25 من قوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ )

وَقَوْلُهُ تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بشكره ووعد عَلَى شُكْرِهِ بِمَزِيدِ الْخَيْرِ فَقَالَ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إِبْرَاهِيمَ:7] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ فَضَالَةَ - رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ- حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَلَيْهِ مِطْرَفٌ مِنْ خَزٍّ لَمْ نَرَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ، فَقَالَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ، مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَقَالَ رَوْحٌ مرة: على عبده.الشيخ: .... اللباس الحسن الذي لا يكون من الحرير ... فالثوب أحواله ثلاثة:
ثوب من الحرير يحرم على الرجال.
وثوب من .... ناعم يقال له ...
وثوب ... بالحرير.
فإذا كان الحرير قليلاً أربعة أصابع فأقل فلا بأس.
وفي هذا الدلالة على أن .... .... وأنه يحب أن يرى من عباده إذا أنعم عليهم أن ترى آثارهم فيهم ....
الطالب: فضيل بن فضالة القيسي البصري من السادسة، روى له النسائي، قال ابن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، روى له النسائي حديث صلاة الضحى، وقال عنه علي بن المديني: لا نعرف أحدًا روى عن هذا الشيخ إلا شعبة، وقال ... في ثقاته: هو ثقة.
.....
يظهر نعم الله عليه في مأكله ومشربه وملبسه مع شكر الله ومع الحذر من الإسراف والتبذير ... بعض الأحيان فلا بأس .... المقصود أن الواجب ..... إظهار نعم الله في سائر أحواله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ۝ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ
 لَمَّا فَرَغَ تَعَالَى مِنْ بَيَانِ الْأَمْرِ بِالشُّكْرِ، شرع في بيان الصبر والإرشاد والاستعانة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْعبدإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نِعْمَةٍ فَيَشْكُرُ عَلَيْهَا، أَوْ فِي نِقْمَةٍ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ.
الشيخ: لا ريب أن العبد بين نعم تترى عليه، وبين مصائب تنزل به، وهناك أيضاً أمر ثالث وهو الذنوب التي تحل به وهي من المصائب فالواجب عليه عند النعم من صحة والرزق الحسن وزوجة وولد وأمن وغير ذلك أن يشكر الله جل وعلا وأن يكثر من ذكره سبحانه ولهذا قال جل وعلا فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] فأمر بذكره وشكره على نعمه .... بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة:153] أي استعينوا بالصبر على أداء الواجب وعلى تحمل المشاق فإن الصبر يحتاج إليه، في السراء والضراء، في السراء على أداء الواجب وفي الضراء على تحمل المصائب، ولهذا أعقب ذكر النعم أن أمر بشكرها، وأعقب ذلك بقوله: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ استعينوا بالصبر على أداء الواجبات والإكثار من ذكر الله وأداء الحقوق والتعاون على البر والتقوى إلى غير هذا، هذا يحتاج إلى صبر حتى تؤدى الواجبات حتى تؤدى الأوامر، حتى تؤدى الحقوق، كذلك المعاصي والشرور تنزل بالإنسان والمصائب فيحتاج إلى صبر أيضاً على تحمل المصائب من مرض وفقر وتسليط عدو وموت قريب إلى غير هذا يحتاج إلى صبر حتى لا يجزع ولا يفعل ما لا ينبغي.
وهكذا يحتاج إلى الصبر عن المعاصي والصبر على التوبة منها، فلا بدّ على صبر من ترك المعاصي وكف للنفس وجهاد لها، وتحمل للمشاق التي تعتريه في ذلك يرجو ما عند الله ويخشى عقابه.
والمؤمن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب أستغفر هذه الأمور الثلاثة عنوان السعادة ودليل السعادة الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والتوبة والاستغفار عند الذنب، ثم قال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] هذه من فضل الله أنه مع الصابرين بتوفيقه وتسديده وإعانته جل وعلا فهو مع الصابرين على شكره ومع الصابرين على المصائب وعلى ترك المعائب، فإن أخلصوا له وصدقوا فهو معهم بنصره وإعانته وتأييده وتسهيل أداء الحقوق عليهم، وفي الحديث يقول النبي ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن خرجه مسلم في صحيحه عن صهيب ، هكذا المؤمن يحاسب نفسه وهذه علامة الإيمان المؤمن الصادق صبور عند البلاء شكور عند الرخاء ليس بجزوع عند البلاء، وليس بصاحب بطر وتكبر عند الرخاء، ولكن يعالج نفسه ويجاهدها فعند البلاء صبور متحمل ثابت على الحق، وعند النعم والخيرات والسراء شكور متواضع بعيد عن التكبر والخيلاء والظلم للناس والله المستعان.
