17 من حديث: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)

أَبْوَابُ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ وَأَحْكَامِ الْقَضَاءِ

بَابُ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ

 1677 - عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إنَّ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

1678 - وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعبداللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ».

1679 - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ.

1680 - وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».

1681 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسَ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ، أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ». مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَهُ مَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَشَرَةِ آلَافٍ وَلَا تَارِيخِ الْخُرُوجِ.

1682 - وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ: هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَهُوَ قَوِيُّ الدَّلَالَةِ عَلَى فَضِيلَةِ الْفِطْرِ.

1683 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ قَالَا: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ الْمُفْطِرُ فَلَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

1684 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، قَالَ: فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ، فَكَانَتْ رُخْصَةً، فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ: إنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا، فَكَانَتْ عَزْمَةٌ فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتَنَا نَصُومُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي السَّفَرِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث الكثيرة وما جاء في معناها من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ كلها تدل على جواز الصوم والفطر في السفر في رمضان، وأن من شاء صام ومن شاء أفطر، وأنها رخصة من الله ، وكان الصحابة منهم من يصوم ومنهم من يفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، وكان يصوم في السفر عليه الصلاة والسلام، واستفتاه حمزة بن عمرو الأسلمي فقال: يا رسول الله إني أجد في قوة في الصوم على السفر؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر، وفي اللفظ الآخر: هي رخصة من الله فمن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، ومن أفطر هي رخصة، من أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه فدل على أن الأخذ بالرخصة أفضل كما قال ﷺ: إن الله يحب أن تؤتى رخصه فالأفضل الفطر، هذا هو الأفضل، ومن صام فلا حرج في السفر إلا إذا كان عليه مشقة فيكره الصوم إذا كان في مشقة، ولهذا لما رأى النبي ﷺ الرجل الذي قد ظلل عليه من شدة الحر وشق عليه الصوم قال: ليس من البر الصوم في السفر يعني في مثل هذا الشخص، يعني مثل ينبغي له أن يفطر إذا اشتد عليه الصوم، ليس من البر أن يكلف نفسه، فإذا كان عليه مشقة فالسنة الإفطار وترك الصوم، وهكذا إذا كان في الجهاد ودنوا من العدو يتأكد الفطر، وإذا دنوا من العدو وقرب الالتقاء بالعدو وجب الإفطار ليتقووا به على قتال الأعداء، ولهذا لما توجه ﷺ إلى مكة في رمضان عام الفتح قال لهم ﷺ: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة، ولما بلغه أن بعض الناس قد صام قال: أولئك العصاة، أولئك العصاة كما في الحديث الآخر، فدل على أن من ترك الإفطار وهو ملاق العدو للجهاد يكون عاصيًا، بل يجب أن يفطر حتى يقوى على القتال والجهاد في سبيل الله، أما إذا كان لا مشقة من جهة المرض ولا مشقة وليس هناك عدو فهو مخير: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، والفطر أفضل، الفطر في السفر أفضل، ولكن يجوز الصوم إلا إذا كان الصوم يشق على الصائم لمرضه أو كبر سنه فإنه يكره له الصوم، وليس من البر الصوم في السفر.

وهكذا إذا كان الصائمون يلقون العدو في الجهاد فإنهم يفطرون لأنه أقوى لهم، ولا يجوز لهم الصوم في هذه الحال. وفق الله الجميع

بَابُ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ

1685 - عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

1686 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَهْرٍ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ مُشَاةٌ وَنَبِيُّ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَقَالَ: اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ، قَالَ: فَأَبَوْا، قَالَ: إنِّي لَسْتِ مِثْلَكُمْ إنِّي أَيْسَرُكُمْ، إنِّي رَاكِبٌ، فَأَبَوْا، فَثَنَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَخِذَهُ فَنَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ».

