55 من: (باب في الاقتصاد في العبادة)

 
14-باب في الاقتصاد في العبادة
قَالَ الله تَعَالَى: طه ۝ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] وَقالَ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]
1/142- وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها أَن النَّبيّ ﷺ دخَلَ عليْها وعِنْدها امْرأَةٌ قَالَ: منْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: هَذِهِ فُلانَة تَذْكُرُ مِنْ صَلاتِهَا قالَ: مَهُ عليكُمْ بِما تُطِيقُون، فَوَاللَّه لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا، وكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ ما داوَمَ صَاحِبُهُ علَيْهِ متفقٌ عليه.
2/143- وعن أَنسٍ قَالَ: جاءَ ثَلاثةُ رهْطِ إِلَى بُيُوتِ أَزْواجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يسْأَلُونَ عنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخبِروا كأَنَّهُمْ تَقَالَّوْها وقالُوا: أَين نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ غُفِر لَهُ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصلِّي اللَّيلَ أَبداً، وَقالَ الآخَرُ: وَأَنا أَصُومُ الدَّهْرَ أَبَداً وَلا أُفْطِرُ، وقالَ الآخرُ: وأَنا اعْتَزِلُ النِّساءَ فَلاَ أَتَزوَّجُ أَبداً، فَجاءَ رسولُ اللَّه ﷺ إلَيْهمْ فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وكذَا؟، أَما واللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للَّهِ وَأَتْقَاكُم لَهُ لكِني أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُد، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فمنْ رغِب عَنْ سُنَّتِي فَلَيسَ مِنِّي متفقٌ عَلَيهِ.
3/144-وعن ابن مسعودٍ أن النبيَّ ﷺ قَالَ: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قالَهَا ثَلاثاً، رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله،وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهاتان الآيتان وما جاء في معناهما وهكذا الأحاديث الثلاثة كلها تدل على شرعية الاقتصاد في العبادة وعدم التكلف، وأن الواجب على المؤمن الاقتصاد وعدم التنطع والتكلف وتحمل ما لا يستطيع  ولكن يعمل ما يستطيع ويجتهد في الخيرات من دون أن يشق على نفسه ومن دون أن يتنطع ويتكلف قال جل وعلا: طه ۝ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1- 2] يعني ما أنزلناه عليك لتشقى وعليك لتعمل بما تستطيع وتدع ما نهى الله عنه، فالمؤمن مأمور بالاقتصاد في العبادة وأن يؤدي ما شرع الله له وأن يتطوع بما شرع الله له من دون تكلف ولا تنطع ويقول جل وعلا: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] فالمؤمن يتحرى ما شرع الله له، ويؤدي ما أمر الله به ولكن لا يتكلف الشيء الذي يشق عليه من النوافل لا يتكلف؛ لأنه إذا تكلف مل العبادة وإذا ملها تركها فالواجب على المؤمن الاقتصاد كما قال تعالى في النفقة: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67] فأنت يا عبد الله مأمور بالتعبد والاجتهاد في الخيرات كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61] ويقول سبحانه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] الآية، ويقول جل وعلا: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات [البقرة:148] ويقول سبحانه: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21] فالمؤمن مأمور بالمسابقة والمسارعة إلى الخير لكن مع تحري عدم المشقة وعدم التكلف.
الحديث الأول
وفي الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها وذكرت من صلاتها وصومها فجاء النبي ﷺ فأخبرته فقال: مه، اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا. بعض الروايات أن بعض النساء كن يتخذن الحبال يتعلقن بها وقت التهجد بالليل تتعلق بالحبل حتى تنشط، فقطع النبي الحبل وقال: تكلفوا ما تطيقون اعملوا ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا فالمؤمن يتعبد في الليل، في النهار، يصلي ويصوم ويتصدق لكن لا يتكلف، عليك بالتوسط في الأمور وعدم التكلف وعدم المشقة، وقوله: إن الله لا يمل حتى تملوا هذه من صفات الله جل وعلا؛ ملل يليق بالله لا يشابه خلقه في شيء من صفاته لا في ملل ولا في غيره لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] والمقصود أن المؤمن يجتهد في العبادة ويتحرى الخير ولا يتكلف.
الحديث الثاني
وفي الحديث الثاني: أن جماعة من الناس سألوا أزواج النبي ﷺ عن أعماله من الصوم وغيره؛ فكأنهم تقالوا ذلك، كأنهم رأوا أن العمل ليس بالكثير، وقالوا: إنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما نحن فعلى خطر، فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، يعني يسهر الليل، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء، يعني أستمر في العبادة من دون زواج، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، دائم الصوم، في بعض الروايات قال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فلما جاء النبي ﷺ أخبروه فخطب الناس وذكرهم، وقال: أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، وفي اللفظ الآخر: وأعلمكم بما أتقي، ولكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني! فهذا يدل على أن السنة التزوج والنوم بعض الليل والنوم على الفراش، يصوم ويفطر، يأكل اللحم، يأكل ما أحل الله، لا يتكلف مع العبادة التي شرع الله له، ولهذا قال: فمن رغب عن سنتي فليس مني! فالواجب على أهل الإيمان التأسي بالنبي ﷺ، والحذر من الغلو والتكلف وما يؤدي إلى المشقة التي نهى الله عنها .