وَبَيِّنَ تَعَالَى أَنَّ أَجْوَدَ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَصَائِبِ الصَّبْرُ وَالصَّلَاةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ [الْبَقَرَةِ:45]، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى، وَالصَّبْرُ صَبْرَانِ فَصَبْرٌ عَلَى تَرْكِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ وَصَبْرٌ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ ثَوَابًا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذلك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب، كَمَا قَالَ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الصَّبْرُ فِي بَابَيْنِ: الصَّبْرُ لِلَّهِ بِمَا أَحَبَّ وَإِنْ ثَقُلَ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَبْدَانِ، وَالصَّبْرُ لِلَّهِ عَمَّا كَرِهَ وَإِنْ نَازَعَتْ إِلَيْهِ الْأَهْوَاءُ، فَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مِنَ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ: إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يُنَادِي مُنَادٍ، أَيْنَ الصَّابِرُونَ لِيَدْخُلُوا الْجَنَّةَ قَبْلَ الْحِسَابِ؟ قَالَ: فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُونَ: إِلَى أَيْنَ يَا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: قبل الْحِسَابِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالُوا: وَمَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نحن الصَّابِرُونَ، قَالُوا: وَمَا كَانَ صَبْرُكُمْ، قَالُوا: صَبَرْنَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَصَبَرْنَا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ حَتَّى تَوَفَّانَا اللَّهُ، قَالُوا: أَنْتُمْ كَمَا قُلْتُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.
الشيخ: وهذا فيه إشارة إلى قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] .
(قُلْتُ) وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزُّمَرِ:10] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الصَّبْرُ اعْتِرَافُ الْعبد لِلَّهِ بِمَا أَصَابَ مِنْهُ، وَاحْتِسَابُهُ عِنْدَ اللَّهِ رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَقَدْ يَجْزَعُ الرَّجُلُ وَهُوَ مُتَجَلِّدٌ لَا يُرَى مِنْهُ إِلَّا الصَّبْرُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ [البقرة:154]، يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ فِي بَرْزَخِهِمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا وَأَيُّ شَيْءٍ نَبْغِي، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خلقك؟ ثم عاد عليهم بِمِثْلِ هَذَا فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ مِنْ أَنْ يسْأَلُوا، قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى نُقْتَلَ فِيكَ مَرَّةً أُخْرَى- لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ الشَّهَادَةِ- فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ: إِنِّي كَتَبْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجِرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ فَفِيهِ دَلَالَةٌ لِعُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الشُّهَدَاءُ قَدْ خُصِّصُوا بِالذِّكْرِ فِي الْقُرْآنِ تشريفا وتكريما وتعظيما.
الشيخ: وجاء في آية آل عمران وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] مثل هذا الاية وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ [البقرة:154] لا تقولوا هم أموات ولكنهم أحياء، الأموات أجسادهم في الأرض، لكن المقصود أن الله جل وعلا أكرم الشهداء فإن الإنسان روح والجسد قالب حامل لهذه الروح فالإنسان هو الروح التي جعلها الله فيه فهذه الروح تكرم يوم القيامة وتكرم في البرزخ تكون في أجواف طير خضر بدل أجسامها تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش تأوي إليها فاطلع عليها ربها إطلاعة فقال: ماذا تريدون؟ فقالوا: أي شيء نريد يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك! ثم يسألون مرة أخرى فلما رأوا أنهم لا يتركون قالوا: نريد أن نرجع إلى الدنيا حتى نقتل فيك مرة أخرى لما رأوا من فضل الشهادة والكرامة فيقول الله جل وعلا: إني كتب أنهم إليها لا يرجعون، من مات لا يرجع إلى الدنيا إنما يبعث يوم القيامة، فأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى تلك القناديل وهي في أجواف طير خضر تحملها هذه الطيور وتسرح في الجنة حيث شاءت.
أما أراوح المؤمنين فإنها نفسها تسرح في الجنة أيضاً لكن ليس في جوف طير بل هي في نفسها تكون طائرة وفي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك أن النبي ﷺ قال: نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة ليأكل من ثمارها هذه نسمته في البرزخ إلى أن ترد إلى جسدها فنفسها تكون طائرة يعلق بها في الجنة، وأما أرواح الشهداء فتكون في جوف طير أخضر، وأما غير الشهداء من المؤمنين فأنفسهم وأرواحهم تكون طيرًا تسرح في الجنة حيث شاءت ويردها الله إلى أجسادها حيث شاء .
