصود هو الدعاء له والترحم عليه لشدة حاجته لهذا الأمر بعد فراقه الدنيا، فيستحب للمسلمين أن يجتهدوا في الدعاء للميت وأن يخصلوا له الدعاء، ومعنى إخلاص الدعاء يحتمل أمرين: أحدهما تخصيصه بالدعاء والعناية بتخصيصه بالدعاء، والأمر الثاني: الصدق في الإخلاص لله واستحضار الضراعة إلى الله وأن يجيب دعاؤه في هذا الميت رحمة له وإحسانًا إليه، والحديث: أخلصوا الدعاء لا بأس به من رواية ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع في بعض الروايات لا بأس به، فينبغي للمصلين أن يعتنوا بهذا وأن يخصوه بمزيد الدعاء للميت، والرسول ﷺ دعا للميت، ودعا لحينا وميتنا، عمم لكن معظم الدعاء يكون للميت، يخصوه بالدعاء لحاجته لهذا الأمر وشفاعة إخوانه كما تقدم في الحديث الصحيح: ما من مسلم يصلي عليه مائة من الناس كلهم يشفعون له إلا شفعهم الله فيه، وفي اللفظ الآخر: ما من مسلم يقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه وأصح ما ورد في هذا حديث عوف بن مالك، وحديث أبي هريرة لا بأس به: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان. الحديث لا بأس به رواه أهل السنن وسنده حسن، فيستحب الدعاء بهذا الدعاء العام: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، وهكذا الدعاء في حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه - إن كان له زوجة - اللهم قه فتنة القبر وعذاب النار حتى قال عوف: تمنيت أن أكون مكانه من أجل دعاء النبي ﷺ، وزاد في بعض الروايات: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده فهذا الدعاء مشروع في حق المصلين يدعون به لميتهم، وإن كانوا جماعة قال: اللهم اغفر لهم وارحمهم، وإن كانت امرأة قال: اللهم اغفر لها، أما حديث عبدالله بن أبي أوفى وأنه وقف بعد الرابعة ودعا مثل ما بين التكبيرتين، فهو حديث ضعيف سنده ليس بذاك، والمحفوظ أنه ﷺ كان إذا كبر الرابعة سلم، سكت قليلًا ثم سلم عليه الصلاة والسلام تسليمة واحدة.
بَاب مَوْقِفِ الْإِمَامِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَكَيْفَ يَصْنَعُ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْوَاعٌ
1435 - عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ وَسْطَهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1436 - وَعَنْ أَبِي غَالِبٍ الْحَنَّاطِ قَالَ: شَهِدْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ فَقَامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَلَمَّا رُفِعَتْ أُتِيَ بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ فَصَلَّى عَلَيْهَا فَقَامَ وَسْطَهَا، وَفِينَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ الْعَلَوِيُّ؛ فَلَمَّا رَأَى اخْتِلَافَ قِيَامِهِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُومُ مِنْ الرَّجُلِ حَيْثُ قُمْتَ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ حَيْثُ قُمْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظِهِ: فَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ كَصَلَاتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْهَا أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ، وَعَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
1437 - وَعَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: حَضَرْتُ جِنَازَةَ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ، فَقُدِّمَ الصَّبِيُّ مِمَّا يَلِي الْقَوْمَ، وَوُضِعَتْ الْمَرْأَةُ وَرَاءَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِمَا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: السُّنَّةُ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.
1438 - وَعَنْ عَمَّارٍ أَيْضًا: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ أُخْرِجَتْ جِنَازَتَاهُمَا، فَصَلَّى عَلَيْهِمَا أَمِيرُ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ الْمَرْأَةَ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَثَمَّتَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ.
