26 من قوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا..)

وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ لَهُ، بَلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَيْنَ الِاسْمَيْنِ فِي أول الفاتحة، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [البقرة:255] والم اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السموات وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِمَّا ذَرَأَ وَبَرَأَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164].
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تلك في ارتفاعها ولطافتها وَاتِّسَاعِهَا وَكَوَاكِبِهَا السَّيَّارَةِ وَالثَّوَابِتِ وَدَوْرَانِ فَلَكِهَا، وَهَذِهِ الأرض في كثافتها وانخفاضها وَجِبَالِهَا وَبِحَارِهَا وَقَفَارِهَا وَوِهَادِهَا وَعُمْرَانِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ هَذَا يَجِيءُ ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَخْلُفُهُ الْآخَرُ وَيَعْقُبُهُ، لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لَحْظَةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40] وَتَارَةً يَطُولُ هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، وَتَارَةً يَأْخُذُ هذا من هذا ثم يتعاوضان، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ [الحج:61] أَيْ يَزِيدُ مِنْ هَذَا فِي هَذَا وَمِنْ هَذَا فِي هَذَا.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ أَيْ فِي تَسْخِيرِ البحر بحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش النَّاسِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ، ونقل هذا إِلَى هَؤُلَاءِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ- إلى قوله- وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [يس:33-36]
وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ أَيْ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا وَمَنَافِعِهَا وَصِغَرِهَا وَكِبَرِهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَرْزُقُهُ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ [هُودٍ:6] وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ أي فتارة تأتي بالرحمة، وتارة تأتي بالعذاب، وتارة تَأْتِي مُبَشِّرَةً بَيْنَ يَدَيِ السَّحَابِ، وَتَارَةً تَسُوقُهُ، وَتَارَةً تُجَمِّعُهُ، وَتَارَةً تُفَرِّقُهُ، وَتَارَةً تُصَرِّفُهُ، ثُمَّ تَارَةً تَأْتِي مِنَ الْجَنُوبِ وَهِيَ الشَّامِيَّةُ.

 الشيخ: من الشمال وهي الشامية.
وَتَارَةً تَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ
الشيخ: من اليمن من الجنوب.

 وَتَارَةً صَبَا، وَهِيَ الشرقية التي تصدم وجه الكعبة، وتارة دبورا وهي غربية تنفذ من ناحية دبر الْكَعْبَةِ. وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي الرِّيَاحِ وَالْمَطَرِ وَالْأَنْوَاءِ كُتُبًا كَثِيرَةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِلُغَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَبَسْطُ ذَلِكَ يَطُولُ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَيْ سَائِرٌ بَيْنَ السماء والأرض، مسخر إِلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ مِنَ الْأَرَاضِي وَالْأَمَاكِنِ، كَمَا يُصَرِّفُهُ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلَالَاتٌ بَيِّنَةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [آلِ عِمْرَانَ:190، 191].

الشيخ:.. يعني إنما ينتفع بهذه الآيات ويستفيد منها ........... فإنه لا يستفيد من الآيات ولا تزيده إلا بعداً وضلالاً نسأل الله العافية.
فالله بين في هذه الآية أنه هو المستحق للعبادة، ولهذا قال: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] فهو الإله الحق لا إله إلا هو لا معبود بحق سواه ، ثم بين شيئاً .... فقال الرحمن الرحيم، فالرحمن لعباده والرحيم بهم هو المستحق أن يعبد جل وعلا وبين في آيات تدل على أنه المستحق للعبادة... إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] هذه الأشياء آيات ودلائل وبراهين لمن يعقل على أن الله سبحانه هو رب الجميع هو الإله الحق وأنه المستحق للعبادة .
وهذه آيات مشاهدة يراها كل أحد، خلق السماوات وارتفاعها وعظمتها، والأرض وما فيها من العجائب والغرائب،..... وجعل فيها ما جعل من الجبال والبحار والدواب والمعادن والثمار والزروع وغير هذا مما جعله الله كل هذا للعباد ومتاعًا للعباد.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ۝ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ ۝ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ
يُذْكُرُ تَعَالَى حال المشركين به في الدنيا ومالهم فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ حَيْثُ جَعَلُوا لَهُ أَنْدَادًا أَيْ أَمْثَالًا وَنُظَرَاءَ، يَعْبُدُونَهُمْ مَعَهُ وَيُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّهِ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا ضِدَّ لَهُ، وَلَا نِدَّ لَهُ، وَلَا شَرِيكَ مَعَهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ.