وهذا السند عظيم مسلسل بالأئمة إسناد جيد معروف صحيح رواه الإمام أحمد رحمه الله عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك عن الإمام الزهري الحافظ الكبير عن عبدالرحمن بن كعب الحافظ التابعي الجليل عن أبيه كعب بن مالك. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ۝ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده، أَيْ يَخْتَبِرُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [مُحَمَّدٍ:31] فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النَّحْلِ:112] فَإِنَّ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ لِبَاسُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ. وَقَالَ هَاهُنَا: بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ أَيْ بِقَلِيلٍ مِنْ ذَلِكَ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ أَيْ ذَهَابُ بَعْضِهَا وَالْأَنْفُسِ كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ وَالثَّمَراتِ أَيْ لَا تُغِلُّ الحدائق والمزارع كعادتها.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: فَكَانَتْ بَعْضُ النَّخِيلِ لَا تُثْمِرُ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، َكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَخْتَبِرُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ ومن قنط أحل به عقابه، ولهذا قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.
الشيخ: هذه الدار دار الابتلاء وامتحان والآخرة هي دار الجزاء على ما قدم العبد وأسلف في هذه الدار وبالابتلاء والامتحان يتميز الناس ويتبين الصادق من الكاذب والمحسن من المسيئ ويتبين أهل السعادة وأهل الصبر والاستقامة من أهل النفاق والريب والشك؛ ولهذا قال جل وعلا: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] يعني لعلهم يرجعون إلى الهدى والصواب، بالحسنات جميعًا والخيرات، والسيئات هي المصائب والنقمات نسأل الله السلامة قال الله : وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] فتنة يعني اختبار وامتحان ليرجع من أراد الله له الهداية فينتبه ويتوب ويستقيم ولتقوم الحجة على من أبى ذلك وسار على طريق الهوى والشيطان.
ولهذا يقول جل وعلا في كتابه العظيم وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود:7] لم يقل أكثر عملاً بل قال أحسن يعني باعتبار الكيفية لا بالكمية والكثرة من كان عمله أخلص وأصدق هذا هو الذي له الفضل العظيم، وقال : إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7] وما على الأرض مراكب ومآكل ومشارب وسرر وأشجار وغير هذا فهو ابتلاء وامتحان ليبلو الله المكلفين من جن وإنس أيهم أحسن عملا أيهم أخلص لله أيهم أصدق في عمله وجهاده أيهم أبعد عن الريب والمعاصي والشرور وعلى حسب ذلك يكون الجزاء، وفي آية البقرة هذه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني يا أيها الناس بشيء من الخوف والجوع كما قد وقع في بلدان كثيرة في أفريقيا وغيرها وكما قد يقع في هذه البلاد  في هذه الجزيرة في قرون مضت في أول القرن الماضي وفي أواخر القرن الذي قبله الثالث عشر، وفي قرون كثيرة.
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ الأموال: الزروع والمواشي تبتلى فقد يكون في الزروع الآفات الكثيرة وفي النخيل وفي المواشي الآفات الكثيرة حتى تموت إلى غير ذلك.
وَالْأَنْفُسِ موت الأقارب والأولاد والأصحاب وغير ذلك.
وَالثَّمَرَاتِ كذلك قد توجد الثمرة ثم يصيبها آفة فتفسد وقد لا توجد بالكلية ولا تحمل الشجرة الله يبتلي بهذا وهذا بالسراء والضراء.
لكن المؤمن صبور عند البلاء شكور عند الرخاء فهو يعطي كل مقام ما يناسبه عند البلاء والفتنة والامتحان يصبر ويستقيم ويحافظ على ما أمر الله به ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون قدر الله وما شاء فعل، وعند النعم يشكر الله ويسارع إلى مراضيه ويتباعد عن مناهيه ويدعو إلى ذلك.
وفي الصحيح عن صهيب أن النبي  ﷺ قال: عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا وإن أصابته سراء شكرًا فكان خيرًا له هذا للمؤمن .... الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والبصيرة بأمر الله وبحقه هذا يحتاج إلى علم بصيرة وهدى حتى يتوفر الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء ولا  حول ولا قوة إلا بالله.
وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَوْفِ هَاهُنَا خَوْفُ اللَّهِ، وَبِالْجُوعِ صيام رمضان، وبنقص الْأَمْوَالِ الزَّكَاةُ، وَالْأَنْفُسِ الْأَمْرَاضُ، وَالثَّمَرَاتِ الْأَوْلَادُ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى من الصابرين الذين شكرهم فقال: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أَيْ تَسَلَّوْا بِقَوْلِهِمْ هَذَا عَمَّا أَصَابَهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ مِلْكٌ لِلَّهِ يَتَصَرَّفُ فِي عَبِيدِهِ بِمَا يَشَاءُ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَضِيعُ لَدَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَحْدَثَ لَهُمْ ذَلِكَ اعْتِرَافَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَبِيدُهُ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
الشيخ: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله يعني ملك لله عبيده، ..... حكمته وعلمه وعدله وفضله كل العباد ملك لله، كما قال : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ [المائدة:120]ما فيهن يشمل الملائكة والجن والإنس وغير ذلك مما في هذه السماوات والأرض كلهم ملك لله ...... . والآية الأخرى وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [المائدة:18] أي ما بين السماوات والأرض.