1439 - وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ وَابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ تُوُفِّيَا جَمِيعًا فَأُخْرِجَتْ جِنَازَتَاهُمَا فَصَلَّى عَلَيْهِمَا أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فَسَوَّى بَيْنَ رُءُوسِهِمَا وَأَرْجُلِهِمَا حِينَ صَلَّى عَلَيْهِمَا. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بموقف الإمام من الجنازة، وقد صحت السنة عن رسول الله ﷺ أن الرجل يقف الإمام عند رأسه، والمرأة عند وسطها مطلقًا، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وأنها إذا ماتت في النفاس أو في الحيض يصلى عليها كالطاهرة، وأنه لا بأس أن يصلى عليهما في المسجد لأنه صلى عليها في المسجد النبي ﷺ، فدل ذلك على أن حكم النفاس وحكم الحيض ينتهي بموتهما ولا يمنع من دخولهما المسجد، وهكذا حديث زيد بن عمر وأمه أم كلثوم صلي عليهما جميعا، وقدم الرجل إلى الإمام ثم المرأة وراءه، وهذا السنة، أما قول الشافعي أنه صلي عليهما سواء، فهذا ليس بصحيح، كلام الشافعي ليس بصحيح، الصواب ما دلت عليه السنة، وأن زيدًا قدم إلى الإمام ثم خلفه المرأة.
وفيه من الفوائد أن الموتى يصلى عليهم جميعًا لأن هذا أسرع في ذهابهم إلى المقبرة، وفيه تحقيق قول النبي ﷺ: أسرعوا بالجنازة فإنه إذا صلي عليهم جميعًا كان أسرع في الذهاب بهم إلى المقبرة، والرسول ﷺ قال: أسرعوا بالجنازة فيصلى عليهم جميعا، ولو كانوا عشرة أو أكثر يصلى عليهم جميعًا، ويكون رأس الرجل عند وسط المرأة حتى يكون موقف الإمام من الجميع على حسب السنة، وإذا كان فيهم أطفال فإنه يبدأ بالرجل، ثم الطفل، ثم المرأة، ثم الطفلة، هكذا الترتيب: الرجل أولا، ثم الصبي، ثم المرأة، ثم الصبية الصغيرة وراء المرأة، هكذا ترتيبهم أمام الإمام.
بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَسْجِدِ
1440 - عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: اُدْخُلُوا بِهِ الْمَسْجِدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ: سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1441 - وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ.
1442 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَرَوَى الثَّانِيَ مَالِكٌ.
أَبْوَابُ حَمْلِ الْجِنَازَةِ وَالسَّيْرِ بِهَا
1443 - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث الأولى تتعلق بصلاة الجنازة في المسجد، قد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى على ابني بيضاء في المسجد كما قالت عائشة رضي الله عنها فلا حرج في ذلك، وكان الغالب أنه يصلي على الجنائز في المصلى لأن الناس قد يكثرون والمصلى أوسع لهم، لكنه صلى بعض الأحيان على بعض الجنائز في المسجد كما قالت عائشة رضي الله عنها فلا حرج في ذلك، ولهذا لما توفي سعد بن أبي وقاص في آخر حياة عائشة أمرت إدخاله في المسجد حتى تصلي عليه، وصلى الناس على عمر وعلى الصديق في المسجد، وهكذا صلي على النبي في المسجد عليه الصلاة والسلام فلا حرج في ذلك، وإن صلي على الجنازة في المصلى الذي يصلى فيه صلاة العيد وغيره لكثرة الناس فلا بأس، فالصلاة في المساجد الآن أرفق بالناس، والغالب أنها تسع الناس لا مشقة في ذلك بخلاف لو كثر الناس احتاجوا للمصلى، لكن الغالب أن المساجد الآن تكفي الناس والحمد لله.
والسنة أيضا اتباع الجنازة للصلاة وللدفن كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابًا حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد، وإذا تيسر أن يحمل كان أفضل، وحديث ابن مسعود هذا فيه ضعف لأنه من رواية أبي عبيدة بن مسعود وهو لم يسمع من أبيه لانقطاعه، لكن إذا حمل بعض القوائم من السرير فحسن إذا تيسر أن يحمل من باب المساعدة في الخير، وإلا فالمهم المتابعة، كونه يتبع الجنازة حتى يصلى عليها وحتى يفرغ من دفنها هذا هو المهم، أما حملها فإذا تيسر وإلا كفى من يحملها من أقاربها.