الشيخ:.........  فإنهم يعلمون أن الله هو الخلاق الرزاق.... كما قال : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] وقال : قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] فهم يعلمون أنه مدبر الأمور وأنه الرزاق وأنه الخلاق، ولكن نددوا  في العبادة، واتخذوا أندادًا في العبادة من الأمثال والنظراء......، فهم اتخذوا معه أندادًا في العبادة معه يدعونه يستغيثون بهم ينذرون لهم ويذبحون لهم ويطلبونهم حاجاتهم....
وربما صار حبهم للأنداد أكبر من حب الله لغلوهم فيهم حتى صار بعضهم يحلف بالله كذبًا ولا يحلف بنده ومعبوده من دون الله إلا صادقًا، مع أن الحلف بغير الله شرك ولكنهم يعظمون أندادهم ومعبوديهم أعظم من الله سبحان وتعالى.
و... لهذا قاتلهم الرسول ﷺ وحلت دماءهم وأموالهم حتى يعبدوا الله وحده، حتى يقولوا بأنه لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله ...... ولهذا في حديث ابن مسعود قال: قلت: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك! فأعظم الذنوب هو الشرك بالله وهو أكبر الجرائم، أن تجعل لله ندًا في العبادة ..... صار أكبر وأعظم، فالذي يعتقد أن معبوده يتصرف بالكون ويدبر الأمور ويرزق ويخلق فهذا شرك أعظم ...... الشيوعيون والملاحدة فهذا كفره أعظم وأكبر نسأل الله العافية أكبر من كفر أبي جهل وأشباهه.
..... إلا بإخلاص العبادة له وحده، بالإيمان بالله وأنه رب الجميع ..... وأنه المستحق أن يعبد وأن العبادة حقه ليس لأحد فيها شيء إياك نعبد، وإياك نستعين [الفاتحة:5] وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والعبادة هي الذل والخضوع في طاعة الأوامر وترك النواهي ..... من الأموات والأشجار والأحجار والأصنام ..... كما قال الله : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] فسماهم كفار بهذا بدعوتهم لغير الله. وهكذا في قوله سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13، 14] فسمى دعوتهم شركًا وقال سبحانه: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] وإذا أطلق الظلم يعني الكفر والشرك نسأل الله العافية، فلا يتم للعبد الإخلاص ويصح له الإسلام إلا بالإخلاص لله وحده وكفره بما يعبد من دون الله وإنكاره لذلك فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة:256] فلا بدّ أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد بطلانها، ولا بدّ من إيمانه بالله وحده وأنه وحده المستحق للعبادة دون ما سواه.
...... وشركهم بالله وتوعدهم بالنار كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] نسأل الله العافية.
 ومن المصائب العظيمة أن هذا الشرك العظيم وهو أعظم الذنوب .... على كثير من الناس حتى ظنوه قربة وظنوه طاعة وأنكروا على من أنكره عليهم، وهذا من اختلاف القلوب وانقلاب الأمور حتى صار الحق باطلاً والباطل حقًا نسأل الله العافية بالنسبة إلى أكثر الخلق وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].
ولهذا تجد ... كثيرة ما تعبد من دون الله في أمصار كثيرة البدوي في مصر، والحسين في مصر، وعبدالقادر الجيلاني في العراق، وابن عربي في الشام، ومن لا يحصى من المعبودين من الله الذين عبدهم الناس من دون الله واستغاثوا بهم وطافوا بقبورهم وهذا الشرك أعظم وأكبر الذي لا ريب فيه الذي ... على أكثر الخلق نسأل الله العافية.
...... فهذا هو أعظم الباطل وأعظم الذنب والشرك نسأل الله العافية.

وَقَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلِحُبِّهِمْ لِلَّهِ وَتَمَامِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَتَوْحِيدِهِمْ، لَهُ، لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا بَلْ يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ، وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ، وَيَلْجَئُونَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ إِلَيْهِ.
ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ بِهِ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً قَالَ بَعْضُهُمْ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، لَوْ عَايَنُوا الْعَذَابَ لَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، أَيْ إِنَّ الْحُكْمَ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ تَحْتَ قَهْرِهِ وَغَلَبَتِهِ وَسُلْطَانِهِ.
وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ كَمَا قَالَ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ. وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] يقول لو يعلمون مَا يُعَايِنُونَهُ هُنَالِكَ وَمَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ الْمُنْكَرِ الْهَائِلِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ لَانْتَهَوْا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ، ثُمَّ أخبر عن كفرهم بأوثانهم وتبري الْمَتْبُوعِينَ مِنَ التَّابِعَيْنِ، فَقَالَ: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا تَبَرَّأَتْ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يعبدونهم في الدار الدنيا، فيقول الْمَلَائِكَةُ: تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ [الْقَصَصِ:63] وَيَقُولُونَ: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سَبَأٍ:41] وَالْجِنُّ أَيْضًا تَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ، وَيَتَنَصَّلُونَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الْأَحْقَافِ:46-47] وَقَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مَرْيَمَ:81-82] وَقَالَ الْخَلِيلُ لِقَوْمِهِ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ [الْعَنْكَبُوتِ:25].

...............  عذاب النار وغضبه وعذاب تبرؤ معبوديهم منهم، وأنهم ما رضوا بعبادتهم ولا أقروهم عليها ولا دعوهم إليها نسأل الله العافية.

 وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ. وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [سَبَأٍ:31-33] وَقَالَ تَعَالَى: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [إِبْرَاهِيمَ:22].
وَقَوْلُهُ: وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ أَيْ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْحِيَلُ وَأَسْبَابُ الْخَلَاصِ وَلَمْ يَجِدُوا عَنِ النَّارِ مَعْدِلًا وَلَا مَصْرِفًا. قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ قَالَ الْمَوَدَّةُ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ.
وَقَوْلُهُ: وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أَيْ لَوْ أَنَّ لَنَا عَوْدَةً إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا حَتَّى نَتَبَرَّأَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمِنْ عِبَادَتِهِمْ، فَلَا نَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ بَلْ نُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ أي تذهب وتضمحل كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الْفُرْقَانِ:23] وَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ [إِبْرَاهِيمَ:18]، وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً [النُّورِ:39].

الشيخ: ..... أو صدقات أو غيرها أو صلة رحم أو بر أو أعمال يعملوها لآلهتهم أو لله مع شركهم كله يذهب سدى ويذهب باطلاً وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] لأن الشرك ما ينفع معه عمل وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]... فما كان منها حسن يجازى عليها في الدنيا وما سواها فليس لهم في الآخرة إلا النار نسأل الله العافية!.. إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لا يجد شيئًا نسأل الله العافية.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ.

الشيخ:... هذا مثل ما قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37].........

