89 من حديث: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا..)

 
14/235- وعن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم.
15/236- وعن أَنسٍ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: لا يُؤْمِنُ أَحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ متفقٌ عليه.
16/237- وعنه قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، فقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُول اللَّه، أَنْصرهُ إِذَا كَانَ مَظلُومًا، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ –أَوْ: تَمْنعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذلِك نَصْرُه رواه البخاري.
17/238- وعن أَبي هريرة : أَنَّ رسول اللَّه ﷺ قَالَ: حقُّ الْمُسْلمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمرِيضِ، واتِّبَاعُ الْجنَائِزِ، وإِجابة الدَّعوةِ، وتَشمِيت العَاطِسِ مُتَّفَقٌ عليه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: حقّ الْمُسْلمِ سِتٌّ: إِذا لقِيتَهُ فسلِّمْ عليْهِ، وإِذَا دَعاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لهُ، وإِذا عطس فحمِد اللَّه فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا ماتَ فاتْبعهُ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بحقِّ المسلم على أخيه، وتقدم أحاديث، فالمسلم له حقٌّ على أخيه في  كلِّ شيءٍ بما لا يُخالف الشرع، يجمعها قوله ﷺ: المسلم أخو المسلم، وفي القرآن الكريم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، وقوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ إلى آخر الآية [التوبة:71].
فالمؤمن هو أخو المؤمن فيما ينفعه وفي دفع ما يضره على العموم، أخوه في دفع ما يضره، وفي إعانته على ما ينفعه.
ومن هذا قوله ﷺ: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، فالتَّحاسُد يكون بأن يحسد كلُّ واحدٍ الآخر، يعني: يتمنى زوال النعمة عن أخيه، هذا هو الحسد، فالحسد أن يتمنى زوال النعمة عن أخيه أو يسعى في ذلك.
ولا تناجشوا: التناجش معناه: أنَّ كلَّ واحدٍ يزيد على الآخر في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكن يرفع ثمنها عليه إمَّا بُغْضًا له، وإما محبَّةً لصاحب السلعة حتى يزداد الثمنُ له، هذا هو التناجش، أن يزيد في السلعة وهو لا يريد الشراء، إنما قصد إيذاء الذين يسومونها ويرغبون فيها، أو نفع صاحبها.
ولا تباغضوا: لا تتعاطوا أسبابَ البغضاء، من الغيبة، والنميمة، وغير هذا من أسباب البغضاء.
ولا تدابروا: لا تفعلوا الأشياء التي تُوجب ذلك، فالبغضاء والإيذاء والضَّرر والظلم كل هذا يُوجب التَّدابر والبغضاء.
ولا يبع بعضُكم على بيع بعضٍ: هذا أيضًا مما يُوجب التباغض، كونه يبيع على بيع أخيه أو يشتري على شراء أخيه، يبيع على بيعه مثل: إنسان اشترى سلعةً بمئةٍ، فيجيء آخرُ ويقول للمشتري: عندي سلعة مثلها أو أحسن منها بأقل من المئة، هذا هو البيع على بيعه، فهو يُخفض الثمن حتى يشتري منه، هذا بيع على بيعه، والشراء على شرائه مثل: أن يجيء البائعُ ويقول: أنا أشتريها منك بأحسن مما اشترى فلانٌ، بمئةٍ وزيادة، فلا تبتع على بيعه، يعني: لا تشتري على شرائه، فهو لا يبيع على بيعه، ولا يشتري على شرائه؛ لأنه يُوجب البغضاء والعداوة، ولأنه ظلم.
وكونوا عباد الله إخوانًا في كلِّ شيءٍ، إخوانًا في كل شيءٍ: في دفع الضَّرر، وفي تعاطي ما ينفع.
المسلم أخو المسلم: والله يقول في كتابه العظيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، ثم أكَّد هذا بقوله ﷺ: المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يكذبه، ولا يخذله، التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، يعني: في القلب، فمتى صلح القلبُ استقام البدن، وأشار إلى صدره ثلاث مراتٍ، يعني: إلى القلب، يعني: متى صلح القلب استقامت الجوارح، ومتى فسد القلبُ وخبث فسدت الجوارحُ، كما في الحديث الصحيح: ألا وإنَّ في الجسد مُضْغَةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب.
كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، وقبلها: بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، يعني: يكفيه من الشر أن يحقر أخاه ويستصغر أخاه؛ لأنَّ هذه مجلبة للشر إذا حقره وحسده وظلمه واغتابه، وغير هذا من أنواع الظلم.
كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعرضه كلمة جامعة، ويقول ﷺ: لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه هذا من كمال الإيمان، ومن تمام الإيمان: أن يُحبَّ لأخيه ما يُحب لنفسه، كما تُحب لأخيك الصحة والسمعة الحسنة، وأن يكون طيبًا في دينه، سليمًا من العاهات، فأنت تحب ذلك لأخيك؛ لأن المسلم أخو المسلم، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه كلمة جامعة.