بَابُ الْإِسْرَاعِ بِهَا مِنْ غَيْرِ رَمَلٍ
1444 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1445 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جِنَازَةٌ تَمْخَضُ مَخْضَ الزِّقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ الْقَصْدَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1446 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِنَّا لَنَكَادُ نَرْمُلُ بِالْجِنَازَةِ رَمَلًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
1447 - وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ: أَسْرَعَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى تَقَطَّعَتْ نِعَالُنَا يَوْمَ مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الإسراع بالجنازة إسراعًا ليس فيه رمل، لكنه إسراع غير المشي المعتاد لقوله ﷺ: أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم رواه الجماعة، والجماعة يعني أحمد رحمه الله والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، هؤلاء السبعة في اصطلاح المؤلف هم الجماعة، وهذا الحديث هو العمدة في هذا الباب، وأن السنة الإسراع بالجنازة إلى المصلى وإلى المقبرة، فإن كانت طيبة صالحة فهي خير تقدم إليه، فإن القبر روضة من رياض الجنة في حق الصالح يفتح له باب إلى الجنة ويأتيه من نعيمها وريحها ويبشر بالجنة ويكون قبره روضة من رياض الجنة، هذا نعمة عظيمة وروحه تصعد إلى الجنة فهو على خير عظيم يعجل إليه، أما إن كانت الجنازة خبيثة فشر تضعونه عن رقابكم تستريحون منها، وفي حديث آخر مر على النبي بجنازة فقال ﷺ: مستريح ومستراح منه قالوا: يا رسول الله، ما مستريح ومستراح منه؟ قال: المؤمن يستريح من هم الدنيا ونكدها قال وتعبها، والكافر يستراح منه، تستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب هذا هو السنة في الجنائز أن يسرع بها لكن من دون مشقة، من دون رمل يشق على الناس، وتقدم أن السنة أن الراكب خلفها والماشي حيث كان أمامها وعن يمينها وعن شمالها، والراكب يكون خلفها لئلا يشوش على حملة الجنازة لأنه قد يعوقهم إذا كان أمامها فيكون خلفها، وفق الله الجميع.
بَابُ الْمَشْيِ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَمَا جَاءَ فِي الرُّكُوبِ مَعَهَا
قَدْ سَبَقَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ.
1448 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
1449 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اتَّبَعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ مَاشِيًا، وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ: أُتِيَ بِفَرَسٍ مَعْرُورٍ، فَرَكِبَهُ حِينَ انْصَرَفْنَا مِنْ جِنَازَةِ ابْنِ الدَّحْدَاحِ وَنَحْنُ نَمْشِي حَوْلَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1450 - وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ؟!. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
1451 - وَعَنْ ثَوْبَانَ أَيْضًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ جِنَازَةٍ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: هذه الأحاديث في شرعية المشي مع الجنازة، وتقدم قوله ﷺ في الحديث الصحيح: من صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، وقوله ﷺ: من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين، كل قيراط مثل جبل أحد. وفي هذه الأحاديث شرعية المشي مع الجنازة، حديث المغيرة أن الماشي يكون حيث شاء أمامها ويمينها وعن شمالها وخلفها، والراكب يكون خلف الجنازة، هذا هو الأفضل، وحديث ابن عمر أنه رأى النبي ﷺ وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، وفي حديث قصة أبي الدحداح أنه ﷺ ركب على فرس في الرجوع، وفي الذهاب مشى مع الجنازة، وأخبر أن الملائكة تمشي، هذا إن صح فهو يدل على أن الملائكة تتبع الجنازة أيضًا، الملائكة السياحين في الأرض كما في الحديث الصحيح: إن لله ملائكة سياحين يلتمسون مجالس الذكر قد يكون هؤلاء من الملائكة السياحين الذين يلتمسون الخير، فالأفضل أن يمشي مع الجنازة عند الذهاب معها، أما الرجوع فلا بأس بالركوب، لكن في الذهاب معها الأفضل المشي، وإن ركب فلا حرج كما تقدم في حديث المغيرة: الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء أمامها» يعني في الذهاب والمجيء، لكن حديث ثوبان الأخير في ركوبه في الرجوع، وقوله: إنه في الذهاب معها مشى بسبب الملائكة، هذا إن صح يدل على الأفضلية عدم الركوب في الذهاب معه، أما الرجوع فلا بأس أن يركب بعيرًا أو فرسا أو غير ذلك، أو سيارة أو غير ذلك، وبكل حال فالمشي معها سنة، والركوب جائز ذهابًا وإيابًا، لكن إذا مشى معها في الذهاب أفضل، والرجوع إن شاء مشى وإن شاء ركب، أما الذهاب معها فالأفضل المشي كما مشى النبي عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع.