وإليه نرجع، وإنا إليه راجعون يرجعون يعني يرجعون إليه ويحشرون إليه فيجازي كل عامل بعمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.
هكذا يجب على المؤمن أن يكون حذراً معترف بهذا الأمر وهذا الاعتراف يحتاج إلى كلمات ...... الاعتراف اعتراف بأنه ملك الله وأنه إلى الله يرجع يجب عليه الإعداد لهذا ..... والإعداد هو الرجوع إليه يوم القيامة حتى تستحق ...... من ربك الذي خلقك فإذا كنت عبدًا جيداً عبداً صالحًا كنت عبدًا موفقًا أعددت العدة وشكرت هذا المنعم وقمت بحقه حتى إذا رجعت إليه ردعت إلى من يجازيك أحسن الجزاء.
وأما عبد السوء الذي لا يقابل نعم الله بشكر ولا البلاء بالصبر وهو عبد لهواه عبد للشيطان فإن هذا إذا رجع إلى الله رجع إلى شر الحال رجع إلى دار الهوان إلى دار السجن سجن المجرمين وهي النار نسأل الله العافية.
وَلِهَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّا أَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ أي ثناء من الله عليهم. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ أَمَنَةٌ مِنَ الْعَذَابِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنَعِمَتِ الْعِلَاوَةُ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ فَهَذَانَ الْعَدْلَانِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ فَهَذِهِ الْعِلَاوَةُ، وَهِيَ مَا تُوضَعُ بَيْنَ الْعَدْلَيْنِ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وَزِيدُوا أَيْضًا.الشيخ: ...... يثني عليهم ويمدحهم ..... ورحمته لهم بإدخالهم الجنة والنجاة من النار وتكفير سيئاتهم وحط الخطايا.
وأولئك هم المهتدون يعني الذين اهتدوا إلى الصواب وساروا على الطريق ... هؤلاء هم المهتدون ..... عند البلاء، كما أنهم شكر عند الرخاء.
وَقَدْ وَرَدَ فِي ثَوَابِ الِاسْتِرْجَاعِ وَهُوَ قَوْلُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عِنْدَ الْمَصَائِبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ. فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا يونس بن محمد حَدَّثَنَا لَيْثٌ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عبداللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ
عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَوْلًا سُرِرْتُ بِهِ. قَالَ: لَا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إِلَّا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لي خيرا منها، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي اسْتَأْذَنَ عَلِيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي فَغَسَلْتُ يَدِي مِنَ الْقَرَظِ وَأَذِنْتُ لَهُ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ فَقَعَدَ عَلَيْهَا فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ قُلْتُ: يا رسول الله ما بي أن لا يكون بك الرغبة، لكني امْرَأَةٌ فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ فَأَخَافَ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ، فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ عَنْكِ وَأَمَّا مَا ذكرت من السن قد أَصَابَنِي مِثْلُ الذِي أَصَابَكِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي. قَالَتْ: فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بَعْدُ: أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرًا مِنْهُ؛ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ  عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ عبدتُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ اللَّهُمَّ أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ.
يدل على أنه ينبغي للمؤمن عند المصيبة أن يأتي بهذا الدعاء بعد أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون يقول: اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها؛ فقد وعده الله بأن يؤجره في مصيبته وأن يخلفه خيرًا منها كما قال جل وعلا، هذا الدعاء يقال عند المصائب، وإنا لله وإنا إليه راجعون قدر الله وما شاء فعل، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، ولما بعثت إليه إحدى بناته ﷺ ليحضر شهود المرض عند قرب أجل ابنها قال للرسول: قل لها تصبر ولتحتسب؛ فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى هكذا عند المصائب يتذكر الإنسان أن الجميع لله وأنه جل وعلا له الحكمة البالغة، وأنه سبحانه قد حد الحدود وأجل الآجال فلله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون يقول: اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسَلَمَةَ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُهَا وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا - وَقَالَ عَبَّادٌ قَدُمَ عَهْدُهَا- فَيُحْدِثُ لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا إلا جدد الله له عن ذَلِكَ فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحسين عن أبيها.الشيخ: عندكم عن هشام بن زياد.