1687 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: فَعَطِشَ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ وَتَتُوقُ أَنْفُسُهُمْ إلَيْهِ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَمْسَكَهُ عَلَى يَدِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ، ثُمَّ شَرِبَ فَشَرِبَ النَّاسُ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أن الإنسان إذا خرج مسافرًا وهو صائم فله أن يفطر في أثناء اليوم قبل أن يكمل صومه ولا حرج عليه، وقد تقدم بعض ذلك، وفي هذا الحديث وما جاء في معناه أنهم خرجوا صائمين ثم مروا بنهر من ماء فمدوا أعناقهم إليه يريدون الماء لشدة الحر، ولكنهم يريدون الاقتداء بالنبي ﷺ فأذن لهم أن يشربوا، فلم يفعلوا حتى نزل عن بغلته وشرب وشربوا، وجاء في هذا المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على أن الصائم متى أراد الإفطار وهو مسافر فلا بأس، سواء في اليوم الذي خرج فيه أو بعد أيام؛ لأنه دخل في حكم المسافر من حين فارق البلد، فإذا فارق البلد له الفطر وإن كان لم يكمل يومه، وله أن يصوم يومه، وله أن يصوم أيام كما تقدم، السفر يجوز فيه الصوم ويجوز الفطر، من شاء صام ومن شاء أفطر إلا إذا شق عليه الصوم فالسنة المتأكدة أن يفطر، ويكره له الصوم كما تقدم في قوله الذي ظلل عليه واشتد به الحر واشتد عليه الصوم قال: ليس من البر الصوم في السفر، من كان اشتد عليه الحر وعظم عليه الصوم فليس من البر الصوم، يفطر والله يقول جل وعلا: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] من كان على سفر فعدة من أيام أخر، سواء مضى عليه يوم أو يومان أو في أول يوم خرج له أن يفطر، وتقدم أنه قال للذين قربوا ولم يفطروا أولئك العصاة دل على أنه إذا كان في الجهاد وقرب من العدو فإنه يلزمهم الفطر لأنه أقوى لهم على القتال، ولهذا لما تأخر قوم ولم يفطروا وقد دنوا من العدو في يوم الفتح قال: أولئك العصاة، فالذي يقرب من العدو في الجهاد ولا يفطر لا يجوز له، بل يجب أن يفطر حتى يكون أقوى له في جهاد العدو، أما الأيام العادية فهو مخير كما تقدم في حديث حمزة بن عمرو الأسلمي قال له النبي ﷺ: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر وهو يحب الصوم في السفر، فقال له: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر، وفي اللفظ الآخر قال: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه فدل على أن الفطر أفضل، ومن أحب أن يصوم في السفر فلا جناح، لكن إذا اشتد به الظمأ فالسنة والمتأكد أن يفطر ويكره له الصوم في السفر، وهكذا إذا كان قرب العدو شرع له الإفطار، فإذا دنا من العدو وجب عليه الإفطار حتى يكون أقوى له على قتال الأعداء كما تقدم. وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: لا يفطر إلا بعد الخروج مثل الصلاة، لا يفطر إلا إذا خرج منها، ولا يقصر إلا إذا خرج منها، كما يأتي إن شاء الله.

س: صوم النفل في السفر؟

الشيخ: تركه أفضل، وإن صام فلا بأس.

بَابُ مَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ هَلْ يُفْطِرُ فِيهِ، وَمَتَى يُفْطِرُ؟

1688 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ إلَى حُنَيْنٌ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ رَاحَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ النَّاسُ، فقال الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قال: شيخنا عبدالرزاق بن عبدالقادر: صوابه خيبر أو مكة لأنه قصدهما في هذا الشهر، فأما حنين فكانت بعد الفتح بأربعين ليلة.

1689 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ سَفَرًا وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ، فَقُلْتُ لَهُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: سُنَّةٌ ثُمَّ رَكِبَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

1690 - وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: «رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بُصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي رَمَضَانَ فَدَفَعَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْتَرِبْ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ بَيْنَ الْبُيُوتِ؟ فَقَالَ أَبُو بُصْرَةَ: أَرَغِبْتَ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالصائم المسافر، هل يفطر في يومه الذي سافر فيه أو يكمل صومه إذا سافر؟ والصواب أنه مخير إن شاء كمل وإن شاء أفطر، إذا خرج من بلده صائمًا مسافرًا فهو مخير إن شاء أفطر وإن شاء كمل صومه، وقد خرج النبي ﷺ من المدينة إلى مكة عام ثمان في رمضان وأفطر في أثناء الطريق، وأما رواية إلى حنين ففيه غلط كما قال الشيخ عبدالرزاق، الصواب إلى خيبر أو إلى مكة هذا الذي وقع، أما حنين فكان بعد رمضان بعدما فتح الله عليه مكة خرج إلى حنين بعد ذلك في ذي القعدة، المقصود أن المسافر إذا خرج من بلده مسافرًا في رمضان فإنه يقصر متى فارق البلد، وأما رواية أنس هذه فهي ضعيفة، والصواب أنه إذا غادر البلد قصر أو أفطر إذا شاء، والنبي ﷺ كان يصلي تمامًا في المدينة، فإذا خرج قصر خارج المدينة في ذي الحليفة، وفي حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعًا ثم سار وصلى العصر في ذي الحليفة ركعتين بعدما غادر المدينة، وهكذا الصوم إذا غادر البلد له أن يفطر وله أن يكمل، وله أن يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام في السفر كما فعل النبي ﷺ، فإنهم لما شق عليهم الصوم أخذ قدحًا ورفع الماء حتى رآه الناس وأفطروا في طريقهم إلى مكة، ولما دنوا من مكة قال لهم: إنكم دنوتم من عدوكم فلو أفطرتم فأفطر قوم ولم يفطر قوم، فلما صاروا يصبحونهم أمرهم بالإفطار قال: إنه أقوى لكم على قتال عدوكم، فأفطروا، وبلغه أن أناسًا لم يفطروا فقال: أولئك العصاة، وتقدم الذي ظلل عليه من شدة الحر فقال النبي ﷺ في حقه: ليس من البر الصوم في السفر فإذا اشتد الحر على الإنسان فالأفضل له الفطر، فلا ينبغي له الصوم عند شدة الأمر عليه في السفر، أما إذا كان ما هناك مشقة فإن شاء صام وإن شاء أفطر، الأمر واسع، وتقدم أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبي ﷺ قال: يا رسول الله إني أجد قوة في السفر على الصوم؟ قال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر، وفي اللفظ الآخر قال: هي رخصة من الله يعني الفطر، فمن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، فدل على أن الفطر أفضل للمسافر، وحديث أبي بصرة يدل على أنه إذا سافر له الفطر في ذلك اليوم الذي سافر فيه ولو كان يرى البيوت، فله أن يفطر إذا غادر بلده وقريته، فله أن يفطر في سفره كما يصلي ثنتين إذا غادر البلد. وفق الله الجميع

بَابُ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً

1691 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ وَصَامَ، حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءُ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ

1692 - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ. وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ.