بَابُ مَا يُكْرَهُ مَعَ الْجِنَازَةِ مِنْ نِيَاحَةٍ أَوْ نَارٍ
1452 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتْبَعَ جِنَازَةً مَعَهَا رَانَّةٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1453 - وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَوْصَى أَبُو مُوسَى حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَقَالَ: لَا تَتْبَعُونِي بِمِجْمَرٍ، قَالُوا: أَوْ سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
بَابُ مَنْ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ
1454 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا، فَمَنْ اتَّبَعَهَا فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنُ مَاجَهْ، لَكِنْ إنَّمَا لِأَبِي دَاوُد مِنْهُ إذَا اتَّبَعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ. وَقَالَ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِيهِ: حَتَّى تُوضَعَ فِي الْأَرْضِ، وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلٍ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ.
1455 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الْقِيَامَ فِي الْجَنَائِزِ حَتَّى تُوضَعَ، فَقَالَ عَلِيٌّ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَعَدَ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
الشيخ: في الحديثين السابقين الدلالة على كراهة اتباع الجنازة بمن تنوح أو بمجمر نار للطيب أو بنار توقد مع المشيعين، والحديثان ضعيفا الإسناد ضعيفان، لكن روي عن جماعة من الصحابة كراهة ذلك، وعن عمرو بن العاص كذلك أنه أوصى بألا يتبعه نار ولا نائحة، وهذا حق النياحة منكرة لا تجوز النياحة، والنياحة رفع الصوت بالبكاء، هذا لا يجوز لا في البيت ولا في الطريق ولا في أي مكان ولا مع الجنازة، هكذا اتباعها بنار تعظيمًا لها أو لاعتقاد آخر، أما اتباعها بسراج ينور على الناس في الظلمة فلا بأس أو عند الدفن، فقد روي عنه ﷺ أسرج له عند دفن بعض الموتى، فإذا دعت الحاجة للسراج في أيام الظلمة فلا بأس، أما في أيام القمر وأيام النور فلا حاجة إليه للدفن، أو للطريق من باب إعانة المشاة على أن يروا الطريق في السراج الذي معهم لأجل يروا الطريق أو لأجل الحاجة إلى الدفن فلا بأس، والأحاديث الأخرى تدل على أن السنة لمن تبع الجنازة ألا يجلس حتى توضع، يسن في اتباع الجنائز من البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى المقبرة، تقدم أن من تبعها فله قيراط للصلاة، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، فإذا صلى عليها وتبعها صار له قيراطان مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل جبل أحد كما تقدم، لكن من تبع الجنازة فالأفضل ألا يجلس حتى توضع في الأرض، هذا هو الصواب المحفوظ حتى توضع في الأرض، أما رواية حتى توضع في اللحد فهي رواية ضعيفة شاذة، والصواب أنهم يقفون حتى توضع في الأرض عن رؤوس الرجال، فإذا وضعت عن مناكب الرجال جلسوا، هذا هو الأفضل لقوله ﷺ: إذا تبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع، ومن تبعها فلا يجلس حتى توضع يعني في الأرض. وفق الله الجميع
بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ
1456 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَلِأَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى جِنَازَةً قَامَ حَتَّى تُجَاوِزَهُ. وَلَهُ أَيْضًا عَنْهُ: أَنَّهُ رُبَّمَا تَقَدَّمَ الْجِنَازَةَ فَقَعَدَ حَتَّى إذَا رَآهَا قَدْ أَشْرَفَتْ قَامَ حَتَّى تُوضَعَ.
1457 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا جِنَازَةٌ، فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا.
1458 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمَا كَانَا قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجِنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ: أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسُ يَقُومَانِ لِلْجِنَازَةِ.
1459 - وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ.
