03 من باب من الشرك النذر لغير الله

بابٌ من الشرك: النَّذر لغير الله

وقول الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، وقوله: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270].

وفي الصحيح عن عائشةَ رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.

بابٌ من الشرك: الاستعاذة بغير الله

وقول الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6].

وعن خولة بنت حكيم قالت: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: مَن نزل مَنْزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق، لم يضرّه شيء حتى يرحل من مَنْزله ذلك رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد بيَّن المؤلفُ رحمه الله في هذين البابين حكم النذر لغير الله، وحكم الاستعاذة بغير الله، والمؤلف رحمه الله قصد بهذا الكتاب إيضاح مسائل التوحيد وما يُنافيه من الشرك الأكبر، وهكذا ذكر أشياء تُنافي كماله الواجب من الشرك الأصغر وبعض المعاصي كما يأتي في الأبواب الآتية، وهو كتاب جليل اشتمل على مهمات عظيمة فيما يتعلق بإخلاص العبادة لله وحده، والحذر من الشرك كله، ويتعلق أيضًا بأشياء من البدع والمعاصي.

والمؤلف هو أبو عبدالله محمد بن عبدالوهاب رحمه الله المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية، وكانت وفاته رحمه الله سنة 1206 من الهجرة.

يقول رحمه الله: "بابٌ من الشرك النذر لغير الله" يعني: الشرك الأكبر، كالذي ينذر للأموات والجن والأصنام أن يفعل كذا، أن يُصلي له كذا، أو يتصدق بكذا لهم، أو يذبح كذا، أو ما أشبه ذلك، هذه من النذور الشركية التي يفعلها المشركون؛ ينذرون لأصنامهم وآلهتهم ذبائح أو أموالًا أخرى يتقرَّبون بها إليهم، فهكذا مَن نذر اليوم لأصحاب القبور أو للجنِّ أو للملائكة أو لغيرهم ذبائح أو دراهم أو أموالًا أخرى أو صلاةً أو سجودًا أو غير ذلك، كله من الشرك الأكبر، قال الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، دلَّ على أن النذر الوفاء به محبوب لله، مَن نذر طاعةً وجب عليه الوفاء بها؛ ولهذا أثنى الله عليهم فقال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ يعني: نذر الطاعات التي نذروها، أثنى الله عليهم بالوفاء بها، وقال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] يعني: فيُجازيكم عليه، فدلَّ على أن النفقة والنذر عبادة، فإن كانت لله فله أجرها، وإن كانت لغير الله فعليه إثمها.

وكثير من الناس اليوم ينذرون للطواغيت، لأصحاب القبور، للجن، لغير ذلك، نذورا ذبائح وأموالًا أخرى، كل ذلك يتقربون به إليهم، كما يتقرب المسلمون لله بالعبادات.

والنذر أصله منهي عنه؛ النبي ﷺ قال: لا تنذروا؛ فإنَّ النذر لا يرد من قدر الله شيئًا، وإنما يُستخرج به من البخيل، لكن نذر الطاعة يجب الوفاء به: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، فإذا قال: لله عليه أن يتصدق بكذا، أو يذبح كذا، أو يحج، أو يعتمر، وجب عليه الوفاء؛ لقوله ﷺ: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.

أما نذر المعصية: نذر أنه يعق والديه، نذر أنه يزني، يشرب الخمر، هذا نذر معصية لا يجوز له الوفاء به، وعليه كفَّارة يمين.

أما نذر المباحات مثل: ينذر أن يأكل من أرز، يأكل من لحم كذا، يأكل خبزًا، هذا نذر مباح، هذا إن شاء أكل، وإن شاء كفَّر عن يمينه، نذر مباح.

وهكذا نذر مكروه: كأن ينذر أنه ما يُصلي صلاة الضُّحى أو الراتبة، نذر مكروه، إن صلَّى وكفَّر عن يمينه حسن، وإن ترك فلا حرج عليه؛ لأنه ليس بواجبٍ.

فهكذا النذر أن يفعل محرَّمًا مثلما تقدم، لا يجوز الوفاء به؛ نذر المعصية، لكن عليه كفَّارة يمين، أو نذر مكروهًا يُستحب له ألا يُوفي به، وأن يُكفر كفَّارة يمين.

أما إذا نذر الطاعة فعليه الوفاء بها، سواء كانت واجبةً أو مُستحبةً عليه الوفاء بها لله؛ نذر أن يُصلي الصلوات الخمس في الجماعة، عليه الوفاء؛ لأنَّ هذا واجب لله بأصل الشرع، ويُؤكده النذر أيضًا، نذر أن يذبح لله شاةً أو بعيرًا أو كذا وجب عليه الوفاء بذلك، سواء كان مطلقًا أو مُعلَّقًا إذا وُجد شرطه ولو مُستحبًّا؛ كأن ينذر أن يُصلي صلاة الضُّحى، يجب الوفاء؛ لأنها طاعة: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، نذر أن يوتر الليلة وجب عليه الوفاء؛ لأنه سنة وطاعة وقُربة.

أما إذا نذر الشُّموع والسُّرج وأشباهها للأموات، أو نذر الذبح بهم، أو التقرب إليهم بصلاةٍ إليهم، أو بالسجود لهم؛ صار هذا شركًا أكبر، أو نذر للأصنام، أو نذر للجنِّ، فهذا من الشرك الأكبر.

وهكذا الاستعاذة: إذا استعاذ بالجنِّ كما كانت الجاهليةُ تفعل؛ كانوا إذا نزلوا واديًا قالوا: نعوذ بعزيز هذا الوادي من سُفهاء قومه. فأنزل الله في ذلك: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6]، أو استعاذ بالأصنام أو بالأموات أو بالغائبين، فهذا من الشرك الأكبر؛ لأن الاستعاذة عبادة لله، فإذا قال: أعوذ بأبيك، أو: أعوذ بجنِّ الظهيرة، أو بجنِّ الجبل الفلاني، أو: أعوذ بالنبي، أو: أعوذ بالملك الفلاني، فهذا من الشرك الأكبر، قال الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وقال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200]، فالاستعاذة بالله عبادة، وصرفها لغير الله شرك بالله .