لما بين تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنَّهُ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ، شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ الرزاق لجميع خلقه، فذكر فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَلَالًا مِنَ اللَّهِ طَيِّبًا، أَيْ مُسْتَطَابًا فِي نَفْسِهِ غَيْرَ ضَارٍّ لِلْأَبْدَانِ وَلَا لِلْعُقُولِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ طَرَائِقُهُ وَمَسَالِكُهُ فِيمَا أَضَلَّ أَتْبَاعَهُ فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحَائِرِ والسوائب والوصائل ونحوها، مما كان زَيَّنَهُ لَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، كَمَا فِي حَدِيثِ عياض بن حمار الذي في صحيح مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ كل مال منحته عِبَادِي فَهُوَ لَهُمْ حَلَالٌ- وَفِيهِ- وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ، فَجَاءَتْهُمُُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ.الشيخ: ومن هذه الآية الكريمة وما جاء في معناها أخذ أهل العلم الدلالة على أن الأصل في الأشياء الحل والإباحة من المآكل والمشارب والملابس وغير ذلك فإن الله أحل لهم ما في الأرض جميعًا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا [البقرة:168] وقد أباح لهم ما في الأرض حلالاً طيبًا وجعله حلالاً وجعله طيبًا إلا ما خصه الدليل وبين خبثه وتحريمه، وهكذا قوله سبحانه في سورة البقرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] فهو الذي خلق لهم ما في الأرض جميعًا ينتفعون به، وقال سبحانه: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13] والأصل في ... الحل والإباحة إلا ما حرمه الشرع، وقد بين سبحانه ما حظر على عباده المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والميتة ولهذا بين وبين رسوله عليه الصلاة والسلام فالأصل الحل والإباحة رزقًا من الله لعباده وتيسيرًا عليهم إلا ما دلت الأدلة على حظره ومنعه، ثم قال جل وعلا: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ يعني مسالكه وطرقه وما يدعو إليه لأنه عدو مبين لا يدعو إلا إلى الباطل والشر والفساد، فالواجب الحذر من خطواته ومسالكه، وأنه عدو والعدو معلوم حاله أنه يدعو إلى الهلاك والدمار، وفي هذا تحذير لهم من المعاصي كلها لأنها من خطوات الشيطان يحل لهم ما حرم الله عليهم لأنه من خطوات الشيطان، وبين عليه الصلاة والسلام عن الله أن يقال....[3:20]  وهو لهم حل يعني ما لم تأت الشريعة بتحريمه وهكذا قوله: إني خلقت عبادي حنفاء يعني على الملة وعلى التوحيد والإسلام فاجتالتهم الشياطين وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا وحرمت عليهم ما أحللت لهم هذا من حديث عياض بن حمار المجاشعي كما رواه مسلم في الصحيح. وهذا يوافق حديث: ما من مولود إلا يولد على الفطرة وفي اللفظ الآخر إلا على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
فالأصل أن جميع الناس يولدون على هذا الدين؛ على دين الإسلام. والأصل أن الله خلق لهم ما في الأرض حلالاً طيبًا يستعينون به على طاعته والقيام بحقه، ولكن الشياطين من الإنس والجن دعاة إلى النار لهؤلاء وهؤلاء لمن سلطوا عليهم حتى يوقعوهم في الشرك، وهم دعاة إلى النار أيضاً للوقوع في المعاصي والمخالفات لأنها طرق النار، فالمكلف يجب عليه أن يتنبه وأن ينظر فيما يلقى إليه من الناس وما يقعوا فيه مما يمليه الشيطان؛ فيعرضه على الكتاب والسنة عليه أنه يعرضه على الأدلة الشرعية، فما وافق الأدلة أخذ بها، وما خالفه تركه. هذا هو الواجب على كل مكلف من الرجال والنساء ومن جميع الإنس. 
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ شَيْبَةَ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ الِاحْتِيَاطِيُّ،
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ الِاحْتِيَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عبداللَّهِ الْجُوزَجَانِيُّ رَفِيقُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ تُلَيَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً فَقَامَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ، تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عبدنَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تَنْفِيرٌ عَنْهُ وَتَحْذِيرٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فَاطِرٍ:6] وَقَالَ تَعَالَى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ:50].
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لِلَّهِ فَهِيَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ نَزَغَاتُ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُ أَوْ قَالَ خَطَايَاهُ، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: هِيَ النُّذُورُ فِي الْمَعَاصِي.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ، فَأَفْتَاهُ مَسْرُوقٌ بِذَبْحِ كَبْشٍ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ.
الشيخ: والآية عامة تعم جميع المعاصي، لأنها من خطوات الشيطان، وعادة السلف يفسرون الشيء ببعضه ونوعه ليعلم المراد من غير استقصاء.
وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ أَتَى عبداللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِضَرْعٍ وَمِلْحٍ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: نَاوِلُوا صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ: لَا أُرِيدُهُ، فَقَالَ: أَصَائِمٌ أَنْتَ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: حَرَّمْتُ أَنْ آكُلَ ضَرْعًا أَبَدًا، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هَذَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، فَاطْعَمْ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.الشيخ: والضرع إشارة إلى بهيمة الأنعام من لحم الأناثي الإبل والبقر والغنم عبر عنه بالضرع لأنها ذات ضرع.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عبداللَّهِ الْمِصْرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: غضبت يوما عَلَى امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: هِيَ يَوْمًا يَهُودِيَّةٌ وَيَوْمًا نَصْرَانِيَّةٌ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَهَا حُرٌّ إِنْ لَمْ تُطْلِّقِ امْرَأَتَكَ، فَأَتَيْتُ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِهِ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، وَكَذَلِكَ قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفْقَهُ امْرَأَةٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَتَيْتُ عَاصِمًا وَابْنَ عمر فقالا مثل ذلك.
وَقَالَ عبد بْنُ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عبدالْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا كَانَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ فِي غَضَبٍ، فَهُوَ مِنْ خطوات الشيطان، وكفارته كفارة يمين.
وَقَوْلُهُ: إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ عَدُوُّكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ، وَأَغْلَظُ مِنْهَا الْفَاحِشَةُ كَالزِّنَا وَنَحْوَهُ، وَأَغْلَظُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَيَدْخُلُ فِي هذا كل كافر وكل مبتدع أيضا.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ۝ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَاتْرُكُوا مَا أنتم عليه مِنَ الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ، قَالُوا فِي جَوَابِ ذَلِكَ: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا أَيْ وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ أَيِ الَّذِينَ يَقْتَدُونَ بِهِمْ وَيَقْتَفُونَ أَثَرَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ فَهْمٌ وَلَا هِدَايَةٌ.
الشيخ: هذا رد على هذه الحجة الخبيثة الباطلة التي يحتج بها جميع أهل الباطل أنهم يقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، وهؤلاء كما قال الله جل وعلا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [البقرة:170] والمقصود من هذا بيان أنه لا يجوز تقليد أحد في غير الحق لا من الآباء ولا من الأجداد ولا من الرؤساء ولا من غيرهم بل يجب اتباع الحق أينما كان سواء كان عليه الآباء والأسلاف أو كان الآباء والأسلاف قد انحرفوا عنه فالحق أحق بالاتباع وإن أخطأ زيد أو عمرو أو فلان وفلان فليس حجة على الشرع والحق وطريقة أهل العلم والإيمان والتقوى هي اتباع الحق وإيثاره، وإن كان خلاف ما عليه الآباء والأجداد، وطريقة أهل الباطل كفعل كفار قريش وأشباههم طريقتهم هي تقليد الآباء والأسلاف على حق أو باطل، ولهذا أنكر الله عليهم ذلك وبين بطلان ما هم عليه فالواجب على أهل الإسلام وعلى كل من يحب نفسه ويعز عليه أن تبقى في الباطل ويجب عليه أن ينتبه لهذا وألا يغتر بما كان عليه قومه أو عمه أو جده أو قبيلته أو عموم بلاده أو جميع من يعظمهم، فالواجب أن يوزن ذلك بالميزان الشرعي وأن يعرض أعماله على الأدلة الشرعية إذا كان من أهل العلم، ويسأل عن ذلك أهل العلم حتى يكون عن بينه وحتى لا يكون مثل هؤلاء الذين قيل لهم اتبعوا الحق واتبعوا ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام فأبوا وقالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فهلكوا وهلك بهم من تابعهم وقلدهم نسأل الله السلامة.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.الشيخ: تعم اليهود وغيرهم، كما أنها نزلت في قريش لأنها آية مكية فهي تعم اليهود وتعم قريش وتعم غيرهم من العرب والعجم تعم الجميع فالعبرة بالعمومات لا بالأسباب.
ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ تَعَالَى مَثَلًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ [النَّحْلِ:60] فَقَالَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ وَالْجَهْلِ كَالدَّوَابِّ السَّارِحَةِ التِي لَا تَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهَا بَلْ إِذَا نَعَقَ بها راعيا، أَيْ دَعَاهَا إِلَى مَا يُرْشِدُهَا لَا تَفْقَهُ مَا يَقُولُ وَلَا تَفْهَمُهُ بَلْ إِنَّمَا تَسْمَعُ صَوْتَهُ فَقَطْ. هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا.
وَقِيلَ: إِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ التِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ ولا تعقل شيئا واختاره ابْنُ جَرِيرٍ.