1693 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ حَتَّى أُنْزِلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَحْمَدَ.

1694 - وَعَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَلَمَةَ وَفِيهِ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَثَبَتَ الْإِطْعَامُ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ. مُخْتَصَرٌ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد.

1695 - وَعَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يقرأ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

1696 - وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أُثْبِتَتْ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالمريض والمسافر والحبلى والمرضع والشيخ الكبير والعجوز الكبيرة.

حديث أنس بن مالك الكعبي ، وهو صحابي معروف ليس له إلا هذا الحديث الواحد، أخبر فيه النبي ﷺ أن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، يعني رخص في تأخير الصوم وقت السفر، ما هو معناه أنه سقط عنه، ما سقط عنه لكن معناه وضع عنه الصوم في السفر كما قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، وشطر الصلاة: الظهر والعصر والعشاء، الرباعية يصليها ثنتين، وعن الحبلى والمرضع الصوم ما دامت حبلى يشق عليها الصوم، والرضاع يشق عليها الصوم تصوم بعدين، تفطر وقت الحبل إذا شق عليها الصوم وتفطر وقت الرضاع إذا شق عليها الصوم وتقضي كالمسافر ما هو سقط عنها بالكلية، معناه سقط عنها وقت الحبل والرضاع كما سقط عن المريض والمسافر وقت المرض والسفر، ثم يقضي كل منهم، المسافر يقضي بعد رجوعه، والمريض يقضي بعد الصحة، والحبلى تقضي بعد الوضع، والمرضعة تقضي بعد الفطام إذا وجدت القوة.

وحديث سلمة بن الأكوع يدل على أن الآية منسوخة وهي قوله جل وعلا: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184] هذه منسوخة، كان في أول الإسلام من شاء صام وهو أفضل، ومن شاء أطعم وسقط عنه الصوم، أطعم عن مسكين كل يوم أو أكثر مسكينا واحد أو أكثر ويسقط عنه الصوم وإن صام فهو أفضل، كان هذا في أول الأمر مخيرا، وإن كان قويًا مخيرًا إن شاء صام وهو أفضل، وإن شاء أطعم وكفى، وهذا معنى قوله: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ[البقرة:184] ثم نسخ الله ذلك في حق المقيم الصحيح بقوله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185] يعني من شهده صحيحًا مقيمًا وجب عليه الصوم، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] فالمريض والمسافر له الرخصة حتى يشفى ويقضي، وحتى يرجع من سفره ويقضي، أما الصحيح المقيم فالواجب عليه الصوم ولا يجزئه الإطعام، هذا هو الذي استقرت عليه الشريعة، والتخيير نسخ، وقول ابن عباس: ليست منسوخة يعني في حق الشيخ الكبير، يعني باقية في حق الشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه والعجوز الكبيرة، يطعم كل واحد منهم ولا عليه الصوم، العجوز الكبيرة والشيخ الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه ليست منسوخة في حقهم، يجزؤهم الإطعام، يطعم عن كل يوم مسكينا ولا صوم عليه لكبر سنه أو لكبر سنها أو لمرض لا يرجى برؤه فيشق معه الصوم فإنه يطعم مسكينا، هذه الآية باقية في حقهم كما ذكر معاذ وكما ذكر ابن عباس وغيرهم. وفق الله الجميع.

بَابُ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً

1691 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ وَصَامَ، حَتَّى إذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءُ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ، فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَوَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، هَكَذَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ.

بَابُ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا وَمُتَفَرِّقًا وَتَأْخِيرِهِ إلَى شَعْبَانَ

1697 - عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185].

1698 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «نَزَلَتْ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٍ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ.

1699 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إلَّا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ، ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَقَالَ: يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَصُومُ الشَّهْرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَيُطْعِمُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَالَ: إسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ.

1700 - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفٌ.

1701 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث في فطر الصائم في رمضان وفي القضاء، الصائم يشرع له الفطر في رمضان لقوله جل وعلا: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، وله أن يصوم إن شاء صام وإن شاء أفطر، والنبي ﷺ لما افتتح مكة دخلها وهو مفطر لعشر بقيت من رمضان، فدل ذلك على أن المسافر له أن يفطر، وهكذا ما لم يعزم على إقامة ولم يجمع إقامة له أن يفطر لأنه ﷺ إنما قام لإصلاح الأحوال وتأسيس قواعد الإسلام في مكة بعد تطهيرها من الكفر والضلال، ولهذا استمر في إفطاره ﷺ بقية الشهر، فدل على أن المسافر إذا قام إقامة ليس فيها إجماع مدة فإنه يقصر ويفطر ولو طالت المدة حتى يجمع إقامة، فلو أقام شهرًا أو شهرين أو ثلاثة وليس عنده نية إقامة إنما أقام لأسباب اقتضت ذلك وليس هناك مدة معينة بل يقول: أرتحل اليوم، أرتحل غدًا، قد بعد يومين، بعد ثلاثة، فليس عنده إجماع إقامة فإنه يقصر كما أقام النبي في مكة تسعة عشر يومًا، وفي تبوك عشرين يومًا يقصر عليه الصلاة والسلام.

