06 من حديث ( انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه..)

 
12/12- وعن أبي عَبْد الرَّحْمَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ: انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً  فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ. قَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كانتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ
وفي رواية: كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا
وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْهَا، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائني بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتهْزيْ بي، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَهْزيُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ متفقٌ عليه.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الحديث العظيم الطويل في  أخبار من قبلنا من الأمم يدل على عظم شأن النية والإخلاص لله، وأن الله جل وعلا يفرج بالأعمال الخالصة لله الكروب الكثيرة والأخطار العظيمة كما أنه سبحانه يدخل به الجنة وينجي به من النار ويضاعف به الحسنات، فالنية الطيبة لها أثر عظيم في أعمال العبد، ولهذا قال ﷺ: الأعمال بالنيات وفي اللفظ الآخر: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى
وفي هذا الحديث العظيم يقول ﷺ: كان ثلاثة ممن كان قبلنا في الأمة الماضية آواهم المبيت إلى غار والرسول ﷺ يخبرنا عن الماضين في كثير من الأحاديث للعبر، لنعتبر ونتعظ كما قال جل وعلا: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111]، في أخبار الماضين عبر، أخبار قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم وما جرى في بني إسرائيل من المواعظ منها هذه القصة. ثلاثة من الناس آواهم المبيت وفي لفظ: المطر إلى غار صارت ليلة مطيرة وفي الليل فدخلوا في الغار في الجبل، فلما دخلوا انحدرت صخرة من أعلى الجبل، اختبار وامتحان نزلت الصخرة العظيمة سدت الباب باب الغار، ما يستطيعون دفعها فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم بأن تسألوا الله الفرج وتوسلوا إليه بصالح أعمالكم، وفقهم الله لهذا العمل ابتلاهم ووفقهم ابتلاهم بهذه الصخرة، ثم وفقهم للأسباب المنجية فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران -عجوز وشايب- وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً يعني لا يسقي الحليب أحدًا قبلهما، الغبوق عند العرب ما يكون في الليل، ما كان في الليل يسمونه غبوقًا، وفي أول النهار صبوح، فكان إذا رجع من إبله حلبها وسقاهم قبل أن يناما، فنأى به طلب الشجر في بعض الليالي، يعني أبعد بسبب طلب الرعي فلم يرح عليهما إلا وقد ناما، فوقف والقدح على يديه فيه اللبن ينتظر استيقاظهما، ولم يسق أهلاً ولا مالاً، المال هنا يعني العبيد، لم يستحسن أن يسقي قبلهما لا زوجة ولا ولد ولا عبيد ولا غيرهم فلم يزل واقفًا ينتظر استيقاظهما، ما أحب يكدر عليهم، ما أحب يوقظهم ويكدر عليهم، ولا أحب يسقي قبلهم أحدًا، فلما استيقظا سقاهما غبوقهما اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه توسل بهذا العمل يقول: يا رب إن كنت تعلم أني فعلت هذا الأمر وتعبت وصبرت وأنتظر استيقاظهما ابتغاء وجهك يعني لبرهما فافرج عنا ما نحن فيه؛ فانفرجت الصخرة بعض الشيء، انفرجت بعض الشيء حتى يتم أمر الله، لكن لا يستطيعون الخروج، وهذا لا شك أنه يبشرهم بخير يبشرهم بفرج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ورادوها عن نفسها فأبت أرداها للفاحشة فأبت، فألمت بها سنة من السنين احتاجت أصابها حاجة وشدة فجاءت إليه تقول: يا ابن عمي ساعدني أنا ألمت بي حاجة