بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا شرح للفرائض على متن الرحبية لسماحة الشيخ الجليل/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله ورعاه وأكثر من أمثاله في أمة محمد ﷺ ونفع به آمين.
ويعدها ويقدمها تلميذه محمد بن رفيق العجمي، نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وابتغاء مرضاته، وأن يجعله لنا ولسماحة شيخنا مثقلًا لميزان حسناتنا يوم العرض على الله عز وجل يوم نصب الموازين، ونافعًا لمن يستمع إليه من إخواننا المسلمين أجمعين في مشارق الدنيا ومغاربها آمين. آمين آمين.
مقدمة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين.
هذه الأرجوزة للرحبي رحمه الله فيما يتعلق بأحكام الفرائض، وهي أرجوزة جيدة ومفيدة وعظيمة وتداولها العلماء كثيرًا وانتفعوا بها كثيرًا، وهي حسنة الأبيات، سلسة الأبيات واضحة المعنى، سهلة الحفظ، فجزاه الله خيرًا ورحمه الله، وقد حفظناها من الصغر وقرأناها مرات على شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمة الله عليه، وقرأها معنا أمم لا يحصيهم إلا الله عز وجل على الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
وقرأها الناس قبلنا في أمم متطاولة فهي قصيدة مباركة ومفيدة.
يقول رحمه الله:
أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ الْمَقَالا: يعني أقول، المقال مصدر الميم مثل المقام وأشباهه.
بِذِكْرِ حَمْدِ رَبِّنا تَعالى: يعني أول ما نفتتح به القول حمد الله عز وجل والثناء عليه سبحانه وتعالى فإنه أولى ما يكون بالحمد سبحانه وتعالى، وفي الحديث الذي جاء من طرق: كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله وفي بعضها: بذكر الله وفي بعضها بحمد الله، فهو أجذم وفي بعضها أبتر يعني ناقص البركة، والله عز وجل بدأ كتابه بالحمدلة كما رتبه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وحمد نفسه في سور كثيرة سبحانه وتعالى بدأها بالحمد.
والمؤلف جمع بين الحمد والتسمية جميعًا حتى يجمع بين الروايات، والرسول ﷺ كان يسمي عند بدء كتبه عند إرسال الكتب يسمي الله، والقرآن بدئ بالتسمية والحمد جميعًا؛ ولهذا استحسن العلماء بدأ مؤلفاتهم بالتسمية والحمد جمعًا بين الروايات وجمعًا بين الفضائل وحرصًا على تمام البركة والخير. ثم بين الحمد فقال:
فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى ما أَنْعَمَا: ما: مصدرية، والمعنى الحمد لله على إنعامه ويجوز أن تكون موصولة وتقديرها: الحمد لله على الذي أنعم به سبحانه وتعالى.
وأل: للاستغراق، استغراق أنواع الحمد، وأجزاء الحمد وهو الثناء.
والحمد: هو ذكر محاسن المحمود مع المحبة والتعظيم والإجلال وأحق شيء في ذلك هو الله سبحانه وتعالى فله المحامد العظيمة وله الثناء المطلق جل وعلا، لكمال صفاته وعظيم إنعامه سبحانه وتعالى.
وإذا كان الثناء ليس معه محبة فهو مجرد مدح، فإذا كان معه محبة والتقدير فهو حمد والله أحق بالحمد سبحانه وتعالى من غيره، وحمد غيره تابع لحمده وما يحمد الناس عليه من فضائل وأعمال طيبة فهو منه سبحانه جل وعلا ومن إسدائه إليهم جل وعلا.
وله الحمد في الحقيقة لأنه محسن لجميع الخلق سبحانه وتعالى.
حمدًا: مصدر مبين للنوع أي حمدًا من صفته أنه يجلو عن القلب العمى، والمصادر تختلف فمنها مميز للنوع ومنها المؤكد، وهنا مبين للنوع.
حمدًا به أي حمدًا به يجلو الله أي يزيل الله ويذهب عن القلب العمى يعني عماه.
والعمى في الحقيقة عمى القلوب أما عمى الأبصار فهو أسهل مثل ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن هذا شرح للفرائض على متن الرحبية لسماحة الشيخ الجليل/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله ورعاه وأكثر من أمثاله في أمة محمد ﷺ ونفع به آمين.
ويعدها ويقدمها تلميذه محمد بن رفيق العجمي، نسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وابتغاء مرضاته، وأن يجعله لنا ولسماحة شيخنا مثقلًا لميزان حسناتنا يوم العرض على الله عز وجل يوم نصب الموازين، ونافعًا لمن يستمع إليه من إخواننا المسلمين أجمعين في مشارق الدنيا ومغاربها آمين. آمين آمين.
مقدمة
أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ الْمَقَالا | بِذِكْرِ حَمْدِ رَبِّنا تَعالى |
فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى ما أَنْعَمَا | حَمْدًا بِهِ يَجْلو عَنِ القَلْبِ العَمى |
ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدُ والسَّلامُ | عَلى نَبِيٍّ دينُهُ الإِسْلامُ |
مُحَمَّدٌ خَاتَمِ رُسْلِ رَبِّهْ | وَآلِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهْ |
ونَسأَلُ اللهَ لَنا الإِعانَهْ | فِيما تَوخَّيْنا مِنَ الإِبانَهْ |
عَن مَذْهَبِ الإِمامِ زَيْدِ الفَرَضِي | إِذْ كانَ ذاكَ مِنْ أهمِّ الغَرَض |
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على المبعوث رحمة للعالمين.
هذه الأرجوزة للرحبي رحمه الله فيما يتعلق بأحكام الفرائض، وهي أرجوزة جيدة ومفيدة وعظيمة وتداولها العلماء كثيرًا وانتفعوا بها كثيرًا، وهي حسنة الأبيات، سلسة الأبيات واضحة المعنى، سهلة الحفظ، فجزاه الله خيرًا ورحمه الله، وقد حفظناها من الصغر وقرأناها مرات على شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمة الله عليه، وقرأها معنا أمم لا يحصيهم إلا الله عز وجل على الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
وقرأها الناس قبلنا في أمم متطاولة فهي قصيدة مباركة ومفيدة.
يقول رحمه الله:
أَوَّلُ مَا نَسْتَفْتِحُ الْمَقَالا: يعني أقول، المقال مصدر الميم مثل المقام وأشباهه.
بِذِكْرِ حَمْدِ رَبِّنا تَعالى: يعني أول ما نفتتح به القول حمد الله عز وجل والثناء عليه سبحانه وتعالى فإنه أولى ما يكون بالحمد سبحانه وتعالى، وفي الحديث الذي جاء من طرق: كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله وفي بعضها: بذكر الله وفي بعضها بحمد الله، فهو أجذم وفي بعضها أبتر يعني ناقص البركة، والله عز وجل بدأ كتابه بالحمدلة كما رتبه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وحمد نفسه في سور كثيرة سبحانه وتعالى بدأها بالحمد.