الحديث الثالث
وكذلك حديث ابن مسعود يقول ﷺ: هلك المتنطعون التنطع التكلف والتشدد يقول ﷺ: هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون كررها ثلاثًا؛ للتحذير ومعنى المتنطع الغالي المتشدد الذي لا يرضى بالوسط، فهذا سببه إلى الهلاك لغلوه واعتقاده أن ما فعله النبي ﷺ وأصحابه ما يكفي، أنه لا بدّ أن يزيد، هذا غلط وهلاك، الواجب التأسي بالنبي ﷺ وبأصحابه والحذر من التكلف والغلو والزيادة. وفق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ما معنى قوله: لِتَشْقَى [طه:2]؟
ج: تتعب يعني، شرع الله العبادة ليستريح ويعبد الله، ويستريح بالعبادة لا يشقى بها.
س: الربط بالكتاب العظيم مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2] ؟
ج: لأن القرآن نزل ليستفيد المؤمن ويتعلم ويتقي ربه ويعمل بطاعة الله، ما أنزل لتكلف نفسك ما لا تطيق، أنزل لتعبد ربك بما تستطيع، فاتقوا الله ما استطعتم، ما أنزل لتعمل بضد التقوى وضد الاستطاعة.
س: الكثير من العلماء المعروفين خاصة علماء السلف والزهاد كانوا لا يأكلون إلا الخبز مع الماء؟
ج: كل عالم يخطئ ويصيب، من خالف السنة ولو أنه من الصحابة ما يقتدى به السنة هي القدوة  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] ومن تبعه بإحسان.
س: ماذا لو قالوا: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ [الأحقاف:20]؟
ج: هذا في الإسراف والزيادات والاشتغال بملاذ الدنيا عن طاعة الله، لا هذا ولا هذا، لا إسراف وركون إلى الدعة والنعمة، ولا تكلف وغلو، ولكن بين ذلك.
س: كيف نجمع بين حديث استغل خمسًا قبل خمس وبين أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل؟
ج: ما في منافاة الإنسان يعمل بطاعة الله ويجتهد في العمل وإن كان قليلاً، هذا خير له من كونه تارة يعمل وتارة ما يعمل، تارة يصلي الضحى وتارة ما يصلي، تارة يوتر وتارة ما يوتر لا، يوتر ولو بواحدة أفضل ولو كل ليلة أفضل من كونه ليلة يوتر بخمس وليلة ما يوتر، أو ليلة يوتر بسبع وليلة ما يوتر،  لا، كونه يوتر بواحدة أو ثلاث دائمًا دائمًا أفضل من كونه بعض الليالي يوتر وبعض الليالي ما يوتر.
س: أحيانًا الإنسان يكون عنده إجازات في الخميس والجمعة فيكون عنده مجال فيزيد في صلاته؟
ج: يتزود في الخير طيب، لكن ما يتكلف حتى لا يتقطع.
س: بعض الناس إذا أحد إزاره إلى أنصاف ساقيه قال هذا متنطع؟
ج: لا هذا غلط اللي يقوله جاهل، الإزرة من نصف الساق إلى الكعب، من فعل هذا أو هذا فلا بأس إلى النصف أو إلى آخر الساق، بس لا تنزل عن الكعب، حدها الكعب ولا تزيد فوق النصف.
س: من يقول أن في حديث ورد بلفظ: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا؟
ج: هذا يروى عن علي، لو صح ما يخالف هذا، اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا هذا من كلام بعض السلف، وما هو على إطلاقه.
س: والمعنى الصحيح؟
ج: المعنى إذا لم يخالف الشرع. ما هو بيقول بأخلي عيالي وما أنا بمتجر أخاف أموت باكر! لا أتجر وأعمل ولا تقل أموت باكر، بس استعد للآخرة كأنك تموت باكر، واعمل للدنيا كأنك تعيش سنتين أو مائة سنة الحمد لله.
س: معنى قول النبي ﷺ: يعجب الله لشاب ليس له صبوة؟
ج: يعني ماله زلات، يعني استقام على العبادة من أول شبابه، مثل حديث السبعة: سبعة يظلهم الله في ظله.. ذكر منهم شابًا نشأ في عبادة الله، ماله صبوة، ماله معاصي في أول شبابه ماله جهالات.
..........