16 من قوله: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ..) (2)

قال الإمام أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا عبداللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أبي أخبرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ قَالَ: كَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ رَجُلٌ يلعب فجاء جندب مشتملا على سيفه فقتله، قال: أُرَاهُ كَانَ سَاحِرًا، وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قِصَّةَ عُمَرَ وَحَفْصَةَ عَلَى سِحْرٍ يَكُونُ شِرْكًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ]
حَكَى أَبُو عبداللَّهِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ السِّحْرِ، قَالَ: وَرُبَّمَا كَفَّرُوا مَنِ اعْتَقَدَ وَجُودَهُ، قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَدْ جَوَّزُوا أَنْ يَقْدِرَ السَّاحِرُ أَنْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْلِبَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا، وَالْحِمَارَ إِنْسَانًا إِلَّا أَنَّهُمْ قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات الْمُعَيَّنَةَ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفَلَكُ وَالنُّجُومُ، فَلَا، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ والصابئة، ثُمَّ اسْتُدِلَّ عَلَى وُقُوعِ السِّحْرِ وَأَنَّهُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمِنَ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُحِرَ، وَأَنَّ السِّحْرَ عَمِلَ فِيهِ وَبِقِصَّةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مَعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَمَا ذَكَرَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مِنْ إِتْيَانِهَا بَابِلَ وَتَعَلُّمِهَا السِّحْرَ قَالَ: وَبِمَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الباب من الحكايات الكثير، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَنَّ الْعِلْمَ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ وَلَا مَحْظُورٍ- اتفق المحققون على ذلك لأن الْعِلْمَ لِذَاتِهِ شَرِيفٌ، وَأَيْضًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزُّمَرِ:9] وَلِأَنَّ السِّحْرَ لَوْ لَمْ يَكُنْ يُعَلَّمُ لِمَا أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الْمُعْجِزِ مُعْجِزًا وَاجِبٌ، وَمَا يَتَوَقَّفُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِالسِّحْرِ وَاجِبًا، وَمَا يَكُونُ واجبا كيف يَكُونُ حَرَامًا وَقَبِيحًا؟ هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالسِّحْرِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ عَقْلًا، فَمُخَالَفُوهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ يَمْنَعُونَ هَذَا، وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبِيحٍ شَرْعًا، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَبْشِيعٌ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ، وَفِي الصَّحِيحِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَفِي السُّنَنِ مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً وَنَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَقَوْلُهُ: وَلَا مَحْظُورَ، اتَّفَقَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ، كَيْفَ لَا يَكُونُ مَحْظُورًا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَاتِّفَاقُ الْمُحَقِّقِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قد نص على هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَأَيْنَ نصوصهم على ذلك؟ ثم إدخاله في علم السحر في عموم قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَدْحِ الْعَالِمِينَ بِالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، وَلِمَ قُلْتَ إِنَّ هَذَا مِنْهُ؟ ثُمَّ تُرَقِّيهِ إِلَى وُجُوبِ تَعَلُّمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْمُعْجِزِ إِلَّا بِهِ ضَعِيفٌ بَلْ فَاسِدٌ، لأن أعظم مُعْجِزَاتِ رَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حميد. ثم إن العلم بأنه معجزة لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ السِّحْرِ أَصْلًا، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتَهُمْ، كَانُوا يَعْلَمُونَ الْمُعْجِزَ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ السِّحْرَ وَلَا تعلموه ولا علموه، والله أعلم.

الشيخ: إن صح هذا الذي قاله الرازي .......... باطل لأن تعلم السحر وتعليمه من المنكرات بل من الشرك لأنه تعلمه وتعليمه لا يكون إلا بالكفر نعوذ بالله؛ ولهذا حرمه أهل العلم وبينوا أنه من المحرمات الشركية، ونص الله في كتابه على هذا في قوله تعالى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة:102] ثم قوله أنه يحصل به لتغيير الأعيان أيضاً غلط وإنما حصل التخييل والأذى والضرر، فأما تغيير الأعيان فلا يستطيع الساحر على ذلك وإنما يخيل هذا لهذا وهذا لهذا ما يستقبح صورته وينفره من صاحبه كما قال جل وعلا: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ [الأعراف:116] وقال: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] فيحصل به التخييل ويحصل به كما قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] أما قلب الأعيان فلا. فهذا باطل وجهل كبير. نعم.
ثم ذَكَرَ أَبُو عبداللَّهِ الرَّازِيُّ ، أَنَّ أَنْوَاعَ السحر ثمانية
[الأول] سحر الكذابين وَالْكُشْدَانِيِّينَ، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ، وَهِيَ السَّيَّارَةُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبِّرَةُ الْعَالَمِ، وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ الله إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ ﷺ مبطلا لمقالتهم وردا لِمَذْهَبِهِمْ، وَقَدِ اسْتَقْصَى فِي (كِتَابِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ، في مخاطبة الشمس والنجوم) المنسوب إليه، كما ذكرها الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ وَغَيْرُهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ تَابَ منه، وقيل بل صَنَّفَهُ عَلَى وَجْهِ إِظْهَارِ الْفَضِيلَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِقَادِ، وَهَذَا هُوَ الْمَظْنُونُ بِهِ إِلَّا أنه ذكر فيه طريقهم فِي مُخَاطَبَةِ كُلِّ مِنْ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وكيفية ما يفعلون وما يلبسونه وما يتمسكون بِهِ.