قال ﷺ: مَن نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق، لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك، هذا فيه فضل هذا التَّعوذ، وأنه تعوذ عظيم، وأن مَن قال ذلك إذا دخل المنزل كفاه الله شرَّه حتى يرتحل، حتى يخرج من المنزل: مَن نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلق، لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله.

وفي حديثٍ آخر رواه مسلم: أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما لقيتُ الليلة من عقربٍ لدغتني، قال: أما إنَّك لو قلتَ: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق، لم تضرّك، وفي لفظٍ آخر: مَن قال: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق في ليلةٍ ثلاث مراتٍ لم يضرّه حمة والحمة .....

وحديث خولة أعم: مَن نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق يعم كل شيءٍ: يعم العقربَ والحيةَ، ويعم كل شيءٍ، وهذا تعوذ عظيم، وفيه فضل عظيم، ينبغي للمؤمن لزومه عند دخول المنازل، وعند مجيء الليل، وعند مجيء النهار.

وهكذا مَن قال: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحًا أو مساءً لم يضرّه شيء، كما صحَّ من حديث عثمان، عن النبي ﷺ أنه قال: من قال ثلاث مرات: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحًا لم يضرّه شيء حتى يُمسي، وإن قالها مساءً لم يضرّه شيء حتى يُصبح، وهذا فضل عظيم مع سهولة هذا الأمر، دواء عظيم وتعوذ عظيم مختصر فيه فضل عظيم.

فينبغي لأهل الإسلام التَّعوذ بهذه التَّعوذات، والأخذ بما أرشد إليه النبيُّ ﷺ في هذا وغيره؛ لما فيه من المصالح العاجلة والآجلة، والفوائد الجمة.

وفَّق الله الجميع.

بابٌ من الشرك: أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

وقول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:106- 107].

وقوله: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [العنكبوت:17].

وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5- 6].

وقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل:62].

وروى الطبراني بإسناده: أنه كان في زمن النبي ﷺ منافق يُؤذي المؤمنين، فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله ﷺ من هذا المنافق، فقال النبيُّ ﷺ: إنه لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله.

الشيخ: يقول رحمه الله: "بابٌ من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره" الدعاء أعم، فهو من عطف العام على الخاص، الاستغاثة أخص، والاستغاثة هي دعاء المكروب، يعني: الدعاء في الشدة يقال له: استغاثة، والدعاء أعم من ذلك، فالمعنى أنه من الشرك أن يدعو غير الله في الشدة وفي الرخاء؛ ولهذا قال: "من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره" فعطف العام على الخاص، وذلك لأنَّ دعاء غير الله من أهم العبادة، قال ﷺ: الدعاء هو العبادة، فالذي يدعو أصحاب القبور، أو يستغيث بهم، أو يدعو النجوم، أو يدعو الشمس أو القمر أو الأصنام أو الأشجار والأحجار أو الجن، أو يستغيث بهم عند الشدائد قد جعلهم آلهةً مع الله، مَن عبدهم مع الله؛ ولهذا بيَّن المؤلفُ رحمه الله أن هذا من الشرك الأكبر، وهو من جنس عمل المشركين مع اللَّات والعزى ومناة، ومع هبل، ومع غيرها من الأصنام والأوثان.

فالواجب على كلِّ مَن يدَّعي الإسلام، بل الواجب على كل مكلفٍ أن يحذر ذلك، وأن يُخلص العبادة لله وحده؛ لأنه خُلق ليعبد الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقد أُمر بهذا؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، والرسل عليهم الصلاة والسلام بُعثوا بهذا؛ قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

والدعاء من العبادة، والاستغاثة من العبادة، قال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [يونس:106] يخاطب نبيه ﷺ، وهو معصوم، لكن المقصود تحذير غيره، خاطبه ليُحذر غيره ذلك: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ، هذا وصف المخلوقات كلها: لا تنفع ولا تضرّ، هذا وصف لازم لجميع المخلوقات إلا بإذن الله، لا تنفع إلا بإذن الله، ولا تضرّ إلا بإذن الله: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ يعني: دعوتَ غير الله فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ يعني: المشركين، الظلم إذا أُطلق فهو الشرك؛ قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، جاء الصحابةُ إلى النبي يسألونه قال: ألا تسمعون إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، الظلم هنا هو الشرك إذا أُطلق: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، لما تجنَّبوا الشرك صار لهم الأمن، فهكذا قوله جلَّ وعلا: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ إن دعوتَ غير الله: دعوت أصحاب القبور، دعوت الأصنام، دعوت الأشجار والأحجار، دعوت النجوم، دعوت الجنَّ، أو غير ذلك فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: حين دعوتك تكون من الظالمين المشركين.