والمؤلف جمع بين الحمد والتسمية جميعًا حتى يجمع بين الروايات، والرسول ﷺ كان يسمي عند بدء كتبه عند إرسال الكتب يسمي الله، والقرآن بدئ بالتسمية والحمد جميعًا؛ ولهذا استحسن العلماء بدأ مؤلفاتهم بالتسمية والحمد جمعًا بين الروايات وجمعًا بين الفضائل وحرصًا على تمام البركة والخير. ثم بين الحمد فقال:
فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى ما أَنْعَمَا: ما: مصدرية، والمعنى الحمد لله على إنعامه ويجوز أن تكون موصولة وتقديرها: الحمد لله على الذي أنعم به سبحانه وتعالى.
وأل: للاستغراق، استغراق أنواع الحمد، وأجزاء الحمد وهو الثناء.
والحمد: هو ذكر محاسن المحمود مع المحبة والتعظيم والإجلال وأحق شيء في ذلك هو الله سبحانه وتعالى فله المحامد العظيمة وله الثناء المطلق جل وعلا، لكمال صفاته وعظيم إنعامه سبحانه وتعالى.
وإذا كان الثناء ليس معه محبة فهو مجرد مدح، فإذا كان معه محبة والتقدير فهو حمد والله أحق بالحمد سبحانه وتعالى من غيره، وحمد غيره تابع لحمده وما يحمد الناس عليه من فضائل وأعمال طيبة فهو منه سبحانه جل وعلا ومن إسدائه إليهم جل وعلا.
وله الحمد في الحقيقة لأنه محسن لجميع الخلق سبحانه وتعالى.
حمدًا: مصدر مبين للنوع أي حمدًا من صفته أنه يجلو عن القلب العمى، والمصادر تختلف فمنها مميز للنوع ومنها المؤكد، وهنا مبين للنوع.
حمدًا به أي حمدًا به يجلو الله أي يزيل الله ويذهب عن القلب العمى يعني عماه.
والعمى في الحقيقة عمى القلوب أما عمى الأبصار فهو أسهل مثل ما يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
إن يأخذ الله من عيني نورهما | فإن قلبي مضيء ما به ضرر |
أرى بقلبي دنياي وآخرتي | والقلب يدرك ما لا يدرك البصر |
المقصود أن البصر وإن كان عماه يضر في الدنيا وقد يعوق عن بعض مسائل الآخرة لكن العمى الكبير والخطر العظيم في عمى القلب نسأل الله العافية. ولهذا قال سبحانه: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46]
والمؤلف هنا يقول: حمدًا يجلو به يعني يجلو الله به عن القلب العمى.
فالثناء على الله وسؤاله والضراعة إليه والقيام بحقه والبعد عن معاصيه كل هذه أسباب لصلاح القلب وصفائه وذهاب عماه والمعاصي والغفلة من أسباب ظلمة القلب وعماه نسأل الله العافية.
ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدُ والسَّلامُ | عَلى نَبِيٍّ دينُهُ الإِسْلامُ |
مُحَمَّدٌ خَاتَمِ رُسْلِ رَبِّهْ | وَآلِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهْ |
يستحب بعد الحمد الصلاة على النبي ﷺ قبل الدعاء كما في حديث فضالة بن عبيد في الصحيح أن النبي ﷺ قال لما سمع رجلًا يدعو ولم يحمد الله ولم يصل على النبي ﷺ قال: عجل هذا ثم قال: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه، أو بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء فالدعاء بعد الحمد والصلاة على النبي أقرب إلى الإجابة.
ثم الصلاة: والصلاة من الله ثناء على عبده في الملإ الأعلى، وتطلق على الرحمة، وتطلق عليهما جميعًا.
والمشهور في الصلاة على النبي ﷺ أنها ثناؤه على عبده كما قاله أبو العالية الرياحي وجماعة وأيده ابن القيم في جلاء الأفهام من وجوه فإذا قلت: (اللهم صل على محمد) يعني: أثنِ عليه بين الملائكة، والرحمة في ضمن ذلك، لكن المقصود هو الثناء عليه وإظهار منزلته في الملإ الأعلى عليه الصلاة والسلام ومن دخول الرحمة فيها قوله جل وعلا: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ [الأحزاب: 43] فإن صلاته علينا فيها ثناء وفيها رحمة لنا، وإذا جمعت الرحمة مع الصلاة صار الصلاة الثناء، والرحمة الإحسان والجود والكرم، كما قال سبحانه: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة: 157] قرنهما.
والسلام: السلامة. يعني: ثم السلام على النبي ﷺ من كل سوء. مصدر سلم سلامًا، المراد به الدعاء بأن الله يسلمه من كل سوء، والله قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] أي ادعو له بالصلاة وادعو له بالسلامة عليه الصلاة والسلام ومن صلى عليه صلى الله عليها بها عشرًا، وقد أمر الله بالصلاة عليه والسلام عليه وهي سنة مؤكدة عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث الصحيح: من صلى علي صلاة صلى الله عليها بها عشرًا
على نبي: يهمز ولا يهمز عن نبي ويقال نبيء وأصله معنيان، أحدهما أنه من النَبوة والارتفاع فهو منتبي يقال هذا منتبي على كذا يعني مرتفع والثاني أنه من النبأ وهو الخبر وهو الأقرب أنه من النبأ لأنه منبئ عن الله ومخبر عن الله فالأنبياء يخبرون عن الله فمعنى نبيء أي من النبأ فسهلت إلى نبي.
دينه الإسلام: دينه ودين الأنبياء كلهم هو الإسلام كما قال عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] فلا دين إلا الإسلام، فليس لله دين سوى الإسلام هو دينه ودين إخوانه الأنبياء جميعًا، وهو الاستسلام لله بالتوحيد والطاعة له عز وجل والبعد عما حرم، والبراءة من الشرك وأهله فهذا هو الإسلام، إسلام وانقياد وذل لله بالإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه والإيمان به وبرسله وتصديق أخباره كل هذا داخل في الإسلام والمستسلم المسلم يصدق الله في أخباره ويصدق رسوله ﷺ ويعبده وحده وينقاد لأوامره وينتهي عن نواهيه وبهذا يكون مسلمًا منقادًا ذليلًا لربه عز وجل.
محمد أشهر أسمائه عليه الصلاة السلام وله أسماء كثيرة منها أحمد وهي في قوله جل وعلا: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] ومنها الماحي والعاقب والمقفي وغير أسمائه الكثيرة جاءت بها السنة عليه الصلاة والسلام، نبي التوبة ونبي الرحمة والضحوك القتال إلى غير ذلك.
مُحَمَّدٌ خَاتَمِ رُسْلِ رَبِّهْ: يقال خاتَم وخاتِم هو خاتَمهم يعني آخرهم فليس بعده نبي كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] تواترت عنه الأخبار عليه الصلاة والسلام بأنه لا نبي بعده وأنه خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولهذا أجمع العلماء قاطبة على أن من ادعى النبوة بعده فهو كافر ولهذا كفّر الصحابة مسيلمة وسجاح والمختار بن أبي عبيد وقاتلوهم، وهكذا غيرهم ممن ادعى النبوة كالأسود العنسي وغيرهم. هذا إجماع الصحابة وإجماع أهل العلم أن الأسود ومسيلمة وسجاح والمختار وغيرهم ممن ادعى النبوة كفار بالنص والإجماع ولهذا قاتلهم الصحابة ويقال أن سجاح أسلمت وهكذا طليحة الأسدي أسلم وقد ادعى النبوة في عهد الصديق وتنبأ في بني أسد في خزيمة من جهة حائل، وحصل له شوكة وقاتله خالد وقتل جماعة من قومه، ثم فر طليحة وهداه الله وأسلم، وقاتل مع الصحابة في الفرس.