الطالب: قال في المخطوطة: عن هشام عن زياد كما في سنن ابن ماجه.
الشيخ: هذا الصواب عن ابن زياد.
الطالب: تعليق: وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده هشام بن زياد .... وهو ضعيف جداً، بل قال النسائي: ليس بثقة، وقوله: حدثنا عباد بن زياد لعله وهم من الناسخين فإن الإمام أحمد جعل العباد شيخه شيخ العباد بن عباد وهو ابن عباد قال أما هشام فهو ابن زياد كما في .....
الشيخ: هذا كلام ما هو مضبوط.
الشيخ: أعد السند؟
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَعَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا مُسَلَمَةَ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَذْكُرُهَا وَإِنْ طَالَ عَهْدُهَا- وَقَالَ عَبَّادٌ قَدُمَ عَهْدُهَا- فَيُحْدِثُ لِذَلِكَ اسْتِرْجَاعًا إلا جدد الله له عن ذَلِكَ فَأَعْطَاهُ مِثْلَ أَجْرِهَا يَوْمَ أُصِيبَ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ.الشيخ: حط عليه إشارة.
عَنْ أُمِّهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحسين عن أبيها.
وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ (كذا) عن فاطمة عن أبيها.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ
الطالب: السيلحيني يقال فيها الاثنين: السيلحيني والسلاحيني، فبعد السين ياء ممالة، وقد تسجل ألف لينة كما ...
قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دفنت ابنا لي وإني لَفِي الْقَبْرِ إِذْ أَخَذَ بِيَدِي أَبُو طَلْحَةَ يَعْنِي الْخَوْلَانِيُّ فَأَخْرَجَنِي وَقَالَ لِي: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍالطالب: ابن عرزب شيخنا، راجعته في المسند وعند الترمذي بهذا الإسناد عرزب، ويقال فيه: عرزم.
الشيخ في التقريب؟
الطالب: الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، ويقال: عرزم، أبو عبدالرحمن أبو زرعة الطبراني، ثقة من الثالثة، مات سنة خمس ومائة، أخرج له أبو داود في القدر والترمذي وابن ماجه....
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ اللَّهُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ قَبَضْتَ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَبَضْتَ قُرَّةَ عَيْنِهِ وَثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. قال: «ابنوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ فَذَكَرَهُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بِهِ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاسْمُ أَبِي سنان عيسى بن سنان.الشيخ:  عندك أبي سنان؟
الطالب: نعم، أبو سنان عيسى بن سنان الحنفي القسملي الفلسطيني نزيل البصرة ضعفه أحمد وابن معين وقال جماعة عن ابن معين ضعيف، وقال أبو زرعة: مخلط ضعيف الحديث وهو شامي قدم البصرة، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث وقال الأزدي: لا بأس به، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن خراش: صدوق، وقال مرة في حديثه نظر، وذكره ابن حبان في الثقات وقال .. عن أبي حازم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وذكره .... الضعفاء ... أبوه سلمان أي بدل سنان.
وقال الحافظ في التقريب: لين الحديث من السادسة أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود في القدر والترمذي وابن ماجه.
الشيخ: أبو طلحة الخولاني؟
الطالب: أبو طلحة الخولاني مقبول من الثالثة وحديثه عن النبي ﷺ مرسل وقد قيل اسمه سفيان بن عبدالله أخرج له الترمذي.
الشيخ: الحديث يصلح في الشواهد والترغيب، وفيه الحث على حمد الله عند المصائب .... والاسترجاع وأن هذا من أسباب الفوز بالجنة والفلاح نعم.  إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بن الزبير عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قُلْتُ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى. إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما؟ قلت: فو الله مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بِئْسَمَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا أَوَّلْتَهَا عليه كانت فلا جناح أن عليه لا يَطَّوَفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ التِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، وَكَانَ مَنْ أَهَلَّ لَهَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الطَّوَافَ بِهِمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الطَّوَافَ بِهِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام. فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّاسَ- إِلَّا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ- كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ طَوَافَنَا بَيْنَ هَذَيْنَ الْحَجَرَيْنِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا أُمِرْنَا بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِالطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ: فَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وهؤلاء.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قال: كنا نرى أنهما مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ : إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ  فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا آلِهَةٌ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ إِسَافٌ عَلَى الصَّفَا وَكَانَتْ نَائِلَةُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وكانوا يستلمونها فَتَحَرَّجُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا فَنَزَلَتْ هذه الآية.
