73 من حديث ( والذي نفسي بيده لتأمرنَّ ولتنهونَّ عن المنكر..)

10/193- العاشرُ: عَنْ حُذيفةَ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
11/194- الحَادي عشَرَ: عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدريِّ ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عندَ سُلْطَانٍ جائِرٍ رواه أَبُو داود والترمذي وَقَالَ: حديثٌ حسنٌ.
12/195- الثَّاني عَشَر: عنْ أَبِي عبدِاللَّه طارِقِ بنِ شِهابٍ الْبجَلِيِّ الأَحْمَسِيِّ : أَنَّ رجلًا سأَلَ النَّبِيَّ ﷺ وقَدْ وَضعَ رِجْلَهُ في الغَرْزِ: أَيُّ الْجِهادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةُ حقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جائِرٍ» رَوَاهُ النسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تقدَّمت آيات وأحاديث في ذلك، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات، ومن أهم الفرائض، ومن أسباب صلاح المجتمع، فالناس بخير ما تآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، فإذا ضيَّعوا هذا الواجب فشت فيهم المنكرات، وظهرت فيهم الشرور، وحلت بهم العقوبات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب العافية والسلامة من العقوبات العامة، وتقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، فقالت له زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال النبي ﷺ: نعم، إذا كثر الخبث، وتقدم ما يروى عنه أنه ﷺ قال: لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم يلعنكم كما لعنهم.
فالواجب على المؤمنين جميعًا: التآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، والحذر من الإعراض عن ذلك، والتساهل في ذلك، فإن خطره عظيم.
ويقول ﷺ: لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم، يعني: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب حلول العقوبات، ومن أسباب عدم إجابة الدعاء.
وتقدم قوله ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، فالواجب على مَن له قدرة –كالسلطان، والأمير، والإنسان في بيته، والهيئة على حسب صلاحيتها- أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالفعل والقول جميعًا، أما مَن ليس له سلطة فإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالكلام والرفق والحكمة، فإن عجز فبالقلب، يكرهه بقلبه، ولا يحضر المنكر.
وفي هذين الحديثين الأخيرين يقول ﷺ: أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ، مثل: مناصحة ولاة الأمور، وتوجيههم إلى الخير، كل هذا من الجهاد، ومن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فولي الأمر وأمير البلد وشيخ القبيلة يُناصَح ويُوجَّه إلى الخير، هذا من أعظم الجهاد؛ لأن بصلاح ولاة الأمور تصلح أحوال الناس، ويكثر الخير، ويقل الشر، وإذا فسد ولاة الأمور وضيَّعوا الواجب كثر الشر والفساد.
فالواجب على كلِّ مَن له سلطة من أميرٍ أو ملكٍ أو شيخ قبيلةٍ أو مدير مؤسسةٍ أو رئيس شركةٍ أو مدير مدرسةٍ أو غيرهم -كلٌّ على حسب قدرته- الواجب عليهم إنكار المنكر والأمر بالمعروف على حسب الطاقة، قولًا وعملًا، فمَن عجز عن الفعل فالقول، ينصح ويوجه إلى الخير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ لأن هذا من التواصي بالحق، ومن التعاون على البرِّ والتقوى، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الطاقة، بالكلام الطيب، والأسلوب الحسن، وتحري الألفاظ المناسبة، لعل الله أن يكتب لك النجاحَ في عملك، ولك بذلك الأجر العظيم: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، هكذا يقول ﷺ، ويقول ﷺ في الحديث الصحيح: مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، فالرسل عليهم الصلاة والسلام والدعاة إلى الله لهم مثل أجور مَن أجابهم.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: صاحب السلطة يبدأ بالقول والحجة والإقناع أم يبدأ فورًا بالتغيير باليد؟
ج: يبدأ بالكلام أولًا، فإن نفع الكلام فالحمد لله، فالإنسان في بيته ينصح أولاده وزوجته بالكلام، وهكذا السلطان، وهكذا الأمير، فإذا لم يرتدعوا إلا بالفعل أدَّب، إلا ما فيه حدٌّ، فالحدُّ يُقام.
س: شابٌّ يُعرِض عن الزواج، يعني: تزوَّج وأنجب ثم طلَّق، ثم يقول: لو تزوجتُ سيشغلني كثيرًا عن طلب العلم، وهو يُحبّ طلبَ العلم، هل يعرض عن الزواج ويتفرغ للعلم؟
ج: هذا يختلف، إن لم تكن عنده رغبة ولا يخاف على نفسه فلا بأس، وإن كانت عنده رغبة في النكاح فعليه أن يبادر بالزواج ويطلب العلم، يجمع بينهما؛ لأن الزواج لا يمنع من طلب العلم.