وأنا مضطرة فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك، فاتفقا على مائة وعشرين دينارًا مائة وعشرين دينارًا حتى تمكنه من نفسها ففعل وأعطاها الذهب، فلما جلس بين رجليها، قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، يعني إلا بالزواج، أنا ما أخذت هذه الدراهم إلا من أجل الضرورة، فلما قالت له هذا الكلام خاف من الله وقام من عندها ولم يفعل الفاحشة، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك، يعني ما قمت عنها وأنا قادر عليها إلا خوفًا منك ورغبة بما عندك، فانفرجت الصخرة زيادة لكن لا يستطيعون الخروج، حتى يتم  أمر الله.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء (عمال) فأعطيت كل إنسان أجره إلا واحد أبقى أجره ما أخذه فنميته له وثمرته له  حتى صار منه عبيد وإبل وبقر وغنم من هذا الأجر في بعض الروايات أنه كان آصع من شعير أو من أرز نماه واتجر فيه حتى اشترى منه عبيدًا وإبلاً وبقرًا وغنمًا فلما مضت سنون جاء الرجل، قال: يا عبد الله أعطني أجري فقال له: هذا اللي تراه كله من أجرك، هذه الإبل والبقر والغنم والعبيد كلها من أجرك خذه، قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، يعني أجري معروف آصع، قال: ما أستهزأ بك كله من مالك فاستاقه كله، استاق الإبل والبقر والغنم والعبيد، هذا يعمل عظيم ونصح عظيم وأمانة عظيمة. اللهم إن كنت تعلم إني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا، خرجوا بعد هذا التوسل وهذا الإخلاص، بعدما توسلوا إلى الله بهذه الأعمال الخالصة لله، هذا يدل على أن الأعمال إذا كانت لله تكون سببًا لتفريج الكروب في الدنيا والآخرة، الأعمال الصالحة من أسباب تفريج الكروب في الدنيا ومن أسباب تفريج الكروب في الآخرة يوم القيامة، فعلى العبد أن يجتهد في إصلاح النية وإخلاص أعماله لله من صوم وصدقة وعطاء ومنه وحج وعمرة وغير ذلك يكون لله، تكون أعماله يبتغي بها وجه الله لا رياء ولا سمعة وله البشرى من الله أن الله يعطيه الأجر العظيم في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: انفراج الصخرة بعد دعاء الثالث، يدل على أفضليته؟
ج: تم الأمر الذي أراده الله أن كل واحد يتوسل يبدي ما عنده من الوسيلة فأظهروا ما عندهم ثم فرج الله عنهم.
س: ليس هناك تفضيل بعضهم؟
ج: كل واحد فسحت الصخرة بعض الشيء بدعاء الأول ودعاء الثاني ودعاء الثالث
س: أقصد بالتفضيل بمقتضى أعمالهم بر الوالدين والإحسان؟
ج: بر الوالدين كله أعمال صالحة ترك الزنا مع القدرة عمل صالح بر الوالدين عمل صالح أداء الأمانة عمل صالح كلها أعمال صالحة.
س: هذا يدل على أن الإنسان له أن يدعو الله عز وجل يعني بصالح عمله؟
ج: بصالحه، يقول اللهم اغفر لي اللهم ارحمني بصلاتي بإيماني بحبي لك بحبي لرسولك ببري لوالدي يتوسل بأعماله الطيبة.
س: خشي أن يكسد، هل الأولى أن يستثمرها أو يبقيها؟
ج: ويش هي؟
س: استثمار أموال الأيتام؟
ج: لا، الأفضل له أن يستثمرها ولا يعطلها مأمور أن يصلحها وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152]. قال العلماء: التي هي أحسن هي التجارة فيها والتسبب فيها حتى تنمو.
س: وإلا تبقى لهم يعني؟
ج: هي تبقى، لكن ما ينبغي له أن يتجر أو يعطيها من يتجر لا تأكلها الصدقة، ثم يتجر بنفسه أو يعطيها لإنسان يتجر بها.
س: والزكاة أحسن الله إليك؟
ج: تزكى كلما دار عليها الحول تزكى.
س: إذا خسر يضمنها؟
ج: إذا فرط أو تعدى، لكن إذا ما فرط أو تعدى ما يضمن.
س: معنى: لو أقسم على الله لأبره؟
ج: في من عباد الله يقول: والله أن هذا سيكون ويبر قسمه، ويقع ما يقال، لكن ما ينبغي للإنسان أن يقسم على الله؛ لأن هذا فيه شيء من الجرأة، ولكن بعض الناس لإيمانه وتقواه لو أقسم على الله لأبره، لكن ترك الإقسام على الله أولى أحوط.