ونَبْتَدِي الآنَ بِما أَرَدْنَا | فِي الجَدِّ والإِخْوةِ إذْ وَعَدْنَا |
فألْقِ نحْوَ ما أَقُولُ السَّمْعَا | واجْمَعْ حَوَاشِي الكَلِمَاتِ جَمْعَا |
واعْلَمْ بأنَّ الْجَدَّ ذو أَحْوالِ | أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي |
يُقاسِمُ الإخْوَةَ فِيهِنَّ إِذا | لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بالأَذَى |
فتارةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كامِلًا | إنْ كانَ بِالقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلًا |
إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذو سِهَامِ | فاقْنَعْ بِإيضاحِي عَنِ اسْتِفْهامِ |
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه
أما بعد:
فيقول المؤلف رحمه الله: "باب الجد والإخوة" هذا الباب باب عظيم عند أهل العلم، وذلك لعظم ما وقع فيه من الخلاف، وقد اختلف أهل العلم في الإخوة هل يرثون مع الجد أم يحجبهم ويسقطهم كالأب؟ على أقوال وتفاصيل، لكن مردها قولان: ويجمعها قولان:
أحدهما: أنه يحجبهم، والثاني لا يحجبهم.
والقائلون بأنه لا يحجبهم عندهم اختلاف وتفاصيل، ما أنزل الله بها من سلطان.
أما من قالوا أنه يحجب الإخوة فقد وافقوا الأدلة والأصول وسلموا من التناقض والاختلاف.
والجد قد دلت النصوص الكثيرة التي لا تحصى على أنه أب، وأن غالب أحكام الأب منطبقة عليه وهذا منها؛ فإن الأب يحجب الإخوة بالإجماع، ووجب أن يحجبهم أبوه إلا بدليل يخص ذلك، وإلا فالأصل أن الجد أب، قال الله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ [الأعراف: 26] يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة: 40] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا في أدلة لا تحصى في تسميته أبًا. ولهذا ذهب الصديق رضي الله عنه أبو بكر رأس الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضلها إلى أنه أب، وهكذا تبعه على هذا بضعة عشر من الصحابة كلهم قالوا أنه أب يحجب الإخوة؛ منهم ابن عباس وأبو موسى وعمران بن حصين وجماعة ذكرت جملة منهم في الفوائد، وهو قول أبي حنيفة وجماعة من التابعين وأتباعهم، وهو لأحمد في رواية غير المشهورة، وهو قول جماعة كثيرة من أهل العلم أنه يحجب الإخوة وأنه كالأب، وهو اختيار جماعة من الحنابلة منهم أبو العباس ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، وذهب إليه أيضًا الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليه وأئمة الدعوة، وهذا هو الحق والصواب، وقد أيده العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين في عشرين وجهًا سردها هناك، والكلام فيه معروف.
وذهب آخرون وعلى رأسهم زيد بن ثابت رضي الله عنه إلى أنه لا يحجبهم، واحتج بأمثلة ضربها، وروى عن عمر وعثمان في هذا أقوال فيها اختلاف. وذهب إليه الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنه أنه لا يحجبهم وتابعوا في هذا زيد بن ثابت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفرضكم زيد بن ثابت) والصواب الأول، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفرضكم زيد بن ثابت لا يلزم منه أن يكون قوله هو الصواب في كل شيء، وإنما يدل على كثرة علمه في هذا الباب، وطول باعه فيه، ولكن لا يلزم أن يكون هو المصيب في كل مسألة؛ ولهذا خالفوه في المشرّكة هؤلاء الذين وافقوه في الجد خالفوه في المشركة؛ وأسقطوا الإخوة الأشقاء لاستغراق الفروض، فكما غلط في المشركة فهكذا هنا، والصواب مع من قال بإسقاطهم وأخذ بالأدلة الواضحة.
ولكن هذا الباب الذي ذكره المؤلف على القول بالتوريث، فطالب العلم يقف على أقوالهم القائلين بالتوريث يقف على أقوالهم وطريقتهم فيزداد علمًا ببطلان هذا القول؛ لما يرى فيه من التناقض والاختلاف وضرب الأمثلة ووجود مسائل متنوعة ليس عليها برهان؛ فيزداد بهذا التفصيل وبهذا العلم الذي ذكروه في توريث الإخوة مع الجد يزداد بهذا بصيرة ويقينًا في إسقاطهم به، وأن قول من قال بإسقاطهم هو عين الصواب.
