3/201- وعن حُذَيْفَةَ وَأَبي هريرة رضي اللَّه عنهما قالا: قالَ رسول اللَّه ﷺ: يَجْمَعُ اللَّه تَباركَ وَتَعَالَى النَّاسَ، فَيقُومُ الْمُؤمِنُونَ حَتَّى تزْلفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِ فَيَقُولُون: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيقُولُ: وهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِن الْجنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ لَسْتُ بصاحبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيل اللَّه. قَالَ: فَيأتُونَ إبْرَاهِيمَ، فيقُولُ إبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بصَاحِبِ ذَلِك، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاء وراء، اعْمَدُوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمهُ اللَّه تَكْلِيمًا. فَيَأْتُونَ مُوسَى، فيقُولُ: لسْتُ بِصَاحِب ذلكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسى كَلِمَةِ اللَّه ورُوحِهِ. فَيقُولُ عيسَى: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذلكَ. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا ﷺ، فَيَقُومُ، فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمانَةُ والرَّحِمُ، فَيَقُومَان جَنبَتَي الصراطِ يَمِينًا وشِمالًا، فيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ، قُلْتُ: بأَبِي وَأُمِّي، أَيُّ شَيءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوا كَيْفَ يمُرُّ ويَرْجعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الريحِ، ثُمَّ كَمرِّ الطَّيْرِ، وَأَشَدُّ الرِّجالِ تَجْرِي بهمْ أَعْمَالُهُمْ، ونَبيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّراطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعَبَادِ، حَتَّى يَجِئَ الرَّجُلُ لا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلَّا زَحْفًا، وفِي حافَتَي الصِّراطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ في النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهنَّم لَسبْعُونَ خَريفًا. رواه مسلم.
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الحديث العظيم الطويل يتعلق بالأمانة والموقف يوم القيامة، فيُحشر الناسُ يوم القيامة، ويقضي الله بينهم جل وعلا بحكمه العدل سبحانه وتعالى، ويُؤمر المؤمنون بأن يجوزوا على الصراط حين تُزلف لهم الجنة، وتُقرَّب لهم، ويطلعون عليها، قال تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:90-91]، فيقولون: مَن يستفتح لنا باب الجنة حتى ندخل؟ فيأتون آدم -أبا البشر- فيعتذر ويقول: هل أخرجكم منها إلا خطيئة أبيكم؟، ثم يُرشدهم إلى إبراهيم، ثم إبراهيمُ إلى موسى، ثم موسى إلى عيسى، وفي الرواية الأخرى: يُرشدهم إلى نوحٍ، ثم نوحٌ إلى إبراهيم .. إلى آخره، كالشفاعة العظمى سواء، فيأتون نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيشفع لهم عليه الصلاة والسلام، وأول مَن يدخل الجنة من الأمم أمته عليه الصلاة والسلام، وتُرسل الأمانةُ والرحمُ جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا، ويؤمر الناس بالمرور على الصراط، فمَن مرَّ عليه نجا، لا يمر عليه إلا المؤمنون، أما الكفار فلا يمرون عليه، بل يُساقون إلى النار -نسأل الله العافية.
وقد تزل قدمُ بعض العُصاة الذين يمرون على الصراط، فالكلاليب مُعلَّقة تأخذ منهم .........، فهذا مخدوشٌ ناجٍ، وهذا مخدوشٌ ساقطٌ بسبب ما عليه من المعاصي، ولا ينجو من هذا الصراط ولا يمر عليه إلا المؤمنون الكُمَّل، ويُوقَفُون عند قنطرةٍ بين الجنة والنار، فيتقاصُّون بينهم، وهي قنطرة قبل دخولهم الجنة، ثم يشفع لهم في دخول الجنة عليه الصلاة والسلام.
هذا اليوم العظيم الذي تُوزَّع فيه الصحف، وتُنشر فيه الأعمال، وينقسم الناس فيه إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير؛ جديرٌ بأن يهتم به المؤمن، ويعمل له، وأن يحرص على إعداد الزاد النافع الذي ينفعه يوم القيامة، وهو زاد التقوى، كما قال سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، والزاد الذي رتَّب الله عليه الجنة والنجاة من النار هو زاد الإيمان، والتقوى زاد الهدى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيم [القلم:34]، وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72]، فالمتقون هم المؤمنون، وهم المسلمون حقًّا، وهم الصادقون، وهم المقرَّبون، فالله جل وعلا يأمر بالجنة أن تُزلف لهم، وأن تُفتح أبوابها، ويدخلها أمةُ محمدٍ قبل غيرهم من الأمم، بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأول مَن يستفتح بابها نبينا محمدٌ ﷺ، ويقول له الخازن: بك أُمِرْتُ ألا أفتح لأحدٍ قبلك ﷺ.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ما المقصود بـسَلِّمْ سَلِّمْ؟
ج: دعاء، يعني يسأل السلامة.
