13/196- الثَّالِث عشَرَ: عن ابن مَسْعُودٍ قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّه وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى قوله: فَاسِقُونَ [المائدة:78- 81].
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود.
ولفظ الترمذي: قَالَ رَسُولُ الله ﷺم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا.
14/197- الرَّابع عَشَر: عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
ثُمَّ قَالَ: كَلَّا، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ رواه أَبُو داود والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ. هَذَا لفظ أَبي داود.
ولفظ الترمذي: قَالَ رَسُولُ الله ﷺم: لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهمْ، وَوَاكَلُوهُمْ، وَشَارَبُوهُمْ، فَضَربَ اللهُ قُلُوبَ بَعضِهِمْ بِبَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ، فَجَلَسَ رَسُولُ الله ﷺ وكان مُتَّكِئًا فَقَالَ: لا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأطرُوهُمْ عَلَى الحَقِّ أطرًا.
14/197- الرَّابع عَشَر: عن أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيق قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تقرؤون هَذِهِ الآيةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإِني سَمِعت رَسُول اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذان الحديثان: حديث ابن مسعود وحديث الصديق رضي الله عنهما كلاهما يتعلقان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الواجب على المسلمين أن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، وأن يحذروا أن تُصيبهم المصيبة التي أصابت بني إسرائيل؛ فإنَّ بني إسرائيل -وهم أتباع موسى وأتباع عيسى بعد ذلك- لما وقعت فيهم المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم، وواكلوهم، وشاربوهم، فلمَّا رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعضٍ، ثم لعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، فقال ﷺ: والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهَونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربَنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم يعني: احذروا أن تُشابهوا اليهود فيما فعلوا.
فالإنسان إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ولم يستجب المأمور لا يكون جليسه ولا أكيله حتى يستجيب، إذا كان المنكر باقيًا يُشاهده الناس فالواجب إنكاره، وعدم مجالسة صاحبه، فلا تكن صاحبًا له، أكيلًا له، شريبًا له؛ لأنَّك إذا فعلتَ هذا كأنَّك لم تُنكر، لكن يجب الإنكار والهجر عند الحاجة إذا لم يمتثل؛ لأنَّ هذا أردع.
ولهذا لما تخلَّف كعبُ بن مالكٍ وصاحباه عن غزوة تبوك بغير عذرٍ هجرهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام خمسين ليلة حتى تابوا فتاب الله عليهم، نزلت توبتهم من عند الله عز وجل.
فالواجب على أهل الحل والعقد والمسؤولين أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يعنوا بإزالة المنكرات، والقضاء عليها بالمنع، فمَن لم يستجب فبالأدب، وما فيه حدٌّ فهو فيه حدٌّ.
وهكذا المؤمن مع إخوانه: يُنكر المنكر، ويأمر بالمعروف بلسانه وبيده وبقلبه: بيده إذا كانت عنده قدرة، كالأمير والهيئة التي لها سلطة وأشباههم ممن لهم سلطة، والإنسان مع أهل بيته يُنكر باللسان وبالفعل، وما سواهم ليس لهم إلا اللسان، يُنكر بلسانه، فإن عجز فبقلبه.
وفي قصة بني إسرائيل عظةٌ للمسلم، فليحذر أن يُصيبه ما أصابهم، ولهذا في حديث الصديق : "أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها"، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، ظنَّ بعضُ الناس أنَّ قوله: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أنَّهم لو تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتركوا الناس على حالهم ما يضرُّهم، وهذا غلطٌ، يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغَيِّروه أوشك أن يَعُمَّهم الله بعقابٍ، فعُلِمَ بهذا أنه لا تتم الهداية ولا تحصل الهداية الكاملة إلا بإنكار المنكر والأمر بالمعروف.
وقوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يعني: بأداء الواجبات التي منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لم تكن الهداية يضرُّ مَن ضلَّ إذا لم يُقَمْ بالواجب في حقِّه -من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- يضرنا حتى نقوم باللازم: بأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، والأخذ على يدي السفيه، وبهذا نسلم من عقاب الله.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: معنى قوله: أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ؟
ج: من مقتضاها هذا، يعني: تتشابه قلوبهم، ويكونون على الشرِّ جميعًا -نسأل الله العافية- كل واحد يتأسَّى بالآخر.
س: منها التفرق والاختلاف؟
ج: منها ذلك.
س: صحة حديث ابن مسعود؟
ج: حديث ابن مسعود في بني إسرائيل فيه بعض الضعف، لكن له طرق، أما حديث الصديق فهو صحيح، رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسنادٍ صحيحٍ، أما حديث ابن مسعود فالمؤلف تساهل فيه؛ لأنَّه من باب الترغيب والترهيب، وشواهده كثيرة، ونصَّ القرآن يكفي: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [المائدة:78]، فنصّ القرآن كافٍ في قصة بني إسرائيل –نسأل الله العافية.
س: مؤاكلة صاحب المنكر ومُشاربته والاستمرار في ذلك مع الاستمرار في الإنكار عليه؟
ج: لا، الواجب على الأقل هجره؛ لأنك إذا واكلته وشاربته ضعف الإنكار، وتساهل معك، ولم يُبالِ؛ لكن مع الإنكار ترك المجالسة.
س: وإذا كان الإنكارُ في مجلسه دائمًا؟
ج: الإنسان إذا أنكر المنكر لا يكون جليسًا لصاحبه ولا أكيلًا له، أما المجلس العام فلا يضر، في المجلس العام إذا أنكرت المنكر ما يضرك.
س: إذن الهجر أولى؟
ج: إذا اقتضت المصلحة ذلك، وإذا كانت المصلحة تقتضي متابعة الدعوة تُتابع، لكن لا تكون جليسًا له، تتابع الدعوة والإنكار لعل الله ينفع بذلك.
س: إذن يكون هجرُ العباد لكل حالةٍ بحسبها؟
ج: نعم، بحسب المصلحة الشرعية.
س: إذا كان في بيتٍ واحدٍ والأب لا ينكر الإنكار المطلوب، مثلًا: مجموعة إخوان بعضهم صالحون؟
ج: الصالح يُنكر على الطالح ولو ما أنكر الأب، الأخ الطيب ينكر على أخيه الذي باشر المعصية، يُنكر عليه ويُوجِّهه إلى الخير.
س: ولكن بعض الصالحين يستطيعون الانفراد ببيتٍ مستقلٍّ وآخرين لا يستطيعون؟
ج: يُنكر حسب طاقته، ولو بقي في البيت، إذا رأى المصلحة في ذلك.