44 من حديث: (عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري قال: لمّا نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا.. )

 
16/110- الحديث السادس عشر: عن أبي مسعود عُقْبَةَ بن عمروٍ الأنصاريِّ البدريِّ قَالَ: لمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنا. فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا: مُراءٍ، وجاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فقالُوا: إنَّ اللَّه لَغَنِيٌّ عَنْ صاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ [التوبة:79] متفقٌ عليه. وهذا لفظ البخاري.
17/111- السابَع عشر: عن سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، عن رَبيعةَ بنِ يزيدَ، عن أَبِي إدريس الخَوْلاَنيِّ، عن أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ، ، عن النَّبِيِّ ﷺ فيما يَرْوِى عَنِ اللَّهِ تباركَ وتعالى أنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلاَ تَظالمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُم ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُوني أهْدكُمْ، يَا عِبَادي كُلُّكُمْ جائعٌ إِلاَّ منْ أطعمتُه، فاسْتطْعموني أطعمْكم، يَا عِبَادي كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مِنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوني أكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً، فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُوني، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أوَّلَكُمْ وآخِركُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ مِنْكُمْ مَا زادَ ذلكَ فِي مُلكي شيئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أوَّلكم وآخرَكُم وإنسَكُم وجنكُمْ كَانوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِركُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُوني فَأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا َيَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِي إنَّما هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمِدِ اللَّه، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ . قَالَ سعيدٌ: كَانَ أَبُو إدريس إِذَا حدَّثَ بهذا الحديث جَثَا عَلَى رُكبتيه. رواه مسلم. وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه قَالَ: لَيْسَ لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان يتعلقان بالمجاهدة أيضاً في أعمال الخير وعدم التكاسل والضعف، ينبغي للمؤمن دائمًا أن يجاهد نفسه في أعمال الخير وأن يتحمل في ذلك ما لا مشقة فيه لينافس في الخيرات ويسارع إلى الطاعات من غير رياء ولا سمعة بل عن إخلاص وصدق ورغبة فيما عند الله هكذا المؤمن كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وقال جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، يقول أبو مسعود لما أمر الله بالصدقة وحث عليها النبي ﷺ كان الرجل يحامل يعني يذهب إلى السوق ويحمل على ظهره الكيس أو الكيسين أو الباب أو الخشب بأجره حتى يتصدق، كانوا يحاملون على ظهورهم حتى يتصدقوا لأنهم ما عندهم مال، يعمل يحمل لهذا متاع لهذا باب لهذا خشب لهذا كيس طعام لهذا كذا ويعطوه أجرة، هذه الأجرة يتصدق منها فجاء رجل بمال كثير فتصدق، فقال المنافقون: مرائي، ثم جاء إنسان بقليل صاع فقالوا: إن الله غني عن صدقة هذا، يعني الصاع ماله قيمة فأنزل الله في هذا قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم الآية [التوبة:79] توعدهم بالعذاب، فالمصدق وإن تصدق بشق تمرة ما يسخر منه ولا يقال هذا قليل، المهم الصدقة والإخلاص والصدق، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان واسطة يعني فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، شق تمرة فإن كان ما حصل شيئًا يقول: أغناك الله، يسر الله أمرك، وما أشبه ذلك من الكلام الطيب.
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة تشحذ ومعها ابنتان فلم أجد في البيت إلا ثلاث تمرات فدفعتها إليها، فدفعت إلى كل بنت من بناتها تمرة ورفعت الثالثة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة الثالثة فشقتها بينهما نصفين ولم تأكل شيئًا، قالت: فأعجبني شأنها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بما صنعت المرأة، قال: إن الله أوجب لها بها الجنة يعني بهذه الرحمة شقت التمرة بينهما ولم تأكل شيئًا أعطتهم أولاً تمرة تمرة ثم رفعت الثالثة لتأكلها استطعمتها ابنتاها التمرة الثالثة شقتها بينهما. والمقصود من هذا أن الإنسان يتصدق ولا يحقر الصدقة ولو بالقليل درهم درهمين ثلاثة، تمرة تمرتين على حسب حال الفقير، الفقير كل شيء ينفعه ولو قليل، فإذا أعطاه زيد تمرة والآخر تمرة والثالث تمرة والرابع تمرة تجمعت وصارت خيرًا كثيرًا، وإذا أعطاه هذا درهم وهذا درهم وهذا درهمين وهذا ثلاثة تجمعت ونفعته، المصيبة عدم العطاء عدم الجود عدم الصدقة هذه هي المصيبة.
الحديث الثاني
والحديث الثاني: حديث أبي ذر الطويل وهو حديث عظيم حديث قدسي رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال: يقول الله جل وعلا: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، حرم الله الظلم على نفسه يقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، فالله سبحانه حرم على نفسه الظلم وليس بظلام لعباده وهو الحكم العدل جل وعلا ولهذا يقول: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ويقول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته لما خطب الناس في عرفات يوم النحر: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ويقول: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
 وفي الحديث يقول جل وعلا: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم مسكين العبد على خطر ولا هداية له إلا بإذن الله ومشيئته جل وعلا.
يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني هو النافع الضار سبحانه العباد ما يستطيعون شيئًا لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله وهو النافع الضار فعليه التكلان وعليه الاعتماد، وأنت يا عبد الله تأخذ بالأسباب أسباب النفع وأسباب عدم الضرر فتحذر أن لا تضر أحدًا أن تكون نافعًا لا ضارًا فأنت مسئول.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا ملكه كامل ما يحتاج إلى أحد يزيده إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] .
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا لو كفروا كلهم ما يضرون إلا أنفسهم، والله لا يضره شيء سبحانه وتعالى ولا ينقص من ملكه.
يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد يعني في مكان واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إلا أدخل البحر لو اجتمع الخلائق من أولهم إلى آخرهم، هذا يطلب بيت وهذا يطلب عبد وهذا يطلب زوجة وهذا يطلب مليون ريال وهذا يطلب مائة ألف ريال وهذا يطلب ملايين وهذا يطلب كذا وأعطاهم كلهم ما نقص من ملكه شيئًا سبحانه ملكه كامل لا ينقصه شيء.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها هذه النتيجة وهذا أمر مهم إنما هي أعمالكم يعني خيرها وشرها أحصيها لكم هو يعلمها جل وعلا، والملائكة تكتب أيضاً فالحفظة يكتبون أعمالك خيرها وشرها ثم أوفيكم إياها جزاء الحسن وجزاء القبيح فمن وجد خيرًا يعني في صحيفته وفي ميزانه وفي جزائه فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه هو المفرط هو الذي أضاع. أخرجه مسلم في الصحيح قال أحمد رحمه الله: إنه ليس لأهل الشام حديث أعظم من هذا، هذا من روايته أهل الشام، عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر؛ لأن الحديث أقسام منه المدني ومنه المصري ومنه الشامي، منه العراقي، ومنهم المدني، ومنه المكي على حسب الرواة إذا كان الرواة مكيون قيل حديث مكي، وإذا كان الرواة مصريين قيل مصري، وإذا كان الرواة مدنيين قيل مدني، وإذا كان الرواة من سكان الشام قيل شامي وهكذا.
المقصود أنه حديث عظيم حديث قدسي طويل عظيم فيه عبر وفيه عظات وفيه ذكرى، فينبغي للمؤمن أن يستفيد من هذه الكلمات العظيمة من رب العالمين والتوجيهات العظيمة من رب العالمين فليعمل وليكدح وليجتهد وليسأل ربه التوفيق والقبول وليعلم أن عمله له إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46] عملك الطيب لك وعملك الخبيث عليك لا تضر إلا نفسك، وإن ضررت غيرك حملت أيضاً أوزارًا مع سيئاتك الخاصة، إذا ظلمت غيرك وأسأت إلى غيرك حملت أوزارًا أيضاً؛ بسبب تعديك وظلمك. وفق الله الجميع.

