45 من: (باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العُمر)

 
12- بابُ الحثِّ عَلَى الازدياد من الخير في أواخِر العُمر
قَالَ الله تَعَالَى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] قال ابن عباس والمحققون: معناه: أولم نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً؟ وَيُؤَيِّدُهُ الحديث الَّذِي سنذْكُرُهُ إنْ شاء الله تَعَالَى، وقيل: معناه ثماني عَشْرَة سَنَةً. وقيل: أرْبَعينَ سَنَةً. قاله الحسن والكلبي ومسروق، ونُقِلَ عن ابن عباس أيضاً. وَنَقَلُوا: أنَّ أَهْلَ المدينَةِ كانوا إِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمْ أربْعينَ سَنَةً تَفَرَّغَ للعِبادَةِ. وقيل: هُوَ البلوغ.
وقوله تعالى: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] قَالَ ابن عباس والجمهور: هُوَ النَّبيّ ﷺ. وقيل: الشَّيبُ. قاله عِكْرِمَةُ، وابن عيينة، وغيرهما. والله أعلم.
1/112-وأمَّا الأحاديث [الأوَّل]: فعن أَبِي هريرةَ ، عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِىءٍ أخَّرَ أجلَه حَتَّى بلَغَ سِتِّينَ سَنَةً رواه البخاري.
قَالَ العلماءُ معناه: لَمْ يتْركْ لَه عُذْراً إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ. يُقال: أعْذَرَ الرَّجُلُ إِذَا بلغَ الغايَةَ في الْعُذْرِ.
2/113-[الثاني:] وعن ابن عَبَّاسٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: كَانَ عمر يُدْخِلُني مَع أشْياخ بْدرٍ، فَكأنَّ بعْضَهُمْ وجدَ فِي نفسِهِ فَقَالَ: لِمَ يَدْخُلُ هَذِا معنا ولنَا أبْنَاء مِثْلُه،؟ فَقَالَ عمرُ: إِنَّهُ منْ حيْثُ علِمْتُمْ، فدَعَاني ذاتَ يَوْمٍ فَأدْخلَني معهُمْ، فما رأَيْتُ أنَّه دعاني يوْمئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيهُمْ قَالَ: مَا تقُولُون في قول اللَّه تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] فَقَالَ بَعضُهُمْ: أمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ ونَسْتَغْفِره إذَا نَصرنَا وفَتَحَ علَيْنَا. وسكَتَ بعضهُمْ فَلَمْ يقُلْ شَيئاً فَقَالَ لي: أكَذلك تقُول يَا ابنَ عباسٍ؟ فقلت: لا. قَالَ فما تقول؟ قُلْتُ: هُو أجلُ رسولِ اللَّه ﷺ، أعْلمَه لَهُ قَالَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامةُ أجلِك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:3] فَقَالَ عمر : مَا أعْلَم مِنْهَا إلاَّ مَا تَقُول. رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآية الكريمة والحديثان كل منها يدل على شرعية العناية بالعمل الصالح والاجتهاد في الخير ولاسيما مع طول العمر والمد في الأجل، ينبغي للمؤمن أن يجتهد في طاعة الله في كل وقت ولكن مع طول العمر يكون قد أمهل وقد أنظر فليحذر وليجتهد في طاعة الله والاستعداد للقائه قال الله في أهل  النار وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قال الله لهم: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37]، وبخهم الله على أنه عمرهم في الأرض ووسع لهم ومد لهم في الأجل فلم يستجيبوا ولم يتوبوا ولم يرعووا فصارت عاقبتهم إلى النار أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ يعني مدة طويلة فيها إمهال فيها لكم فسح، ولكنهم أصروا على باطلهم واستكبروا عن اتباع الحق؛ فجدير بالمؤمن ألا يتشبه بهم وأن يغتنم الفرصة فيما أعطاه الله من المدة فيعمل. قال الأكثر في معناها: نعمركم ستين سنة، قال النبي ﷺ: أعذر الله إلى امرئ بلغه ستين سنة يعني قد أبلغ العذر يعني أخر أجله حتى بلغه ستين سنة فكيف بمن عمر بأكثر من ذلك؟! وقال بعضهم معناه: أربعين سنة، وقال بعضهم: ثمانية عشر سنة، والآية مطلقة فيها توبيخ لمن مات على الباطل وقد عمر وأمهل ولم ينتفع بالمدة ولم يرعوي.
والواجب على كل مكلف أن يهتم بهذا الأمر من الرجال والنساء، وأن يزداد في العمل الصالح  كلما زيد له في الأجل، وليستعد وليحذر أن يهجم عليه الأجل وهو على غرة وعلى تفريط.