وهذا عام يعمّ جميع المخلوقات، لكن يُستثنى من ذلك دعاء الحي الحاضر القادر، هذا ليس داخلًا في هذا، دعاء الحي الحاضر القادر الذي يسمع كلامك ويقدر، أو بالمكاتبة، أو من طريق الهاتف لا بأس، ما هو بداخل في هذا، قال الله تعالى في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] يعني: حي موسى، حي قادر، قال الله: فَاسْتَغَاثَهُ يعني: الإسرائيلي استغاث موسى على القبطي، شيعة موسى بنو إسرائيل، والعدو هم القبط، فاستغاثه الذي من شيعته من بني إسرائيل على عدوه: على القبطي، فدلَّ على جواز الاستغاثة بالشيء المقدور من الحي الحاضر، أو بالمكاتبة ونحوها؛ مثلما يستعيذ الإنسانُ بأصحابه في مهمات الحرب، في الكروب، يستعين بهم على المزارعة، على رعي الإبل، على رعي الغنم، على القتال في سبيل الله، لا بأس، تقول لزيد، لولدك، أو لأخيك: ساعدني اليوم على رعاية الإبل، على رعاية الغنم، على رعاية البقر، ساعدني اليوم على الحشيش، جب حشيش للغنم، جب كذا، جب كذا، لا بأس؛ لأنه قادر، أو تقول: اشترِ لي كذا، أو بعْ لي كذا، تُوكله لا بأس.

المقصود أنَّ هذه الأشياء فيما يتعلق بالأموات والغائبين، أو العاجزين أن يعتقد فيهم عاجز يقول: انصرني، عاجز ما يقدر، لكنه يعتقد أنَّ فيه سرًّا أنه يستطيع النصر؛ لأنه ذو سرٍّ، عنده قدرة وإن كان مُقعدًا، وإن كان كفيفًا، وإن كان مريضًا، كما يدعو أصحابُ القبور أصحابَ القبور، وكما يدعو أصحابُ الانحرافات من الصوفية المبطلة؛ يدعون شيوخهم، ويستغيثون بهم، ويزعمون أنَّ لهم خصوصيةً، وأنهم ينفعون ويضرّون لجهلهم وضلالهم، وقال تعالى: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت:17]، وقال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:107].

وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ يعني: لا أحد أضلّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ۝ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ جُمع الناس كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5- 6] هذا وصف يشمل جميع المخلوقات، كلهم بهذا الوصف: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ؛ لأنه إما ميت، وإما جاهل ما يدري عنك، ما سمعك، أو عاجز: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ جُمع الناس، يعني: يوم القيامة كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً كان المدعوون أعداء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ منكرين لها، جاحدين لها، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ [الفرقان:17- 18]، فهذا يدل على أنهم لا يعرفون حال الدَّاعين، ولا يعرفون عنهم شيئًا.

وقال جلَّ وعلا: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13- 14] هذه هي الأصنام وأشباهها، والأموات والأشجار والأحجار، أو العاجزين من المخلوقات، أما الحي الحاضر القادر مثلما تقدم غير داخلٍ في هذا.

وقال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] مَن يُجيب إلَّا هو سبحانه، يعني: لا يُجيب إلا هو سبحانه، هو يُجيب المضطر، هو الذي يكشف السُّوء، هو القادر على كل شيء جلَّ وعلا، بيده الضر والنفع، أما المخلوق فقُدرته محدودة، إذا تحين قدرته محدودة فيما يستطيع، تقول: يا زيد، ساعدني في إصلاح المزرعة، ساعدني في إصلاح السيارة، قد يستطيع أن يُساعدك، ساعدني في قضاء الدَّين، إن كان عنده مال، وما أشبه ذلك، تكتب له كتابًا، تُكلمه من طريق الهاتف -من طريق التليفون- لا بأس إذا كان قادرًا، هذا ما هو بداخل في المسائل، هذه كان الصحابةُ وكان غيرُهم يفعلونها مع النبي ومع غيره عليه الصلاة والسلام، مثلما سمعتُم في قوله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15].

وروى الطبراني: هو أبو القاسم الطبراني رحمه الله، روى بإسناده أنَّ بعض الصحابة قالوا: قوموا بنا نستغيث برسول الله، فقال ﷺ: إنه لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله .

هذا الحديث في سنده مقال، ولو صحَّ معناه أنه لا يُستغاث بي؛ لأنه لم يُؤمر بقتلٍ، استغاثوا به في عبدالله بن أُبي أن يقتله، والنبي ﷺ لم يُوافق على قتله، قال: لئلا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه، فهو لا يستطيع؛ لأنه ممنوع من هذا الشيء، فقال: لا يُستغاث بي، وإنما يُستغاث بالله يعني: في الأشياء التي ما أقدر عليها، أما ما يقدر عليه فلا بأس، مثلما استغاث الإسرائيلي بموسى في القبطي، وقد استغاث به الصحابةُ في أشياء كثيرةٍ وأغاثهم فيما يقدر عليه عليه الصلاة والسلام، لكن فيما لا يقدر عليه لا يُستغاث به.

هذا لو صحَّ معناه: أنه لا يُستغاث به في الشيء الذي لا يقدر عليه: كقتل عبدالله بن أُبي أو غيره ممن لم يُؤمر بقتلهم، فهذا محمولٌ لو صحَّ على المعنى؛ لأنه لا يستطيع أن يقتل عبدالله ولا غيره ممن لم يُؤذن له في قتله؛ لئلا يتحدث الناسُ أن محمدًا يقتل أصحابه، أما مَن تبينت أسبابُ قتله واتَّضحت أسبابُ قتله فإنه يُقتل ولا شبهةَ في ذلك، فهو ﷺ قتل ناسًا كثيرين استحقوا القتلَ، وعفا عن ناسٍ كثيرين، فهو يستطيع أن يقتل من ...... قتله مثل غيره من الناس، مثل: موسى مع القبطي، لكن هذا لو صحَّ معناه أنه لا يستطيع أن يقتل مَن لم يُؤمر بقتله، ولم يُؤذن له في قتله: كعبدالله بن أُبي وأشباهه ممن أظهر الإسلام وهو يُبطن النِّفاق؛ لأنه لو قتله بلا سببٍ ظاهرٍ لشك الناسُ في هذا وقالوا: محمد يقتل أصحابَه! وصار في هذا تنفير من الدخول في الإسلام.

وفَّق الله الجميع.