الشيخ: وهذا مثل من أكبر أنواع الكفر والضلال عبادة الشمس والنجوم على طريقة الصابئة من الملاحدة وسماه سحرًا لأنهم يزعمون أنه يكون كذا ويكون كذا في عبادتهم لهذه الكواكب، والسحر عبارة عما لطف وخفي سببه، فسمي السحر سحرًا لأنه شيء يخفى ولا يظهر للناس ويقال للسحر سحر لأنه في آخر الليل، وللرئة سحر لأنها في داخل الجسم والمقصود أن هذا من أنواع الكفر والضلال التي يخفى سرها عند أهلها ومن ليس له بصيرة بها .......... لأنه شيء يخفى ولا يعرف فلهذا قيل سحر، والمقصود من هذا كله الدلالة على نوع من كفر أولئك وضلالهم.
قَالَ: [وَالنَّوْعُ الثَّانِي] سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نَحْوَهُ ، قَالَ: وَكَمَا أَجْمَعَتِ الْأَطِبَّاءُ على نهي المرعوف عن النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْحُمْرِ، وَالْمَصْرُوعِ إِلَى الْأَشْيَاءِ القوية اللمعان أو الدوران، وما ذلك إِلَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مُطِيعَةً لِلْأَوْهَامِ.
قَالَ: وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ. قَالَ: فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ النَّفْسُ التِي تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ قَدْ تَكُونُ قَوِيَّةً جِدًّا فَتَسْتَغْنِي فِي هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ ضَعِيفَةً فَتَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهَذِهِ الآلات، وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية عن الْبَدَنِ شَدِيدَةَ الِانْجِذَابِ إِلَى عَالَمِ السَّمَاوَاتِ صَارَتْ كَأَنَّهَا رُوحٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، فَكَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي مَوَادِّ هَذَا الْعَالَمِ، وَإِذَا كَانَتْ ضَعِيفَةً شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ الذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ، فحينئذ لا يكون لها تأثير الْبَتَّةَ إِلَّا فِي هَذَا الْبَدَنِ، ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى مُدَاوَاةِ هَذَا الدَّاءِ بِتَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَالِانْقِطَاعِ عَنِ النَّاسِ وَالرِّيَاءِ.
(قُلْتُ) وَهَذَا الذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ هُوَ التَّصَرُّفُ بِالْحَالِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ، تَارَةً تَكُونُ حَالًا صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً يَتَصَرَّفُ بِهَا فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﷺ، ويترك ما نهى الله ورسوله ﷺ، فهذه الْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَاتٌ لِلصَّالِحِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا يُسَمَّى هَذَا سِحْرًا فِي الشَّرْعِ. وَتَارَةً تَكُونُ الْحَالُ فَاسِدَةً لَا يَمْتَثِلُ صَاحِبُهَا مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﷺ، وَلَا يَتَصَرَّفُ بِهَا فِي ذَلِكَ، فَهَذِهِ حَالُ الْأَشْقِيَاءِ الْمُخَالَفِينَ لِلشَّرِيعَةِ وَلَا يَدُلُّ إِعْطَاءُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ هَذِهِ الْأَحْوَالَ عَلَى محبته لهم، كما أن الدجال له من الخوارق للعادات مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ مَعَ أَنَّهُ مَذْمُومٌ شَرْعًا لَعَنَهُ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ شَابَهَهُ مِنْ مُخَالَفِي الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَبَسْطُ هَذَا يَطُولُ جِدًّا وَلَيْسَ هذا موضعه.
الشيخ: وهذا النوع الثاني يسمى سحرًا أيضاً لأنه يكون له آثار خفية ما تعرف أسبابها فلهذا سماه .......... سحرًا  مثل ما قال المؤلف يسمى الحال عند الصوفية والأحوال قسمان: أحوال رحمانية ملكية إيمانية، وأحوال شيطانية.
فالأحوال الرحمانية الملكية الشرعية هي أحوال أهل الإيمان والاستقامة الذين أعطاهم الله من الإيمان والبصيرة والهدى ما جعلهم يفعلون الأفعال التي ترضي الله وتعين على طاعته فيظهر لهم من القوة والنشاط والصبر على ما يرضي الله من الأعمال العظيمة من جهاد ومن صيام ومن صلوات ومن طلب للعلم ومن جهاد في سبيل الله ما يعجز عنه كثير من الناس لكن الله قواهم عليه بطاعته والاستقامة على أمره والأنس به والذكر له والاستعانة بما شرع هذه أحوال رحمانية أعان الله بها أوليائه على طاعته فكان لهم من الصبر عليها والثبات والقوة والتأثير ما ليس لغيرهم.
وهناك أحوال شيطانية للسحرة والمنجمين وأصحاب الأعمال الخبيثة كالتعلق بالشياطين وعبادة الشياطين ونحو ذلك فهذه أحوال قبيحة مذمومة ليس لأهلها فضل بل هم مذمومون كما يقع للدجال وأشباه الدجال وعباد الشياطين فيتصرفون التصرفات التي قد يخرجون بها عن المعتاد ولكنها خوارق شيطانية لا رحمانية فهم يستحقون عليها الذم والعيب والمعاقبة. نعم.
قال: [والنوع الثَّالِثُ] مِنَ السِّحْرِ، الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ وَهُمُ الْجِنُّ، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، وقال: وَاتِّصَالُ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِهَا أَسْهَلُ مِنَ اتِّصَالَهَا بالأرواح السماوية لما بينها مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالْقُرْبِ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّنْعَةِ وَأَرْبَابَ التَّجْرِبَةِ شَاهَدُوا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الأرضية يحصل بها أعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن وَالتَّجْرِيدِ، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَزَائِمِ وَعَمَلِ التسخير.
قال: [النوع الرابع] من السحر التخييلات وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ وَالشَّعْوَذَةُ،
الشيخ: يسمونها ..........  كما قال جل وعلا: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ [الأعراف:116] يعني جعلوا أشياء تجعل المنظور غير الحقيقة، يسحرون العين حتى ترى ما ليس هو الحقيقة، ترى الإنسان كأنه حمار أو كأنه قرد أو كأنه كذا فيلبس عليه، وهكذا ترى الزوجة زوجها في صورة أخرى فتنفر منه، ويرى الزوجة زوجته في صورة أخرى فينفر منها في رأي عينه وهي هي على حالها، مثل ما قال جل وعلا في قصة السحرة: قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] نعم.
وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُخْطِئُ وَيَشْتَغِلُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ ألا ترى ذا الشعبذة الْحَاذِقَ يُظْهِرُ عَمَلَ شَيْءٍ يُذْهِلُ أَذْهَانَ النَّاظِرِينَ بِهِ وَيَأْخُذُ عُيُونَهُمْ إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا اسْتَفْرَغَهُمُ الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عَمِلَ شَيْئًا آخَرَ عَمَلًا بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ.الشيخ: وهكذا الآن السحرة في المجامع الباطلة والمجامع التي يخدعون بها الناس يظهرون لهم أنه يخرجون من فمه بيضًا أو دجاجًا صغارًا أو أشياءً أخرى، وآخر يظهر لهم أنه يطعن نفسه وأنه لا يموت وأنه لا يخرج الدم وأنه كذا وأنه كذا وكله تخييل ولا حقيقة له، كله مثل ما قال : يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66]
عَمِلَ شَيْئًا آخَرَ عَمَلًا بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ  غَيْرَ مَا انْتَظَرُوهُ فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ جِدًّا وَلَوْ أَنَّهُ سَكَتَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَصْرِفُ الْخَوَاطِرَ إِلَى ضِدِّ مَا يريد أن يعلمه، ولم تتحرك النُّفُوسُ وَالْأَوْهَامُ إِلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ إِخْرَاجَهُ، لَفَطِنَ النَّاظِرُونَ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ.
(قَالَ) وَكُلَّمَا كانت الأحوال التي تُفِيدُ حُسْنَ الْبَصَرِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْخَلَلِ أَشَدَّ، كَانَ الْعَمَلُ أَحْسَنَ مِثْلَ أَنْ يَجْلِسَ الْمُشَعْوذُ فِي مَوْضِعٍ مُضِيءٍ جِدًّا أَوْ مُظْلِمٍ فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها وَالْحَالَةِ هَذِهِ.
(قُلْتُ) وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ سِحْرَ السَّحَرَةِ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَابِ الشَّعْوذَةِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الْأَعْرَافِ: 116] وَقَالَ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طَهَ: 66] قَالُوا: وَلَمْ تَكُنْ تَسْعَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
 [النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنَ السِّحْرِ]: الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ التِي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية فتارة عَلَى فَرَسٍ فِي يَدِهِ بُوقٌ كُلَّمَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ ضَرَبَ بِالْبُوقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ أَحَدٌ- وَمِنْهَا الصُّوَرُ التِي تُصَوِّرُهَا الرُّومُ وَالْهِنْدُ حَتَّى لَا يُفَرِّقَ النَّاظِرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُصَوِّرُونَهَا ضَاحِكَةً وَبَاكِيَةً،
الشيخ: ويسمى هذا سحرًا؛ لأنه من الأشياء الخفية وليس  من السحر  الذي نزل فيه القرآن وهو من أنواع الكفر لا، سماه سحرًا من باب أنه أعمال خفية ولهذا ذكر .......... الآلات التي تنطق مثل .......... الساعة وما أشبهها ...... إذا جاء وقتها ضربت وأشباه هذا.
كذلك الصور الضاحكة والناطقة الآلات الموجودة الآن بين الناس هذا يدل على أن هذا من دهر قريب والمؤلف من أعيان المائة السادسة وله الآن أكثر من ثمانمائة سنة فالمقصود أن هذه أمور قديمة عند الروم وعند غير الروم آلات عجيبة اخترعوها وظهرت الآن أكثر مما كان في عهد المؤلف ظهرت الآن في الآلات في الإذاعات في التلفاز وغير ذلك كمكبر الصوت وغير هذه الأشياء من الأشياء الخفية التي درسوها وأتقنوا صنعتها وحصل بها نفع للناس فتسمى سحرًا لكون خفائها والآن صارت أمرًا ظاهرًا معروفًا، والله المستعان.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ مِنْ لَطِيفِ أمور التخاييل، قَالَ: وَكَانَ سِحْرُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ
(قُلْتُ) يَعْنِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى تِلْكَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ فَحَشَوْهَا زِئْبَقًا فَصَارَتْ تَتَلَوَّى بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الزِّئْبَقِ فَيُخَيَّلُ إِلَى الرَّائِي أَنَّهَا تَسْعَى بِاخْتِيَارِهَا.
قَالَ الرَّازِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْباب تَرْكِيبُ صُنْدُوقِ السَّاعَاتِ، وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْبَابِ عِلْمُ جَرِّ الْأَثْقَالِ بِالْآلَاتِ الْخَفِيفَةِ قَالَ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ بَابِ السِّحْرِ لِأَنَّ لَهَا أَسْبَابًا مَعْلُومَةً يَقِينِيَّةً مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا.
الشيخ: وهو كما قال يسمى سحرًا من باب ما خفي على بعض الناس ولكن من عرف أسبابها ما يكون عنده خفية.
فجر الأثقال بالآلات الخفيفة هذا معروف الآن، وهذه الأمور كانت قليلة ذاك الوقت، ولكنها برزت بين الناس الآن والله المستعان.