وهكذا من ادعى النبوة بعد ذلك بأي جنس كان، إذا كان عنده عقل فهو كافر وقد يدعيها أناس ليس عندهم عقول أصيبوا بمرض في عقولهم فهؤلاء لا عبرة بهم، لكن من ادعاها وله عقل أو شوكة فهذا هو المراد بِعَد المتنبئين في الحديث أنهم ثلاثون بعده عليه الصلاة والسلام يعني الذين لهم شوكة ولهم شأن ومن آخرهم القادياني، ميرزا أحمد القادياني، وهو الذي تنبأ في الهند في أواخر القرن الماضي، في القرن الثالث عشر وحصل له أتباع وشوكة وإلى الآن له أتباع يقال لهم القاديانية ويقال لهم الأحمدية أجمع العلماء في عصرنا وقبل عصرنا على كفرهم وعلى كفره أيضًا؛ لأنه ادعى النبوة وزعم أنه يوحى إليه وأن رسالته أكمل من رسالة محمد عليه الصلاة والسلام وله مؤلفات وله أتباع إلى الآن في الهند وباكستان وفي دول إفريقية وفي غيرها فهو كافر وأتباعه الذين يعرفون كلامه ويعلمون أنه ادعى النبوة ويتبعونه كفار مثله نسأل الله العافية.
وَآلِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهْ: آل الرجل أهل بيته وأتباعه يقال لهم: آل والمراد هنا أهل بيته ومن اتبعه، المراد هنا أهل بيته من بني هاشم وزوجاته رضي الله عنهن ومن اتبعه كلهم داخلون في آله كما قال تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] يعني أتباع فرعون، والنبي ﷺ قال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي اللفظ الآخر وعلى أزواجه وذريته يبين أنهم آله عليه الصلاة والسلام.
مِنْ بَعْدِهِ وَصَحْبِهْ: عطف الصحب على الآل من باب عطف العام على الخاص، الصحب أعم من أهل البيت أعم من الزوجات والذرية، وأما إذا جعلنا الآل بمعنى الأتباع دخل الخاص على العام، لأن العام الآل أعم يعم الصحابة وغير الصحابة فيكون عطف الصحابة عليهم من باب عطف الخاص على العام، إذا فسرت الآل بالأتباع، أما إذا فسرت بآل البيت فيكون من باب عطف العام على الخاص.
والصحابي هو من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به مستقلًا أو تابعًا لغيره ومات على الإسلام هذا هو الصحابي هذا أحسن كما قيل فيه، كما قال الحافظ في النخبة: هو من لقي الرسول ﷺ مؤمنًا به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة ولو ارتدت ثم رجع كالأشج بن قيس وجماعة هم صحابة.
ولو كان تابعًا لغيره كمحمد بن أبي بكر، وكعبدالله بن أبي طلحة الأنصاري وجماعة كانوا تبع آبائهم ولدوا في عهد النبي ﷺ ولقوا النبي ﷺ ولكن تبعًا لغيرهم ليسوا مستقلين لصغرهم.
ونَسأَلُ اللهَ لَنا الإِعانَهْ: يقال أعان إعانة مصدر أعان يعني المدد والتوفيق والتسهيل.
فِيما تَوخَّيْنا: توخي الشيء قصده وأراده.
مِنَ الإِبانَهْ: من الكشف والإظهار.
عَن مَذْهَبِ الإِمامِ: مذهب الرجل ما قاله مجتهدًا ومات عليه هذا هو مذهب الرجل، مذهب فلان ما قاله عن اجتهاد وثبت عليه حتى مات، مذهب أحمد، مذهب الثوري، مذهب الشافعي، مذهب مالك، مذهب زيد، مذهب فلان ما عرف عنه أنه قاله واستقام عليه حتى مات يسمى مذهبًا له؛ يعني قولًا له.
والمذهب يطلق على المصدر الميمي ذهب ذهابًا ومذهبًا
عَن مَذْهَبِ الإِمامِ زَيْدِ: زيد من الأئمة الكبار ورحمه الله من أئمة الصحابة لعلمه وفضله وقد اشتهر بعلم الفرائض، وقال فيه النبي ﷺ: أفرضكم زيد بن ثابت وهو مشهور بهذا بين الصحابة ومن بعدهم، وقد أعطاه الله فيه الفائدة الكبيرة والعلم الجم وعني به كثيرًا.
زَيْدِ الفَرَضِي: بالتنوين للضروة هو زيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي الإمام المشهور والصحابي الجليل وأحد كتاب الوحي مات سنة 45 من الهجرة له فضائل ومناقب بينها من كان في الصحابة وغيرهم، ولما مات قال ابن عباس: هكذا يذهب العلم، وأخذ بركابه ذات يوم وقال هكذا يفعل بعلمائنا رضي الله عن الجميع.
والفَرَضِي: نسبة إلى الفريضة، واحدة الفرائض النصف والثلث وأشباه ذلك، وتطلق الفريضة على الإرث كله، تسمى فريضة عصبه وفرضه تسمى فريضة كما ذكر سبحانه وتعالى ذلك لما ذكر المواريث فرضها وتعصيبها قال: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:11] فهي تسمى فريضة يعني مفترض الأخذ به، فيقال للعالم بالفرائض فرضي كما يقال للمنتسب لأبي حنيفة حنفي، ولمن كان من بني حنيفة بالنسب حنفي، فعيلة ينسب إلى فعلي...
إذا كان ذاك: إذا تعليلية منصوب على الظرف يعني لأن ذاك.
من أهم الغرض: يعني البحث والكشف والتنقيب وبيان مذهب زيد من أهم أغراض المؤلف غيره من أئمة هذا الشأن.
الغرض المقصد، ويأتي بقية كلامه رحمه الله....
عِلْمًا بِأَنَّ العِلْمَ خَيْرُ ما سُعِي | فيهِ وَأَوْلَى مالَهُ العَبْدُ دُعِي |
وَأَنَّ هَذا العِلْمَ مَخْصوصٌ بِما | قَدْ شاعَ فيهِ عِندَ كُلِّ العُلَما |
بأَنَّهُ أوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ | فِي الأرْضِ حَتى لا يَكادُ يُوجَدُ |
وأنَّ زَيْدًا خُصَّ لا مَحالَهْ | بَما حَباهُ خاتَمُ الرِّسالَهْ |
مِنْ قَوْلِهِ فِي فَضْلِهِ مُنَبِّها | أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ)) وَنَاهِيكَ بِها |
فَكانَ أَوْلى باتِّباعِ التَّابِعي | لا سِيَّما وَقدْ نَحَاهُ الشَّافِعِي |
فَهاكَ فيهِ القَوْلَ عَنْ إِيجازِ | مُبَرَّءًا عَنْ وَصْمَةِ الأَلْغازِ |
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه بقية مقدمة الكتاب يقول رحمه الله:
علمًا: مفعولًا لأجله يعني توخينا البحث عن مذهب زيد وقصدنا بيان أحكام هذا الباب
عِلْمًا بِأَنَّ العِلْمَ خَيْرُ ما سُعِي: لأن هذا من العلم البحث عن الفرائض ومعرفة مذهب زيد بن ثابت في الفرائض وأحكام المواريث من العلوم النافعة التي السعي فيها مطلوب والحرص عليها من غاية المطالب.