(قلت) ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِ السِّيرَةِ أَنَّ إِسَافًا وَنَائِلَةَ كَانَا بَشَرَيْنِ، فَزَنَيَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ فَنَصَبَتْهُمَا قُرَيْشٌ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ لِيَعْتَبِرَ بِهِمَا النَّاسُ، فَلَمَّا طَالَ عَهْدُهُمَا عُبِدَا، ثُمَّ حُوِّلَا إِلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَنُصِبَا هُنَالِكَ فَكَانَ مَنْ طَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَسْتَلِمُهُمَا، وَلِهَذَا يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ في قصيدته المشهورة:
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم ... لمفضى  السِّيُولُ مِنْ إِسَافِ وَنَائِلِ
وفعله النبي ﷺ وأمر به عليه الصلاة والسلام فدل ذلك على وجوب السعي وفرضيته كفرضية الطواف وأنه لا حرج على المؤمنين أن يفعلوه في الإسلام كما فعلوه في الجاهلية؛ لأن أمور الجاهلية قسمان:
قسم أقره الإسلام، وقسم نهى عنه الإسلام، فالسعي مما أقر به الإسلام ونفى الحرج عمن يتعاطاه.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ عَادَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ
 قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يَسْعَى، حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ يَدُورُ بِهِ إِزَارُهُ وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عبدالرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَقُولُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيُ فَاسْعَوْا.
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا والمروة ركن في الحج، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ. وَقِيلَ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا جَبَرَهُ بِدَمٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد وبه يقول طَائِفَةٌ، وَقِيلَ بَلْ مُسْتَحَبٌّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ طَافَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ فِي حَجَّتِهِ تِلْكَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ فِي الْحَجِّ، إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، أَيْ مِمَّا شرع الله تعالى لإبراهيم فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ طواف هَاجَرَ وَتَرْدَادِهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي طَلَبِ الماء لولدها لما نفذ ماؤهما وزادهما حين تركهما إبراهيم هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفذ ما عندهما، قَامَتْ تَطْلُبُ الْغَوْثَ مِنَ اللَّهِ ، فلم تزل تتردد فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُشَرَّفَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مُتَذَلِّلَةً خَائِفَةً وَجِلَةً مُضْطَرَّةً فَقِيرَةً إِلَى اللَّهِ ، حَتَّى كَشَفَ اللَّهُ كُرْبَتَهَا، وَآنَسَ غُرْبَتَهَا، وَفَرَّجَ شِدَّتَهَا، وَأَنْبَعَ لَهَا زَمْزَمَ التِي مَاؤُهَا طَعَامُ طَعْمٍ، وَشِفَاءُ سُقْمٍ فَالسَّاعِي بَيْنَهُمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فَقْرَهُ وَذُلُّهُ وَحَاجَتَهُ إِلَى اللَّهِ، فِي هِدَايَةِ قَلْبِهِ وَصَلَاحِ حَالِهِ وَغُفْرَانِ ذَنْبِهِ، وَأَنْ يَلْتَجِئَ إِلَى اللَّهِ ، لتفريج مَا هُوَ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَأَنْ يُثَبِّتَهُ عَلَيْهِ إِلَى مَمَاتِهِ وَأَنْ يُحَوِّلَهُ مِنْ حَالِهِ الذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، إِلَى حَالِ الْكَمَالِ وَالْغُفْرَانِ وَالسَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ كَمَا فَعَلَ بِهَاجَرَ عليها السلام.
الشيخ: ...... .... وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي للمؤمن بطوافه وفي سعيه وفي أعماله أن يتذكر حال النبي ﷺ، ويتذكر ما فعلته هاجر ليكسبه ذلك ذلاً وخضوعًا لله ومسكنة وافتقارًا ... إليه
 
وعناية بأمره... إلى غير ذلك مما ... الذنوب وحط الخطايا ...
وقوله وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً قِيلَ زَادَ فِي طَوَافِهِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ، ثَامِنَةً وَتَاسِعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَطُوفُ بَيْنَهُمَا فِي حَجَّةِ تَطَوُّعٍ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَطَوَّعَ خَيْرًا فِي سائر العبادات، حكى ذلك الرَّازِيُّ، وَعَزَى الثَّالِثَ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.الشيخ: ..... أما السعي ما فيه تطوع النبي ﷺ ما سعى إلا سعي الإسلام فقط وليس بتطوع، وإنما التطوع في زيادة الذكر والطواف في البيت ....
وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ أَيْ يُثِيبُ عَلَى الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ، عَلِيمٌ بِقَدْرِ الْجَزَاءِ فلا يبخس أحدا ثوابه، ولا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40] .
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ۝ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ۝ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ۝ خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ
هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لمن كتم ما جاء بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الدَّلَالَاتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ، وَالْهُدَى النَّافِعِ لِلْقُلُوبِ مِنْ بَعْدِ مَا بينه الله تعالى لعباده من كُتُبِهِ التِي أَنْزَلَهَا عَلَى رُسُلِهِ.