يقول المؤلف رحمه الله:
ونَبْتَدِي الآنَ بِما أَرَدْنَا | فِي الجَدِّ والإِخْوةِ إذْ وَعَدْنَا |
والجَدُّ مِثْلُ الأبِ عنْدَ فَقْدِهِ | فِي حَوْزِ ما يُصِيبُهُ ومَدِّهِ |
إلا إذا كانَ هُناكَ إِخْوَهْ | لِكَوْنِهِمْ فِي القُرْبِ وهْوَ أُسْوَهْ |
وحُكْمُهُ وحُكْمُهُمْ سَيَأْتِي | مُكَمَّلَ البَيَانِ فِي الحَالاتِ |
ونَبْتَدِي الآنَ بِما أَرَدْنَا | فِي الجَدِّ والإِخْوةِ إذْ وَعَدْنَا |
وإنما الخلاف في الإخوة الأشقاء والإخوة لأب في كونهم شاركوا الجد في الإدلاء.
ونَبْتَدِي الآنَ بِما أَرَدْنَا | فِي الجَدِّ والإِخْوةِ إذْ وَعَدْنَا |
يعني: انصت واعتن بما أقول.
واجْمَعْ حَوَاشِي الكَلِمَاتِ جَمْعَا
يعني اجمع الكلام وتأمل لأنه مقام فيه بعض الخفاء وفيه بعض الاشتباه؛ فلا بدّ من عناية وجمع للكلمات حتى يتضح لك مراد من ورثهم معه.
واعْلَمْ بأنَّ الْجَدَّ ذو أَحْوالِ | أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي |
واعْلَمْ بأنَّ الْجَدَّ ذو أَحْوالِ | أُنْبِيكَ عَنْهُنَّ عَلَى التَّوَالِي |
يُقاسِمُ الإخْوَةَ فِيهِنَّ إِذا | لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بالأَذَى |
يُقاسِمُ الإخْوَةَ فِيهِنَّ إِذا | لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بالأَذَى |
إذا هلك عن جد وأخ وأخت؛ فالمال بينهم على خمسة سهام، للجد اثنان، والأخ اثنان، والأخت واحد لأنه كالأخ.
وإذا هلك هالك عن جد وأخوين؛ فالمال بينهم أثلاث، كل واحد له واحد.
وإذا هلك هالك عن جد وأربع أخوات، فالمال بينهم على ستة؛ للذكر مثل حظ الأنثيين كأنه أخ، يعطى اثنان وتعطى كل واحدة من الأخوات الأربعة واحد كأنه أخ عصبهن؛ فجعلوا الجد الذي هو أب يعصب الأخوات، وهذا معنى قوله:
يُقاسِمُ الإخْوَةَ فِيهِنَّ: أي جميع الأحوال.
إِذا ... لَمْ يَعُدِ الْقَسْمُ عَلَيْهِ بالأَذَى: بالضرر.
ثم قال:
فتارةً يَأْخُذُ ثُلْثًا كامِلًا | إنْ كانَ بِالقِسْمَةِ عَنْهُ نَازِلًا |
إذا كان بالقسمة ينزل عن الثلث فهذا لا ينزل عن الثلث بل يعطى الثلث.
إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذو سِهَامِ ...
يعني: هذا الحكم إذا كان ما هناك أصحاب فرض.
فاقْنَعْ بِإيضاحِي عَنِ اسْتِفْهامِ
أي: اقنع بما أقول لك فلست بحاجة إلى أن تسألني لأني قد وضحت لك المطلوب وأغنيتك عن السؤال. فرحمه الله.
والجد له حالان في الجملة:
تارة يكون معه أصحاب فرض، وتارة لا يكون مع أصحاب فرض.
فإن لم يكن معه أصحاب فرض فله ثلاث حالات، وإن كان معه أصحاب فرض فله سبع حالات، فصار الجميع عشرًا.