(قُلْتُ) وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حِيَلُ النَّصَارَى عَلَى عَامَّتِهِمْ بِمَا يُرُونَهُمْ إِيَّاهُ مِنَ الْأَنْوَارِ كَقَضِيَّةِ قُمَامَةِ الْكَنِيسَةِ التِي لهم ببلد المقدس، وَمَا يَحْتَالُونَ بِهِ مِنْ إِدْخَالِ النَّارِ خِفْيَةً إِلَى الْكَنِيسَةِ وَإِشْعَالِ ذَلِكَ الْقِنْدِيلِ بِصَنْعَةٍ لَطِيفَةٍ تَرُوجُ عَلَى الْعَوَامِّ مِنْهُمْ. وَأَمَّا الْخَوَاصُّ فَهُمْ معترفون بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَتَأَوَّلُونَ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ شَمْلَ أَصْحَابِهِمْ على دينهم فيرون ذلك سائغا لهم. وفيهم شبهة الشيخ: وفيهم شبه من باب التشبيه يعني.
على الجهلةالشيخ: شبه بالجهلة.
 الْأَغْبِيَاءِ مِنْ مُتَعَبَّدِي الْكَرَّامِيَّةِالشيخ: الكرامية أتباع محمد بن كرام.
الَّذِينَ يَرَوْنَ جَوَازَ وَضْعِ الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فَيَدْخُلُونَ فِي عِدَادِ مَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيهِمْ: مِنْ كَذَبَ عَلِيَّ مُتَعَمَّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِالشيخ:  معناه أن النصارى شبهوا على عامتهم فيجعلون عند القمامة من الأنوار ويقولون أنها من أنوار عيسى أو من أنوار مريم كذا حتى يجمعوا العامة، هم بهذا العمل الخبيث يشبهون الكرامية من الذين قالوا: نضع أحاديث في فضل الرسول ﷺ وفي فضل القرآن لأجل أن نجمع الناس على الخير وندعوهم إلى الخير فهم لهم شبهة في هذا مثل ما فعل النصارى (..........) نعم
وَقَوْلُهُ: حَدِّثُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلِيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبُ عَلَيَّ يَلِجُ النَّارَ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ الرُّهْبَانِ وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَائِرٍ حَزِينِ الصَّوْتِ ضَعِيفِ الْحَرَكَةِ فَإِذَا سَمِعَتْهُ الطُّيُورُ تَرِقُّ لَهُ فَتَذْهَبُ فَتُلْقِي فِي وَكْرِهِ مِنْ ثَمَرِ الزَّيْتُونِ لِيَتَبَلَّغَ بِهِ، فَعَمَدَ هَذَا الرَّاهِبُ إِلَى صَنْعَةِ طَائِرٍ عَلَى شَكْلِهِ وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ جَعَلَهُ أَجْوَفَ فَإِذَا دَخَلَتْهُ الرِّيحُ يُسْمَعُ منه صوت كصوت الطَّائِرِ وَانْقَطَعَ فِي صَوْمَعَةٍ ابْتَنَاهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا على قبر بعض صالحيهم وعلق على ذَلِكَ الطَّائِرَ فِي مَكَانٍ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ زمان الزيتون فتح بابا من ناحيته فيدخل الرِّيحُ إِلَى دَاخِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فَيُسْمَعُ صَوْتُهَا كل طائر فِي شَكْلِهِ أَيْضًا، فَتَأْتِي الطُّيُورُ فَتَحْمِلُ مِنَ الزَّيْتُونِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَا تَرَى النَّصَارَى إِلَّا ذَلِكَ الزَّيْتُونَ فِي هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ وَلَا يَدْرُونَ مَا سَبَبُهُ، فَفَتَنَهُمْ بِذَلِكَ وَأَوْهَمَ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.الشيخ: وهذا كله من تشبيه النصارى وكذبهم وحيلهم ومكرهم وهذه أمثلة من أمثلة مكر دعاة الباطل.
قَالَ الرَّازِيُّ: النَّوْعُ السَّادِسُ مِنَ السِّحْرِ الِاسْتِعَانَةُ بِخَوَاصِّ الْأَدْوِيَةِ يعني في هذا الأطعمة والدهانات قال: واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن تأثير الْمِغْنَاطِيسِ مُشَاهَدٌ.
(قُلْتُ) يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَبِيلِ كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل عَلَى جَهَلَةِ النَّاسِ بِهَذِهِ الْخَوَاصِّ مُدَّعِيًا أَنَّهَا أَحْوَالٌ لَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّيرَانِ وَمَسْكِ الْحَيَّاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَالَاتِ.
الشيخ: ويقصدون بهذا ويروجون للناس أنهم أولياء، أنهم من الأولياء الصالحين حتى يعطوهم الناس المال حتى يكرموهم، وحتى يعظموهم وهم يستعملون أشياء مما خلق الله وهناك أشياء من النباتات وأشباهها إذا جعلها حول الإنسان نومت الإنسان وخدرته فيأخذونها ويجعلون حولها حيات، فإذا جعلوها حول الحيات تخدرت الحيات وصار يأخذها ويلعب بها ؛ لأنها خدرت ما فيها قدرة على الحراك فيقال هذا ولي من أولياء الله ولهذا أطاعته الحية فيلعبون على الناس بهذه الأشياء. نعم.
س: شروط الرقية؟
الجواب: شروط الرقية ثلاثة:
الشرط الأول: أن تكون بكلمات معروفة إما آيات أو أحاديث يعني كدعوات الأحاديث أو دعاء معروف لا بدّ أن يكون المراد به شيء معروف. فإن كانت الرقية بشيء مجهول لا، لا بدّ أن يكون معروفًا إما آيات وإما دعوات جاءت عن النبي ﷺ أو دعوات معروفة في المعنى.
الشرط الثاني أن تكون الرقية بلسان معروفة في المعنى أما إذا كانت بلغات غير معروفة يمنع الراقي إلا إذا كان الراقي يرقي مثله وتعرف رقية لغتهم بتفسيرها وشرحها تعرف أنها سليمة فإذا رقى بها لأن هذه لغته وعرف بترجمتها أنها لا بأس بها.