بابٌ في التوحيد وغُربة الدِّين

قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ۝ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا الآية [الأعراف:191- 192].

وقوله: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ الآية [فاطر:13].

وفي الصحيح عن أنسٍ قال: شُجَّ النبيُّ ﷺ يوم أحد، وكُسرت رباعيته، فقال: كيف يُفلح قومٌ شجُّوا نبيَّهم؟ فنَزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128].

وفيه: عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسولَ الله ﷺ يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلانًا وفلانًا بعدما يقول: سمع الله لمَن حمده، ربنا ولك الحمد، فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الآية.

وفي روايةٍ: يدعو على صفوان بن أمية، وسهل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنَزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.

وفيه: عن أبي هريرة قال: قام رسولُ الله ﷺ حين أُنزل عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] فقال: يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمَّة رسول الله ﷺ، لا أُغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمدٍ، سليني من مالي ما شئتِ، لا أُغني عنك من الله شيئًا.

الشيخ: يقول رحمه الله: باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ۝ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف:191- 192] يقصد بهذه الترجمة بيان بطلان عبادة غير الله، وأن المعبودين من دون الله عاجزون، لا يملكون نفعًا ولا ضرًّا لعابديهم، ولا نصرًا ولا هزيمةً، ولا غير ذلك، كل شيءٍ بيد الله ، فكيف يعبدونهم من دون الله؟! كيف يعبدون الأصنام والأموات والغائبين والملائكة وغير ذلك وكلهم مقهور مملوك ليس بيده ضرٌّ ولا نفعٌ؟! ولهذا قال سبحانه: أَيُشْرِكُونَ استفهام إنكار أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ المعبودون من دون الله لا تخلق شيئًا، وهم مخلوقون مربوبون، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا يعني: لعابديهم، وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ لا هذا ولا هذا؛ لا خلقوا، وهم مخلوقون، ولا يستطيعون لأنفسهم نصرًا، ولا يدفعون عنها ضرًّا، ولا أنفسهم ينصرون، فكيف يُعبَدون من دون الله؟!

فعُلم بهذا أنَّ عباداتهم باطلة، وأن المستحق للعبادة هو الذي خلق الجميع، وهو الذي بيده الضر والنفع والنصر وغير ذلك ، وهو جلَّ وعلا ربّ السماوات والأرض، وخالق كل شيءٍ، الإله الحق ، مالك الدنيا والآخرة، القائل سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، والقائل سبحانه: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، والقائل سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، والقائل : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] إلى غير هذا من الآيات.

فالواجب على جميع الثَّقلين -الجن والإنس- أن يعبدوا الله وحده، وأن يخصُّوه بالعبادة جلَّ وعلا دون كلِّ ما سواه؛ لأن آلهتهم مهما كانت فهي موصوفة بهذه الصِّفات الأربع: مخلوقة لا تخلق، ولا تستطيع نصرًا لها ولا لداعيها وعابديها.

وقال تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] والقطمير: اللفافة التي على النَّواة، كلهم لا يملكون من قطميرٍ إلا ما أعطاهم الله إياه: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14]، هذه حال المعبودات من دون الله: لا تملك، ولا تنفع، ولا تضرّ، ولا تملك لعابديها ضرًّا ولا نفعًا، ولا تستجيب دعاءه إذا دعاها؛ ما بين ميتٍ، وما بين جمادٍ، وما بين غائبٍ، وما بين عاجزٍ، لا يملكون شيئًا.

وتقدم أنَّ هذا كله لا يمنع الاستعانة بالحي الحاضر القادر، هذا غير داخلٍ في هذا، الأحياء القادرون الحاضرون لا بأس أن يُستعان بهم، كما قال تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] استغاث الإسرائيلي موسى على القبطي؛ لأنَّ موسى قادر، وهكذا تقول لأخيك: يا أخي، أعني على إصلاح بيتي، على إصلاح سيارتي، على حصاد زرعي، إلى غير هذا لا بأس، وهو يسمع كلامك، قادر، أو بالمكاتبة، أو من طريق التليفون تقول له لا بأس بهذا، الشرك والمنكر أن تدعو الميت أو الجماد أو الغائب الذي لا يسمعك تعتقد فيه أنه يسمع وأنه ينفع وهو غائب لا يسمع كلامك، تدعوه تعتقد فيه أنه ينفعك، أما مَن كان يسمع ومَن كانت عنده قُدرة -سواء كان حاضرًا أو من طريق الأمور العادية كالكتابة والهاتف ونحو ذلك- فهذا غير داخلٍ في مسائل الشرك عند أهل العلم جميعًا.

وفي الصحيح عن أنسٍ قال: شُجَّ النبيُّ يوم أحد. شُجَّ يعني: ضُرب في رأسه عليه الصلاة والسلام، شجَّه بعضُ الكفَّار في رأسه، وكُسرت البيضة على رأسه يوم أحد، وكُسرت رباعيته، ما دافع عن نفسه وهو رسول الله، وهو أفضل الخلق، فقال عند هذا: كيف يُفلح قومٌ شجُّوا نبيَّهم استبعد فلاحهم مع ما فعلوا يوم أحد، فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، الأمر بيده : أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128].

وفي الصحيح عن ابن عمر : أنه سمع النبيَّ يقول بعد الركوع في صلاة الفجر، يقنت على المشركين، على صناديدهم، وعلى زعمائهم بعد صلاة الفجر يقول: اللهم العن فلانًا وفلانًا بسبب شرِّهم العظيم.