س: الصراط لا يمر عليه إلا المؤمنون فقط؟
ج: نعم، والكفار يُساقون إلى النار، وبعض مَن يمرُّ عليه يسقط لمعاصيه وسيئاته.
س: الذي يعمل المنكر ما يُنْكِر على أيِّ شخصٍ يفعل المُنكر؟
ج: يقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].
س: من أجل الحديث الذي قبله الذي يتحدث عمَّن وجدوه في النار؟
ج: ذاك حديث أسامة: أنه يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلْقَى في النار، فتندلق أَقْتَابُ بطنه -أمعاؤه تخرج- فيدور في النار كما يدور الحمار بالرَّحَى، فيجتمع عليه أهلُ النار ويقولون: ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! فيقول: بلى، ولكن كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه! يقول: صلُّوا، وهو لا يُصلِّي، يقول: إياكم والزِّنا، وهو يزني، يقول: إياكم الخمر، وهو يشرب الخمر -نسأل الله العافية.
س: الشفاعة خاصَّة بأمة المسلمين، وبالنسبة لموسى وعيسى هل ما يشفعون لأُمَمِهم؟
ج: بلى، ولكن هذا الموقف للجميع، هذه شفاعة الموقف ودخول الجنة للجميع، وأما الشفاعة الخاصة فكل نبيٍّ له شفاعة، لكن يوم القيامة الناس يشتد بهم الأمر: ماذا يفعلون من الكرب حتى يُقْضَى بينهم؟ أول شيءٍ يذهبون إلى آدم -أبي البشر- ويُحيلهم آدمُ إلى نوحٍ، ونوحٌ يُحيلهم إلى إبراهيم، وإبراهيمُ يُحيلهم إلى موسى، وموسى يُحيلهم إلى عيسى، وعيسى يُحيلهم إلى النبي ﷺ، فيتقدَّم وشفع في أهل الموقف حتى يُقْضَى بينهم.
الشفاعة الثانية العظيمة تكون في الجنة، فإذا انتهى الحسابُ وبقي دخول أهل الجنة الجنة فإنهم كذلك يطلبون الشفاعة –أهل الجنة- في أن يُوَجَّهوا إلى الجنة، وأن تُفْتَح أبوابها لإظهار شأنهم ووضعهم، فيأتون آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم .. إلى آخره، فتنتهي إلى النبي ﷺ، ويشفع لهم في دخولهم الجنة.
س: النبي الذي يأتي وحده يوم القيامة هل له شفاعة؟
ج: ما تبعه أحدٌ -نسأل الله السلامة- الذي مات أو قتلوه ما في شفاعة، كفَّارٌ كلهم.
س: بالنسبة لشفاعة النبي ﷺ لأهل النار: هل يدخل فيها الأممُ الباقية؟
ج: عُصاة أمته فقط.
س: أمته فقط؟
ج: نعم أمته.
س: وبقية الأنبياء يشفعون أيضًا؟
ج: نعم يشفعون لأممهم، والأخيار، والمؤمنون، والملائكة.
س: بالنسبة للشفاعة الأولى أوَّلًا يبدأ بها النبيُّ ﷺ؟
ج: نعم في أهل الموقف حتى يُقْضَى بينهم، ثم في أهل الجنة حتى يدخلوها، ثم بعد ذلك فيمَن دخل النار أن يُخرج منها –العُصاة- فيشفع شفاعات عديدة.
س: الحوض قبل الصراط؟
ج: الحوض قبل الصراط وقبل الحساب والجزاء، يرده الناسُ يوم القيامة وهم ظِمَاء.
س: بالنسبة للشفاعة الأولى هل يشترك بقيةُ الأنبياء مع نبينا محمدٍ؟
ج: لا، وحده، هو الذي يسجد تحت العرش، ثم يحمد الله بمحامد، ثم يُقال له: ارفع رأسك.
س: دعاء: اللهم يا مُعَلِّم آدم وإبراهيم علِّمْني، ويا مُفَهِّم سليمان فَهِّمْني هل يُقال في كلِّ وقتٍ أم له وقتٌ معين؟
ج: هذا كلامٌ طيِّبٌ يقوله متى شاء.