الثالث: أن يعتقد أن هذه الرقية وهذه الأدوية سبب لا مستقلة، الشفاء بيد الله إنما هي أسباب إن شاء الله نفع بها وإن شاء سلب نفعها وهو الشافي جل وعلا وهو المعافي، وإنما الرقية والأدوية وما يقوله الطبيب كل ذلك أسباب.
قَالَ النَّوْعُ السابع من السحر: التعليق للقلب، وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ السَّاحِرُ أَنَّهُ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ وَأَنَّ الْجِنَّ يُطِيعُونَهُ وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي أكثر الأمور فإذا اتفق أن يكون السَّامِعُ لِذَلِكَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ قَلِيلَ التَّمْيِيزِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقٌّ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ وَحَصَلَ فِي نفسه نوع من الرعب والمخافة فإذا ما حَصَلَ الْخَوْفُ ضَعُفَتِ الْقُوَى الْحَسَّاسَةُ فَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ السَّاحِرُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ.
(قُلْتُ) هَذَا النَّمَطُ يُقَالُ لَهُ التَّنْبَلَةُ وَإِنَّمَا يَرُوجُ عَلَى ضعفاء الْعُقُولِ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَفِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ ما يرشد إلى معرفة كامل الْعَقْلِ مِنْ نَاقِصِهِ فَإِذَا كَانَ الْمُتَنْبِلُ حَاذِقًا فِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ عَرَفَ مَنْ يَنْقَادُ لَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِهِ.
الشيخ: وهذا واقع في الكهان والعرافين يكرمون الجن ويعبدونهم ويستعينون بهم على الإنس في أشياء كثيرة مما قد يقع من الخبل والجنون وغير ذلك نسأل الله العافية.
وأما الفراسة فأمرها معلوم الناس الأذكياء إذا خاطبوا الرجل أو المرأة عرفوا الذكي من الغبي والحاذق من غيره هذا يعرفه الناس. يُعرف الناس بمكالماتهم ومن اختبارهم يعرف الذكي والفطن ويعرف البليد والغبي هذا يعرفه كثير من الناس.
قَالَ: النَّوْعُ الثَّامِنُ مِنَ السِّحْرِ: السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالتَّضْرِيبِ الطالب: عندنا قال "التقريب".
الشيخ: النميمة مثل ما ذكر الشيخ محمد في كتاب التوحيد، "النميمة القالة بين الناس" وأنها تفسد بين الناس أحوالهم وعقولهم ولهذا قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: يفسد النمام والكذاب في الساعة أكثر مما يفسد الساحر في سنة؛ لأن النمامين ينقلون الشحناء بين الناس ولهذا تفسد القلوب بين الناس وتحصل الشحناء بينهم فهذا إذا جاء ينقل يقول قال فلان فيك كذا وقال في القبيلة كذا وأنكم بخلاء وأنكم جبناء وأنكم وأنكم، ثم يذهب إلى الآخرين ويقول لهم مثل ذلك فتشتد العداوة بين الناس فهذه من النميمة؛ ولهذا سماها بعضهم سحرًا لأنها تؤثر في القلوب تؤثر هذه العبارات وهذه الألفاظ كما يؤثر السحر في قلب المسحور كما تؤثر النميمة والكذب في أنفس الناس حتى تقع الشحناء والعداوة وربما وقع القتال بعد ذلك وفتنة ولهذا يقول ﷺ: لا يدخل الجنة نمام نسأل الله العافية.
ولعل التضريب يعني الضرب قد يكون ضرب شيء من الأمور التي يزعمون بها أنهم يعرفون أشياء من علم الغيب وهو في الحقيقة إنما هو تخييل على الناس وإلا فهم جعلوها علامة بينهم وبين الجن يشافهونهم ويسألونهم يسمونه الضرب بالحصى فهذا يفعله الرمالون ويفعله الكثير من السحرة وهو تخييل لا حقيقة له وإنما تلبيس على الناس وإلا فهم يفعلون هذا لشيء بينهم وبين شياطين الجن الذين يعبدونهم ويستعينون بهم على إضلال الناس.
وقد يكون "التقريب" بين الناس يعني لكن بعيد لأن النميمة لا تقرب، النميمة تبعد.
السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ وَالتَّضْرِيبِ مِنْ وُجُوهٍ خَفِيفَةٍ لَطِيفَةٍ وَذَلِكَ شَائِعٌ فِي النَّاسِ.
