24- باب تغليظ عقوبة مَن أمر بمعروفٍ أَوْ نهى عن منكرٍ وخالف قوله فِعله
قَالَ الله تَعَالَى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]، وَقالَ تَعَالَى إخبارًا عن شعيبٍ ﷺ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88].
1/198- وعن أَبي زيدٍ أُسامة بْنِ زيد بن حَارثَةَ رضي اللَّه عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامةِ فَيُلْقَى في النَّار، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟! فَيَقُولُ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قَالَ الله تَعَالَى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3]، وَقالَ تَعَالَى إخبارًا عن شعيبٍ ﷺ: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88].
1/198- وعن أَبي زيدٍ أُسامة بْنِ زيد بن حَارثَةَ رضي اللَّه عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيامةِ فَيُلْقَى في النَّار، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ في الرَّحى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟! فَيَقُولُ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بالمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الآيات مع الحديث الشريف فيها التغليظ بحقِّ مَن أمر بالمعروف، أو نهى عن المنكر ثم خالف قوله فعله، وفعله قوله، وأنَّه على خطرٍ عظيمٍ من عقوبة الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا مُعاتبًا بني إسرائيل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، يُعاتبهم ويحثُّ أمة محمدٍ على مخالفتهم في هذا، وأنَّ الآمر بالمعروف يُسارع إلى المعروف، والناهي عن المنكر يُسارع إلى تركه، هذا هو الواجب، فمَن خالف هذا فقد بارز الله بالمحاربة، ولهذا يقول سبحانه لهم مُعاتبًا: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ يعني: كتاب الله التوراة، أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني: أين ذهبت عقولكم؟!
فكون الإنسان يأمر بالمعروف ويُخالفه، وينهى عن المنكر ويرتكبه، أين العقل؟! أين الدِّين؟! أين المروءة؟! أين الحياء؟! ولهذا قال: أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني: أين ذهبت عقولكم حتى بارزتم الله بهذا العمل الشنيع؟!
ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3] يعني: عظم عند الله هذا العمل، ويمقتكم عليه، ويبغضكم عليه، أن يقول الإنسان خلاف ما يفعل، ويفعل خلاف ما يقول، فيأمر الناس بالخير، وينهاهم عن الشر، ثم يقع في الشر ويترك الخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويقول جل وعلا عن شعيب عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88]، لما أمرهم ونهاهم قال: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ، فالأنبياء يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخالفون ذلك، بل يفعلون المعروف ويأتونه، وينهون عن المنكر ويتركونه، هكذا الأنبياء والصالحون.
فمَن فعل المعروف وترك المنكر فهذا هو المتبع للأنبياء، وهو المؤمن حقًّا، ومَن خالف قوله فعله فأتى المنكرَ وترك المعروف فهذا محاربٌ لله جل وعلا، مخالفٌ لما أمره الله به، وهذا يُوجِب على المؤمن العناية حتى تكون أعمالُه وأقوالُه مطابقةً للشرع، فيعمل بطاعة الله، ويستقيم على أمر الله، ويترك محارم الله، ويحافظ على ذلك حتى تكون أقواله وأعماله مطابقةً للأوامر.
وهكذا قوله في حديث صفة شعيب: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ يعني: ليس مما يجوز لي أن أخالفكم، فالأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام أمروا بالمعروف وفعلوه، ونهوا عن المنكر واجتنبوه، وهكذا الصَّالحون، فالواجب على مَن أمر ونهى أن يكون من أسبق الناس إلى الخير، ومن أبعدهم عن الشر.
وفي هذا المعنى جاءت أحاديث، منها: حديث أسامة هذا: أنه يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلْقَى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، يعني: تبرز وتخرج إلى النار -نسأل الله العافية- وأقتاب بطنه يعني: أمعاؤه، فهو يدور في النار كما يدور الحمار في الرَّحَى، فيجتمع عليه أهلُ النار ويقولون: ما لك يا فلان؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: بلى، أنا كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه! نسأل الله العافية.
فهذا جزاؤه: عُذِّب على رؤوس الأشهاد بين أهل النار -نسأل الله العافية- لأنه افتضح في النار كما فضح نفسه في الدنيا.
