35 باب الاستقامة

 
8- باب الاستِقامة
قَالَ الله تَعَالَى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112] وَقالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32] وَقالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14]
1/85- وَعَنْ أبي عمرو، وقيل أبي عمْرة سُفْيانَ بنِ عبداللَّه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ قُلْ لِي في الإِسلامِ قَولاً لاَ أَسْأَلُ عنْه أَحداً غيْركَ. قَالَ: قُلْ: آمَنْت باللَّهِ: ثُمَّ اسْتَقِمْ رواه مسلم.
2/86-وعنْ أبي هُريْرة : قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: قَارِبُوا وسدِّدُوا، واعْلَمُوا أَنَّه لَنْ ينْجُو أحدٌ منْكُمْ بعملهِ قَالوا: وَلا أنْت يَا رسُولَ اللَّه؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إلاَّ أنْ يتَغَمَّدني اللَّه برَحْمةٍ منْه وَفضْلٍ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والحديثان في الاستقامة، فالاستقامة فرض على كل مسلم، يجب أن يستقيم على الحق ويثبت عليه ويحافظ عليه، هذا واجب على كل مسلم ومسلمة أن يستقيم ولا ينحرف بل يثبت على الحق بفعل الفرائض وترك المحارم هذه هي الاستقامة، معناها الثبات على الحق والبقاء عليه يحب فيه ويبغض فيه ويوالي فيه ويعادي فيه حتى الموت، قال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ  [فصلت:30] هذا جزاؤهم على الاستقامة، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14] وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ [فصلت:6] فالمؤمن يلزمه أن يستقيم على الحق وأن يثبت عليه وأن يستغفر الله من ذنوبه ويتوب إليه من سيئاته؛ لأنه خطاء كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فلا ينبغي له التشاغل عما أوجب الله عليه أو الإعراض أو التساهل بأمر يضره، بل يجب أن يكون محافظًا مستقيمًا ثابتًا على الحق يؤدي الواجب ويحذر المحرم ويسأل ربه التوفيق والإعانة، فكم من غافل ندم غاية الندامة بسبب وقوعه بما حرم الله وانحرافه عن طريق الصواب! لكن مع الملاحظة والعناية والحذر من التساهل يوفق العبد وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، فإذا أمر الله قلبه بالخوف والحذر والمجاهدة للنفس لأداء الحق وترك ما نهى الله عنه هدي إلى السبيل، يقول ﷺ لما سئل قال له رجل: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: قلت آمنت بالله ثم استقم. يعني آمن بالله ربك واستقم على طاعته وتوحيده؛ فإن العبد خلق ليعبد ربه وأمر بذلك فلا بدّ أن يستقيم، لا يكون هكذا تارة كذا وتارة كذا يمينًا وشمالاً، بل يثبت على الحق على توحيد الله وطاعة الله وترك معاصي الله والوقوف عند حدود الله، هذا هو الواجب على كل مؤمن أن يستقيم ويثبت بخلاف المفرط المتساهل اللي تارة مع الطيبين وتارة مع الخبثاء تارة مع من يستقيم على الحق وتارة مع أهل المعاصي، هذا مخلط يحذر الواجب الحذر!
ويقول ﷺ: سددوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل الإنسان يعمل ويجتهد في طاعة الله ولا يقول أن عملي يدخلني الجنة يعجب بعمله ويمن عمله لا يدري قد يحبط عمله وهو لا يشعر، ولكن يحذر ويستقيم ويجاهد ويسأل ربه التوفيق وهذه الأخلاق هي أخلاق أهل الإيمان وأهل الاستقامة أينما كانوا في ليلهم ونهارهم سرهم وجهرهم شدتهم ورخائهم الثبات على الحق والاستقامة عليه، والمحبة فيه والبغضاء فيه، والموالاة فيه والمعاداة فيه؛ حتى يلقى ربه كما قال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112] وقال: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا  [فصلت:30] يعني ثم ثبتوا  على الحق وساروا عليه:  تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ يعني عند الموت تقول لهم:  أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ أي ما تطلبون نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت30-32] والإنسان تعرض له الحوادث وتعرض له الأكدار وتعرض له الشواغل لكن يجاهد نفسه حتى يسلم من شر هذه العوارض، وحتى يثبت على الحق ويستقيم عليه إلى الأمد الذي يحتاج إليه، لا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ويعرض عن العمل، بل يجب أن تكون في جميع أحوالك ثابتًا على الحق مستقيمًا عليه حذرًا من خلافه حتى تلقى ربك، ولاسيما أيام الاستقامة أيام الفضائل يكون الإنسان فيها أكثر كرمضان وعشر ذي الحجة يكون فيها جهود الإنسان أكثر وأبلغ. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: رجل أشتهر بالكذب هل يقال أنه صدق وهو كذوب؟
ج: إذا كنت تعلم أنه صدق في هذا الشيء، وإلا تقول احذره تراه كذاب.
س: ما تكون غيبة؟
ج: إذا كنت تعلم أنه صدق في هذا الشيء وهذا كذاب في غيره.
س: قول هو كذوب؟
ج: هذا مثل ما قال النبي للشيطان لما علَّم أبا هريرة آية الكرسي عند اليوم، قال: صدقك وهو كذوب، فالشيطان طبعه الكذب والخديعة للناس، فهكذا الكذاب من الأنس إذا قال حقا يقال: صدق وهو كذوب.
س: الحديث الأخير ما شرحته وهو قوله: واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله
ج: تقدم هذا هو يعني أن العمل سبب، والله جل وعلا هو الموفق، والإنسان لا يمن بعمله ولا يعجب بعمله بل يعمل ويكدح ويسأل ربه التوفيق والمغفرة ولا يظن أن عمله المنجي، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل فالمعول على رحمة الله وعفوه، الأعمال أسباب والطاعات أسباب وترك المعاصي أسباب، والتوفيق بيد الله هو الذي يوفق وينجي ويرحم سبحانه وتعالى.
س: بعض الجماعات يهتم بالأخلاق أكثر مما يهتم بالتوحيد والدعوة إلى التوحيد هل هذا صحيح؟
ج: يعلم، أهل شيء التوحيد أولاً ثم بقية الواجبات من صلاة وغيرها مع ترك المحارم التي أعظمها الشرك، فكونه يجتهد في حسن الخلق يجتهد في السخاء والجود، يجتهد في طيب الكلام فهذا تكميل.
س: يقولون التوحيد كل الناس مسلمون حتى لو كانوا صوفية أو غيرهم يقولون التوحيد ينفر الناس هذه دعواهم؟
ج: هذا من الجهل هذا من الجهلة، هذه دعوة الرسل، دعوة الرسل إلى التوحيد، والذي يرى أن التوحيد منفر، هذا من إخوان الجاهلية، من الجهلة مثل أبي لهب وأبي طالب وأشباههم الذين ابتعدوا عن الدعوة إلى التوحيد حتى لا ينفروا آباءهم وإخوانهم.
......