أما إذا أجمع إقامة معينة فإن كانت أكثر من أربعة أيام أتم عند الأكثر، وإن كانت أقل، إن كانت أربعة أيام فأقل قصر، لأن الرسول ﷺ أجمع إقامة حين قدم مكة في حجة الوداع يوم الرابع ولم يظعن إلا يوم الثامن إلى منى وهو يقصر عليه الصلاة والسلام، فدل على أن العزم على الإقامة أربعة أيام لا يمنع من القصر، أما ما زاد فهو محل الخلاف، جملة من أهل العلم يقول: ما زال لم يجمع إقامة فإنه يقصر ولو طالت المدة ما دام إنما أقام لعارض ثم يرجع إلى بلده فإنه يقصر. والقول الآخر للأكثرين: أنه إذا عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام أتم إلا أن يكون مترددًا ما عنده جزم فإنه يقصر ولو طالت المدة.

وفيه من الفوائد أن من أفطر رمضان فإنه يقضيه إذا خرج رمضان وطاب من مرضه فعليه القضاء، فإذا استمر معه المرض ولم يقض من أجل المرض فإنه يقضي رمضان الماضي ورمضان الحاضر ولا شيء عليه لأنه معذور، لقوله جل وعلا: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، فإذا استمر معه المرض حتى جاء رمضان آخر فإنه يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي رمضان الذي أفطره بسبب المرض ولا شيء عليه لا إطعام عليه، أما لو فرط، صح من مرضه ولكنه لم يقض حتى جاء رمضان الآخر فإنه يقضي ويطعم عن كل يوم مسكينًا، لأنه فرط ولم يقض قبل رمضان حتى أدركه رمضان، فهذا عليه قضاء مع إطعام مسكين عن كل يوم، وهكذا العاجز الذي لا يستطيع الصوم كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة والمريض الذي لا يرجى برؤه كما تقدم ليس عليهم صوم، وعليهم الإطعام عن كل يوم مسكينا في رمضان، إن شاءوا جمعوا ذلك وأطعموا مسكينًا واحدًا، وإن شاءوا أخرجوا كل يوم بيومه، وإن جمعوا الجميع وأعطوه بعض الفقراء كفى خمسة عشر صاعًا للشهر كله. وفق الله الجميع

بَابُ صَوْمُ النَّذْرِ عَنْ الْمَيِّتِ

1702 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ فَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدَّى ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ. أَخْرَجَاهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَأَنْجَاهَا اللَّهُ فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ قَرَابَةٌ لَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صُومِي عَنْهَا. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

1703 - وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1704 - وَعَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْهَا، قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: حُجِّي عَنْهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الأربعة كلها تدل على شرعية القضاء عن الميت إذا كان عليه دين أو حج أو صوم أو نذر، فإنه يشرع لأوليائه وأقاربه أن يصوموا عنه وأن يقضوا عنه دينه، في الأول: أن امرأة سألته قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم؟ قال: أرأيتِ لو كان عليها دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فاقضوا الله، فالله أحق بالوفاء. وهكذا إذا كان عليها نذر حج فإنه يشرع للورثة أن يحجوا عنها، وهكذا حج الفريضة إذا كانت لم تحج قط ولم تعتمر يشرع لأقاربها أن يحجوا عنها، كل هذه الأحاديث تدل على هذا المعنى، ولا فرق بين كون الصوم أو الحج نذر أو فريضة لأن الأحاديث عامة من مات وعليه صيام صام عنه وليه حديث عائشة يعم الجميع، وكذلك الأشياء التي فيها صوم عليها صوم، عليها حج، هذا يدل على العموم، وفي المسند بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ قال: صومي عن أمك، وفي هذا الحديث أن امرأة أعطت أمها جارية ثم ماتت، فقال: وجب أجرك يعني على الله، ورد عليها الميراث، ثم سألته عن الصوم والحج على أمها، فقال: صومي عنها، وحجي عنها فدل ذلك على أن المرأة إذا ماتت وعليها صوم أو حج أو عمرة أو نذر يستحب لأوليائها كأولادها وإخوتها أن يصوموا عنها، وقوله: فرد عليك الميراث يدل على الإرث بالرد، فإن النصف فرض لها والباقي بالرد، فجعل الجارية لها فرضا وردًا، نصفها بالإرث ونصفها بالرد، وهذا من أدلة القائلين بالرد، فإذا مات ميت عن ذي فرض وليس له عصبة فإنه صاحب الفرض يأخذ المال كله فرضا وردًا، فإذا مات إنسان عن أمه فقط أو عن جدته فقط أو عن بنتين فقط ما له عصبة، تأخذ المال كله فرضًا وردًا. وفق الله الجميع.

س: الصيام خاص بالولي؟

الشيخ: الأقارب، الولي هو القريب، وإذا صام غيره فلا بأس من باب الإحسان.

س: على سبيل الوجوب؟

الشيخ: المعروف عند العلماء الاستحباب لقوله جل وعلا: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] فالأقرب والله أعلم أنه للتأكيد والمشروعية.

س: .....؟

الشيخ: إذا كان ميتًا لا بأس، أو عاجزًا لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه لا بأس، مثل الميت العاجز، مثل الميت إذا كان فيه مرض لا يرجى برؤه أو كبر سن، جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عن أبيك، وجاءه آخر فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ قال: حج عن أبيك واعتمر.