1460 - وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ جِنَازَةً مَرَّتْ بِالْحَسَنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَقَامَ الْحَسَنُ وَلَمْ يَقُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ الْحَسَنُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَا قَامَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ: قَامَ وَقَعَدَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث الكثيرة وما جاء في معناها تدل على شرعية القيام للجنازة إذا مرت، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة، إذا مر بالجنازة يقوم لها من رآها حتى تخلفه أو توضع قبله، حتى تخلفه يعني حتى تجاوزه، أو توضع قبل ذلك، والأحاديث في هذا كثيرة تدل على شرعية القيام للجنازة، وقد سئل النبي ﷺ عن هذا فأجاب مرة: إنما قمنا للملائكة وهذا في جنازة المسلم، ومرة قال: أليست نفسًا، وفي اللفظ الآخر: إن للموت لفزعًا والمقصود من هذا القيام لتعظيم شأن الموت والإعداد له، وتنبيه الناس على ذلك الأمر العظيم، ولهذا قال: إن للموت لفزعًا، أليست نفسًا، إنما قمنا للملائكة فالسنة القيام لها، لكن جاء في الرواية الأخرى أنه قعد بعض الأحيان، فدل على عدم الوجوب، وأن الأمر ليس للوجوب لأنه قام وقعد، هذا الذي عليه الجمهور أنه للاستحباب لأنه قام وقعد، فدل على أن الأمر ليس للوجوب، أما رواية وأمرنا بالجلوس فهي رواية شاذة، المعروف عند أهل العلم أنه قام وقعد فقط، فالسنة القيام وليس بواجب، من جلس فلا بأس ولا حرج عليه، ومن قام فهو أفضل.
أَبْوَابُ الدَّفْنِ وَأَحْكَامُ الْقُبُورِ
بَابُ تَعْمِيقِ الْقَبْرِ وَاخْتِيَارِ اللَّحْدِ عَلَى الشَّقِّ
1461 - عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا فِي جِنَازَةٍ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى حَفِيرَةِ الْقَبْرِ فَجَعَلَ يُوصِي الْحَافِرَ وَيَقُولُ: أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ، وَأَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ الرِّجْلَيْنِ، رُبَّ عِذْقٍ لَهُ فِي الْجَنَّةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1462 - وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إنْسَانٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: فَمَنْ نُقَدِّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، وَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَصَحَّحَهُ.
1463 - وَعَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ سَعْدُ: الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
1464 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَ رَجُلٌ يَلْحَدُ، وَآخَرُ يَضْرَحُ، فَقَالُوا: نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ تَرَكْنَاهُ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ فَلَحَدُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِابْنِ مَاجَهْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ كَانَ يَضْرَحُ، وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَلْحَدُ.
1465 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّحْدُ لَنَا، وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث تدل على شرعية تعميق القبر حتى لا يكون عرضة لنبش الدواب والكلاب وغيرها، فالسنة التعميق إلى نصف الرجل حتى يكون ذلك أسلم للموتى وأبعد عن التلاعب بهم، وحفر السباع لهم، وعلى شرعية اللحد، وأن السنة اللحد، وهو أن يحفر في جانب القبر من جهة القبلة ما يسع الميت، وهو أفضل من الشق، والشق كونه يوضع في وسط القبر شقًا، واللحد في جانبه من جهة القبلة، ولهذا قال سعد : "انصبوا عليّ اللبن نصبًا والحدوا لي لحدًا كما صنع برسول الله ﷺ"، والسنة التعميق وأن ينصب اللبن على اللحد نصبًا ثم يسد بالطين، يسد اللبن بالطين ونحو ذلك حتى يتماسك، ثم يهال عليه التراب بعد ذلك، وكان يروى أن أبا عبيدة كان يلحد، وأبا طلحة كان يضرح، يعني يشق.