عِلْمًا بِأَنَّ العِلْمَ: من جنس العلم الشرعي.
خَيْرُ ما سُعِي: فيه يعني خير ما سعى فيه الساعون، وطلبه الطالبون.
وَأَوْلَى مالَهُ العَبْدُ دُعِي: يعني أولى شيء يدعا له العبد ليعرف ربه ويعرف دينه ويتبصر في حق الله عليه فلا توحيد ولا عمل إلا بعد علم فالعلم وسيلة العمل، فالواجب على المكلفين أن يطلبوا العلم ليتفقهوا في الدين حتى يعلموا ما يجب عليهم وما يحرم عليهم وما يشرع لهم وما يكره لهم فيكونوا على بصيرة، قال الله جل وعلا: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19] وفي الحديث الصحيح: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين وعلامات السعادة ودلائل الخير أن يفقه العبد في دين الله وأن ينظر بما يجب عليه، ومن علامات الخذلان وعدم إرادة الخير إعراض العبد وغفلته وعدم طلبه للعلم.
عِلْمًا بِأَنَّ العِلْمَ خَيْرُ ما سُعِي | فيهِ وَأَوْلَى مالَهُ العَبْدُ دُعِي |
وَأَنَّ هَذا العِلْمَ مَخْصوصٌ بِما: العلم هنا للعهد، الألف واللام للعهد يعني علم الفرائض.
مَخْصوصٌ بِما ... قَدْ شاعَ فيهِ عِندَ كُلِّ العُلَما: يعني علم الفرائض قد شاع فيه وجاء فيه ما يدل على أنه أول علم يفقد والطلب له ينبغي أن يكون حثيثًا وجيدًا قبل أن يفقد.
وَأَنَّ هَذا العِلْمَ مَخْصوصٌ بِما | قَدْ شاعَ فيهِ عِندَ كُلِّ العُلَما |
أَنَّهُ أوَّلُ عِلْمٍ يُفْقَدُ | فِي الأرْضِ حَتى لا يَكادُ يُوجَدُ |
قد جاء فيه ما يدل على أنه أول علم يفقد وكما في حديث أبي هريرة: تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإنها نصف العلم وهو ينسى، وهو أول علم يفقد في أمتي والسند فيه بعض المقال، لكنه مشهور عند أهل العلم، فهذا العلم اشتهر فيه عند العلماء وشاع فيه عند العلماء أنه أول علم يفقد وأن الناس يلتمسون من يقضي بينهم فلا يجدون كما في إحدى الروايات؛ حتى يختلف الناس في الفريضة فلا يجدون من يفصل بينهما، وهذا في مدة أزمنة طويلة قد قل العلم بهذا الشأن في غالب الأمصار وغالب الأقاليم.
كما أن العلم قد قل أيضًا في نفسه مع كثرة من يدعيه ومع كثرة المدارس والجوامع والجامعات والمعاهد، لكن العلم الحقيقي والبصيرة بدين الله وعلم أحكام الدين بالأدلة الشرعية هذا هو الذي قل.
أما الجنس في دعوى العلم جنس العلم فهذا موجود ولكن المقصود العلم الحقيقي الذي هو سبب النجاة والسعادة وهو معرفة الحق بأدلته الشرعية هذا هو العلم أما العلوم الأخرى فإن نفعت في دين الله وصلحت نية صاحبها استفاد منها وإلا فلا، وكذلك العلم الذي شأنه التقليد واتباع الرجال والأخذ بآرائهم من غير نظر هذا لا يعد علمًا، كما قال ابن عبد البر: (أجمع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء)؛ لأنه ليس عنده علم إنما ينقل كلام الناس وينقل آراء الناس.
فإذا كان هذا العلم مما قد شاع أنه يفقد سريعًا فإنه يكون بهذا جديرًا بأن يعتنى به وجديرًا بأن يحرص طالب العلم على تحصيله قبل ذهابه وزواله، وكثير من الناس قد يقرأ ويبحث فيه ولكن مع ذلك لا يوفق في معرفته، فيمر على الإنسان الشهر والشهران والسنة لم يُسأل وربما نسي فينبغي أن تكون له عناية بدراسة هذا العلم والمذاكرة فيه مع طلبة العلم حتى يستقر ويبقى وحتى لا يذهب من الصدور.
وتجد كثيرًا من الناس قد درس الفقه وسمع الأحاديث وحفظ ما تيسر منها ومع ذلك لا يجيد أن يقسم مسائل المواريث ويغلط فيها كثيرًا مع كون هذا العلم من أوضح العلوم ومن أبينها أيضًا، وأدلته واضحة في الكتاب والسنة، ومع ذلك يغلط فيه الكثير ويخطئ فيه الكثير، وأسباب ذلك والله أعلم هو عدم الإقبال عليه والاشتغال بغيره، فالغالب على طلاب العلم أنهم يشتغلون عنه بغيره من العلوم التي يحتاجونها في غالب أوقاتهم ومن الأمور الأخرى التي تشغلهم عن ذلك، فيأخذونه وينسون، لكن من عرف قدره وشأنه أقبل عليه وجد في دراسته وحفظ متونه والعناية بالمسائل التي قد تشكل وتنسى حتى تبقى في ذهنه وتستقر.
وأنَّ زَيْدًا خُصَّ لا مَحالَهْ: زيد هو ابن ثابت كما تقدم الصحابي الأنصاري النجاري الخزرجي الإمام المشهور، أحد كتاب الوحي كما تقدم أنه توفي سنة 45 من الهجرة وقيل بعد ذلك.
وأنَّ زَيْدًا خُصَّ لا مَحالَهْ: يعني قطعًا "بما حباه" خصه "خاتم الرسالة" محمد عليه الصلاة والسلام "من قوله في فضله" من قول النبي ﷺ "في فضله" في فضل زيد "منبهًا" يعني على ذلك "أفرضكم زيد وناهيك بها" يعني وناهيك بها مرتبة سمية ومنقبة كبيرة في فضل زيد . ويشير بهذا إلى الحديث الوارد في هذا الباب، وهو ما رواه أحمد رحمه الله والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: أفرضكم زيد بن ثابت وهو حديث جيد، وقد أعله قوم بالإرسال ولكنه جيد وسليم والذي رفعه ثقة، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة ما عدا أبا داود وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله، وأخرجه غيرهم كابن حبان والحاكم وعزاه الحافظ في البلوغ إلى أحمد والأربعة سوى أبي داود وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم فهذه منقبة كبيرة وسمية لزيد .