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا وَلَا تَعْقِلُهُ وَلَا تُبْصِرُهُ وَلَا بَطْشَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ فِيهَا.
الشيخ: وهذا يطابق الآية الأخرى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] ويؤيد هذا المعنى هنا، فضرب هذا المثل لما لا يفقه لما يسمع إلا دعاء ونداء وهو مثل البهائم تسمع صوت الراعي تذهب إلى الجهة التي يريدها راعيها ونحو ذلك، لكن لا تعي ولا تفهم الحقائق هؤلاء كذلك إنما يسيرون على ما كان عليه أسلافهم وآباءهم ويسيرون عليه فقط سواء كان حقًا أو باطلاً، وهم كذلك يسيرون بهؤلاء الذين ذكر الله عنهم أنهم كالبهائم.
وَقَوْلُهُ: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ أَيْ صُمٌّ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، بُكْمٌ لَا يَتَفَوَّهُونَ بِهِ، عُمْيٌ عَنْ رُؤْيَةِ طَرِيقِهِ وَمَسْلَكِهِ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أَيْ لَا يعلمون شيئا ولا يفهمونه كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الأنعام:39].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ۝ إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَكْلِ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رزقهم تعالى، وأن يشكروه تعالى عَلَى ذَلِكَ إِنْ كَانُوا عَبِيدَهُ، وَالْأَكْلُ مِنَ الْحَلَالِ سَبَبٌ لِتَقَبُّلِ الدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ، كَمَا أَنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْحَرَامِ يَمْنَعُ قَبُولَ الدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيَّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [الْمُؤْمِنُونَ:51]، وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ثم يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه والترمذي من ذلك حَدِيثِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ.
الشيخ: وهذا يبين للمؤمن وجوب العناية بالمكسب الطيب والحذر من المكاسب الخبيثة التي يحصلها من الطرق المحرمة كالسرقة والغصب والخيانة والربا والغش وغير هذا من وجوه الكسب الخبيث، ولهذا قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] وقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] فالطيبات هي الأشياء النافعة الحلال المباحة التي امتن بها الله على عباده وأحلها لهم من المآكل والمشارب وعليهم التقيد بما اباح ويحذروا ما حرم .
ثم عليهم أن يستعينوا بها على طاعته وشكره ولهذا قال مع الرسل: واعملوا صالحًا وقال مع المؤمنين: واشكروا لله أي يستعينوا بالنعم التي أباحها الله لكم وساقها إليكم وهي منا وإحسانًا، استعينوا بها على أداء حقه وشكره سبحانه وامتثال الأوامر وترك النواهي والوقوف عند حدود الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه هذا هو الواجب على المؤمنين وعلى الرسل.
ثم ذكر هذا الحديث حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وهو طيب الذات طيب الأسماء فله الأسماء الحسنى وله الصفات العلا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له .
لا يقبل إلا طيبًا كما أنه طيب لا يقبل من أقوال الناس ولا من أعمالهم إلا ما طاب، وهو ما كان لله خالصًا وموافقًا لشريعته هذا الطيب؛ فالحرام ليس موافقًا لشريعته ولا يقبل.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب أسباب أشعث أغبر مسافر يمد يديه إلى السماء رافعًا يديه يسأل ربه يا رب يا رب يلح في الدعاء، لكن هناك مانع منع الإجابة فمطعمه حرام ونعوذ بالله مطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟! يعني بعيد أن يستجاب لمن هذا وصفه ولمن هذا خلقه المتلبس بالحرام المتغذي بالحرام.
فيجب على المؤمن أن يكون على حذر في مكسبه أينما كان وأن لا يتساهل إذا تساهل الناس، وألا يحمله الطمع وحب الدنيا على التساهل في تعاطي ما حرم الله والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وَلَمَّا امْتَنَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِرِزْقِهِ وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى الْأَكْلِ مِنْ طَيِّبِهِ، ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمِيتَةَ، وَهِيَ التِي تَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِهَا مِنْ غَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَسَوَاءً كَانَتْ مُنْخَنِقَةً أَوْ مَوْقُوذَةً  أَوْ مُتَرَدِّيَةً أَوْ نَطِيحَةً أَوْ قَدْ عَدَا عَلَيْهَا السَّبُعَ، وَقَدْ خَصَّصَ الْجُمْهُورُ مِنْ ذَلِكَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ [المائدة:96] على ما سيأتي إن شاء الله، وَحَدِيثُ الْعَنْبَرِ فِي الصَّحِيحِ وَفِي الْمُسْنَدِ وَالْمُوَطَّأِ وَالسُّنَنِ قَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وابن ماجة والدارقطني حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذلك إن شاء الله في سورة المائدة.