(قُلْتُ) النَّمِيمَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ تَارَةً تَكُونُ عَلَى وَجْهِ التحرش بَيْنَ النَّاسِ وَتَفْرِيقِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذَا حَرَامٌ متفق عليه، فأما إن كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَائْتِلَافِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ يَنُمُّ خَيْرًا أَوْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّخْذِيلِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ جُمُوعِ الْكَفَرَةِ، فَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ، وَكَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فِي تفريق كلمة الأحزاب وبني قريظة: جاء إِلَى هَؤُلَاءِ فَنَمَى إِلَيْهِمْ عَنْ هَؤُلَاءِ كَلَامًا، وَنَقَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى أُولَئِكَ شَيْئًا آخَرَ، ثُمَّ لَأَمَ بَيْنَ ذَلِكَ فَتَنَاكَرَتِ النُّفُوسُ وَافْتَرَقَتْ، وإنما  يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النَّافِذَةُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الشيخ: وهذا ليس من السحر، ولكن مثل ما تقدم أنه لما كان يؤثر آثار السحر ويوجب الفرقة شبه بالسحر ومثل ما قال المؤلف النميمة إذا أطلقت هي التي تفرق بين الناس وتسبب الشحناء والعداوات أما النميمة التي للإصلاح وتفريق جموع الكفار فهذه ليست نميمة في الحقيقة ولكنها إصلاح بين الناس وجهاد وخدعة لأعداء الله الذي يتوسط بين الناس بالإصلاح وينقل لهم كلامًا طيبًا فليس بنمام وليس بكذاب ولهذا فيما رواه الشيخان عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت سمعت النبي ﷺ يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا أو ينمي خيرًا وفي رواية مسلم: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث: في الإصلاح بين الناس، وفي الحرب، وفي حديث الرجل امرأته والمرأة زوجها هذه الثلاث لا بأس بها بالكذب، يكذب بين الناس للإصلاح مثل: قبيلتان متنازعتان أو أسرتان متنازعتان متشاحنتان فيأتي هؤلاء ويقول: أنا أجيكم من عند آل فلان وأثنوا عليكم خيرًا ومدحوكم وقالوا إنهم آسفون وما يرضون بالشحناء بينكم وبينهم ولا يحبون ذلك، ويودون الصلح بينكم وبينهم ويودون إزالة هذه الأمور التي سببت الفرقة بينكم فيشكرونه على ما ذكر ويقولون أنهم يحبون ذلك أيضاً ثم يروح للآخرين ويقول كذا وكذا ثم يجمع بينهم ويصلح بينهم فهذا ليس بكذاب هذا مصلح، والإصلاح بين الناس من أفضل القرب، وهذا النوع ليس بنميمة هذا النوع يسمى إصلاحًا أما النوع الذي يسمى نميمة فذاك نميمة في الخير فهذا يطلق عليها خدعة ما يطلق عليها نميمة يقال خدعه للمصلحة مثل ما فعل نعيم بن مسعود يوم الأحزاب لما اتفقت قريظة مع قريش على حرب النبي ﷺ ونقضوا العهد، نقضت اليهود العهد سعى بينهم نعيم بما يفسد حالهم ويفرقهم فجاء إلى اليهود وقال: إن هؤلاء سوف يذهبون عنكم إلى بلادهم ويتركونكم معه محمد فيقتلكم محمد ويفعل ويفعل، وأنتم لا تجيبونهم إلى نقض العهد ولا تساعدونهم، وسيطلبون منكم رهائن وإذا أخذوا الرهائن تركوكم وأنتم ومحمد سيقع بينكم كذا وكذا، ثم جاء إلى قريش وقال: إن اليهود لا يؤمنون ولا ينبغي أن تتفقوا معهم أنا رجل ناصح وإن اليهود سوف ينقضون العهد وسوف يفعلون وسوف يفعلون حتى فرق بينهم .
ثُمَّ قَالَ الرَّازِيُّ: فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي أَقْسَامِ السِّحْرِ وَشَرْحِ أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ.
(قُلْتُ) وَإِنَّمَا أَدْخَلَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فِي فَنِّ السِّحْرِ لِلَطَافَةِ مَدَارِكِهَا لِأَنَّ السِّحْرَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا لَطُفَ وخفي سببه، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا، وَسُمِّيَ السُّحُورُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ خَفِيًّا آخَرَ اللَّيْلِ، وَالسَّحْرَ: الرِّئَةُ، وَهِيَ مَحَلُّ الْغِذَاءِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَفَائِهَا وَلُطْفِ مَجَارِيهَا إِلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَغُضُونِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ لعتبة: انتفخ سحره أَيِ انْتَفَخَتْ رِئَتُهُ مِنَ الْخَوْفِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ سحري ونحري، وقال تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف:116] أي أخفوا عنهم علمهم، والله أعلم.
وَقَالَ أَبُو عبداللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ: وَعِنْدَنَا أَنَّ السِّحْرَ حَقٌّ وَلَهُ حَقِيقَةٌ يَخْلُقُ اللَّهُ عِنْدَهُ ما يشاء خلافا للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا: إنه تمويه وتخييل. قَالَ: وَمِنَ السِّحْرِ مَا يَكُونُ بِخِفَّةِ الْيَدِ كَالشَّعْوَذَةِ، وَالشَّعْوَذِيُّ الْبَرِيدُ لِخِفَّةِ سَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ فارس: وليست هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمِنْهُ مَا يَكُونُ كَلَامًا يُحْفَظُ وَرُقًى مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يَكُونُ مِنْ عُهُودِ الشَّيَاطِينِ وَيَكُونُ أَدْوِيَةً وَأَدْخِنَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ : إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لسحرا يحتمل أن يكون مدحا كما تقول طَائِفَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَمًّا لِلْبَلَاغَةِ قَالَ: وهذا أصح، قال لأنها تصوب الباطل حتى توهم السامع أنه حق كما قال عليه الصلاة والسلام: فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي له الحديث.
الشيخ: ومعنى أنه حق يعني أنه موجود وليس حق ضد الباطل لا، يعني أنه موجود فالسحر موجود فالسحر قسمان: شيء تخييل ويسمى سحرًا، وشيء له وجود يؤثر على الناس كما قال جل وعلا: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] فله وجوده في الحقيقة وله أضرار هذا مقصوده رحمه الله.
الطالب: قوله: إن من البيان لسحرًا؟
الشيخ: هذا فيه خلاف مشهور والأظهر أنه ما هو للذم بل للمدح إذا كان في الحق ولهذا بعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وأعطاهم البيان والكلام العظيم في إبلاغ الدعوة وهو مدح وليس بذم على الصحيح إذا كان لحق أما إذا كان لترويج الباطل فهو مذموم ولهذا في الحديث الآخر: إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها وإذا كان بيانه وتكلفه وتنطعه في نصر الباطل فهذا مذموم بأي كلام كان وإذا كان بالبيان والبلاغة فهو أشد ضررًا وأعظم خطرًا فيكون مذمومًا، أما البيان في إيضاح الحق والدعوة إليه ورد الباطل وكسر الشبه فهذا مأمور به.