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَلْعَنُهُمْ كُلُّ شَيْءٍ عَلَى صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، فَكَمَا أَنَّ الْعَالِمَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالطَّيْرُ في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء، فَيَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الحديث المسند من طرائق يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ وَالذِي فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا حَدَّثْتُ أَحَدًا شَيْئًا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى الْآيَةَ.
الشيخ: في هذه الآية الكريمة حث العلماء وترهيبهم في نشر العلم للناس وبيان ما أنزل الله في كتابه وعلى لسان رسوله عليه الصلاة والسلام من العلم والهدى والأحكام والشرائع حتى يعلمها الناس، وحتى يعملوا بها، وحتى يأخذوا بها، فإن العلم إنما ينتفع به الناس إذا نشر وبين لهم، أما إذا كتم ولم يبين للناس فقد يبقى الناس في جهالة وضلالة وصار الإثم في ذلك على من كتمه وأخفاه ولهذا قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] وما ذاك إلا بسبب إخفائهم الحق وكتمانهم العلم الذي الناس بحاجة إليه.
وإن قيل: أنها نزلت في اليهود؛ فهي عامة تعم اليهود وتعم غيرهم ممن كتم العلم  ... فاليهود لهم في هذا الشيء العظيم من القبح والشر والهلكة والذم؛ لأنهم كتموا الحق وكتموا ما عندهم من صفة محمد عليه الصلاة والسلام، ودلائل رسالته بغيًا وعدوانًا وحسدًا؛ فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وغضب الله عليهم بسبب ذلك، وهكذا من شابههم من بعدهم، هكذا من شابههم في كتمان العلم وعدم إظهاره حسدًا وبغيًا أو شحًا برئاسته أو مأكلته أو غير هذا من مقاصده الدنيوية التي كتم العلم من أجلها؛ فهو ملعون على ذلك، ومذموم على ذلك، وله الوعيد العظيم على ذلك، نسأل الله العافية.
ولهذا في هذا الحديث الذي ذكره المؤلف وأنه جاء من طرق كثيرة يشد بعضها بعضًا يقول ﷺ من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار فالعلماء يبلغون عن الله ويرشدون إليه ويستغفر لهم كل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، والكافرون عليهم لعنة اللاعنين نعوذ بالله، وفي هذا الحذر من كتمان العلم والدعوة إلى نشره وبيانه عن بصيرة قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] فالواجب نشره على بصيرة لا عن كذب ولا عن ظن، ولكن على بصيرة يدعو إلى الله على علم وعلى بصيرة لا يكذب ولا يتكلم على جهالة، ولكن يتعلم ويتفقه ثم يعلم وينشر العلم بأدلته من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال أبو هريرة : "لولا آية في كتاب الله لما حدثتكم ثم تلا هذه الآية، لما أكثروا عليه تلا عليهم هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159] فالواجب بيان العلم في أحكام الدين فيما حرم الله على العباد وفي كل ما جاء به الرسول ﷺ من واجبات ومحرمات ومشروعات حتى ينتشر العلم حتى يعلمه من لا يعلمه وحتى تعم الرسالة ويعم البلاغ ولهذا يقول ﷺ لأصحابه كلما خطبهم وكلما ذكرهم: ليبلغ الشاهد الغائب ويقول: بلغوا عني ولو آية فالمقصود نشر العلم وإبلاغه للناس عن طريق الكتاب والسنة كما بلغته الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنِ المنهال بن عمرو، عن زاذان بن عمرو، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جِنَازَةٍ، فَقَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ يُضْرَبُ ضَرْبَةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، يسمعها كل دَابَّةٍ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ، فَتَلْعَنُهُ كُلُّ دَابَّةٍ سَمِعَتْ صَوْتَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ يَعْنِي دَوَابُّ الْأَرْضِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عامر بْنِ مُحَمَّدٍ بِهِ،الشيخ: وهذا السند ضعيف؛ لأجل الليث بن أبي سليم، والآية ليست في هذا، الآية في بيان خبث كاتمين العلم ليس في بيان عاقبة الكفار، عقوبة الكفار لها آيات كثيرة، وما يحصل لهم من أنواع العقوبة، لكن هذه الآية فيما يتعلق بكتمان العلم، ولهذا ذكر المؤلف ما تقدم من حديث: من سئل عن علم فكتمه.. فالآية تعم من كتم العلم وأخفاه لغرض من الأغراض.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: كُلُّ دَابَّةٍ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إذا أجدبت الأرض، قال الْبَهَائِمُ: هَذَا مِنْ أَجْلِ عُصَاةِ بَنِي آدَمَ، لَعَنَ اللَّهُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ يعني تلعنهم الملائكة وَالْمُؤْمِنُونَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَالِمَ يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر، وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كَاتِمَ الْعِلْمِ يَلْعَنُهُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ وَاللَّاعِنُونَ أَيْضًا، وَهُمْ كُلُّ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِيٍّ، إِمَّا بِلِسَانِ الْمَقَالِ، أَوِ الْحَالِ، أَوْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ ويوم الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.الشيخ: بلسان المقال من ينطق ولسان الحال من لا ينطق من شجر وجبل ونحوها نسأل الله العافية.

ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا أَيْ رَجَعُوا عَمَّا كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَةَ إِلَى كَفْرٍ، أَوْ بِدْعَةٍ إِذَا تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ الله عليه.

الشيخ: فمن توبته أن يبين للناس غلطه وخطأه ورجوعه عن الباطل وليس مجرد التوبة من دون بيان للناس، الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فلا بدّ من بيان خطئه ورجوعه عنه بأنه كان على خطأ وظهر له الحق والصواب حتى يعلم أتباعه والمقلدون له والسائرون على منهجه أنه رجع عن هذا الباطل الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فلا بد من ندم وتوبة صادقة وإصلاح الحال، وإصلاح أعمالهم وأقوالهم ..... حتى لا يبقى أتباعهم على الضلالة.

وقد ورد أن الأمم السالفة لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ تُقْبَلُ مِنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ شَرِيعَةِ نَبِيِّ التَّوْبَةِ وَنَبِيِّ الرَّحْمَةِ صَلَوَاتُ اللَّهُ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْحَالُ إِلَى مَمَاتِهِ بِأَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها أَيْ فِي اللَّعْنَةِ التَّابِعَةِ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ المصاحبة فهم فِي نَارِ جَهَنَّمَ التِي لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ فِيهَا أَيْ لَا يَنْقُصُ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أَيْ لَا يُغَيَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً وَلَا يُفَتَّرُ بَلْ هُوَ متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك.
قال أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ إِنَّ الْكَافِرَ يُوقَفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْعَنُهُ اللَّهُ ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ أَجْمَعُونَ.
[فَصْلٌ] لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ لَعْنِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ومن بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي الْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ الْمُعَيَّنُ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُلْعَنُ لِأَنَّا لا ندري بما يختم الله له، واستدل بعضهم بالآية إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ يَجُوزُ لعن الكافر المعين، واختاره الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَكِنَّهُ احْتَجَّ بِحَدِيثٍ فِيهِ ضَعْفٌ، وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ الذِي كَانَ يُؤْتَى بِهِ سَكْرَانَ فَيَحُدُّهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يحب الله ورسوله يلعن، والله أعلم.

الشيخ: هذه المسألة مثل ما أشار إليها المؤلف في ... لعن المعين، والمعنى أن الكفار يلعنون، لعن الله الكافرين، لعن الله الظالمين، ولعن الله الفاسقين، فلعن الكفار والفساق على سبيل العموم هذا محل وفاق...، ألا لعنة الله على الكافرين على الظالمين على الفاسقين على الكاذبين. وإنما الخلاف في المعين من كافر أو عاصي هل يلعن أم لا؟
والصواب: أن الكافر المعين لا يلعن، ولهذا أنكر النبي عليه الصلاة والسلام من لعن شارب الخمر المعين قال: لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله.
فإذا كان شارب الخمر لا يلعن لعنًا إذا كان معينًا لأنه يحب الله ورسوله ولأن عنده إيمان بالله ورسوله ولأنه ليس بكافر ولكن غلبه الهوى والشيطان فهذا واقع في الفاسق المعين.
أما الفاسق الغير المعين "لعن الله شارب الخمر" فهذا لا بأس به، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه لعن الخمر وشاربها وساقيها، ولعن السارق، قال: لعن الله السارق يسرق الحبل إلى آخره ......
وأما الكافر المعين فهذا محل خلاف أيضاً هل يلعن أو لا يلعن؟ لا ندري ماذا يختم الله له!...
ومما يحتج به لهذا يعني الكافر المعين ما جاء في الصحيح من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ كان إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة قال: اللهم العن الحكم بن هشام، اللهم العن صفون بن أمية ..... قبل أن يسلموا، فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] فهذا حجة صريحة في المعين، ولكن الأولى والأفضل ترك ذلك، وأنه يلعن على سبيل العموم، لعن الله الفاسقين لعن الله الكافرين، لعن الله الظالمين، لعن الله السارق، لعن الله شارب الخمر من دون معين.