100 من حديث: (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها..)

 
7/266- وعن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: شَرُّ الطَّعَام طَعَامُ الْوليمةِ؛ يُمْنَعُها مَنْ يأْتِيهَا، ويُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوةَ فَقَدْ عَصَى اللَّه ورَسُولَهُ رواه مسلم.
وفي روايةٍ في "الصحيحين" عن أَبي هريرةَ ، من قوله: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ.
8/267- وعن أَنسٍ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رواه مسلم.
9/268- وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ عليَّ امْرَأَةٌ ومعهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَم تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرةٍ واحِدةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمتْهَا بَيْنَ ابنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قامَتْ فَخَرَجتْ، فَدخلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْنَا، فَأَخْبرتُهُ فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على الإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام، ورحمتهم، والتواضع لهم، وخفض الجناح لهم، هذه من صفات المؤمنين، كما قال تعالى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]، فالمؤمن يخفض جناحه لإخوانه الفقراء والأيتام والمساكين، ويرحمهم، ويعطف عليهم، ويُواسيهم من الزكاة وغيرها، يقول ﷺ: أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وفي اللفظ الآخر: مَن عال جاريتين كان معي في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبَّاحة والوسطى، فكلُّ هذا يدل على فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه والرأفة به.

ويقول ﷺ: شرُّ الطعام طعامُ الوليمة؛ يُدْعَى إليها مَن يأباها وهم الأغنياء ويُمنعها مَن يأتيها وهم الفقراء، يعني: يُمنعها مَن يحتاج إليها من الفقراء، ويُدعى إليها مَن يأباها وهم الأغنياء، يعني: غالبًا الأغنياء قد يشق عليهم المجيء؛ لأنهم ليسوا بحاجةٍ إلى الوليمة، والفقراء يحتاجون إليها، وقد يمنعهم صاحبُ الوليمة، فينبغي لصاحب الوليمة أن يشرك الفقراء، وأن يدعو الفقراء من جيرانه وغيرهم، ولا يخصّ بها الأغنياء.
ويقول ﷺ: مَن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسولَه، وقال: إذا دُعِيَ أحدُكم فليُجِبْ، عرسًا كان أو نحوه، فهذا يدل على وجوب إجابة الدعوة؛ لقوله: فقد عصى الله ورسوله، فهذا يدل على وجوب إجابة الدعوة.
فالواجب على المؤمن أن يُجيب الدعوة، إلا من عذرٍ شرعيٍّ: كمرضٍ، أو مطرٍ، أو سفرٍ بعيدٍ، أو ما أشبه ذلك من الأعذار التي تمنع، وإلا فالواجب إجابة الدعوة، إلا أن يكون فيها منكرٌ يمنع من المجيء إليها، وهو لا يستطيع إنكاره؛ فهو عذر له.

كذلك حديث عائشة: أنها جاءت إليها امرأةٌ معها ابنتان، فدفعت إليها عائشة تمرتين، فدفعتهما إليهما، وفي لفظٍ ثانٍ: أنها أعطتها ثلاث تمراتٍ، دفعت إلى كلِّ واحدةٍ تمرةً، ورفعت التمرةَ الثالثة لتأكلها فاستطعمتْها ابنتاها التمرة الثالثة؛ فشقَّتها بينهما نصفين ولم تأكل شيئًا، ولما أخبرت عائشةُ النبيَّ ﷺ قال: إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة، وفي اللفظ الآخر: مَن ابتُلِيَ بشيءٍ من هذه البنات فصبر واحتسب كنتُ أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه.
والمقصود أنَّ رحمة الفقراء والأيتام من أسباب دخول الجنة، فهذه امرأة محتاجة أخذت ثلاث تمرات، فأعطت كل بنتٍ تمرةً، ثم رفعت الثالثة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، يعني: طلبت ابنتاها التمرة الثلاثة، فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا مع الحاجة رحمةً لهما، فلهذا قال ﷺ: إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنة بهذه الرحمة، وهذا العطف، وهذا الإحسان، فدلَّ ذلك على أنَّ رحمة الأيتام والفقراء والمساكين والإحسان إليهم، سواء كنَّ بناتٍ له، أو أخوات، أو غيرهن، فهو عام، ولو أجنبيَّات، وهكذا الأولاد إذا صبر عليهم، وأحسن إليهم، وهم أيتام، ولو كانوا أولادًا له، إذا أنفق فيهم الصدقة؛ فهذا من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب المغفرة، إذا صبر عليهم واحتسب فله أجرٌ عظيم.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: قول النبي ﷺ: مَن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله على ماذا يدل؟
ج: على كفر صاحبه، مثلما جاء في الحديث الآخر: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة، العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر، والكفر يُحبط الأعمال، نسأل الله العافية.
س: هل هناك فرقٌ بين وليمة الأعراس وغيرها من الولائم؟
ج: الصواب أنَّ الحكم عام، ووليمة العرس أشد.
س: هل هناك فرقٌ بين الخاصَّة والعامَّة؟ لأنه أحيانًا تكون خاصةً بين الزملاء، أو مثلًا تكون بين الأقارب فيقولون: لا تأتي بأحدٍ معك.
ج: المقصود إذا دُعيت فأجب، إذا دعاك فأجبه، إلا أن تكون الوليمةُ فيها شرٌّ ما يستطيع إنكاره.
س: الوليمة مثلًا عندي، ويأتون مثلًا بشابٍّ يقول: ما تأتِ بأحدٍ؟
ج: أنت الداعي؟
س: نعم.
ج: عليك أن تدعو مَن يُناسبه، لا تدعو مَن يشقُّ عليه، إذا كنتَ دعيتَ لزيدٍ فلا تأتِ بأُناسٍ يشقون على زيدٍ، فإذا أتيتَ بمَن يشقُّ على زيدٍ فلم تُكرمه.
س: ما يبقى فيها فقراء أحسن الله عملك؟
ج: لا تأتِ له بمَن لا يقوى عليه من الفقراء أو من غيرهم إذا شرط عليك في هذه الحالة ألا تدعو أحدًا.
س: فقد عصى الله ورسولَه هل إذا فعل ذلك عليه أن يتوب؟
ج: عليه التوبة، كل ذنبٍ عليه التوبة منه.
س: النبي ﷺ يقول: يُرَدُّ عنها الفقراء؟
ج: يعني: بعض الناس قد يدعو الأغنياء ويترك الفقراء .........
س: المقصود في جوازها، يعني: لم يأتِ ..؟
ج: على حسب الدعوة، لكن الإنسان إذا دعا فليدعو الفقراء والأغنياء من جيرانه وأقاربه، لا يخصّ الأغنياء، السنة أن يدعو الجميع: من أقاربه، من جيرانه، غنيهم وفقيرهم.
س: لكن لو جاء الفقيرُ أو المسكينُ بدون دعوةٍ؟
ج: الأحسن أنه يُقبَل ويُكرَم.