[فَصْلٌ]
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَزِيرُ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بن محمد بن هبيرة رحمه الله فِي كِتَابِهِ (الْإِشْرَافُ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَشْرَافِ) بَابًا فِي السِّحْرِ فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ وَيَسْتَعْمِلُهُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ. وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ إِنْ تَعَلَّمَهُ لِيَتَّقِيَهُ أَوْ لِيَجْتَنِبَهُ فَلَا يَكْفُرُ وَمَنْ تَعَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَفَرَ، وَكَذَا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا تَعَلَّمَ السِّحْرَ قُلْنَا لَهُ صِفْ لَنَا سِحْرَكَ فَإِنْ وَصَفَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ مِثْلَ مَا اعْتَقَدَهُ أَهْلُ بَابِلَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهَلْ يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ نَعَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا فَأَمَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يُقْتَلُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَإِذَا قَتَل فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عِنْدَهُمْ إِلَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُقْتَلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قِصَاصًا.
الشيخ: والصواب في هذه المسألة أن السحرة يقتلون مطلقًا لأنهم من المفسدين في الأرض فمتى ثبت سحرهم وفعلهم بما يتعاطاه السحرة وجب أن يقتلوا سواء كان السحر على طريق التخييل الذي يجعل المرأة تبغض زوجها، والزوج يبغض امرأته وغير ذلك مما يفعلونه من التخييلات التي تغير الأحوال ويتسبب عليها البغضاء والمحبة أو الاجتماع أو الفراق، ولهذا كتب عمر إلى أمرائه أن يقتلوا كل ساحر وساحرة، وهكذا حفصة رضي الله عنها قتلت جارية لها سحرتها قتلت بأمرها، وهكذا جندب ثبت أنه قتل ساحرًا في عهد الوليد.
فالمقصود أن السحرة مفسدون في الأرض فالواجب متى ثبت أنهم سحرة وجب قتلهم، أما تكفيرهم فمثل ما قال الشافعي رحمه الله ينظر في سحرهم، فإن كان من قبيل التقرب إلى غير الله وعبادة الشياطين أو اعتقاد أن غير الله يحفظ هذا الكون وأنه يفعل ما يشاء فهذا كفر أكبر وردة عن الإسلام، أما إن كان سحرهم بشيء آخر من أدوية أن يشربها وتدخينات ليس لها تعلق بالعبادات فهذا ليس بكافر لكن يقتل لفساده في الأرض نسأل الله العافية.
قَالَ: وَهَلْ إِذَا تَابَ السَّاحِرُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لَا تُقْبَلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تُقْبَلُ.الشيخ: والصواب أنها لا تقبل ولا يستتاب بل يقتل مطلقًا لتخليص الناس من شره وفساده.
وَأَمَّا سَاحِرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ المسلم، وقال مالك وأحمد والشافعي: لَا يُقْتَلُ يَعْنِي لِقِصَّةِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمَةِ السَّاحِرَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أنها لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ، وَقَالَ الثَّلَاثَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.الشيخ: وهذا هو الصواب حكمها حكم الرجل؛ ولهذا قتلت حفصة جاريتها التي سحرتها.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: قَرَأَ عَلَى أَبِي عبداللَّهِ- يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حنبل- عمر بن هارون أخبرنا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَحَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ فَلَمْ يَقْتُلَهَا.الشيخ: الصواب سحره لبيد أما اليهودية فسمت الشاة. نعم.
وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الذِّمِّيِّ يُقْتَلُ إِنْ قَتَلَ سِحْرُهُ، وَحَكَى ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَإِنْ أَسْلَمَ، وَأَمَّا السَّاحِرُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ تَضَمَّنَ سِحْرُهُ كُفْرًا كَفَرَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]. لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ لِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ فَإِنْ تَابَ قَبْلَ أن يظهر عليه وجاءنا تائبا قبلناه، فَإِنْ قَتَلَ سِحْرُهُ قُتِلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ لَمْ أَتَعَمَّدِ الْقَتْلَ فَهُوَ مُخْطِئٌ تَجِبُ عليه الدية.
[مسألة]
وهل يسأل الساحر حلا لسحره؟
فَأَجَازَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا تَنَشَّرْتَ، فَقَالَ: أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَخَشِيتُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: يُؤْخَذُ سَبْعُ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ فَتُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ تُضْرَبُ بِالْمَاءِ وَيُقْرَأُ عَلَيْهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَيَشْرَبُ مِنْهَا الْمَسْحُورُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِبَاقِيهِ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَا بِهِ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ الذِي يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ.
الشيخ: وهذا الذي قاله وهب بن منبه ذكره غير واحد وهو مجرب في هذا أنه يأخذ سبع ورقات من السدر ويدق ثم يجعل في ماء ثم يقرأ فيه آية الكرسي، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، والمعوذتان، وآيات السحر المعروفة في سورة الأعراف ويونس وطه ثم يحسو منه حسوات ثم يغتسل بالباقي هذا مجرب بإذن الله في سلامته وعافيته وهكذا المحبوس عن زوجته مجرب هذا فيه وهو علاج وطب شرعي لا بأس به.
الطالب: ........؟
الشيخ: يعني استعمل النشرة للعلاج، وأخبر أن الله شفاه وما عاد يحتاج إليها والنبي ﷺ جاء في حديث جابر عند أحمد وأبي داود أنه سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد، والنشرة حل السحر من المسحور، فإذا كانت بالسحر لم يجز لأن السحر منكر فلا يحل بها السحر، وهو عبادة الشياطين أو استعمال محرم أو الحل بغير ذلك من الرقية أو التعوذات والأدوية المباحة فهذا لا بأس والحمد لله، والله جل وعلا ما جعل شفاءنا فيما حرم علينا.