س: العمرة نافلة؟

الشيخ: نافلة عن الميت له والعاجز سواء نافلة وإلا فريضة.

أَبْوَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

بَابُ صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ

1705 - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَاكَ صِيَامُ الدَّهْرِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

1706 - وَعَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

بَابُ صَوْمِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَتَأْكِيدِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ

1707 - عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: «أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرِ، وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

1708 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.

1709 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

1710 - وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: «أَنَّهُمْ شَكُّوا فِي صَوْمِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ بِعَرَفَةَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

1711 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: يستحب للمؤمن التقرب إلى الله بهذه النوافل التي دعا إليها النبي ﷺ، ومن ذلك صوم يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، والمستحب أن يصوم قبله يوم أو بعده يوم لأنه ﷺ لما سئل عن ذلك؟ قيل له: إن اليهود يصومونه؟ قال: لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يعني مع العاشر، وروي عنه ﷺ أنه قال: صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده، فالمستحب أن يصام التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر خلافًا لليهود، وفي هذا الشهر يكون الصوم الأربعاء والخميس إن كان الشهر تامًا فهما التاسع والعاشر، وإن كان شهر ذي الحجة ناقصًا فهما العاشر والحادي عشر يوم الأربعاء والخميس، فيستحب صومهما لأنهما إما التاسع والعاشر إن كان الشهر كاملا ذي الحجة، وإما العاشر والتاسع والحادي عشر إن كان الشهر ناقصًا.

بَابُ صَوْمِ الْمُحَرَّمِ وَتَأْكِيدِ عَاشُورَاءَ

1712 - قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ ﷺ سُئِلَ أَيُّ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ.

1713 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا هَذَا الْيَوْمَ، وَلَا شَهْرًا إلَّا هَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي رَمَضَانَ».

1714 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

1715 - وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ».

1716 - وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عبداللَّهِ وَهُوَ يَطْعَمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عبدالرَّحْمَنِ إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ.

1717 - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَصُومُهُ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صِيَامَهُ.

1718 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوهُ أَنْتُمْ.

1719 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

1720 - وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ. مُتَّفَقٌ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَأَكْثَرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ وَجَبَ ثُمَّ نُسِخَ، وَيُقَالُ: لَمْ يَجِبْ بِحَالٍ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا نُسِخَ تَأْكِيدُ اسْتِحْبَابِهِ.

1721 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنصَارَى، فَقَالَ: إذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ، يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: هذه الأحاديث الكثيرة كلها تتعلق بصوم يوم عاشوراء، وكان النبي ﷺ أكد على المسلمين أن يصوموه قبل فرض رمضان، وأمر القرى التي حول المدينة بأن تصوم، وأمر من أصبح مفطرًا بأن يمسك، وكل هذا كان قبل فرض رمضان، فلما فرض الله رمضان قال: من شاء صام، ومن شاء أفطر وكان يصومه عليه الصلاة والسلام، وقال لما قيل له إن اليهود يصومونه قال: لئن عشت لأصومن التاسع يعني مع العاشر خلافًا لهم، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: صوموا قبله يوم أو بعده يوم والعاشوراء: هو العاشر من المحرم من هذا الشهر، والأفضل صيامه، يستحب صيامه لأن النبي ﷺ كان يصومه، ولكن ليس بواجب، ولهذا في حديث معاوية: إن الله لم يكتب عليكم صيامه كان متأكدًا قبل رمضان، فلما فرض الله رمضان نسخ التأكيد وبقي الاستحباب، بقي مستحبًا غير مؤكد بعدما فرض الله رمضان لقول معاوية : إن الله لم يكتب عليكم صيامه يرويه عن النبي ﷺ، فالمستحب صيامه وأن يصام قبله يوم أو بعده يوم، أو يصام الذي قبله والذي بعده خلافًا لليهود، وفي هذا العام يحسن أن يصام الأربعاء والخميس لأن التوقيت بالتقويم أدخل الشهر بالاثنين، ورؤية الهلال مرتفعة ليلة الثلاثاء فيكون يوم الأربعاء هو العاشر والخميس هو الحادي عشر، وهذا فيه جمع بين السنة، جمع بين صوم الأربعاء إن كان الشهر بالاثنين أو العاشر، وإن كان بالثلاثاء فهو التاسع والخميس هو العاشر، فالأفضل أن يصام الأربعاء والخميس هذا الشهر، وهو مستحب فمن شاء صام ومن شاء ترك كما بينه النبي عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: فيها ضعف، لكن يشهد لها رواية ابن عباس.

بَابُ مَا جَاءَ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ

1722 - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إلَّا شَعْبَانَ يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: «كَانَ يَصُومُ شَهْرَيْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ».

1723 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ». وَفِي لَفْظٍ «مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ، مَا كَانَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ». وَفِي لَفْظٍ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ». مُتَّفَقٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.

1724 - وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتُكَ عَامَ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: فَمَا لِي أَرَى جِسْمَكَ نَاحِلًا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكَلْتُ طَعَامًا بِالنَّهَارِ، مَا أَكَلْتُهُ إلَّا بِاللَّيْلِ، قَالَ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ، قُلْت: إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ، قُلْت: إنِّي أَقْوَى، قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَصُمْ أَشْهُرَ الْحُرُمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا لَفْظُهُ.