وفي حديث ابن عباس: اللحد لنا، والشق لغيرنا هذا الحديث إن صح في سنده بعض الكلام، وإن صح فهو يفيد أنه لا ينبغي الشق، فالمقام يحتاج إلى عناية بطريق الحديثين: حديث أبي طلحة وأبي عبيدة، وحديث: اللحد لنا والشق لغيرنا، وبكل حال فاللحد أفضل كما صنع بسعد، وكما صنع برسول الله ﷺ، وإذا دعت الحاجة إلى دفن الاثنين والثلاثة فلا بأس في قبر واحد، كما جرى يوم أحد لما كثر الموتى وشق عليهم الحفر لكل واحد أذن لهم ﷺ أن يجمعوا الاثنين والثلاثة في قبر، كما في حديث هشام بن عامر، وعامر من الأنصار، عامر بن أمية الأنصاري قتل يوم أحد فأمر ﷺ أن يدفن الاثنان والثلاثة جميعًا ويقدم أفضلهم إلى القبلة، أيهم كان أكثر قرآنا يقدم إلى القبلة، هذا يدل على أن الأفضل هو المقدم في القبلة، إذا كانوا اثنين أو أكثر وأنه لا بأس بالدفن جماعة في القبر الواحد، أما إذا كان ما هناك حاجة فالسنة كل واحد على حدة، كل واحد في قبر، ويأتي مزيد لهذا الكلام إن شاء الله في درس آخر فيما يتعلق باللحد والشق، وفق الله الجميع.
بَاب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ الْمَيِّتُ قَبْرَهُ، وَمَا يُقَالُ: عِنْدَ ذَلِكَ وَالْحَثْيُ فِي الْقَبْرِ
1466 - عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عبداللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْ الْقَبْرِ وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَزَادَ ثُمَّ قَالَ: أَنْشِطُوا الثَّوْبَ فَإِنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ.
1467 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيِّ ﷺ كَانَ إذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي لَفْظِ: وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
1468 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ: فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: هذه الأحاديث تبين لنا صفة إدخال الميت القبر وما يشرع عند ذلك، يستحب أن يدخل من قبل رجليه القبر، يعني يسل سلًا من جهة أسفل القبر يسل، ثم يمشى به إلى أن يوضع في اللحد رأسه في طرف اللحد، ورجلاه في مؤخر اللحد ووجهه إلى القبلة، فيسل من جهة رجليه ويمد في اللحد، ويقول عند سله وإدخاله: بسم الله وعلى ملة رسول الله، والسنة أن يسنم القبر ويحثى عليه، السنة للحاضرين أن يشاركوا إذا تيسر ذلك في الحثي ولو ثلاث حثيات في الدفن، أما ما يتعلق بالتسنيم يأتي البحث فيه إن شاء الله، المقصود أن السنة لمن حضر المشاركة إذا تيسر له ذلك ولو بثلاث حثيات مع من يحثو، وفيه دلالة على أن الرجل لا يغطى إنما تغطى المرأة عند إنزالها.
بَابُ تَسْنِيمِ الْقَبْرِ وَرَشِّهِ بِالْمَاءِ وَتَعْلِيمِهِ لِيُعْرَفَ وَكَرَاهَةِ الْبِنَاءِ وَالْكِتَابَةِ عَلَيْهِ
1469 - عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ: أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ مُسَنَّمًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ.
1470 - وَعَنْ الْقَاسِمِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّهْ، بِاَللَّهِ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ، وَلَا لَاطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1471 - وَعَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَدَعْ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتَهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.
1472 - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
1473 - وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْلَمَ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِصَخْرَةٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
1474 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ: نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ. وَفِي لَفْظِ النَّسَائِيّ: نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ يُجَصَّصَ أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنه لا مانع من جعل رش القبر بالماء بعد الدفن ووضع الحصباء عليه وتسنيمه، وإن هذا هو الأفضل، وهكذا كان قبر النبي ﷺ وقبر صاحبيه كانت مسنمة ليست لاطئة، قبر سعد كان مرفوعًا قدر شبر، يعني تكون مرتفعة عن الأرض ولكن تكون مسنمة لا منبطحة، بل مسنمة لها سنام ومنحدر جنبيها من حجارة جنبين وارتفاع الوسط وتحصب بالحصباء إذا تيسر ذلك وترش بالماء حتى يثبت ظاهرها ولا يزول بالريح ونحو ذلك.
وهكذا رش قبر إبراهيم، والأحاديث الأخيرة حديث جابر وغيره النهي عن البناء على القبور وتجصيصها والزيادة عليها من غير ترابها، والكتابة عليها والوطء عليها والقعود عليها كل هذا ممنوع لا يجوز، يجب ألا يبنى عليها، يحرم البناء عليها وتجصيصها والكتابة عليها، كل هذا ممنوع لأنه من أسباب الغلو، التجصيص والبناء عليها من أسباب الغلو فيها، والكتابة كذلك، قد يكتب اسمه يكون معروفا فيكون سببًا للغلو فيه فلا يكتب عليها لا اسمه ولا اسم غيره، كذلك القعود عليها لا يجوز وكذلك الزيادة عليها من غير ترابها، أما العلامة فلا بأس كما علم النبي ﷺ قبر عثمان بحجر، إن علمه فلا بأس يوضع علامة حجر عند رأسه أو عند رجليه يعرف به لا بأس بذلك.