(قُلْتُ) أَنْفَعُ مَا يُسْتَعْمَلُ لِإِذْهَابِ السِّحْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ في ذهاب ذَلِكَ وَهُمَا الْمُعَوِّذَتَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ لَمْ يَتَعَوَّذِ المتعوذ بِمِثْلِهِمَا وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهَا مُطَّرِدَةٌ للشيطان.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ۝ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ۝
نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وَفِعَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُعَانُونَ مِنَ الْكَلَامِ مَا فِيهِ تَوْرِيَةٌ لِمَا يَقْصِدُونَهُ مِنَ التَّنْقِيصِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يقولوا اسمع لنا يقولون راعنا ويورون بِالرُّعُونَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النِّسَاءِ:46]، وَكَذَلِكَ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَلَّمُوا إِنَّمَا يَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَالسَّامُ هُوَ الْمَوْتُ، وَلِهَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِــ «وَعَلَيْكُمْ»، وَإِنَّمَا يُسْتَجَابُ لَنَا فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا.
وَالْغَرَضُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْكَافِرِينَ قَوْلًا وَفِعْلًا، فَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أحمد: أخبرنا أبو النضر أخبرنا عبدالرحمن بن ثابت أخبرنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعبد اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ  عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أبي شيبة عن أبي شيبة عن أبي النضر هاشم بن القاسم به: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّهْيِ الشَّدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمُ التِي لم تشرع لنا ولا نقر عليها.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه.
النصوص في تحريم التشبه بأعداء الله وبيان مكائدهم وحرصهم على إيذاء المسلمين والتشويش عليهم كثيرة جداً، ففي الكتاب العظيم والسنة المطهرة ومن ذلك هذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا [البقرة:104] يعني لا تتشبهوا بأعداء الله اليهود في كلماتهم الخبيثة وفي كيدهم للمسلمين وفي عدم صراحتهم في الحق، وكونوا صرحاء في الحق وكونوا بعيدين عن التشبه بأعداء الله ومن ذلك هذا الحديث حديث ابن عمر: من تشبه بقوم فهو منهم وقد تواترت الأخبار عن رسول الله ﷺ عن التشبه بأعداء الله ومن هذا قوله ﷺ: خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصبغون فخالفوهم وكذلك قوله ﷺ: خالفوا  المشركين جزوا الشوارب وأعفوا اللحى وخالفوا المجوس لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة إلى غير هذا من الأحاديث الدالة على التحذير من التأسي بأعداء الله ومن هذا قول اليهود إذا تكلموا قالوا: السام بإدغام وإخفاء فالذي ما يدري يقول: يقولون: السلام وهم ما قالوا السلام بل السام فيأتون بهذه العبارة الغير واضحة والسام يعني الموت يريد النبي ﷺ والصحابة، وهم غير مفصحين في هذا بل في ذلك إخفاء وإدغام للكلام فلهذا قال ﷺ: إذا قالوا السام عليكم فقولوا: وعليكم، فإن كانوا قالوا السلام فالسلام على الجميع وإن كانوا قالوا السام فهو المطلوب لكن يستجاب للمسلمين ولا يستجاب لأولئك، يعني تعجيل الموت.
والقاعدة: أن اليهود أهل مكر وأهل خداع وأهل كيد فالواجب التحرز منه والحذر من مكائدهم في غاية العناية، وهكذا بقية الكفار لا يؤمنون على المسلمين بأي شيء ولهذا نهينا أن نتخذهم بطانة قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118] أي لا يألونكم شرًا وبلاء ويدخلونه عليكم والبطانة الخاصية توظيفهم وجعلهم في أمور المسلمين ولهذا قال بعدها: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ يعني يودون عنتكم ما مصدرية يعني ودوا عنتكم يعني ودوا إدخال الشر عليكم، وفي الآية الأخرى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا [النساء:89] قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] فالمقصود أن الواجب على أهل الإسلام الحذر من أعدائهم وأن يكونوا على غاية من الحيطة وألا يتخذوهم بطانة وألا يأمنوهم وقد خونهم الله وأن يعاملوهم بما شرع الله من الحذر والحيطة ووضع الجزية عليهم أو المعاهدة إذا ما أمكن وضع الجزية فالمعاهدة التي توجب البعد عن شرهم والأمن من مكرهم وإذا قدر على قتالهم قوتلوا إلا أن يمتثلوا بالجزية عن صغار وعن ذل في حق اليهود والنصارى والمجوس، وجاء في الحديث: بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده هذا الأصلح، شرع الجهاد ليعبد الله وحده أما وضع الجزية فهذا عامل لدفع شرهم والسلامة من كيدهم ولعلهم يرجعون إلى الصواب ويفكرون فيدخلون في الإسلام في حق اليهود والنصارى والمجوس وإلا فالأصل أن يقاتلوا حتى يدخلوا في دين الله ولهذا قال فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا تابوا عن الشرك وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] وفي الآية الأخرى وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] هذا هو الأصل، وإنما تفرض الجزية في حق أهل الكتاب فقط دون غيرهم، وما ذاك إلا لأن الرسل بعثوا ليدعوا الناس إلى عبادة الله ويلزموهم بطاعة الله هذا هو الأصل ومن أجاب فله السعادة ومن أبى قوتل إلا أن يكون من هذه الطائفة وهم أهل الكتاب والمجوس فتقبل منهم الجزية عن يد وهم صاغرون في حكمة بالغة وهي أن لهم شبهة الكتاب ولهم شبهة اتباع لأنبياء مضوا وكان من حكمة الله أن شرع أخذ الجزية منهم عن يد وهم صاغرون لعلهم ينظرون لعل ما عندهم من العلم يحملهم على الدخول في دين الله والله المستعان...