الشيخ: حديثا أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما يدلان على شرعية صيام شعبان، وأن النبي ﷺ كان يصومه كله، وربما صامه إلا قليلا كما قالت عائشة رضي الله عنها، وجاء في بعض الروايات لما سئل عن هذا؟ قال: لأنه شهر يغفل عنه الناس، وفي بعض الروايات: يصومه تعظيمًا لرمضان فالمقصود أنه يستحب صيام شعبان لثبوت حديث عائشة وأم سلمة في ذلك، وأنه ربما صامه كله وربما صامه إلا قليلا، ولعل هذا فيه أيضًا تمهيد واستعداد لصوم شهر الصبر وهو شهر رمضان، فإذا جاء رمضان فإذا هو قد تمرن على الصبر واعتاد الصبر فيجتمع له أجر هذا وأجر هذا.

أما الفريضة فإن الله لم يفرض على أحد صيام إلا رمضان، وما سوى ذلك فهو تطوع، الشهر الذي أوجبه الله على المسلمين شهر رمضان، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام على الذكر والأنثى من المكلفين إلا من عجز لكبر سن أو مرض فإنه يسقط عنه إذا كان لكبر سن ويطعم، أو لمرض لا يرجى برؤه يسقط ويطعم عن كل يوم مسكينا، أما المريض الذي يرجى برؤه فإنه يفطر ويقضي، وهكذا المسافر كما قال تعالى: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]. أما المريض الذي لا يرجى برؤه لمرض يشق معه الصوم أو لكبر سن فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ويدل حديث عائشة كما تقدم وحديث أم سلمة على أن شعبان مستحب صومه إلا قليلًا، فمن أفطر منه قليلا فلا بأس، ومن صامه كله فلا بأس، الأمر في ذلك واسع والحمد لله.

أما حديث الباهلي أنه قال له النبي ﷺ: صم الأشهر الحرم، صم شهر الصبر ويومًا بعده أو يومين أو ثلاثة، فهو حديث ضعيف، حديث مضطرب كما بين أهل العلم، فالحديث لا يصح ولا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويأتي ما يتعلق بصيام بعض التطوع الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر يأتي إن شاء الله، المقصود أن الحديثين حديث أم سلمة وحديث عائشة رضي الله عنهما دالان على شرعية صيام شعبان إن شاء صامه كله وإن شاء صامه إلا قليلًا، وأما حديث الرجل من الباهلة أن النبي ﷺ أمره أن يصوم بعد شهر الصبر يومًا أو يومين أو ثلاث وأمره أن يصوم الأشهر الحرم فهو حديث ضعيف مضطرب الإسناد. وفق الله الجميع.

بَابُ الْحَثِّ عَلَى صَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ

1725 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.

1726 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مَعْنَاهُ. وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.

1727 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ: ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: هذه الأحاديث تدل شرعية صيام الاثنين والخميس وأنهما يومان عظيمان تعرض فيهما الأعمال على الله فيغفر الله لكل مسلم ليس بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا، فيستحب للمؤمن والمؤمنة صيام الاثنين والخميس إذا تيسر ذلك لما ذكره النبي ﷺ من أنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، وكان يصومهما عليه الصلاة والسلام، ويقول: أحب أن يعرض عملي وأنا صائم عليه الصلاة والسلام، يقول ﷺ: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله فيغفر الله فيهما لكل مسلم لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا هذا يدل على الحذر من الشحناء وأن شرها عظيم، وأن الشحناء والخصومة من أسباب حرمان المغفرة، فينبغي للمسلم أن يكون مع إخوانه في صلح ومحبة وتعاون، وأن يحذر الشحناء التي تسبب البغضاء والعداوة والتهاجر.

ويقول في حديث أبي قتادة في يوم الاثنين إنه يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه، فيكون يوم الاثنين له مزايا، كونه يوم ولد فيه النبي ﷺ، ويوم أنزل الله فيه الوحي عليه والنبوة، ويوم تعرض فيه الأعمال، ثلاث مزايا: كونه يوم تعرض فيه الأعمال، ويوم أنزل فيه الوحي أو بدء فيه الوحي، ويوم ولد فيه النبي ﷺ، فدل على شرعية صومه، وقد يتعلق بهذا المبتدعة الذين يرون الاحتفال بالموالد ولا حجة لهم في هذا، فإن هذا يوم الاثنين تعظيم بالصوم، ما هو بالاحتفالات، الاحتفال بالمولد بدعة لم يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة ولا الخلفاء الراشدون، ولا غيرهم من أهل العلم والإيمان، وإنما أحدثه بعض الرافضة ثم تبعهم بعض المنتسبين إلى السنة جهلًا، فالاحتفال بالموالد - موالد الأنبياء وغيرهم - من البدع المنكرة، أما صوم الاثنين فيصام لأنه يوم ولد فيه ﷺ وصامه النبي ﷺ فنصومه لأنه صامه، لا لأنه المولد بل لأنه صامه، ولأنه ﷺ قال: تعرض فيه الأعمال على الله، ولأنه أنزل فيه الوحي الذي به حياة الأمة الوحي، فهو اختص بهذه المزايا الثلاث، فلهذا صامه النبي ﷺ، فنصومه لهذه المزايا التي قالها النبي ﷺ، أما تعظيمه بالاحتفالات أو الاجتماع فيه أو ذبح الذبائح أو ما أشبه ذلك فهذا كله من البدع. وفق الله الجميع

بَابُ كَرَاهَةِ إفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ

1728 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا: «أَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ: أَنْ يُفْرَدَ بِصَوْمٍ.

