دور الشباب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

أما بعد:

فإن دور الشباب المسلم في هذا العصر دور عظيم، وإن كان الشباب في كل زمان له دور يجب أن يعتني به، ويجب أن ينال منه ما يليق، ولكن في هذا العصر له شأن آخر، وذلك بسبب ما ظهر من التيارات الخطيرة، والأفكار الهدامة، والنحل المضلة.

وكثير من الناس قد يتكلم في هذه المسائل بغير علم، وقد يخوض فيها بالباطل، فدور الشباب المتعلم المتبصر في هذه المسائل دور عظيم لبيان الحق وإيضاحه، ودحض الباطل وإزهاقه، ولا شك أن دور العلماء الذين مارسوا هذه الأمور ودرسوها دراسة وافية وعرفوا حكمها أهم وأكبر.

وعلى الشباب أن يعنوا بسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم، وأن يعطوا هذه الأمور حقها من العناية والمذاكرة حتى يحكموا عليها حكما صحيحا مبنيا على الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وحتى يطبقوا أحكام الله على ما ظهر من الناس من نحل باطلة وأفكار هدامة وتيارات خطيرة ليحذروا الناس منها ويبينوا لهم خطرها.

ودور الشباب في هذا العصر أشد وأخطر من دورهم فيما مضى بسبب ما تقدم من ظهور الأفكار الهدامة والمذاهب المنحرفة والتيارات الخطيرة التي يخفى حكمها على كثير من الناس، ولا شك أن الشيب والشيوخ لهم تجارب ولهم معلومات قد تخفى على الشباب، كما أن الأساتذة الذين حملوا العلم ودرسوه لغيرهم عندهم من العلم والبصيرة في الأغلب الأكثر مما عند غيرهم من الشباب الذين لم يعلموا علمهم، ولم يجربوا تجاربهم، وإنما يتم الجهاد لهذه الأخطار وكشفها وفضحها بالتعاون بين الشباب وبين الشيوخ من أهل العلم والبصيرة، وبين أهل التجارب الذين جربوا الأمور وعرفوها عن كثب وعرفوا عواقبها الوخيمة، فإذا حصل التعاون بين طلبة العلم وبين المدرسين والدعاة إلى الله ، وبين أهل التجارب فيما قد يخفى أمره من أمور الناس، إذا حصل التعاون بين الجميع انتفع المسلمون بذلك، وحصل لهم من العلم والبصيرة بما يجب عليهم وما يحرم عليهم ما لم يحصل بالإعراض والغفلة وعدم التعاون على البر والتقوى.

والله أوجب على عباده أن يعبدوه ويتقوه سبحانه، وإنما تكون العبادة والتقوى بالعلم والبصيرة، والمذاكرة في العلم والعناية بالأدلة الشرعية، لا بمجرد الدعاوى والتخرصات والظنون، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين فالفقه في الدين إنما يكون بدراسة الكتاب العزيز -وهو القرآن- والسنة المطهرة، وتدبر ذلك والعناية بذلك، والمذاكرة بين أهل العلم وبين الشباب فيما بينهم، وسؤالهم من هو أعلم منهم عما أشكل عليهم، ورأس العلم خشية الله وتعظيم حرماته.

فالتفقه في الدين يكون بخشية الله وتعظيم حرماته، وتدبر لكتابه العظيم ولسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، والتعرف على أحكام الله بأدلتها حتى يطبقها على نفسه، وحتى يدعو إليها غيره، فمن علامات الخير ومن دلائل السعادة أن يفقه العبد في دين الله، وأن يأخذ أمور دينه عن كتاب الله الكريم، وعن سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، وأن يعنى بمراجعة العلماء والاستفادة منهم، ومراجعة الكتب المفيدة والاستفادة منها حتى تكون معلوماته على أساس متين، وعلى أصول معتبرة.