وفي روايةٍ: يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام؛ لأنهم كانوا من صناديد الكفرة الذين آذوا الرسول وآذوا الصحابة، فدعا عليهم، قنت عليهم الرسولُ يدعو عليهم شهرًا، ومع هذا أنزل الله في حقِّهم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ يعني: الأمر إلينا لا إليك، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب، فإذا كان سيدُ الخلق وأفضل الخلق محمد ﷺ ليس له من الأمر شيء فالأمر إلى الله في النصر والتَّأييد، وفي عذاب الكفار، وفي غير ذلك، فغيره من باب أولى.

وفي الصحيح عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ قبل أن يُهاجر من مكة صعد الصَّفا فقال: يا معشر قريش لما أنزل الله عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] صعد الصفا وقال: يا معشر قريش، وفي لفظٍ: يا صباحاه، فلما اجتمعوا إليه قال: أرأيتكم لو كنت أخبرتكم أن جيشًا يُصبحكم أو يُمسيكم أكنتم مُصدقي؟ قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليك كذبًا، فقال: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أُغني عنكم من الله شيئًا يعني: وحِّدوا الله وادخلوا في الإسلام، فقال له أبو لهبٍ: تبًّا لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلا لهذا! فأنزل الله: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ الآيات [المسد:1- 2].

ثم خصَّهم؛ خصَّ بعض أقاربه فقال: يا عباس بن عبد المطلب، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمّة رسول الله، لا أُغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد، لا أُغني عنك من الله شيئًا، اشتروا أنفسكم من الله، وفي اللفظ الآخر: غير أنَّ لكم رحمًا سأبلها ببلالها، يقول لفاطمة: سليني من مالي ما شئتِ، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا.

هذا بيانٌ أخبره الله به ليُبلغه الناس؛ أن الأمر بيد الله، وأن الواجب عليهم عبادة الله وحده، وإخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة الأصنام والأشجار والأحجار وغيرهم؛ ولهذا قال له: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ [الشعراء:214]، أمره الله أن ينذر، وفي الآية الأخرى: قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر:2]، وفي الآية الأخرى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45- 46]، وقال تعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ [الرعد:7]، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد:40]، هذا الذي على الرسل: البلاغ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النحل:35] عليهم الصلاة والسلام.

وهكذا الدعاة إلى الله والعلماء خلفاء الرسل عليهم البلاغ والبيان والدَّعوة إلى الله، والهداية بيد الله جلَّ وعلا، وليس بيد الناس، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، وقال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، فالهداية التي بمعنى: التوفيق لقبول الحقِّ، وقذف النور في القلب وقبوله هذه بيد الله جلَّ وعلا، أما البلاغ والبيان بيد الرسل وأتباعهم، كما قال تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يعني: هداية البلاغ والبيان هذه بيد الرسل والعلماء، وهم الدعاة، أما الهداية التي بمعنى: قذف النور في القلب، ومعنى التوفيق إلى الحقِّ، ومعنى قبوله والخضوع له؛ هذه بيد الله جلَّ وعلا، ليست بيد الناس، لا بيد الرسل ولا غيرهم؛ ولهذا يقول سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ يُعزيه ويسليه لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].

ولما حاول إسلام عمه وقال: يا عم، قل: لا إله إلا الله عند موته، قل: لا إله إلا الله كلمة أُحاجّ لك بها عند الله، قال عند موته: أنا على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبيُّ ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنك، فأنزل الله: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وأنزل سبحانه: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، فالكافر لا يُستغفر له، ولا يُدعا له إذا مات على الكفر، والهداية بيد الله، ليست بيد الأنبياء ولا غيرهم، هو الموفق، هو الذي يقذف النور في القلب، وهو الذي يهدي لقبول الحقِّ سبحانه دون كلِّ ما سواه.

ففي هذا الباب والأحاديث المذكورة الدلالة على بطلان الشرك، وعلى وجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأن الواجب عبادة الله وحده، وأن العبادة حقّ الله، لا يستحقها الرسل ولا غيرهم، بل هي حق الله ، يجب أن تُخلص العبادة لله وحده في دعائك وخوفك ورجائك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك، العبادة كلها لله، لا تجوز لغيره كائنًا مَن كان، كما قال : وَقَضَى رَبُّكَ يعني: أمر ربك وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

وفَّق الله الجميع.

بابٌ في بيان الحُجَّة على إبطال الشرك:

قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:23].

وفي الصحيح عن أبي هريرةَ ، عن النبي ﷺ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكةُ بأجنحتها خُضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوانٍ ينفذهم ذلك: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فيسمعها مُسترق السمع، ومُسترق السمع هكذا بعضه فوق بعضٍ -وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفها وبدد أصابعه- فيسمع الكلمة فيُلقيها إلى مَن تحته، ثم يُلقيها الآخر إلى مَن تحته، حتى يُلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشِّهابُ قبل أن يُلقيها، وربما ألقاها قبل أن يُدركه، فيكذب معها مئة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيُصدق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء.

وعن النواس بن سمعان قال: قال رسولُ الله ﷺ: إذا أراد الله تعالى أن يُوحي بالأمر تكلَّم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة -أو قال: رعدة- شديدة خوفًا من الله ، فإذا سمع ذلك أهلُ السماوات صعقوا، وخرُّوا لله سجدًا، فيكون أول مَن يرفع رأسه جبريل، فيُكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمرّ جبريلُ على الملائكة، كلما مرَّ بسماءٍ سأله ملائكتُها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثلما قال جبريل، فينتهي جبريلُ بالوحي إلى حيث أمره الله .

الشيخ: يقول رحمه الله: باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ أراد بهذه الترجمة بيان ما يُصيب الملائكةَ من الفزع والخوف عند سماع كلام الله، وهم الملائكة، فكيف يُدْعَون مع الله؟! كيف يُستغاث بهم أو بمَن دونهم من بني آدم وكلهم مخلوق مربوب مقهور يخاف ربَّه ويرجوه؟! لا يدعوهم إلَّا مَن ضلَّ في دينه وعقله، فهؤلاء الملائكة مع مكانتهم من الله وقُربهم منه سبحانه يخافونه الخوف العظيم، فدلَّ ذلك على أنهم لا يصلح أن يُدعون من دون الله، وأنهم عبيد مُكرمون، لا يجوز دعاؤهم، ولا الاستغاثة بهم، قال الله في حقِّهم: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ يعني: الملائكة لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:26- 28].