قال:
فَكانَ أَوْلى باتِّباعِ التَّابِعي
واجتهاد زيد في هذا معروف، وهو من الراسخين في العلم . وقد تابعه الأئمة في غالب مسائله، ولهذا قال المؤلف:
لا سِيَّما وَقدْ نَحَاهُ الشَّافِعِي
قال: فكان أولى بالاتباع يعني كان أولى من غيره باتباع التابع له، يعني اتباع لا بالتقليد اتباع لما كان أفرض الناس كان جديرًا بأن يعتنى بأقواله ويؤخذ بأقواله ما لم يقم الدليل على خلافها.
فَكانَ أَوْلى باتِّباعِ التَّابِعي ... لا سِيَّما
لاسيما يؤتى بها لتأييد ما قبلها لما بعدها.
وَقدْ نَحَاهُ الشَّافِعِي: يعني قصده ومال إليه، وهكذا مالك وهكذا أحمد في المشهور عنه كلهم ساروا وراءه وهكذا أبو حنيفة في كثير من مسائله وخالفه أحمد في بعض المسائل، وخالفه أبو حنيفة أيضًا في بعض المسائل ويأتي بيان هذا إن شاء الله في الأبواب الآتية ومن أشهر ما خالفه فيه أبو حنيفة (الجد) لأن الجد يراه زيد ومن معه كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه يرونه يشارك الإخوة في المواريث على تفصيل يأتي إن شاء الله، وأبو حنيفة وأحمد في رواية يرون أن الجد كالأب يسقط الإخوة وخالفوا زيدا في ذلك، ومن ذلك مسألة الحمارية والمشرّكة فإنه يرى التشريك الأشقاء مع الإخوة لأم، والصواب إسقاطهم بهم كما ذهب إليه أحمد رحمه الله وجماعة.
والمقصود أن أقواله هي المشهورة بين أهل العلم إلا في مسائل ظهر الدليل على خلاف قوله فيها، فصار قوله فيها مرجوحًا وصار قول من خالفه فيها راجحًا وهي مسائل قليلة منها الجد ومنها المشرّكة.
ثم قال المؤلف: فَهاكَ فيهِ القَوْلَ: فهاك بمعنى خذ.
فَهاكَ فيهِ القَوْلَ عَنْ إِيجازِ: عن اختصار، والموجز ما قل لفظه وحصلت به الفائدة.
مُبَرَّءًا: مخلصًا مطهرًا.
عَنْ وَصْمَةِ: عن عيب.
الأَلْغازِ: جمع لغز، واللغز هو كلام يؤتى به وظاهره خلاف المراد منه ليمتحن به الناس يمتحن به الأذكياء وغير الأذكياء، ولكن الغالب أنه يمتحن به الأذكياء ليرى ما عندهم هل يفطنون لهذا الشيء أم لا، وهو كلام يراد به غير ما يتبادر منه.
هذا الكتاب برئ من هذا الشيء فليس فيه ألغاز بل كلام واضح ظاهر لمن قرأه وهو كما قال المؤلف رحمه الله فهو كلام واضح وعباراته بينة وأسلوب جيد وليس فيه غموض فرحمه الله وجزاه خيرًا.
ثم هنا مسائل تتعلق بهذا الفن، أهمها حد هذا الفن وموضوعه وثمرته، وحكمه في الشرع وشرائطه وأركانه.
أما حده، فهو: علم بفقه المواريث وما يضم إليها من حسابها.
وموضوعه التركات... إذا ما معه تركة فليس هناك قسم مواريث.
وثمرته إيصال ذوي الحقوق إلى حقوقهم.
وحكمه في الشرع: فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين....
وأركانه ثلاثة: وارث ومورث وحق موروث.
وشروطه ثلاثة:
الشرط الأول: تحقق حياة الوارث حين موت المورث. أو إلحاقه بالأحياء حكمًا كالحمل، ويرث بشرطين:
أحدهما: تحقق وجوده في الرحم ....، والثاني: انفصاله حيًا حياة مستقرًا.
والثاني: تحقق موت المورث إما بالمشاهدة أو الاستفاضة أو شهادة عدلين أو إلحاقه بالأموات حكمًا كالمفقود أو تقديرًا كالجنين الذي تضرب أمه فيسقط ميتًا فإنه يقدر حيًا ثم يقدر أنه مات نتيجة الضربة حتى تورث الغرة الواجبة فيه.
والثالث: المشهور بالعلم بمقتضي التوارث يعني بموجب التوارث من جانب الإرث ومن جهة الوارث، ودرجات الورثة حتى يورثهم على بصيرة.
فهذه المسائل يجب أن تعرف لطالب هذا الفن، وأن يحفظها لأن عليها مدارها هذه المسائل الآتية في هذا الكتاب.
.......
وقد جمعت في هذا رسالة الفوائد الجلية جمعتها قديما، ولخصتها من كلمات شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله على هذا الكتاب حين كنا ندرس عليه، ثم زدت فيها بعض الشيء ونبهت على بعض المسائل، وهي مطبوعة وموجودة.
................
ومنها أمور يبحث عنها في مقدمة الفرائض بعضهم ذكر عشر مسائل، ولكن أهمها ما تقدم لكم وهي حد هذا الفن فن الفرائض وموضوعه وثمرته وحكمه في الشرع وأركان الإرث وشروط الإرث، والحقوق التي تتعلق بالتركة إذا مات الميت من الحقوق، فهذه الأمور يذكرونها في مقدمة هذا الفن.
ثم ذكروا أشياء أخرى مما يستمد منه، ونسبته ومسائله ولكن أهم شيء في هذا هي الأمور السابقة، التي ذكرنا في الدرس السابق.
ومنها أيضًا الذي ذكرنا لكم في الأسبوع الماضي وهو ما يتعلق بالحقوق المتعلقة بالتركة إذا مات الميت وهذه أمور مهمة لا شك وينبغي أن تدرس سواء في مقدمة الكتاب أو في أثناء الكتاب، ولكن كونها في المقدمة أولى وأنسب أن تكون أساسًا فالأول منها كما تقدم حد الميراث وحد هذا الفن، ثانيًا: موضوعه، ثالثًا: ثمرته المقصودة من تعلمه، رابعًا: حكمه في الشرع، هل هو مستحب أو واجب، والخامس: أركان الإرث ما هي، السادس، شروط الإرث ما هي، والسابع: أكثر ما يرد على التركة إذا مات الميت من الحقوق، وهل هي مرتبة أو مستوية في الأحكام؟
أما حد هذا الفن: فهو العلم بفقه المواريث وبأحكام المواريث وما يضم إليها من حسابها، وموضوعه التركات التي وهو محل البحث، فإذا ما كان هناك تركة ما بقي هناك حاجة إلى قسم المواريث إذ لا ميراث.
والثالث: ثمرته المقصودة منها والغاية ما هي، هي إيصال إلى أهل الحقوق حقوقهم المقصود من هذا الفن إيصال ذوي الحقوق من الورثة حقوقهم على الوجه الشرعي.
