504 من: (باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب)

 
282- باب النَّهي عن تعذيب العَبْد والدابة والمرأة والولد بغير سببٍ شرعيٍّ أَوْ زائد عَلَى قدر الأدب
قَالَ الله تَعَالَى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].
1/1600- وَعنِ ابنِ عُمر رضي اللَّه عنْهُما: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَال: عُذِّبتِ امْرَأةٌ في هِرَّةٍ سجنتها حَتَّى ماتَتْ، فَدَخلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أطْعَمَتْهَا وسقَتْها إذ حبَسَتْهَا، وَلَا هِي تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرضِ متفقٌ عليه.
2/1601- وعنْهُ أنَّهُ مرَّ بفِتْيَانٍ مِنْ قُريْشٍ قَدْ نصبُوا طَيْرًا وهُمْ يَرْمُونَهُ، وقَدْ جعلُوا لِصاحبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رأوُا ابنَ عُمرَ تفَرَّقُوا، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللَّه مَن فَعلَ هَذَا، إنَّ رسُولَ اللَّه ﷺ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا. متفقٌ عَلَيْهِ.
3/1602- وعَنْ أنَسٍ قَال: نَهَى رسُولُ اللَّه ﷺ أنَّ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ. متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآية الكريمة مع الأحاديث فيها الترهيب من إيذاء الحيوان، وظلم الحيوان، أو ظلم بني آدم: كالمملوك، أو الولد، أو الزوجة.
فالواجب على المؤمن أن يكون معتدلًا مع زوجته، ومع أولاده، ومع مماليكه، ومع دوابه، يحذر الظلم، فلا يظلم الدابة، ولا الولد، ولا الزوجة، ولا يهمل، بل يلاحظ الآداب الشرعية والتوجيهات مع الزوجة، ومع الولد، ومع الخادم، وهكذا الدابة إذا احتاجت إلى تأديبٍ أدَّبها التأديب الذي ينفع ولا يضر.
فالمقصود أن الواجب على المؤمن الاعتدال في كل شيء، يعتدل مع زوجته، ومع أولاده، ومع دوابه، ومع مماليكه، ويحذر الظلم، ويبتعد عنه، والله يقول سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، هذه الآية يُقال لها: آية الحقوق العشرة، ذكر فيها سبحانه عشرة حقوق، أعظمها عبادته سبحانه وتوحيده والإخلاص له، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا هذا أعظم هذه الخصال وأهمها، توحيد الله والإخلاص له، ثم الوالدين قال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، فحق الوالدين قرين حق الرب جل وعلا، قال سبحانه: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]، فجعل حقَّ الوالدين قرين حقِّه سبحانه وتعالى، فالواجب على الولد أن يَبَرَّ والديه، وأن يحرص على الإحسان إليهما، والرفق بهما، والحذر من عقوقهما، فالعقوق قرين الشرك، والبِرُّ قرين التوحيد.
ثم قال: وَبِذِي الْقُرْبَى يعني: الأقارب، من: الإخوة، والأولاد، والأعمام، والأخوال، يجب الإحسان إليهم، وعدم القطيعة.
ثم اليتامى: هذا الرابع، وهم الذين لا أب لهم، وهم صغار ما بلغوا الحلم، يُقال لهم: يتامى، كل إنسانٍ ليس له أب موجود –يعني: ميت- وهو صغير ما بلغ الحلم يُسَمَّى يتيمًا، والعادة أن مثله يتساهل به الناس، فالواجب على المؤمن أن يرفق باليتيم، ويُحسن إليه، ولا يحتقره من أجل أن أباه غير موجود، بل الواجب على المسلمين احترام أيتامهم، والإحسان إليهم، وتوجيههم، وتعليمهم، وإرشادهم، وإذا أخطأوا يُؤدَّبون مثل غيرهم، إذا أخطأ اليتيم يُؤدَّب ويُوجَّه، لكن لا يُظْلَم، يُحْسَن إليه، ويُواسَى، ويُرْفَق به؛ رحمةً لحاله.
هكذا أوصى الله جل وعلا بذي القُرْبَى، واليتامى، والمساكين -وهم الفقراء- والجار ذي القربى، والجار الجنب -الجار القريب- تُحْسِن إليه، فالجار له حقٌّ، سواء كان قريبًا أو بعيدًا، لكن إذا كان قريبًا يكون له حقّان: حق الجوار، وحق القرابة، وإذا كان مسلمًا يكون له ثلاثة حقوق: حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، وإذا كان جارًا مسلمًا فقط وليس بقريبٍ فله حقّان: حق الجوار، وحق الإسلام، وإذا كان جارًا كافرًا فحقٌّ واحدٌ: وهو حق الجوار، وعدم الظلم، والحرص على الإحسان إليه، ودعوته إلى الإسلام، وترغيبه فيه.
والصاحب بالجنب قيل: المراد به الزوجة، وهو أن يُحسن إليها، وفُسر بالرفيق في السفر: أن الإنسان يرفق برفيقه في السفر، ويُحسن إليه، ولا يظلمه.
كذلك ما ملكت اليمين، وابن السبيل، هذا التاسع، ابن السبيل: ابن الطريق، الذي يرد على البلد وليس من أهلها، قد يكون محتاجًا، وقد تضيع نفقته، وقد تقصر النفقة وتنفد؛ فيُحْسَن إليه، ويُعْطَى ما يوصله إلى بلده من الزكاة أو من غيرها.
هذا ابن السبيل، يعني: ابن الطريق، السبيل: الطريق، وهو الذي ذهبت نفقته أو سُرقت، وهو ابن طريقٍ، ليس في وطنه، فيُعْطَى ويُحْسَن إليه حتى يصل إلى بلده.
ثم العاشر: ملك اليمين، من: الأرقاء، والإبل، والبقر، والغنم، وغير ذلك، الواجب الإحسان إلى ما تملك، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيِّع مَن يقوت.
وفي الحديث الصحيح: أن امرأةً عُذِّبَتْ في هِرَّةٍ حبستها، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فدخلت فيها النار، فإذا كانت هرَّة عُذِّبَتْ فيها امرأةٌ، فكيف بالذي يُعَذِّب ناقةً أو شاةً أو بقرةً أو دجاجةً وهي أعظم من الهرَّة وأنفع؟! فإذا عُذِّبت التي حبست الهرة فالذي يُعذِّب الإبلَ أو البقرَ أو الغنمَ أو الدجاجَ أو الحمامَ أولى وأولى؛ نسأل الله العافية.
كذلك نصب حيوانٍ شبح: دجاجة أو سخلة أو حمامة، يضعه شبحًا يُرْمَى، هذا ما يجوز، فالرسول لعن مَن فعل هذا، وهو الغرض –الشبح- يُنْصَب وهو حيٌّ يرمونه، هذا لا يجوز؛ لأنه تعذيب.
فالواجب على المؤمن الإحسان في البهائم، والرسول ﷺ نهى عن صبرها، وصبرها: كونها تُرْمَى، تُقْتَل على غير القتل الشرعي وهي حيَّة، فالبهيمة تُقتل القتل الشرعي إذا كانت تُؤْكَل، وإذا كانت لا تُؤْكَل لا تُقْتَل ولا تُعَذَّب، بل تُترك إن كانت غير مؤذيةٍ، أما إذا آذت مثل: الكلب العقور والذئب، فإن الشيء الذي يُؤذي يُقتل، أما الشيء الذي لا أذى فيه -ليس بعقورٍ أو هرّ أو كلب- فإنه لا يُقتل، إلا إذا كان عقورًا فهذا جزاؤه أن يُقتل لتعديه.
فالمقصود أن الواجب على المسلم أن يتحرَّى العدل في كل شيء: مع أولاده، مع زوجته، مع بهائمه، مع الناس كلهم، يحذر الظلم، فالظلم عاقبته وخيمة، قال الله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، وقال سبحانه: وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير [الشورى:8]، وقال النبيُّ ﷺ: اتَّقوا الظلم، فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، نسأل الله للجميع العافية.