[مسألة] وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَبَيْضُهَا الْمُتَّصِلُ بِهَا نَجِسٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ: هُوَ طَاهِرٌ إِلَّا أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَكَذَلِكَ أَنْفِحَةُ الْمَيْتَةِ فِيهَا الْخِلَافُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَكْلَ الصَّحَابَةِ مِنْ جُبْنِ الْمَجُوسِ، فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ  في التفسير: هاهنا يخالط اللبن منها يسير، ويعف عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ إِذَا خَالَطَ الْكَثِيرَ مِنَ الْمَائِعِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سيف بن هارون عن سليمان التميمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ، فَقَالَ الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ لَحْمَ الخنزير سواء ذكي أم مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَيَدْخُلُ شَحْمُهُ فِي حُكْمِ لَحْمِهِ إِمَّا تَغْلِيبًا أَوْ أَنَّ اللَّحْمَ يَشْمَلُ ذلك أو بطريق القياس على رأي وكذلك حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ مَا ذُبِحَ عَلَى غَيْرِ اسْمِهِ تَعَالَى مِنَ الْأَنْصَابِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَزْلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ يَنْحَرُونَ لَهُ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَطِيَّةَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ عَمِلَتْ عُرْسًا لِلَعِبِهَا فَنَحَرَتْ فِيهِ جَزُورًا، فَقَالَ: لَا تُؤَكَّلُ لِأَنَّهَا ذبحت لصنم.
الشيخ: هذا ليس بجيد، لكنه إسراف من باب الإسراف، المقصود.. الضيافة لأصحاب العرس لكن أسرفوا في اللعب، وليس المقصود تعظيم العروس، لا المقصود اجتهادهم في العرس وما جمعوا من البنات، ولكنه من باب الإسراف ينهى عنه من باب الإسراف؛ لأن لعب البنات ما يتحمل هذا.

وأورد القرطبي عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عما يذبحه العجم لأعيادهم فَيُهْدُونَ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَتْ: مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ اليوم فلا تأكلوا منه، وَكُلُوا مِنْ أَشْجَارِهِمْ.

الشيخ: فيه...:
الأمر الأول: ذبائحهم، لأنهم ذبائحهم محرمة الفرس، وهم ليسوا أهل كتاب فذبائحهم محرمة، وإن كانت لغير الله كالتقرب لأصنامهم اجتمع فيها مانعان: كونها مما أهل به لغير الله، وكونها ذبحت لوثن، وهكذا المرتد إذا ذبح ذبيحة لغير الله اجتمع فيها مانعان: ذبيحة مرتد، وأنها ذبحت لغير الله.
... موانع كثيرة، وإنما أباح الله ذبيحة أهل الكتاب خاصة إذا كانت للأكل لا لغير الله بل للأكل أباح ذبيحتهم، أما إن ذبحوها لغير الله وسموا عليها غير الله؛ حرمت فإنها تدخل فيما أهل به لغير الله، أما الأعاجم من الفرس وسائر أنواع الكفرة فذبائحهم كلها محرمة. وهكذا المرتدون وهكذا إذا أهدي بها لغير الله، حرمت لأنها دخلت فيما أهل به لغير الله، وأما الخنزير فهو محرم كله لأن لحمه وشحمه وسائر أجزائه كله محرم.
س:...
الشيخ: لا يجوز قبول هداياهم ولا الإهداء إليهم لأنه تعظيم لعيدهم الباطل فلا يهدى إليهم ولا تقبل هداياهم.
س:..