الكفار من مُشركي العرب سموا الملائكة: بنات الله، فأنكر الله عليهم ذلك: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ يعني: تنزه عن الولد والصاحبة، كما قال : بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ [الأنعام:101]، وقال : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:3- 4]، ويقول سبحانه: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يعني: الملائكة قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ يقول بعضُهم لبعضٍ، يسأل بعضُهم بعضًا: ماذا قال ربكم؟ فيقولون: قَالُوا الْحَقَّ [سبأ:23] يعني: قال الحق، ويقولون: قال كذا، وقال كذا، وقال كذا، فيقولون كلهم مثلما قال جبرائيل، فيسمعهم مُسترق السمع، يسمع الكلمة التي قالها الملائكةُ في السماء، يسمعون الكلمة ويُلقونها إلى أهل الأرض من الكهنة كما يأتي.

ومُسترقو السمع من الجن، من الشياطين هكذا بعضهم فوق بعض، يعني: بعضهم فوق بعض من غير مماسة حتى عنان السماء، كما قال تعالى: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا [الجن:8]، فالشياطين يركب بعضهم بعضًا من دون مماسةٍ، يعني: كل واحدٍ فوق الآخر، وبينهما فجوة حتى عنان السماء، فيسمع الكلمة التي تقولها الملائكةُ عند الله ، فيُلقيها الشيطان إلى مَن يليه، ثم الآخر إلى مَن يليه، ثم الآخر إلى مَن يليه، حتى تنتهي إلى الأخير، فربما أدركه الشِّهاب الذي يُرمى به قبل أن يُلقيها فيهلك، وربما ألقاها قبل أن يُدركه الشِّهاب، لله فيه الحكمة والابتلاء، فيُلقيها آخرُهم على لسان الساحر أو الكاهن، فيقول الساحر أو الكاهن لأصحابه: صار كذا، وصار كذا، فيُصدق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء، يعني: تلك السمعة التي سُمعت يُصدَّق بها الكاهن أو الساحر، ثم يُقال بعد هذا في كل كلامٍ يُصدقونه بسبب هذه الكلمة التي عرفوا صدقها، فيُصدق بكذباته التي تكثر كثيرًا، أكثر من مئة كذبة، يكذب معها مئة كذبة كثيرًا، فيُصدقه ضُعفاء البصائر، وأتباع كل ناعقٍ يُصدِّقونه فيما يقول هذا الساحر أو الكاهن بأسباب كلمةٍ سُمعت من السماء صدق فيها.

ففي هذا التحذير من سماع كلام الشياطين والكهنة والمنجمين، وأن الواجب الحذر منهم وتكذيبهم وعدم تصديقهم.

وهكذا حديث النَّواس بن سمعان في ذلك: إذا أراد الله أن يُوحي بالوحي تكلَّم بالوحي سبحانه أخذت السماء منه رجفة -أو قال: رعدة- شديدة، فيمر جبرائيل على الملائكة، كلما مرَّ بسماءٍ سأله الملائكة: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحقَّ وهو العلي الكبير، فيقولون مثلما قال جبرائيل.

والمقصود من هذا أنه سبحانه إذا تكلم أخذت السماوات رجفة، أو قال: رعدة، والملائكة خافوا وأصابهم رعب شديد حتى يتجلَّى عنهم ذلك الغشي بسبب الطُّمأنينة ومعرفة ما قد صدر من ربنا ، كل واحدٍ خائف، كما قال تعالى: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]، وقال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل:50].

فإذا كانت هذه حال الملائكة فكيف بغيرهم من بني آدم ومن الجن ومن غيرهم؟ حالتهم دون ذلك، فإذا كان الملائكة يخافون ربهم ويخشونه، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فغيرهم كذلك لا يجوز أن يُدْعَا، ولا يُستغاث به، ولا يُنذر له، ولا يُتبرك به، ولا غير ذلك؛ لأنهم عباد مقهورون مربوبون، والملك لله ، فهو الذي يُدعا، وهو الذي يُستغاث به، وهو الذي يُتقرب إليه بالذبائح والنُّذور والصلاة وغيرها، هو الإله الحقّ جلَّ وعلا.

هذا هو المقصود من هذه الترجمة؛ بيان أنَّ العبادة لله سبحانه، وأنها مستحقة لله، وأن الملائكة ومَن دونهم عبيد يخشون الله ويخافونه، لا يصلح أن يُعبَدوا من دون الله، وهكذا الرسل، وهكذا الجن، وهكذا الأصنام، وهكذا الكواكب، وهكذا غير ذلك، جميع المخلوقات كلها مقهورة لا تصلح أن تُعْبَد من دون الله، ولا أن تُدْعَا من دون الله، بل يجب على المكلَّفين إخلاص العبادة لله وحده، كما قال : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2] وغيرها من الآيات، نسأل الله السلامة.

باب الشَّفاعة

وقول الله: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51].

وقوله: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44].

وقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255].

وقوله: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].

وقوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ۝ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22- 23].

قال أبو العباس: نفى الله عمَّا سواه كلّ ما يتعلق به المُشركون، فنفى أن يكون لغيره ملكٌ أو قسطٌ منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبقَ إلا الشَّفاعة، فبين أنها لا تنفع إلَّا لمَن أذن له الربُّ، كما قال: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي مُنتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآنُ، وأخبر النبيُّ ﷺ: أنه يأتي فيسجد لربِّه ويحمده، لا يبدأ بالشَّفاعة أولًا، ثم يُقال له: ارفع رأسك، وقُل يُسمع، وسلْ تُعط، واشفع تُشفَّع.