فإذا كان منفردًا مع الإخوة ليس معه زوج ولا أم ولا جدة؛ فإنه يكون له ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون ثلث المال أحظ له.
الثانية: أن تكون المقاسمة أحظ له.
الثالثة: أن يستوي الأمران. تستوي المقاسمة وثلث المال، فيعطى المقاسمة في الحالين.
........ والجد وأربع أخوات، والجد ........ وأخ وأختين ثلاث مسائل، يساوونه في ثلاث مسائل:
جد وأخوين، جد وأربع أخوات، جد، وأخ، وأختين.
في هذه المسائل الثلاث يستوي له الأمران؛ فيعبر له بالمقاسمة، وتجعل المسألة من عدد رؤوسهم.
فإذا هلك هالك عن جد وأخوين فمن ثلاث، كل واحد له واحد.
وإذا هلك هالك عن جد وأربعة أخوات فمن ستة له سهمان ولكل أخت سهم.
وإذا هلك هالك عن جد وأخ وأختين فهي من ستة، الجد اثنان والأخ اثنان ولكل أخت واحد.
أما إن كانوا أقل من مثليه وهي تنحصر في خمس صور:
أخت، أخ، أختين، أخ وأخت، ثلاث أخوات، خمس صور، هذه الصور الخمس يقاسمهم والمقاسمة أحظ لأنه يأخذ فيها أكثر من الثلث؛ ففي هذه الصور الخمس يجب أن يقاسم ولا يفرض له شيء؛ لأن المقاسمة أحظ له وأنفع له، في هذه الصور الخمسة، وهي الحالة الثالثة أن تكون المقاسمة أحظ له.
فإذا هلك عن جد وأخ فالمسألة من سهمين بينهما، عن جد وأخت من ثلاثة له اثنان ولها واحد، عن جد وأختين فمن أربعة له اثنان ولكل واحدة واحد، جد وأخ وأخت من خمسة للجد اثنان وللأخ اثنان وللأخت واحد.
جد وثلاث أخوات من خمسة، للجد اثنان ولكل أخت واحد هذه الصور الخمس المقاسمة فيها أحظ.
والصور الثلاث المتقدمة: أخوين، أخ وأختين، أربع أخوات، هذه يستوي فيها الأمران إذا كانوا أكثر من اثنين؛ فالثلث أحظ له ويفرض له الثلث، هذه أحواله عند عدم وجود صاحب الفرض، وأما مع وجود صاحب الفرض فيأتي البحث فيه إن شاء الله فيما بعد.
وفق الله الجميع.
..............
يقول المؤلف رحمه الله في أحكام الجد والإخوة
وتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثَ الْبَاقِي | بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ والأَرْزاقِ |
وتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثَ الْبَاقِي ...
يعني الجد وهو أبو الأب وإن علا بمحض الذكور كما تقدم، لأن أبا الأم ليس من الورثة بل من ذوي الأرحام، وإنما المراد هنا هو الجد أبو الأب وإن علا بمحض الذكور.
وتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثَ الْبَاقِي | بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ والأَرْزاقِ |
إحداها: أن يكون ثلث المال أحظ له.
والثانية: أن تكون المقاسمة أحظ له.
الثالثة: استواء الأمرين.
وتقدم هذه الصور الثلاث، وأن حالتين محصورة الصور، وهما: المقاسمة وتنحصر في خمس، وكونها تساوي الثلث تنحصر في ثلاث. أما كون ثلث المال أحظ له فهذا صوره لا تنحصر، وإنما أقل من ذلك أخوان وأخت هذا أقل ما يكون في كون ثلث المال أحظ له كما تقدم.
أما إذا وجد صاحب فرض فأكثر فإن له معهم سبع حالات وبهذا تكون عشر.
فتارة يأخذ ثلث الباقي هذه حالة.
الحالة الثانية المقاسمة تكون أحظ له.
الثالثة: سدس المال أحظ له.
الرابعة: أن يستوي له الثلث الباقي والمقاسمة. ويكونان أحظ من سدس المال .
الخامسة: أن يستوي له المقاسمة وسدس المال ويكونان أحظ من الثلث الباقي.