والحكم الشرعي فرض كفاية إذا قام به من المؤمنين من يكفي لتعلمه وتعليمه سقط عن الباقين في كل منطقة أو في كل مدينة.
وأركان الإرث ثلاثة: وارث ومورث وحق موروث.
الوارث هو الحي، والمورث هو الميت، والحق الموروث هو المال.
شروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث عند موت المورث أو إلحاقه بالأحياء حكمًا كالحمل، فإنه يلحق بالأحياء بشرطين أحدهما تحقق وجوده حين موت المورث، وذلك يعرف بأنه تلده لأقل من ستة أشهر بعد وفاته حيًا.
والشرط الثاني: أن ينفصل حيًا حياة مستقرة فإن سقط ميتًا لم يرث، وفي الحديث الصحيح: إذا استهل المولود ورث.
والشرط الثاني: تحقق موت المورث لا تقسم تركته إلا بعد التحقق أنه مات إما بالمشاهدة الذين قسموا ورثه شاهدوه حين مات أو بشهادة عدلين شهدوا بأنه مات أو إلحاقه بالموتى حكمًا كالمفقود إذا مضت مدة كافية حال ظن السلامة وظن العطب، أو تقديرًا كالجنين الذي تضرب أمه فيسقط ميتًا فإنه يقدر حيًا ثم يقدر أنه مات حتى تورث عنه الغرة التي تجب فيه....
كيفية قسمة المواريث حسب الشرع، ..... أن يعرف أسباب الإرث من جهة الورثة حتى يقسم وإلا فعليه التوقف عن ذلك ولا يبقى حينئذ إلا المصالحة بين المكلفين إذا وجدوا في مكان ليس فيه من يعرف المواريث؛ فإنه لا قسمة حينئذ ولا يبقى إلا الصلح بينهم إذا تعذر عليهم أن يقسموا.
أما أكثر ما يرد في التركة على الميت فهي خمس حقوق مرتبة عند ضيق التركة، أما عند سعتها فلا بأس أن يبدأ ببعضها قبل بعض.
الحق الأول: مؤنة التجهيز، تجهيز الميت، الكفن وأجرة الحافر والمغسل، فإن هذا أمور ضرورية لا بدّ منها فيبدأ بها.
والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة، التركة مرهونة فالدين المتعلق بالرهن يقدم، وهكذا أروش الجنايات في رقاب العبيد فإنه إذا كان في رقبة العبد أرش بسبب جنايته يقدم صاحب الأرش على غيره من الورثة.
والثالث: الديون المطلقة، سواء كانت لله من زكاة وكفارات أو للآدميين فإنها تقدم على الورثة، الديون تقضى أولًا قبل الورثة وقبل الوصايا.
ثم الوصايا من الثلث فأقل للأجنبي فهذه تقدم على الورثة، وصاياه الثلث أو أقل من الثلث إذا كان لأجنبي أو لجهة بر تقدم أما الوصية لورثة فلا لا وصية لوارث وفي الحديث: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث.
الخامس: الإرث، بعد الخلاص من الأربعة إن بقي شيء يقسم بين الورثة، وإن استوفت الأمور الثلاثة أموال الميت فلا وصية ولا إرث، إن كان ترك وراءه شيئًا قليلًا بحيث صرف في أجرة الحفر أو الغسل أو الكفن فلا شيء للورثة، أو كان هناك بقية لكن استوفاها الرهون، أروش الجنايات وما بقي شيء للآخرين أو هناك بقية لكن أخذها أهل الدين، استوفاها أهل الدين لأنها قليلة، فالورثة لا شيء لهم وأهل الوصايا لا شيء لهم فإذا استوفى المغسل والحافر والكفن واستوفى أهل الرهون واستوفى أهل الديون بعد هذا يقسم الباقي، وتخرج الوصايا إن كان هناك وصايا شرعية بالثلث فأقل تخرج والباقي تقسم بين الورثة.
................................
باب أسباب الميراث
أَسْبابُ مِيراثِ الْوَرى ثَلاثَهْ | كُلٌّ يُفِيدُ رَبَّهُ الوِراثَهْ |
وَهْيَ: نِكاحٌ، وَولاءٌ ، وَنَسَبْ | مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ |
الطالب:.........
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله.
أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله: "باب أسباب الميراث" لما ذكر المقدمة والمقصد من هذه الرسالة بدأ بالمقصود لهذا قال:
فَهاكَ فيهِ القَوْلَ عَنْ إِيجازِ | مُبَرَّءًا عَنْ وَصْمَةِ الأَلْغازِ |
...............
والمؤلف في ترجمته اتضح أنه أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الرحبي وأنه ولد سنة 497 ومات سنة 577 يعني عمر ثمانين عامًا رحمه الله فعلى هذا يكون من أعيان المائة السادسة في القرن السادس عفا الله عنا وعنه.
يقول رحمه الله: "باب أسباب الميراث" يعني باب بيان الباب المدخل إلى الشيء، باب الدار، باب الغرفة، معروف العلماء رحمة الله عليهم استعاروا هذا المعنى وجعلوا المسائل أقسامًا كل قسم له باب؛ ليسهل على طالب العلم حفظ هذه المسائل وضبطها فينتقل من باب إلى باب، وهو يشبه مراحل السفر من مرحلة إلى مرحلة، فلو جعل الكلام مجتمعًا بدون تفصيل قد يصعب ويثقل وقد يصعب أيضًا حفظه، لكن مع الأبواب والفصول والتراجم يكون أسهل على طالب العلم حفظه وضبطه؛ فلهذا جعلوا الأبواب وجعلوا الفصول وجعلوا التراجم للمعاني المهمة، ليحفظ الشيء ويضبط ويسهل على الطالب تناقله في أثناء تلك المسائل.
فالأسباب نوع من أنواع العلم والموانع نوع، وهكذا الورثة من الرجال والنساء، وهكذا الذي بعده مسائل متعددة، وجعل لها أبوابًا ليحفظها الطالب، وليسهل عليه درسها والتنقل في معانيها من باب إلى باب.
فالأسباب جمع سبب، وهي الأسباب التي يكون بها الشخص من والورثة، لأن الناس كثيرون وكلهم بنو آدم لكن يجب أن يعرف من هو وارث فلان ومن هو وارث فلان، ومن هو الأقرب إليه حتى يحوز ماله، وما هي الأسباب التي يكون وارثًا له فلان من فلان وفلانة من فلان وبهذا الأسباب يعرف الشخص الذي يعتبر من ورثته ومن لا يعتبر.
وهي ثلاثة متفق عليها وهي المراد هنا، وهناك أسباب أخرى فيها خلاف أهملها المؤلف وأعرض عنها.
والسبب لغة ما يتوصل به إلى المقصود، فالطريق سبب، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:89] يعني يتوصل به إلى البلدان والمياه والقرى والمقاصد الأخرى فيقال للطرق أسباب، ومن أسباب السماوات طرق السماوات، ومن الحبل المدلى للبئر في جلب الماء يقال له سببًا، وهكذا أشباه ذلك مما يتوصل به إلى غيره يقال له سببًا.