وقال له أبو هريرة: مَن أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمَن أشرك بالله.

وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء مَن أذن له أن يشفع؛ ليُكرمه وينال المقام المحمود.

فالشفاعة التي نفاها القرآنُ ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع.

وقد بيَّن النبيُّ ﷺ أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.

الشيخ: يقول رحمه الله: "باب الشفاعة" يعني: باب ما جاء في أحكامها وبيانها التي تكون يوم القيامة، والتي يرجوها المسلمون من ربهم ، والتي غلط فيها المشركون وطلبوها من غير الله، أراد المؤلفُ أن يُبين في هذا الباب حكمها وحقيقتها، قال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ يعني: بالقرآن وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ [الأنعام:51]، أَنْ يُحْشَرُوا يُجمعوا إلى ربهم، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ يُبين أنَّه ليس هناك ولي ولا شفيع دون الله ، فهو الذي بيده الملك، وبيده تصريف الأمور، فلا ولي ينفع، ولا شفاعة تنفع إلا بإذنه، كل واحد يقول: نفسي، نفسي، الأنبياء وغيرهم كل يقول: نفسي، نفسي، فلا ولي يشفع، ولا نبي يشفع، ولا أحد ينفع إلا بإذن الله : لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

وقال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44] هي ملكه ، فيُعطيها مَن يشاء من أوليائه يوم القيامة، فيشفع الأنبياء والصَّالحون والأفراط، ونبينا ﷺ له الشفاعة العظمى يوم القيامة، كلها بإذنه ، له الشفاعة، وهو مالكها، وهو الذي يأذن فيها، قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، وقال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، وقال تعالى: وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:23].

فهذه الآيات وما جاء في معناها كلها تدل على أنَّ الشفاعة ملكه، وأنه سبحانه هو الذي يتصرف فيها، فيأذن للشَّافعين، ولكن لا يأذن لهم إلا فيمَن يرضى الله قوله وعمله، كما قال تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28]، وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]، والكافر لا يرضى عمله، الكافر لا تُرضى أعماله، فلا تحصل له الشفاعة يوم القيامة؛ لأنه غير مرضي القول والعمل، كما قال تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7] هو يرضى الشكر، ولا يرضى الكفر .

قال أبو العباس رحمه الله في أمر الشفاعة أنها تنفع مَن أذن له، بيَّن أن الشفاعة لا تنفع عنده، ولا يكون لأحدٍ منها نصيب إلا بعد إذنه سبحانه، فلا يملكونها ولا قسطًا منها، ولا يتقدمون بالشفاعة إلا بعد إذنه جلَّ وعلا، قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:13- 14]، فنفى سبحانه أن يكون لغيره قسطٌ منها، أو يكون له تصرف فيها، أو يكون عونًا لله في ذلك، ما له من ظهيرٍ جلَّ وعلا، ولم يبقَ إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.

فتلخص من ذلك أنها إنما تنفع بأمرين: إذنه للشافع، ورضاه عن المشفوع، وإلا فلا حظَّ لأحدٍ فيها، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد والإيمان، لا يرضى الكفر، فعُلم بذلك أن الكفار لا نصيبَ لهم فيها: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] الظالمين يعني: المشركين.

وأخبر النبيُّ ﷺ أن الشفاعة لا تكون إلا لمن أخلص لله جلَّ وعلا، قال له أبو هريرة: مَن أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، فأخبر ﷺ أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد.

وفي الحديث الصحيح: فهي نائلة إن شاء الله مَن مات لا يُشرك بالله شيئًا يعني: الشفاعة، وهنا قال لما سأله أبو هريرة: مَن أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ فقال: مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه يعني: الموحد الذي مات على التوحيد والإيمان يدخل في الشفاعة وإن كانت له ذنوب وسيئات، فقد يدخل النارَ ويُعذب، وقد يُشفع فيه فينجو.

وحقيقة الأمر أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيقول لهم: ..... هذه الحقيقة، يغفر لأهل الإخلاص والتوحيد بواسطة مَن يشفع ليُكرمه بهذا، وينال المقام المحمود، كنبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه حقيقة الأمر؛ أنه سبحانه يأذن للشُّفعاء فيشفعون فيمَن رضي الله قوله وعمله؛ إكرامًا للشافعين، ورحمةً للمشفوع فيهم، فلا تنال إلا أهل التوحيد والإيمان، ولا تنال أهل الشرك، فهي لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله، فينبغي أن يُعلم، وينبغي لعباد القبور أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن العبادة حقّ الله وحده، وأنها لا تصلح لغيره، والشفاعة ملكه، تُطلب منه ، لا من غيره: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44]، فالذي يرجوها يعبد الله وحده، ويُنيب إليه، ويُخلص له، ويستقيم على دينه، ويسأله سبحانه أن يُشفع فيه الشُّفعاء، وأن يرحمه، وأن يقبله يوم القيامة، هذا هو الطريق السَّوي، هذا هو الإيمان، وهذا هو الإسلام، وهذا هو التوحيد، أما طلبها من الأموات أو الأصنام أو الملائكة فهذا هو الشرك الأكبر، نسأل الله العافية.

بابٌ في أن الأعمال بالخواتيم ومضرة تعظيم الأسلاف والأكابر

قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ الآية [القصص:56].

وفي الصحيح عن ابن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاءه رسولُ الله ﷺ وعنده عبدالله ابن أبي أُمية وأبو جهل، فقال له: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فأعاد عليه النبيُّ ﷺ، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك، فأنزل الله : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الآية [التوبة:113]، وأنزل الله في أبي طالب: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.