فالواجب عليك يا عبدالله أن تكون مع الآمرين بالمعروف، ومع الناهين عن المنكر، ومع مَن يعمل المعروف وينهى عن المنكر، ولا تكن مثل مَن تخلَّف عن هذا الخلق الحميد، بل كن مع أصحاب الخلق الحميد، كن مع الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، والمعاقبين لمن تخلَّف، تأسيًا بنبينا عليه الصلاة والسلام، وسلوكًا لمسلكه عليه الصلاة والسلام، وحذرًا من مشابهة أعداء الله؛ فإنَّ الرسول ﷺ كان يأمر ويفعل وينهى ويترك، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: هل هذا يدخل في أنواع الدعوة إلى الله؟
ج: لا شكَّ أنَّ من الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعطفها في قوله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ .. [آل عمران:104] هذا من عطف الخاص على العام، فالذي يدعو إلى الله، أو يأمر بالمعروف، أو ينهى عن المنكر، ثم يخالف قوله ما يدعو إليه داخل في هذا الوعيد -نسأل الله العافية.
س: أيّهما أخفّ: ترك الإنكار على النفس والإنكار على الناس، أم الإنكار على الناس وعدم الإنكار على النفس؟
ج: يجب على المؤمن إنكار المنكر على نفسه وعلى غيره، إذا رأى المنكر يُجاهد نفسه حتى يدع المنكر، ويجاهد غيره في ترك المنكر، يعني: يكون نشيطًا في محاربة المنكر من جهة نفسه حتى يستقيم على الحقِّ، ومن جهة دعوة الناس إلى الخير وإرشادهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، يجمع بين الأمرين.
س: إذا علم من نفسه .......... وأنه إذا أنكر على الناس لم يُنكر على نفسه؟
ج: يجاهد نفسه، عليه المجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ .. [محمد:31]، لا بدّ من مجاهدة النفس حتى تلتزم أمر الله.
س: يأمر بالمعروف ثم لا يأمر الناس بصلاة الفجر ويترك صلاة الفجر؟
ج: الباب واحد، أو يأمر الناس بالبعد عن الخمر ويشرب الخمر، أو ينهى الناس عن التدخين ويدخن، أو ينهى الناس عن حلق اللحى ويحلق، الباب واحد، هذا منكر واحد، وفضيحة عليه -نسأل الله العافية- وتشبُّه بأعداء الله من اليهود وأشباههم.
س: يُجاهد نفسه في تقصيره مع أنه مُقصِّرٌ ويأمر الناس؟
ج: يأمر الناس ولو قصَّر، ويستحي ويجاهد نفسه لعله لا يبرز بشيءٍ منكر، ولا يقل: أنا لا آمر ولا أنهى لأن عندي معصية. لا، يأمر وينهى ولو عنده معصية، ويجاهد نفسه لعل الله يتوب عليه.
س: هذا سؤالٌ من أحد المصلين يقول: ما حكم تغطية الكتفين في الصلاة؟ هل الأمر للاستحباب أو للوجوب؟
ج: فيه خلاف بين أهل العلم، وينبغي سترهما على كل حال، السنة والأفضل سترهما، وإلا فكشفهما ما عليه دليل واضح، لكن إذا سترتهما أحوط، أما الوجه فتكشفه في الصلاة، إذا لم يكن عندها أجنبي تُصلي مكشوفة الوجه، وإن صلت مكشوفة اليدين فالصلاة صحيحة، خاصة في الصلاة ..........
س: الآية خاصة في بني إسرائيل عامَّة: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44]؟
ج: الحكم عام، الله ذكر لنا ذلك حتى نحذر صفاتهم الذميمة، مثلما قصَّ علينا أخبار الماضين، قصَّها علينا لنحذر الشر ونفعل الخير.
س: أيّهما يُقدّم: العالم الفاسق أو العابد الجاهل، لو مثلًا أردت أن أسمع لنصيحةٍ؟
ج: العابد ما عنده فائدة، ما عنده إلا التعبد فقط، فالعالم وإن كان فاسقًا، لكن إذا اشتبهت في فتواه اعرضها على غيره وانصحه بعد ذلك، اعرضها على غيره حتى يجتمع لك الخير، لا تعتمد عليه إلا بعد سؤال غيره، إذا وجدتَ غيره، أما العابد فما عنده فائدة، العابد مسكين.
س: الآية التي تقول: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [النساء:37] نزلت في اليهود؟
ج: فيهم وفي أشباههم، المقصود تحريم البخل، ومع البخل يأمر الناس بالبخل، البخل بالمال، والبخل بالعلم، كله.
س: أيّهما أشد؟
ج: البخل بالعلم أشد: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] –نسأل الله العافية.