السادسة: يستوي ثلث الباقي وسدس المال ويكونان أحظ من المقاسمة.
السابعة: أن يستوي الثلاث: الثلث الباقي، والمقاسمة، وسدس المال تستوي كلها، كما في جد وبنت وأخوين، فإن البنت تأخذ النصف ثلاثة من ستة، ويبقى ثلاثة، إذا أخذ ثلث المال فهو واحد، وإذا أخذ الثلث الباقي فهو واحد، وإن قاسم فليس له إلا واحد؛ لأن معه أخوين، فاستوت له الثلاث.
فهذه الأحوال السبع للجد مع الإخوة إذا كان معهم صاحب فرض، وهذا معنى قوله:
وتَارَةً يَأْخُذُ ثُلْثَ الْبَاقِي | بَعْدَ ذَوِي الْفُرُوضِ والأَرْزاقِ |
هَذا إذا مَا كانَتِ الْمُقَاسَمَهْ | تَنْقُصُهُ عَنْ ذَاكَ بِالْمُزَاحَمَهْ |
وتَارَةً يَأْخُذُ سُدْسَ الْمَالِ | وَلَيْسَ عَنْهُ نَازِلًا بِحالِ |
وَلَيْسَ عَنْهُ نَازِلًا بِحالِ: بل لا بد يعطى السدس لأنه أب، والأب لا ينقص عن السدس، وهكذا شبيهه وهو الجد، وهذا من الحجة عليهم فتارة جعلوه أخًا يساوي الأخوة، وتارة قالوا: لا، يعطى السدس ولو أضر الإخوة، ............ فهذا من التناقض؟
ففي هذه الحالة يعطى السدس وهي حالة ما إذا كانت تنقصه المقاسمة وينقصه الثلث الباقي عن السدس فيعطى السدس ولا ينزل عنه.
وإن كان ما بقي إلا السدس فما للإخوة شيء، فلو مات ميت عن أم وبنتين وجد وإخوة، ففي هذه الحالة ما لهم شيء؛ لأنه ما بقي إلا السدس فتعطى الأم السدس واحد والبنتين الثلثين أربعة هذه خمسة بقي واحد يعطاه الجد ويسقط الإخوة وهذا أيضاً من التناقض؟ كيف يكون كواحد منهم ثم في هذه الحال يحجبهم؟! ما دام أن قربهم وقربه أسوة وأنهم سواء؛ فالواجب أن يستووا في كل شيء، وإلا فليحجبوهم دائمًا وينتهي الأمر كالأب كما هو الصواب.
وهْوَ مَعَ الإِناثِ عِنْدَ القَسْمِ | مِثْلُ أَخٍ فِي سَهْمِهِ والْحُكْمِ |
إلا مَعَ الأُمِّ فَلاَ يَحْجُبُهَا | بَلْ ثُلُثُ الْمَالِ لَهَا يَصْحَبُهَا |
فإذا هلك هالك عن زوج وأم وجد فإنها من ستة، للزوج النصف، والأم الثلث اثنان، والباقي للجد وهذا محل وفاق؛ لأنها أقرب منه، فهي أم وهو جد بينه وبين الميت فاصلة وواسطة.
وهكذا زوجة وأم وأب في العمريتين تعطى الزوجة الربع من اثنا عشر، وتعطى الأم الثلث أربعة من اثني عشر، والباقي خمسة للجد.
ويأتي ما يتعلق بالإخوة فيما بينهم في المعاداة، وأنهم يعادون الجد بالإخوة لأب، الإخوة الأشقاء يعادون الجد بالإخوة لأب، ثم فيما بينهم يتراجعون ويأخذ ........ الإخوة لأب. يأتي بحثه في آخر الباب إن شاء الله.
وبهذه الأبيات عرفت أحوال الجد كلها وأنها عشر، ثلاث مع عدم الفروض، وسبع مع أهل الفروض، وعرفت متى يعطى ثلث الباقي، ومتى يعطى مقاسمة، ومتى يعطى السدس.
فيعطى الثلث الباقي عند كونه الأحظ له، ويعطى المقاسمة كونها أحظ له، ويعطى السدس عند كونه أحظ له، وإذا استوى الثلاثة عبر بالقاسمة، وهكذا إذا استوى اثنان منهم المقاسمة مع الثلث الباقي أو مع السدس عبر بالمقاسمة.