وكان عمر يجتمع بالصحابة ويتذاكرون في معاني القرآن وفي السنة وفيما شرع الله لهم، وكان يدخل ابن عباس معهم وابن عباس كان شابًا ومات النبي ﷺ وهو ابن عشر سنين وتوفي عمر وابن عباس ابن ثلاث وثلاثين سنة وكان يدخله مع الأشياخ للمذاكرة، فقال بعضهم: لم يدخله ولنا أولاد مثله؟!  وكان عمر أدخله معهم؛ لما أعطاه الله من العلم؛ لأن الرسول ﷺ قال: اللهم علمه الكتاب، اللهم فقهه في الدين فكانت له دراية وعلم بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، وحفظ وكان نابغًا في العلم في شبابه وأرضاه حتى صار الناس يفدون إليه من كل مكان يسألونه فسألهم عن قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3] فقال بعضهم: الله أمرنا إذا جاء النصر والفتح أن نكثر من التسبيح والاستغفار ونصرهم الله وفتح عليهم مكة فأمروا بالشكر لله بالتسبيح والاستغفار، فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال: إنه أجل رسول الله، إن الله نعى إليه نفسه وإن الله أخبره أنه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقد قرب أجلك  فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ يعني فذلك علامة أجلك، فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما قلت! يعني أنها تعزية للنبي ﷺ وتذكير له بأن أجله قريب، إذا جاء الفتح والنصر فقد تم التبليغ وتبيان الرسالة وحصل المطلوب فقرب الأجل، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما قال ابن عباس! أنها نعي للنبي  ﷺ وإخبار له بأن أجله قد قرب بعدما فتح الله عليه مكة ونصره الله على الأعداء، ولا منافاة بين التفسيرين، فهي علامة لأجله ﷺ، وفيها حث وتحريض على التسبيح والاستغفار، إذا كان الرسول ﷺ أمر بهذا فالأمة كذلك تتأسى به في هذا الخير فلا منافاة بين التفسيرين كونها علامة لأجل الرسول ﷺ وكوننا مأمورين إذا نصرنا الله وفتح علينا وأيدنا على أعدائنا أن نشكره سبحانه وأن نذكر من التسبيح والتهليل والاستغفار؛ شكرًا لله على إنعامه جل وعلا.
وهذا هو الحق أن المؤمنين عليهم دائمًا أن يشكروا الله على ما حباهم من النعم في الشباب وفي حال الشيبة نسأل الله للجميع التوفيق.

الأسئلة:

س: ابن عباس قال: لا، حينما قالوا التفسير الأول، فهل كذلك بعد قوله: لا، نجمع؟
ج: لا منافاة بين هذا وهذا.
س:  تفسير السورة كاملاً كيف يكون؟
ج: تفسير السورة مثل ما قال ابن عباس وعمر، يعني: فذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك يعني قرب أجله، وإذا كان مأمورًا مع كونه مغفورًا له فكيف بحالنا؟
س: الصواب في: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37] ؟
ج: النذير هو الرسل، الكتب والرسل، وقال بعضهم: الشيب؛ ولكن الصواب أن النذر هم الرسل، ونذيرنا هو محمد عليه الصلاة والسلام.
س: إذا اختلفوا بين ابن عباس وغيره هل يرجع لابن عباس؟
ج: لا، يرجع للأدلة الأخرى التي تؤيد هؤلاء أو هؤلاء.
س: ما صحة حديث معناه قال رسول الله ﷺ: إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب، إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن؟
ج: ما أعلم عنه ما بلغني.
س: هل المرأة تغطي رأسها إذا قرأت القرآن؟
ج: ما هو بلازم إذا ما كان عندها أحد، إذا غطت رأسها فلا بأس وإن قرأت ورأسها مكشوف فلا بأس. ما دام ما عندها إلا نساء أو ما عندها أحد أو ما عندها إلا زوجها أو محارمها.
س: الله خلق آدم والجنة هل التوراة من مخلوقاته أو من صفاته؟
ج: التوراة كلام الله، التوراة والإنجيل والكتب كلام الله أنزلها على أنبيائه، والتوراة من جملة كلامه المنزل ومن كتبه أنزلها على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود، والقرآن على محمد عليهم الصلاة والسلام، والرسل هكذا قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25]، كل الرسل عليهم الصلاة والسلام.