والسبب هنا في الاصطلاح اصطلاح الفرضيين: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم.
من وجوده وجود ما هو سبب له، ومن عدمه عدم ما هو سبب له.
فيلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته من أجل ذاته، فلا يلزم وجود هذه الثلاثة، وجود كون الشخص وارثًا ويلزم من عدمها عدم كونه وارثه.
وهي ثلاثة عند أهل العلم متفق عليها، هناك أسباب أخرى أعرض عنها رحمه الله.
قال: ما بعدهن للمواريث سبب: أي سبب مجمع عليه.
وهي نكاح: هذا الأول. وقد دل عليه قوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ الآية [النساء:12].
والنكاح عقد الزوجية الصحيح هذا النكاح، العقد الصحيح الشرعي بين الرجل والمرأة بالطريقة الشرعية يسمى نكاحًا، قال الولي: زوجتك، وقال الزوج: قبلت، بالشروط المعتبرة يسمى هذا نكاحًا، وهو مأخوذ من الضم والجمع، وتناكح الشجر إذا انضم بعضها إلى بعض، سمي النكاح نكاحًا لما فيه من ضم المرأة إلى الرجل.
فبمجرد العقد يحصل هذا النكاح وإن لم يحصل وطء ولا خلوة ولو ما وطأها ولو ما خلا بها ولو كان بينهما مسافة فيتوارث به الزوجان من الجانبين ترثه ويرثها إذا لم يكن هناك مانع للرق أو غيره كما يأتي.
ويتوارثان أيضًا في عدة الطلاق الرجعي، وفي البائن إذا طلقها متهمًا بقصد حرمانها.
فهذا النكاح سبب عظيم مجمع عليه من أسباب الإرث، وهو عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل به وطء ولا خلوة ويتوارث به الزوجان من الجانبين وفي عدة الطلاق الرجعي وهكذا في البائن إذا طلقها متهمًا بقصد حرمانها فإنها تورث منه بالعدة وبعدها مالم تتزوج أو ترتد على الصحيح، وهو قول الجمهور من أهل العلم، وأفتى به جملة من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم معاملة لهذا الشخص بنقيض القصد الذي طلقها ليمنعها الإرث في مرض موته، وهذا له بحث معروف في الكتب المطولة للعلماء كتب الحديث والفقه والخلاف. هذا واحد من الأسباب عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل به وطء ولا خلوة، إذا توافرت فيه الشروط والأركان وتم المطلوب فيه فإنه يحصل به التوارث وإن كانا لم يجتمعا ولم يحصل بينهما وطء ولم يحصل بينهما رؤية فهذا في الشام وهذا في اليمن أو هذا في الشرق وهذا في الغرب، فمتى تم العقد توارثا.
والثاني: الولاء، وهو ولاء العتاق، وكان هناك ولاء سابق، ولاء موالاة ولاء حلف لكن نسخ، كان في الجاهلية ولاء الحلف كما والى النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار وعقد بينهم حلف موالاة إسلامية فكانوا يتوارثون بهذا الولاء، ثم نسخ.
وبقي ولاء العتاق، قال النبي ﷺ: الولاء لمن أعتق وقال سبحانه: وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] ونسخ ولاء الموالاة وبقي ولاء العتق، وبقي الرحم والقرابة والنكاح.
فالولاء هنا الذي يحصل به التوارث ولاء العتاق، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ﷺ أنه قال: {إنما الولاء لمن أعتق}، وأجمع المسلمون على ذلك، فإذا أعتق إنسان غلامًا أو جارية فإنه يكون له الولاء، ويكون عاصبًا لهذا الغلام أو لهذه الجارية يرثها إذا لم يكن لها من هو أقرب منه، فإن كان لها من هو أقرب ورثها أقاربها، ورث الغلام أقاربه، فإذا أعتق غلامًا ومات هذا الغلام عن أبيه ورثه أبوه، أو عن ابنه أو أخيه أو ابن عمه لكن إذا ما كان وراءه أحد من العصبة النسبية صار لمعتقه.
والولاء يورث به العتيق، لكنه إرث متأخر عن النسب، ليس مقدمًا عليه، النسب أقوى، وهو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق فيرث به المعتق هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم دون العتيق، هذا هو الولاء، ولاء العتاق عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق فيرث به المعتق هذه العصوبة. وعصبته المتعصبون بأنفسهم كبنيه وأبيه وإخوته ونحو ذلك لا بغيرهم كالبنات وبنات الابن ولا مع غيرهم كالأخوات هؤلاء لا يرثون بالولاء ليسوا عصبة.
ووجود العتق يثبت بها الولاء، سواء كان أعتقه تبررا تطوعًا بقصد الفضل والأجر أو أعتقه عن كتابة كاتبه وأعتقه كما جرى في قصة عائشة فإنها اشترتها وأعتقتها بعدما كانت مكاتبة، أو أعتقه عن كفارة قتل أو ظهار أو وطء في رمضان أو كفارة يمين فإنه بهذا كله يكون عاصبًا له، سواء كان العتق واجبًا أو مستحبًا.
والمولود يتبع أمه حرية ورقًا، إن كانت حرة فهو حر، وإن كانت رقيقة فهو رقيق إلا في مسألتين وصورتين، إحداهما:
إذا شرط الزوج على السيد حرية أولاده فإنه أولاده يكون أحرارًا بالشرط والمسلمون على شروطهم، وإلا إذا غر بها وتزوجها على أنها حرة فبانت أمة فإن أولاده يكونون أحرارًا فيفديهم ويرجع بالفدية على من غره كما هو مبسوط في كتب هذا الشأن.
فالمولود يتبع في الحرية والرق أمه حرية ورقًا إلا في هاتين الصورتين، صورة شرط الزوج على السيد أن أولاده أحرارًا وصورة ما إذا غر بالأمة وتزوجها على أنها حرة فبانت أمة؛ فإن أولاده يولدون أحرارًا لكونه مغرورا مخدوعا ويفديهم ويرجع بالفدية على من غره، وإذا كان الذي غره سيدها فلا شيء له من الفدية.
وفي الولاء يتبع الأب، وفي الدين يتبع خيرهما دينًا إذا ولد مولود بين كتابية ومسلم فالمولود تبع المسلم لأن دينه هو الصحيح.
.......
فالأصول الآباء وآباءهم الأجداد وإن علوا، والفروع الأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والحواشي الإخوة وبنوهم والعمومة وبنوهم.
وقوله: مَا بَعْدَهُنَّ لِلمَوارِيثِ سَبَبْ: يعني ما بعد هذه الثلاث السبب المجمع عليه، هناك خلاف في بيت المال هل هو سبب، هل هناك خلاف فيمن أسلم على يديه أحد في اللقيط، ولكنها أقوال ضعيفة مرجوحة فالصواب أن الأسباب المعتبرة هي هذه الثلاث: النكاح والولاء والنسب والله أعلم.
........................