والله أعلم.
واحْسُبْ بَنِي الأبِ لَدَى الأعْدَادِ | وارفُضْ بَنِي الأُمِّ مع الأَجْدادِ |
واحْكُمْ عَلَى الإِخْوَةِ بَعْدَ العَدِّ | حُكْمَكَ فِيهِم عِنْدَ فَقْدِ الْجَدِّ |
واسْقِط بني الإخوةِ بالأجدادِ | حُكْمًا بعدْلٍ ظاهِرِ الإرشادِ |
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فقد سبق الكلام في الجد والإخوة، وأن العلماء رحمة الله عليهم اختلفوا في توريث الإخوة مع الجد، وأن الصواب هو إسقاطهم بالجد كما هو قول بضعة عشر من الصحابة رضي الله عنه، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وابنته عائشة وابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعمران بن حصين، وأبو موسى الأشعري وجماعة.
وتقدم أن هذا القول تنصره أدلة كثيرة، ومن خالفه تناقض تناقضًا واضحًا.
وتقدم أيضًا أن ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين نصره من عشرين وجهًا يجدها من رغب فيها.
والقول الثاني: أنهم يرثون معه؛ لكونهم يدلون بما أدلى به، هم يدلون بالأب من أسفل، وهو يدلي بالأب من أعلى فاتفقا، ولكن هذه الحجة ضعيفة وساقطة، ويلزمها لوازم غير مستقيمة؛ فإن مقتضى هذه الحجة أن يكونوا مع الجد القريب؛ لأنهم هم وهو أسوة، هذا أبوهم وهو ابنه، لكن متى ارتفع صاروا أقرب، فصار الجد أب، وصاروا هم أقرب فمقتضى هذه أن يحجبوه، ثم مقتضى هذه القاعدة أيضًا أن يكون بنو الإخوة مساوون أبي الجد فيرثون معه ويفضلون جد الجد فيحجبونه فهي قاعدة منتقضة غير مستقيمة.
والمقصود أن الحق هو ما قاله من أسقطهم به الشافعي رحمه الله ورواية عن أحمد، وجماعة من التابعين وأتباع التابعين، وأخذ به من الشافعية المزني وجماعة، وأخذ به من الحنابلة أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمه الله وابن مفلح والشيخ محمد بن عبدالوهاب، وصاحب الإنصاف وصاحب الفائض، وغيرهم جماعة.
والمقصود أن هذا هو الصواب بلا شك ولا ريب، أن الإخوة يسقطون بالجد وأنه أب في هذا المعنى، ولكن على سبيل القول بالتوريث ليعرف طالب العلم طريقة من ورث وليزداد بصيرة في هذا الباب، بحثنا هذا الموضوع في هذا الباب، وقسمنا فيه مسائل، وبينا أحوال الإخوة مع الجد على قول من قال بتوريثهم من باب مزيد من العلم؛ لأن ليس من شرط المعرفة للعلم أن يكون راجحًا عند طالب العلم، بل يعرف العلم ولو كان مرجوحًا عنده ويعرف الصواب؛ ليعمل به، ويعرف المرجوح ليبين ضعفه وأدلة مرجوحيته.
ومما يتعلق بهذا الباب المعاداة، وهي أن الإخوة الأشقاء يعادون الجد بالإخوة لأب، لأجل مضايقته، وأخذ ما ينفعهم، والإخوة لأب ساقطون لأن الأشقاء أقوى منهم، فنظرًا إلى كون الإخوة لأب يرثون مع الجد؛ فإن الإخوة الأشقاء يعادون بهم ويحسبونهم عليه، ثم إذا فرغوا منه واضطروه إلى أضيق الطرق، رجعوا فيما بينهم فأخذوا ما بأيدي الإخوة لأب، وهذا أيضًا مما يرد على هذا الباب، فكيف يعادونه بمن هم محجوبون ساقطون؟!
فيقول المؤلف هنا:
واحْسُبْ بَنِي الأبِ لَدَى الأعْدَادِ ...