الشيخ: هذا الباب في بيان تفسير قوله سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.

في الصحيح -"صحيح البخاري"- عن سعيد بن المسيب، عن أبيه: أن أبا طالبٍ. سعيد بن المسيب يعني: ابن حزن، المخزومي، الإمام المشهور، تابعي جليل، وأبوه صحابي: المسيب.

لما حضرت أبا طالب الوفاةُ، أبو طالب عمّ النبي ﷺ، وكان قد حماه ونصره أيام دعوته في مكة عليه الصلاة والسلام، فكانت له عناية بنصره وحمايته من أذى قومه، فلما حضرته الوفاةُ حرص النبيُّ ﷺ على أن يهديه الله؛ لأنه عمه، ولما مضى من جهوده العظيمة في نصر نبينا محمدٍ ﷺ وحمايته، وقد حُصر معه في الشّعب ثلاث سنين، فقال: يا عم لما رآه في غمرات الموت: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاج لك بها عند الله، فقالا له جليسا السُّوء: أبو جهل وعبدالله ابن أبي أمية، وعبدالله ابن أبي أمية أسلم بعد ذلك: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فأعاد عليه النبيُّ ﷺ قال: يا عم، قل: لا إله إلا الله، فأعادا، أعادا كلاهما: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فقال عند ذلك: هو على ملة عبد المطلب، نسأل الله العافية، قال: أنا على ملة عبد المطلب. عبَّر الراوي بقوله: "هو" تنزهًا من أن يقول: أنا، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله لما سبق في علم الله من سوء خاتمته، وأنه يموت على الشرك بالله، نعوذ بالله.

فقال النبيُّ ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك، حريص على أن الله ينفعه، فأنزل الله: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، هذا يُبين لنا أنَّ مَن مات على الكفر فهو من أصحاب الجحيم، وأنزل في أبي طالب تعزيةً للرسول ﷺ وتسليةً له ولغيره: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] يعني: أنت يا محمد وغيرك لا تستطيع هداية مَن أحببتَ هدايته، ولكن الله هو الذي يهدي مَن يشاء ، كما في الآية الأخرى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، لا يملك الإنسانُ هداية أبيه ولا عمه ولا أخيه ولا ولده ولا زوجته، الأمر بيد الله جلَّ وعلا، وهذه الهداية تُسمَّى: هداية التوفيق، وقذف النور في القلب، هذه التي لا يملكها الإنسانُ، هداية التوفيق للحقِّ وقبوله وإيثاره والرضا به هذه بيد الله جلَّ وعلا، لا يملكها أحدٌ.

أما هداية البلاغ والبيان فهذه بيد الرسل وأتباعهم، الرسل مُبَلِّغون، هُداة بالبلاغ والبيان، والعلماء الصَّالحون كذلك هداة بالبلاغ والبيان، كما قال في وصف نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ۝ صِرَاطِ اللَّهِ [الشورى:52- 53]، فأثبت له الهداية قال: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي يعني: بالبلاغ والبيان والدَّعوة، وأما كون المدعو يقبل الحقَّ ويُؤثره ويرضا به فهذا بيد الله، هذه الهداية بيد الله جلَّ وعلا، وهي المراد في قوله سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ يعني: هداية التوفيق والقبول وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، وفي قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، ففي هذا تعزية وتسلية له ﷺ في عدم هداية عمه، وأن الأمر بيد الله يُصرف الأمور.

ومن فوائد ذلك: ليعلم الناسُ أن محمدًا ﷺ لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملك هداية أحدٍ، كله بيد الله جلَّ وعلا، لم يستطع أن يهدي عمَّه: لا أبا طالب، ولا أبا لهب، ولا غيرهما، الهداية بيد الله؛ ليعلم الناسُ -قريبهم وبعيدهم- أنَّ الأمر بيد الله، وأنه ليس بيد الرسل، ولا بيد غيرهم، هو الذي يهدي مَن يشاء، ويُضل مَن يشاء، وبهذا يُوجِّهون قلوبهم إلى الله، ودعاءهم إلى الله في طلب الهداية لهم ولغيرهم؛ لأنه هو الذي يملكها سبحانه.

أما المخلوقون من الرسل وأتباعهم والعلماء وغيرهم فليس بيدهم هداية الناس هداية التوفيق، هداية قبول الحقِّ ليست بأيديهم، وإنما بأيديهم هداية البلاغ والبيان والدَّعوة لهم، وللرسل لهم، وللعلماء من أتباعهم.

وفي هذا بيان صريح في أنه مات على دين قومه: أبو طالب، وفيه الرد على مَن زعم أنه أسلم، بعض الغُلاة الذين ليس عندهم بصيرة يزعمون أنَّ أبا طالب أسلم، وأنه قال كلمةً خفيةً تدل على إسلامه، كل هذا باطل، لم يُسلم، بل مات على دين قومه بنص الحديث الكريم الشريف المذكور هذا، كما أنَّ أبا لهب كذلك أنزل الله فيه الآية: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] سورة كاملة.

وهذا يُوجب لكل مؤمنٍ ولكل مُكلفٍ أن يضرع إلى الله، وأن يسأله التوفيقَ والهداية والإعانة على كل خيرٍ، ويعلم يقينًا أن الأمر بيد الله، هو الذي يهدي مَن يشاء، ويُضل مَن يشاء، وأن الواجب الضَّراعة إليه، وسؤاله، وطلب الهداية، واسأله أن يهدي قلبك، وأن يُعيذك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، هو الذي يهدي مَن يشاء، ولكن قراءة القرآن وقراءة السنة من أسباب ذلك، كون الإنسان يتدبر القرآن ويتدبر السنة وسيرة السلف هذا من أسباب الهداية.

وفَّق الله الجميع.