1729 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا وَقَبْلَهُ يَوْمٌ، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمٌ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ. وَلِمُسْلِمٍ: وَلَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخْتَصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ. وَلِأَحْمَدَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.

1730 - وَعَنْ جَوَيْرِيَةَ بنت الحارث: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: تَصُومِينَ غَدًا؟ قَالَتْ لَا، قَالَ: فَأَفْطِرِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ.

1731 - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.

1732 - وَعَنْ جُنَادَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي سَبْعَةٍ مِنْ الْأَزْدِ إنَاثًا مِنْهُمْ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: هَلُمُّوا إلَى الْغَدَاءِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا صِيَامٌ، فَقَالَ: أَصُمْتُمْ أَمْسِ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: أَفَتَصُومُونَ غَدًا؟ قُلْنَا لَا، قَالَ: فَأَفْطِرُوا، فَأَكَلْنَا مَعَهُ؛ فَلَمَّا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ يُرِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَصُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ». رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.

1733 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ وَاسْمُهَا الصَّمَّاءُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلَّا عُودَ عِنَبٍ أَوْ لِحَاءَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ.

1734 - وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد، وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ مَعَ غَيْرِهِ.

الشيخ: هذه الأحاديث الكثيرة كلها تدل على تحريم صوم يوم الجمعة وحده، وأنه لا يجوز تخصيصه بالصيام لقوله ﷺ: لا تخصوا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوم أو بعده يوم، ولأنه أمر جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها لما صامت يوم الجمعة ولم تصم الخميس ولم تنوِ صوم يوم السبت قال لها: أفطري، وقال: لا تخصوا يوم الجمعة إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم، ونهى أن تخص الجمعة بصيام، وأن تخص ليلتها بقيام، هذا يدلنا على أنه لا يجوز تخصيص يوم الجمعة بالصيام ولا ليلة الجمعة بقيام، والحكمة في ذلك والله أعلم أنها يوم عيد كما بينه النبي ﷺ، فلو أذن للناس بصيامها لأكثروا من ذلك، وكان من رحمة الله جل وعلا أن نهاهم عن التخصيص كما لا تصام الأعياد، أما من صام قبلها يوم أو بعدها يوم فلا بأس، وفيه دليل على أن يوم السبت لا بأس بصيامه في النافلة لحديث: إلا أن تصوموا قبله يوم أو بعده يوم، ولحديث جويرية وما جاء في معناه، ويدل هذا على أن حديث الصماء بنت بسر الذي فيه النهي عن صوم يوم السبت أنه حديث ضعيف، وهو مضطرب وضعيف مخالف للأحاديث الصحيحة التي دلت على جواز صوم يوم السبت مع الجمعة أو مع الأحد أو مفردًا، فيوم السبت مثل بقية الأيام لا بأس بصيامه سواء مع الجمعة أو مع الأحد نافلة، وحديث الصماء الذي ذكره المؤلف هنا حديث ضعيف كما نبه عليه العلماء، لا يصح ولا يعول عليه، وفيه دليل على جواز الفطر إذا كان الصوم نفلًا لأن الرسول ﷺ قال لجويرية: أفطري وهي قد نوت الصوم يوم الجمعة فقال لها: أفطري فدل على أن الصوم النافلة يجوز لصاحبه أن يفطر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ دخل عليها وقال: عندكم شيء؟ قالت: أهدي لنا حيس فأكل منه وقال: لقد أصبحت صائمًا فأفطر وأكل فدل على جواز الإفطار للمتنفل إذا رأى المصلحة في ذلك.

أما حديث الأزدي الذي فيه أنه جاء وسبعة معه، والنبي ﷺ يتغدى وقال لهم: اقربوا أطعموا، فقالوا: إنهم صيام، فقال لهم: صمتم أمس؟ قال: ستصومون غدًا؟ قالوا: لا، قال: فأفطروا فهو مثل ما تقدم مثل بقية الأحاديث الدالة على أن يوم الجمعة لا يفرد، أما قوله: «إنه قام على المنبر وشرب ليرى الناس أنه ليس بصائم»، فهو حديث ضعيف لأن يوم الجمعة ما يحرم صومه مطلقًا، إنما يحرم إفراده، أما صومه مع السبت أو مع الخميس فلا بأس به، فقوله: «إنه قائم على المنبر شرب» هذا يدل على ضعف الحديث، وسنده ضعيف، ومن نكارة متنه ما ذكره عن شربه على المنبر لأن هذا إنما يفعل لو كان صوم الجمعة ممنوعًا مطلقًا، وصومه يوم الجمعة في حديث ابن مسعود محمول على أنه صامه مع غيره، قل أن يفطر يوم الجمعة مع غيره لأنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر عليه الصلاة والسلام، وكان يسرد الصوم في بعض الأحيان حتى يقال لا يفطر، ويسرد الفطر حتى يقال لا يصوم، فرواية أنه صام الجمعة يعني مع غيره كما بين للأمة عليه الصلاة والسلام، فهو بين للأمة وهو أول من يمتثل عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أنه إذا صامه مع غيره قبله أو بعده فلا حرج في ذلك، وفق الله الجميع.