كذلك حديث أنسٍ الآخر داخلٌ فيما تقدَّم: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل: يا رسول الله، نصرته مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟ يعني: استنكروا نصر الظالم، فبيَّن النبيُّ ﷺ نصر الظالم، وأنَّ نصر الظالم حجزه عن الظلم، ومنعه من الظلم، تقوم عليه وتقول: لا، لا تظلم الناس، وتأخذ على يديه، ولا سيَّما إذا كان تحت ولايتك، كولدك، وأنت أمير كذلك تأخذ بيد الرعية، فتمنع من الظلم، هذا نصره منعه من الظلم والأخذ على يديه، وإذا صار التعاون هكذا استقامت الأحوال، واستقرت المحبة بين المسلمين.
كذلك حديث: حقُّ المسلم على المسلم ستُّ خصالٍ: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس وحمد الله فشمِّتْهُ، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه ست خصالٍ من حقِّه عليك، والحقوق كثيرة، لكن هذه من حقِّه عليك.
إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه وإذا سلَّم رُدَّ عليه ردّ السلام، كذلك تبدأه وإذا بدأك ترد.
وإذا دعاك فأجبه إجابة الدعوة من حقِّ المسلم على أخيه، إلا أن يمنع مانعٌ من مرضٍ ونحوه، أو وجود منكر، أو بُعد مسافةٍ، أو ما أشبه ذلك.
وإذا استنصحك قال: أيش تقول في هذا؟ يشاورك، أريد أن أتزوج من فلانة؟ أو أريد أن أشتري السلعة الفلانية ماذا ترى؟ تنصح له، ولا تغشه.
وإذا عطس وقال: الحمد لله، تقول: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم، بعض الناس يقول: يرحمني ويرحمك الله، لا، قل: يرحمك الله، وهو يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم، إذا عطس وحمد تقول: يرحمك الله، وهو يقول جوابًا: يهديكم الله ويُصلح بالكم.
الخامسة: إذا مرض فعُدْه.
والسادسة: إذا مات فاتبعه يعني: اتبع الجنازة: صَلِّ عليه، واذهب معه إلى المقبرة إذا تيسَّر ذلك.
والله المستعان، وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: معنى قوله حق يعني: واجب أو متأكد؟
ج: متأكد، المعروف عند أهل العلم أنه متأكِّد.
س: قد يكون بعضها واجبًا وقد يكون بعضها مستحبًّا؟
ج: المعروف عند أهل العلم أنها سنة، أنَّ هذه الحقوق متأكِّدة، كلها متأكدة، أمَّا رد السلام فهو واجب.
س: وتشميت العاطس إذا حمد الله؟
ج: القول بوجوبه قوي؛ لأن فيه أمرًا، وكلها أوامر، فينبغي للمؤمن ألا يتخلَّف عنها.
س: إجابة الدعوة؟
ج: واجب، «مَن لم يُجِبِ الدَّعوةَ فقد عصى الله ورسوله»، ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحذر فلا يتساهل فيها ويقول: بعض العلماء يقول أنها مستحبة، لا، يأخذ بالحيطة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر، والأمر يقتضي الوجوب، قال: فقد عصى الله ورسوله، هذا صريحٌ في الوجوب.
س: ماذا تُرجِّحون في البداءة بالسلام: الوجوب أم الاستحباب؟
ج: المعروف عند أهل العلم السنية، أولى الناس بالله الذي يبدأهم بالسلام.
س: إذا تعددت الدعوات، فدعاه مثلًا ثلاثةُ أشخاصٍ أو شخصان؟
ج: يبدأ بالأول، فإن كانت الدعوات جميعًا جاءت مرةً واحدةً فيُجيب أقربهم بابًا، إذا تعددت الدعوة يجاب الأول، فإن جاءت جميعًا يُجاب أقربهم بابًا كما جاء في الحديث.
س: لو ما حمد الله، هل يأمره أحدٌ بأن يحمد الله ؟
ج: إذا ذكَّره كان طيبًا، إذا ذكَّره فهذا من النُّصْح له.
س: في بعض الروايات بالنسبة للعاطس يقول: الحمد لله على كلِّ حالٍ، وفي الرد: يغفر الله لنا ولكم؟
ج: لا، الثابت عن النبي ﷺ في الحديث الصحيح يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم.
س: وسائر الروايات غير هذا؟
ج: محل نظر.
س: شابٌّ يعيش عند والديه، فأبوه قال له: إن لم تحلق لحيتك أو تُقصرها تخرج من البيت، فهو يسأل الآن: ماذا يفعل؟
ج: يُكلِّمْه بالكلام الطيب، وإن شاء الله يهديه الله.
س: وإن أبى عليه؟
ج: يخرج من البيت، لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.
س: سائلة تقول: فتحتُ حسابًا في بنك الراجحي، فاتصل عليَّ قسم النساء وأعطوني هديةً ساعة مقابل هذا الرصيد، فماذا أفعل بها؟
ج: رصيد أيش؟
س: رصيد في البنك، فقد وجدوا أنَّ أموالها كثيرة فقالوا: أنت تستحقين هذه الهدية: ساعة قيمة، تقول السائلة: أنا استلمتها فماذا أفعل بها؟
ج: الأحوط لها والذي يظهر أنها تبيعها وتتصدق بها، وإلا تردها عليهم حتى يفهموا أنَّ هذا ما هو طيب.