وكذلك النهي عن إشراف القبور كونها ترتفع، بعث النبي ﷺ عليًا : ألا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه، هذا معناه يعني يزيل إشرافه، يعني يهدمه حتى لا يكون مشرفًا، وفيه النهي عن نصب الصور ووجوب طمسها، أيضًا طمس الصور وإزالتها، فالقبور لا يبنى عليها، وإذا بني عليها وجب إزالة البناء حتى لا يقع الشرك والغلو، والله المستعان، وفق الله الجميع.
بَابُ مَنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفِنَ الْمَرْأَةَ
1475 - عَنْ أَنَسٍ قَالَ: شَهِدْتُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تُدْفَنُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا مَاتَتْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ أَهْلَهُ، فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقَبْرَ.
بَابُ آدَابِ الْجُلُوسِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَشْيِ فِيهَا
1476 - عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْقَبْرِ وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1477 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
1478 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَّكِئًا عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ: لَا تُؤْذِ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ، أَوْ لَا تُؤْذِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1479 - وَعَنْ بَشِيرِ ابْنِ الْخَصَاصِيَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي فِي نَعْلَيْنِ بَيْنَ الْقُبُورِ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
الشيخ: الحديثان الأولان يدلان على جواز البكاء بدمع العين، أنه ﷺلما ماتت ابنته رقية بكى، وهكذا بكى لما رأى ابن بنته في النزع دمعت عيناه، وقال: إنها رحمة، وقال ﷺ لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون فالعين تدمع لا يخرج كونه يبكي الإنسان على مصيبته على ميته لا حرج في ذلك، الممنوع النياحة ورفع الصوت، وفي هذا دلالة على أن الذي ينزل في قبر المرأة الأفضل أن يكون غير مقارف في الليلة السابقة، يعني غير مجامع لأهله، قارف أهله جامعهم، لا يكون حديث عهد بالجماع، هذا هو الأفضل لهذا الحديث الصحيح، وفيه دلالة على أن لا بأس أن يتولى المرأة من ليس محرمًا لها في الدفن كأبي طلحة وغيره لأن المقام ما هو مقام محرمية، مقام إنزال ودفن، فإذا نزل في القبر من يضعها في اللحد فلا حرج أن يكون من غير محارمها، وفي الأحاديث الأخيرة الدلالة على احترام القبور وأنه لا يجوز المشي عليها ولا الاتكاء عليها ولا القعود عليها هي محترمة، ولهذا نهى الرسول ﷺ عن الاتكاء عليها والجلوس عليها، وقال: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جسده خير له من أن يجلس على قبر فدل ذلك على أنه لا يجوز القعود على القبور ولا الاتكاء عليها ولا التخلي عليها كل ذلك ممنوع، وهكذا في صحيح مسلم: نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وعند مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها، وفي حديث البراء أنهم أتوا إلى قبر لم يلحد فجلسوا مع النبي ﷺ وتمامه فوعظهم وذكرهم عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه يشرع عند الجلوس على القبور إن كانوا جالسين أن يعظهم ويذكرهم بمناسبة الموت والقبر، وهكذا في حديث آخر عن علي أنه ﷺ وعظهم عند القبور وبين لهم حال الآخرة، وأن كل إنسان قد علم مقعده من الجنة ومن النار، وأن الواجب العمل، قيل يا رسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10] فدل على أنه لا بأس بالوعظ عند القبور والتذكير لأن الموت له تأثير على الحاضرين، والقبور لها تأثير في الخشوع وحضور القلب، فالموعظة قد تؤثر هنا أكثر، ولهذا وعظهم ﷺ وهم جالسون ينتظرون فراغ القبر حتى يدفنوا الميت في حديث البراء، وفي حديث علي ، ووفق الله الجميع.