بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها المستمعون الكرام حديثي معكم اليوم في وجوب النصيحة.
ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم هذا الحديث الصحيح يدلنا على أن النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، هي الدين كله، وهي بمعنى الإخلاص والصدق والعمل، تقول العرب: ذهب ناصح، يعني سليم من الغش ليس به دغل، وتقول العرب أيضًا: عسل ناصح الذي قد صفي من شمعه وما قد يعتريه من الأذى، فالنصيحة لله هي الإخلاص له في العمل والصدق في العمل ... الإنسان ولكن ليس عنده النصيحة في عمله، فالرسول ﷺ يبين لنا أن الدين هو النصيحة، وأن الواجب على المؤمن أن ينصح لله في عمله، وهكذا المؤمنة عليها أن تنصح لله في عملها.
وأصل النصيحة وأساسها الإخلاص لله سبحانه ... بالعبادة ... القرب إليه في جميع الأعمال، وذلك بأن تكون صلاتك لله، صيامك لله، زكاتك لله، حجك لله لا رياء ولا سمعة، وهكذا دعواتك، وهكذا نذرك، وهكذا ذبحك، ... كله لله وحده هو الذي يدعى ويعبد جل وعلا كما قال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقال : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والمعنى أن العباد خلقوا ليوحدوا الله بعبادتهم ولا يشركوا به جل وعلا...، وهو خلق الخلق لذلك فقال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وبعث الرسل لهذا الأمر فقال جل وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] المعنى وحدوا الله واتركوا عبادة من سواه جل وعلا.
والرسل بعثوا لإرشاد الناس وتوجيههم إلى عبادة الله وحده، وطاعة أوامره، وترك نواهيه ، فالواجب على العباد النصح بهذا، وذلك بأن تكون العبادة لله وحده خالصة، ليس فيها شائبة لغيره، فلا يدعوا إلا الله، ولا يستغيثوا إلا بالله، ولا يتوكلوا إلا عليه، ولا يصلوا إلا له، ولا يسجدوا إلا له، ولا يتقربوا بالذبائح والنذور إلا لله ، لا يتقرب بها إلى الموتى في القبور، ولا إلى الأشجار والأحجار والكواكب، ولا إلى الأصنام ولا إلى غير ذلك من المخلوقين، بل يتقرب بها العباد إلى الله وحده، فيدعوه، ويستغيث به، ويذبح له، وينذر له، وإن كان النذر لا ينبغي كما في الحديث عن النبي ﷺ أنه نهى عن النذر، قال: إنه لا يأتي بخير لكن متى فعله يكون لله، وأن يوفي به إذا كان طاعة لله .
وبهذا يعلم أن ما يتعاطاه بعض الجهلة حول بعض القبور من دعاء الميت والاستغاثة به والذبح له والنذر له والطواف بقبره تقربا إليه أو ما أشبه ذلك، أن هذا من عبادة غير الله، وأن هذا من الشرك بالله ، هو من عمل أهل الشرك فيما مضى من الزمان في الجاهلية، وقد سار على نهج أهل الشرك في هذا الباب كثير من الجهال في بلاد كثيرة حول القبور بها يستغيثون، ولها ينذرون، وبقبورهم يطوفون، إلى غير ذلك من الشرك بالله .
والطواف على القبر إذا كان صاحبه يقصد بذلك التقرب إلى الميت ورجاء شفاعته أو رجاء شيئا آخر من الثواب فإن هذا يكون شركا بالله وعبادة لصاحب القبر، أما إن طاف بقبر يظن أنه طيب ويقصد بذلك وجه الله والتقرب إليه فإن هذا يكون بدعة وضلالة، لأن الطواف لا يكون إلا بالكعبة المشرفة في مكة، لا يكون في القبور، وبكل حال الطواف بالقبور من المنكرات العظيمة، فهو بين بدعة وشرك.
وهكذا الاستغاثة بالموتى، والنذر للموتى، والاستعانة بالموتى، وسؤالهم شفاء المرضى، والنصر على الأعداء، وما أشبه ذلك، كل هذا ضد النصيحة لله، وخلاف دين الله، ومن أعمال الجاهلية ومن الشرك بالله .
ومن النصيحة لله تعظيم أوامره، تعظيم نواهيه حتى لا يتساهل في أمره، وحتى لا يتساهل أيضا في نهيه، هكذا النصح لله يعظم أوامر الله فيبادر إليها، ويعظم نواهيه فيحذرها ويتباعد عنها.
ومن النصيحة لله دعوة الناس إلى توحيده وإرشادهم إلى ما خلقوا له من طاعته وعبادته وتحذير الناس من عصيانه سبحانه ... كل هذا من النصيحة لله .
والنصيحة لكتاب الله: الإيمان بأنه كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ليس ككلام غيره، ومن النصيحة لكتاب الله أيضا العمل به وطاعة ما فيه من الأوامر، وترك ما فيه من النواهي، وتدبر معانيه، والاستفادة منه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، إلى غير ذلك من النصيحة لكتاب الله ، وأعظم ذلك العمل بكتاب الله، أهم النصيحة أن تعمل بكتاب الله ... العمل لا مجرد التلاوة، المهم أن يعمل به من تدبر وتعقل، ونفذ ما فيه من الأوامر والنواهي كما قال في كتابه العظيم: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وقال سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].
فيا عبدالله، ويا أمة الله، هذا كتاب أنزل للعمل لا للتلاوة فقط فعلينا جميعا أن نعمل بكتاب الله، وأن نقبل عليه، وأن نسارع إلى تنفيذ أوامره وترك نواهيه، وأن نعتبر بأمثاله والقصص التي فيه، هكذا النصيحة لكتاب الله.
أما النصيحة للرسول ﷺ: فبالإيمان به، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين، وبطاعته وباتباع شريعته، ودعوة الناس إلى ذلك، وحث الناس على ذلك، هكذا النصح للرسول ﷺ الإيمان بأنه رسول الله حقا إلى جميع الناس، إلى جميع الثقلين، والبدار بطاعته واتباع شريعته، والحذر مما نهى عنه، وعدم الابتداع في دينه، علينا أن نتبع ولا نبتدع، علينا أن نعظم شرع الله وأن نستقيم على شريعته التي جاء بها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وأن نحذر كل ما يخالف ذلك.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فإنها تكون بالسمع والطاعة بالمعروف، وبتوجيه النصيحة إليهم فيما يهمهم ويهم المسلمين، وبتذكيرهم بأمر الله والدعوة إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الحسن، بالحكمة والرفق مع الإخلاص في ذلك، وحث الناس على السمع والطاعة في المعروف وحث عمالهم وأمرائهم وموظفيهم على النصح وأداء الأمانة، والحذر من الخيانة كل هذا من النصيحة لولاة الأمور.
أما النصيحة لعامة المسلمين: فبدعوتهم إلى الخير وتحذيرهم من الشر، وبتعليمهم كتاب الله وما يجب عليهم من شريعة الله، وبأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبإقامة الحدود عليهم التي شرعها الله جل وعلا حتى يستقيموا وحتى يسلموا من أسباب غضب الله، والدعاء لهم بظهر الغيب أن الله يوفقهم ويهديهم ويصلحهم، كل هذا من النصيحة لعامة المسلمين.
فنسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين لهذه النصيحة العظيمة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه سبحانه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.