الأسئلة:

س: بعض الناس يكون لديه بهيمة مريضة مشرفة على الموت، فيقوم برميها لإراحتها من المرض؟
ج: ما هو بلزوم، إن ذبحها فلا بأس، وإن تركها فلا بأس، إن أراد أحدٌ الانتفاع بها يبيعها له، وإن كان ما يبغي الانتفاع بها ..... إن تركها حتى تموت فلا بأس، وإن ذبحها لعلَّ أحدًا يأكلها فلا بأس.
س: يذبحها لغير الانتفاع؟
ج: إن ذبحها فلا بأس، لعل أحدًا يأكلها إن كانت مباحةً: كالشاة، ونحوها.
س: هي مريضة؟
ج: بعض الناس قد يأكلها ولو مريضة.
س: شراء طيور الزينة ووضعها في أقفاص، مثل العصافير؟
ج: ما فيه بأس، إذا أكرمها ولم يظلمها وأعطاها حاجتها من الحبوب والماء ما في بأس.
س: الجار الذي له حقّ الجوار هو الملاصق بالجدار أو الذي في الحي؟
ج: كل مَن قرب منك فهو جار، كل مَن كان أقرب منك فهو جارك إلى أربعين دارًا، أحقهم أقربهم بابًا، مَن كان أقرب بابًا فهو أحق بالجوار.
س: حديث ابن عمر: "مَن فعل هذا لعنه الله" ألا يُستدل به على لعن المُعين؟
ج: يُحتج بهذا على لعن المعين، لكن الأحاديث الأخرى تدل على أنه ينبغي عدم لعن المعين؛ لأن هذا من فعل ابن عمر، أما الرسول ﷺ فلعن العموم.