يعني لدى العدد، الأعداد جمع عدد، ويحتمل لدى الإعداد، يعني لدى إعدادهم لحجب الجد والتضييق عليه، يقال أعد الشيء إذا هيأه، يراد التهيئة لمضايقته، ولدى الأعداد أي لدى العدد يعني لدى العد بهم عليه وإن لم يرثوا.
وارفُضْ بَنِي الأُمِّ مع الأَجْدادِ
الإخوة بالأم بالإجماع ساقطون، لأنهم لا صلة لهم بالأب فلا وجه لتوريثهم معه، ولأن شرط إرثهم أن تكون المسألة كلالة، والمسألة التي فيها جد ليست كلالة، فإن الكلالة من لا ولد له ولا والد ذكر هذه الكلالة ......... فمع وجود الجد يسقط الإخوة لأم؛ لأنهم في مسألة ليست كلالة، كما قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء: 12] وهم الإخوة لأم بإجماع المسلمين لهذه الآية.
............................
واحْكُمْ عَلَى الإِخْوَةِ بَعْدَ العَدِّ ...
يعني بعد المعاداة.
حُكْمَكَ فِيهِم عِنْدَ فَقْدِ الْجَدِّ
احكم على الإخوة بعد العد حكمك فيهم عند فقد الجد عند عدم وجود الجد فانظر في أمرهم.
ومعلوم أن الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب؛ لأنه أقوى منهم وقد أدلوا بشطري النسب، والإخوة لأب ما أدلوا إلا بشرط واحد، ولهذا أجمع العلماء على أن الإخوة الأشقاء يسقطون الإخوة لأب في الميراث، الذكور يسقطونهم جميعا، والإناث يسقطونهم إذا أخذوا الثلثين.
........ والحاصل أن الإخوة لأب يحسبون على الجد للمضايقة حتى يلجؤوه إلى ثلث المال أو إلى سدس المال أو إلى ثلث الباقي ثم يتراجع الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأب ويسقطونهم ويأخذون ما بأيديهم إن كانوا ذكورًا أخذوا ما بأيديهم وحجبوهم، وإن كانوا إناثًا أخذوا كمال فرضهم وحجبوهم عن ذلك، وما زاد فهو لهم عصب كما يأتي بيانه إن شاء الله.
واسْقِطْ بني الإخوةِ بالأجدادِ | حُكْمًا بعدْلٍ ظاهِرِ الإرشادِ |
وتقدم لك أن لازم قول زيد ومن وافقه بأن يرثوا بني الإخوة مع الجد لأنهم في منزلته، ولكن القاعدة في التوريث أسقطوا بني الإخوة لبعدهم وبعد منزلتهم بالنسبة إلى الجد، ولهذا قال:
حكما بعدل ظاهر الإرشاد
والخلاصة في هذا: أن الإخوة الأشقاء يعادون الجد بالإخوة لأب في مسائل، فإذا ضيقوا عليه أخذوا ما بيد الإخوة لأب، وأسقطوهم إذا كان الموجودون أشقاء ذكورًا، وإن كان الموجود إناثًا أخذت الشقيقة فرضها، والباقي للإخوة لأب، وإن كانت شقيقتان ......... فأكثر، أخذن فرضهن والباقي للإخوة لأب.
وأصول المعاداة ذكروا أنها تبلغ ثمانية وستين صورة، وعند التحقيق تبلغ ثنتين وسبعين صورة كما بينا في الفوائد. ثنتين وسبعين صورة كلها صور المعاداة، وهي مبنية على أصلين:
أحدهما: أن يكون الإخوة الأشقاء أقل من مثلي الجد.
والأصل الثاني: أن يجعل معهم من الإخوة لأب، ما يكمل به مثلي الجد فأقل.
هذه هي أصول .......... المعاداة أصلان.
أحدهما: أن يكون الإخوة الأشقاء من مثلي الجد، وذلك ينحصر في خمس صور:
أخت، أخ، أختين، أخ وأخت، ثلاث أخوات هذه الصور الخمس يكونون فيها أقل من مثلي الجد، وفي هذه الصور الخمس يتصور معهم ثلاثة عشر صورة في المعاداة تضرب في خمس حالات الجد مع الإخوة فيبلغ ذلك خمس وستين؛ لأنك إذا نظرت إلى الشقيقة وجدتها تحتاج إلى أخت هذه واحدة، وإلى أختين (ثنتين) إلى أخ لأب (ثلاثة) إلى أخ وأخت لأب، إلى ثلاث أخوات لأب يعاد بهم، صارت خمس صور.