بَابُ صَوْمِ أَيَّامِ الْبِيضِ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَتْ سِوَاهَا

1735 - عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةً فَصُمْ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَأَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسَ عَشَرَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ.

1736 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

1737 - وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ، وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

1738 - وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160] الْيَوْمُ بِعَشَرَةٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد ثبت في هذا عدة أحاديث في الصحيحين وغيرهما كلها دالة على أنه يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر للرجل والمرأة سواء، كان من أوله أو من وسطه أو من آخره مجتمعة أو متفرقة، ومن هذا ما في الصحيح من حديث عبدالله بن عمرو أن النبي ﷺ قال له: صم من الشهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، وهكذا في حديث أبي هريرة قال: «أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: منها صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» هكذا أوصى أبا الدرداء أن يصوم من الشهر ثلاثة أيام، وأن يحافظ على صلاة الضحى، وأن يوتر قبل النوم، والأحاديث في هذا كثيرة كلها دالة على شرعية صيام ثلاثة أيام من كل شهر مجتمعة أم مفرقة، في العشر الأول أو الأوسط أو الأخيرة، وإن صامها أيام البيض كان ذلك أفضل إذا تيسر له أن يصومها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر كان ذلك أفضل، وإن صامها في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره أو مفرقة كل ذلك لا حرج فيه لأن السنة ثبت بهذا كله، والحمد لله.

بَابُ صِيَامِ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ وَكَرَاهَةُ صَوْمِ الدَّهْرِ

1739 - عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قُلْتُ: إنِّي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ، وَهُوَ صَوْمُ أَخِي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ.

1740 - وَعَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

1741 - وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ قَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، أَوْ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

1742 - وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَقَبَضَ كَفَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على كراهة صوم الدهر، وأنه لا ينبغي صوم الدهر وإنما يصوم ويفطر كما قال النبي ﷺ للسائلين: صم وأفطر، قال لعبدالله بن عمرو: صم وأفطر، فالسنة أن يصوم ويفطر، ولما ألح عبدالله في ذلك قال: صوم يومًا وأفطر يومًا فذلك صيام دواد -نبي الله- وهو أفضل الصيام، وكان عبدالله يصوم الدهر فنهاه النبي عن ذلك قال: صم ثلاثة أيام من الشهر فذلك صيام الدهر قال: إني أقوى من ذلك، قال: صم يومًا وأفطر يومين، قال إني أقوى من ذلك فلم يزل به حتى قال: صم يومًا وأفطر يومًا، فذلك صيام أخي داود وهو شطر الدهر، وفي لفظ قال: يا رسول الله إني أريد أفضل من ذلك؟ قال: لا أفضل من ذلك. وسئل عمن صام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، قال: لا صام من صام الأبد فدل ذلك على كراهة صيام الدهر، وأن السنة أن يصوم بعضًا ويفطر بعضًا، وإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر كفى، وإن صام أكثر فلا بأس، وإن صام يومًا وأفطر يومًا فهذا أفضل الصيام التطوع، كما كان يصوم داود يصوم يومًا ويفطر يومًا، إذا فعل ذلك فلا بأس، أما حديث من صام الدهر ضيقت عليه جهنم فهو حديث منكر والظاهر أنه موضوع وليس من كلام النبي ﷺ، فالأقرب أنه موضوع، وإن صح فما تأوله المؤلف تأويل صحيح إذا صام الدهر مع أيام العيدين وأيام التشريق، لكن الظاهر أنه موضوع من بعض الكذابين نسأل الله العافية.

يسأل كثير من الناس عن صوم عاشوراء، وقد تقدم في الدروس الماضية أن الأفضل التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، هذا هو الأفضل، ومن صام يوم العاشر فلا بأس ولكن الأفضل أن يصوم معه يوم قبله أو بعده، والشهر الذي هو المحرم إنما ثبت في الثلاثاء والأصل تمام الشهر الماضي ذي الحجة فيكون يوم الثلاثاء هو أول الشهر ويكون يوم الأربعاء هو التاسع والخميس هو العاشر والجمعة هي الحادي عشر اعتبارًا بالرؤيا لا بالتقويم، التقويم لا يعتمد عليه في الأحكام الشرعية إنما يعتمد عليه في الكتابات العادية والأمور الرسمية، أما الأحكام الشرعية فلا يعتمد على التقويم إنما يعتمد على الرؤيا، والأصل تمام الشهر ثلاثين، هذا هو الأصل، فالأفضل صيام الأربعاء والخميس، أو الخميس والجمعة، أو صيام الثلاثة كله طيب من باب التطوع، كله تطوع من صام فله أجر ومن ترك فلا بأس، ولهذا قال ﷺ: من شاء صام ومن شاء ترك، قال: وأنا صائم عليه الصلاة والسلام، وقال: صيام يوم عاشوراء يكفر الله به السنة التي قبله وهو يوم صامه موسى شكرًا لله لما أنجاه الله وبني إسرائيل من الغرق وأغرق فرعون، فصامه موسى شكرًا لله، وصامه نبينا ﷺ تأسيًا بموسى وشكرًا لله أيضًا، ولكن إذا صام قبله يومًا أو بعده يومًا كان حسنًا من باب المخالفة لليهود، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده لكن السند فيه ضعف. وفق الله الجميع.

س: .....؟

الشيخ: لا، كراهة تنزيه.