الأسئلة

س: كيف نجمع بين قوله جل وعلا في الحديث: كلكم ضال إلا من هديته وبين قوله في الحديث الآخر: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشيطان؟
ج: هذا على بابه، وهذا على بابه، أصلهم حنفاء، لكن بعد البلوغ بعد الكبر كلهم ضال إلا من هداه الله، الأصل على الفطرة فإذا بلغوا فهم على الضلال إلا من هداه إلا من لزم الحق ووفقه الله لقبول الحق.
س: كفيل اشتهر بظلم العمال الذين تحت يديه، وظلمه يشمل حرمانهم من أجورهم فدعا بعضهم على هذا الكفيل وأكثروا من الدعاء، والآن هذا الكفيل يعاني من مرض خبيث نسأل الله لنا ولكم العافية، واحد من هؤلاء الذين نالوا هذا الظلم الكثير يتردد في العفو والسماح لما ناله من الظلم فما ينصح سماحتكم وما هو ثواب وأجر من يعفو ويصفح في الدنيا والآخرة؟ لأن أهل الكفيل يطلبون ذلك.
ج: فمن عفا وأصلح فجزاه الله خيرًا، العفو طيب إذا عفو جزاهم الله خيرًا، الله يقول: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ويقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويقول النبي ﷺ: ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا يدعو له بالشفاء والعافية ويعطيهم حقوقهم، عليه أن يعطيه حقوقهم لا يظلمهم يدعون له، وعليه أن يعطوه حقوقهم من أجل أن الظلم  وخيم حتى لو هو طيب عليه أن يعطيه حقوقهم وليس له أن يظلمهم؛ لأنهم فقراء وعمال فعليه أن يعطيهم حقوقهم ولو كان أصح ما في الدنيا، عليه أن يعطيهم حقوقهم، فكيف إذا عوقب وأصابته دعواتهم، فينبغي له أن يتوب إلى الله ويسأل ربه العافية ويبادر ويعطيهم حقوقهم، ولو سمحوا ولو دعوا له بالعافية يجب أن يبادر وأن يعطيهم حقوقهم ويطلب منهم السماح؛ لأنه إذا كان قد ظلمهم بتأخير حقوقهم أو بجحد بعضها نسأل الله العافية.
س: يوجد أشرطة للنساء بها دف مع الأناشيد تستعمل في الأفراح هل ممكن تستعمل هذه الأناشيد في أي وقت أو خاصة في الأفراح فقط؟
ج: لا، الأحوط في الأفراح؛ لأنه مشروع في الأفراح النشيد والدف؛ لأجل إعلان النكاح إظهار النكاح.
س: يقول صاحب محل هل إذا أتى إليه أحد يشرط عليه أنه يبيعه هذا الشريط بشرط أن يشغله في الأفراح فقط؟
ج: لا يبيعه مرة واحدة ويستريح بيجيهم من يعيرهم إذا تزوجوا.