والأخ الشقيق يحتاج إلى ثلاثة يعاد بها، يحتاج إلى أخت إن وجدت يعاد بها، يحتاج إلى أختين يعاد بهما، يحتاج إلى أخ لأب يعاد به، ........ هذه ثمان.
وشقيقتان مثل الأخ الشقيق يحتاجان إلى ثلاث صور: إلى أخ لأب، ......... أختين لأب هذه إحدى عشر صورة.
أما الأخ الشقيق والأخت الشقيقة فلا يحتاجان إلا إلى الأخت لأب حتى يكمل بها مثل الجد.
وهكذا الشقائق الثلاث يحتجن إلى صورة واحدة، وهي: الأخت لأب، فصار الجميع ثلاثة عشر صورة في المعاداة.
تضرب هذه الثلاثة عشر صورة في خمس حالات للجد مع الإخوة، إحداهن ألا يكون معه صاحب فرض ........
الحالة الثانية يكون معه صاحب الفرض وهو السدس.
الثالثة: أن يكون معه صاحب فرض وهو الربع.
الرابعة: صاحب فرض وهو النصف.
الخامسة: صاحب فرض وهو ربع وسدس.
هذه خمس حالات .......... كل حالة ثلاثة عشر صورة، فإذا ضرب خمسة في ثلاثة عشر صار الجميع خمس وستين صورة في المعاداة.
تضاف إليها إذا كان موجود مع الجد نصف وسدس، فإنه لا يحتاج فيها الإخوة الأشقاء إلا أخت واحدة، فإذا مات الميت عن بنت وبنت ابن أو زوج وجدة فإن الجد تحتاج معه الشقيقة إلى الأخت لأب فقط حتى تكون مثله، حتى تلجئه إلى السدس، وتأخذ السدس هي عصبًا.
فإذا أعطيت الزوج النصف والجدة السدس، بقي اثنان، الأخت الشقيقة إذا كانت وحدها غلبها الجد وأخذ الثلثين ........، وإن عادت بواحدة صار مثلها فيكون له واحد ولهما واحد، ثم تأخذ الشقيقة الواحد من الأخت لأب فيكون لها واحد وللجد واحد، ولولا هذه الأخت لأب لأخذ من يدها البعض ولم يحصل لها إلا واحد إلا ثلث.
وهكذا بنت وبنت ابن وجد وشقيقة كذلك، تعاده بالأخت لأب.
الصورة الثانية: إذا كان مع الثلثان تحتاج الشقيقة إلى أخت لأب فقط.
كبنتين وجد وشقيقة، فتحتاج أن تعاده بأخت واحدة هذه سبع وستين.
الصورة الثامنة والستين: زوجة وبنت أو بنت ابن يعني ثمن ونصف من ثمانية الزوج له الثمن، والبنت لها النصف أو بنت الابن، والجد والأخت تحتاج معه الأخت إلى أخت ثانية تعاده حتى يأخذ واحد ونصف وتأخذ واحد ونصف هذه واحدة.
تحتاج إلى صورة ثانية وهي أن يكون معها أخ لأب وأختين لأب ........
وصورة رابعة: إذا كان أخ واحد شقيق يحتاج إلى أخت لأب حتى يلجأه إلى السدس.
فهذه أربع صور مع ثمانية وستين يكون الجميع اثنين وسبعين صورة كلها معاداة، كلها تعاد الأشقاء بالإخوة لأب واحدة أو أكثر.
ثم بعدما يلجئون الجد إلى ما هو أضيق عليه، بعد هذا يتراجع الإخوة الأشقاء ويتحاسبون مع الإخوة لأب على الطريقة المعروفة في إرث الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأب.
وسيأتي في هذا إن شاء الله أمثلة توضح هذا المقام، وأما اسقاط لأم ... فالأمر واضح.
وفق الله الجميع.