ثم من أهم الأمور بعد ذلك أن يطبق على نفسه ما علمه بالأدلة الشرعية، فيسارع إلى ما أوجب الله عليه ويتباعد عما حرم الله عليه، ويقف عند حدود الله، فيكون قدوة صالحة فيما يأتي ويذر، هكذا طالب العلم الموفق يتقي الله في نفسه، ويأمر الناس بتقوى الله ، ويحاسب نفسه في كل شيء، ويعلم أنه مسؤول بين يدي الله ، وبذلك يكون قدوة صالحة وأسوة صالحة يقتدى به في أقواله وأعماله، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام أحسن قدوة وأفضل قدوة، قالت عائشة رضي الله عنها في تفسير قوله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] قالت: كان خلقه القرآن المعنى أنه كان عليه الصلاة والسلام يتأدب بآداب القرآن، ويأتمر بأوامره، وينتهِ عن نواهيه، ويقف عند حدوده، ويعتبر بأمثاله وقصصه، هكذا كان عليه الصلاة والسلام.

فعلى الأمة من أهل العلم والإيمان أن يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وأن يقتدوا به في كل شيء، ومن ذلك العناية بالقرآن والتأدب بآدابه العظيمة، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والوقوف عند حدوده، ثم العناية بسنة الرسول ﷺ، وسيرته وسيرة أصحابه الكرام ، فإنهم أهل العلم والإيمان، وهم القدوة الصالحة بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام.

فيجب على أهل العلم والإيمان وعلى الشباب المسلم من طلبة العلم وغيرهم أن يعنوا بهذا الأمر، وأن يتأسوا بنبيهم ﷺ وبصحابته الكرام في أقوالهم وأعمالهم، وألا يكون همهم الشهادة، فإن الشهادة في الحقيقة إنما هي وسيلة للجد في العلم، وهي في الحقيقة مفتاح للعلم، وهي المبدأ للتحصيل، فلا يليق بطالب العلم أن يكون همه الشهادة حتى يتوظف، حتى يتخذ ما يريد من سيارة، من مسكن، من ملبس، إلى غير ذلك لا، بل يكون الهدف تحصيل العلم، هذا هو الهدف الصحيح، وهذا هو الذي يقصده أهل العلم والإيمان، فالشهادات إنما هي عون لطالب العلم على تحصيل العلم وعلى نفع المسلمين.

أما المقصود فهو تحصيل العلم، كيف يعبد الله؟ كيف يدعو إليه؟ كيف يعرف ما حرم؟ كيف يعرف ما أوجب؟ كيف يعرف ما أحل الله له؟ فهو يتفقه في الدين ويتعلم ليعلم أحكام الله، وليعمل بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وليدعو الناس إلى الخير وليحذرهم من الشر، هذا هو المقصود بطلب العلم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر فاعله من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة فالعلم يطلب ليعرف الإنسان حكم الله، وليعمل بذلك حتى يفوز بكرامة الله وجنته.

ويطلب العلم أيضًا ليرشد الناس إلى ما خلقوا له، يقوم المتعلم بإرشاد الناس لما خلقوا له، وليوجههم إلى ما يرضي الله ويقرب لديه، فيكون له مثل أجورهم فإن من دل على خير فله مثل أجر فاعله كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام.

فالواجب على الشباب المسلم والفتيات المسلمات بوجه خاص هو الجد والاجتهاد في طلب العلم، والتفقه في الدين بنية صالحة وقصد صالح، كما أن هذا هو الواجب على الشيوخ من المعلمين والمرشدين ومن غيرهم أن يتفقهوا في دين الله، وأن يعنوا بتطبيق كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ على أنفسهم وعلى غيرهم في أقوالهم وأفعالهم، حتى يكون الجميع قدوة صالحة، وحتى يكونوا هداة مهتدين، وحتى يرشدوا الناس إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

والله المسؤول سبحانه أن يصلح أحوالنا جميعا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، ويعينهم على تحكيم شريعته، والتحاكم إليها، وإلزام الشعوب بها، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن وأسباب النقم، إنه سبحانه وتعالى سميع قريب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.