باب موانع الإرث
وَيَمْنَعُ الشَّخْصَ مِنَ الْمِيراثِ | وَاحِدةٌ مِنْ عِلَلٍ ثَلاثِ |
رِقٌّ، وَقتْلٌ، واخْتِلافُ دِينِ | فَافْهَمْ؛ فَلَيْسَ الشَّكُّ كَاليَقِينِ |
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله.
يقول المؤلف رحمه الله: "باب موانع الإرث" لما ذكر الأسباب، أسباب الإرث، ذكر الموانع؛ ليبين أنه ليس كل من قام به السبب يرث بل قد يكون فيه السبب ويمنع مانع فلا يورث شيئًا فالأسباب قد تقع......، لموانع منعت ذلك، وهذا في الأمور حسية وفي الأمور المعنوية، ومن ذلك ما نحن فيه هنا: فالنكاح والولاء والقرابة أسباب، لكن قد يمنع مانع من تأثيرها.
والمانع في اللغة الحائل بين الشيئين، ما حال بينك وبين الشيئين أي شيء يسمى مانع.
وفي الاصطلاح اصطلاح الفرضيين ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، هذا المانع ما يلزم من وجوده عدم ما هو مانع له، يلزم من وجود المانع في الزوج أو في الزوجة أو في القريب العدم عدم الإرث يلزم وجود الرق في الزوج أو الزوجة عدم الإرث، ويلزم من وجود اختلاف الدين عدم الإرث، ويلزم من وجود القتل عدم الإرث، ولو كان قريبًا.
ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، فلا يلزم من عدم المانع لا وجود الإرث ولا عدمه قد يكون الزوج والزوجة والأقارب ما فيهم موانع، لكن لا يرث لأسباب أخرى، إما لعدم وجود التركة، وإما لوجود من هو أقرب منه وأولى منه بالإرث فيحجب أو لأسباب أخرى.
وهو عكس الشرط، فالشرط ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته.
يلزم من عدم الشرط عدم المشروط، عدم الطهارة عدم الصلاة. وهكذا
والموانع ثلاثة يعني المجمع عليها: رق وقتل واختلاف دين.
فالرق هو العبودية يكون مملوكًا فالمملوك تابع لغيره ليس له تصرف في نفسه، فلا يرث أقاربه ولا يرث زوجته ولا ترث زوجها، وهو عجز حكمي، يعني من حيث الحكم لا من حيث الوجود، فقد يكون الرقيق أنشط وأقوى من الحر في الحس في البدن والقوة، هو عجز في حكم الشرع، ليس له تصرف لأنه مملوك لغيره فماله ومنافعه لغيره.
يقوم بالإنسان هذا العجز يقوم بالإنسان وهو يتعلق بالإنسان ويكفر به الإنسان.
وأصل سببه هو الكفر، فالكافر يسبى ويصير رقيقًا هذا الأصل، ثم قد يوجد الشراء والتوارث لكن أصله هو ما يقع في السبي من نساء الكفار وذرياتهم فيملكه المسلمون ويستخدمه المسلمون وينتفع به المسلمون وفيه مصالح كثيرة لهم؛ فإن سبيهم واسترقاقهم خير لهم من قتلهم، وأن يموتوا على الكفر، فإذا سبوا رباهم المسلمون وعلمهم المسلمون وأحسن فيهم المسلمون، وانتفع هؤلاء وهؤلاء، فالمسلم ينتفع به بالاستخدام والبيع والشراء ونحو ذلك، والمسبي ينتفع بسلامته من القتل ووجوده بين المسلمين يكرم ويعلم ويوجهه إلى الخير، وربما هداه الله على أيديهم فنجا من عاقبة الكفر، هذا من محاسن الإسلام أن شرع الله السبي للذرية والنساء وألا يقتلوا.
فالرقيق لا يرث ولا يورث، ولا يحجب، والمبعض يرث ويورث بقدر ما فيه من الحرية، فالرقيق لا يرث بإجماع المسلمين ولا يورث، فلا يرثه أقاربه بل ماله لسيده ولا يحجب أحدًا فوجوده كعدمه، ويبعض نصفه حر ونصفه عبد أو أقل أو أكثر يرثه ويورثه بقدر ما فيه من الحرية.
والمانع الثاني: القتل، واختلفوا في ضبطه فالقتل بالعمد والعدوان لا يرث عند الجميع، لكن إذا كان غير عمد اختلفوا في ضبطه والأصح أنه ما أوجب قصاصًا أو دية أو كفارة وما لا فلا.
فما أوجب قصاصًا على القاتل أو دية عليه أو كفارة إزاءه، أو قتل مؤمنا بين قوم كفار فهذا هو الذي يمنع الإرث، وما لا يوجب شيء من ذلك فلا يمنع الإرث.
وفي حديث عمر: {ليس للقاتل شيء} وهو أمر مجمع عليه بالجملة؛ ولأن هذا الأمر قد يتخذه ضعيف الدين أو معدوم الدين ذريعة لتعجيل الإرث؛ عند قريبه مال فيستعجل فيقتله...... وسد الله الباب وحسم المادة في هذا وجعل القتل مانعًا من الإرث حتى لا تسول النفس الأمارة بالسوء لبعض الناس أو الشيطان القتل ليستعجيل الإرث؛ فيعاقب بنقيض قصده.
والثالث: اختلاف الدين، بين الميت والحي، فإذا كان الميت على دين والحي على دين، فلا توارث، فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم بإجماع المسلمين بالجملة؛ لحديث أسامة وما جاء في معناه الذي رواه الشيخان: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم وحديث: لا توارث بين أهل الملتين فإذا مات مسلم عن أقارب كفار لم يرثوه، أو مات كافر عن أقارب مسلمين لم يرثوه، أو مات يهودي عن وثني لا يرثه، لأن دين اليهود غير دين الوثنية لحديث: لا توارث بين أهل ملتين رواه أهل السنن من حديث عبدالله بن عمرو إلا الترمذي، ورواه الترمذي من حديث جابر.
فهذه الموانع الثلاثة تمنع من قام به سبب الإرث من الميراث؛ لأنها تقتضي ذلك شرعًا، ومن تأمل المعنى عرف وجه ذلك، فالله جل وعلا قطع الموالاة بين الكافر والمسلم فلهذا تبع ذلك الإرث، فلا يرث المسلم الكافر لأنه لا ولاية بينهما ولا العكس.
وذهب بعضهم إلى أن المسلم يرث الكافر؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى، وهذا جاء عن معاوية وجماعة، ولكن الصحيح الذي عليه الجمهور خلاف ذلك وهو الصواب؛ لأن الرسول ﷺ أطلق قال: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ولم يفصل، وذهب آخرون إلى أنه يرث المسلم الكافر بالولاء، وذهب إلى هذا أحمد وجماعة، وكذلك إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة وذلك ترغيبًا له في الإسلام هذا قاله بعض أهلم العلم لكنه قول ضعيف ومرجوح والصواب الذي عليه الجمهور أنه لا توارث مطلقًا لا بالولاء ولا بالنسب مع اختلاف الدين، حتى ولو أسلم والمال الموروث لم يقسم فلا حظ له فيه، الاعتبار بحين الموت، متى مات المسلم وقريبه كافر فلا يرثه وهكذا العكس. والله أعلم.
...............