الشيخ: كذلك لا يأكل من طعامهم الذي أعدوه لأعيادهم بل يجب هجرهم والتخلص منه وعدم المشاركة فيما حرم الله.
س:...
الشيخ: ولا يباع عليهم شيء يستعملونه في عيدهم. وأبو العباس بسط في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم وبين ما يقع من الشرور في هذه الأعياد.
ثُمَّ أَبَاحَ تَعَالَى تَنَاوُلَ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالِاحْتِيَاجِ إِلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ، فَقَالَ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ أَيْ فِي غَيْرِ بَغْيٍ وَلَا عُدْوَانٍ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أَيْ فِي أَكْلِ ذَلِكَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ، قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ أَوْ مُفَارِقًا لِلْأَئِمَّةِ، أَوْ خَارِجًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَهُ الرُّخْصَةُ، وَمَنْ خَرَجَ بَاغِيًا أَوْ عَادِيًا أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَا رُخْصَةَ لَهُ وَإِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ، بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ سَعِيدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: غَيْرَ بَاغٍ يَعْنِي غَيْرَ مُسْتَحِلِّهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: غَيْرَ بَاغٍ يَبْتَغِي فِيهِ شَهْوَتَهُ.
وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء وهو الخراساني، عن أبيه، فِي قَوْلِهِ غَيْرَ باغٍ قَالَ: لَا يَشْوِي مِنَ الْمِيتَةِ لِيَشْتَهِيَهُ، وَلَا يَطْبُخُهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا الْعُلَقَةَ، وَيَحْمِلُ مَعَهُ مَا يُبَلِّغُهُ الْحَلَالَ، فَإِذَا بَلَغَهُ أَلْقَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَلا عادٍ ويقول لَا يَعْدُو بِهِ الْحَلَالَ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَشْبَعُ مِنْهَا، وَفَسَّرَهُ السُّدِّيُّ بِالْعُدْوَانِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قَالَ: غَيْرَ باغٍ فِي الْمَيْتَةِ وَلَا عَادٍ فِي أَكْلِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ قَالَ: غَيْرَ بَاغٍ فِي الْمَيْتَةِ أي فِي أَكْلِهِ أَنْ يَتَعَدَّى حَلَالًا إِلَى حَرَامٍ وَهُوَ يَجِدُ عَنْهُ مَنْدُوحَةً، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: فَمَنِ اضْطُرَّ أَيْ أُكْرِهَ على ذلك بغير اختياره.
[مسألة] إِذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَطَعَامَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ لَا قَطْعَ فِيهِ وَلَا أَذًى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ بَلْ يَأْكُلُ طَعَامَ الغير بغير خِلَافٍ- كَذَا قَالَ – ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَكَلَهُ، والحالة هذه، هل يضمن أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ من حديث شعبة عَنْ أَبِي إِيَاسٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ: سمعت عباد بن شراحيل العنزي قَالَ: أَصَابَتْنَا عَامًا مَخْمَصَةٌ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ حَائِطًا، فَأَخَذْتُ سُنْبُلًا فَفَرَكْتُهُ وَأَكَلْتُهُ، وَجَعَلْتُ مِنْهُ فِي كِسَائِي، فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَضَرَبَنِي وَأَخَذَ ثَوْبِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كان جائعًا ولا ساغبًا، وَلَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلًا فَأَمَرَهُ فَرَدَّ إليه ثوبه، فأمر لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ، إِسْنَادٌ صَحِيحٌ قَوِيٌّ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَةٍ بِفِيهِ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ: فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فِيمَا أَكَلَ مِنَ اضْطِرَارٍ، وَبَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثِ لُقَمٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: غَفُورٌ لِمَا أَكَلَ مِنَ الْحَرَامِ، رَحِيمٌ إِذْ أَحَلَّ لَهُ الْحَرَامَ فِي الِاضْطِرَارِ.
وقال وكيع: أخبرنا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: مَنِ اضْطُرَّ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ مَاتَ، دَخَلَ النَّارَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ عَزِيمَةٌ لَا رُخْصَةٌ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكَيَا الْهَرَّاسِيِّ رَفِيقُ الْغَزَّالِيِّ فِي الِاشْتِغَالِ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، كَالْإِفْطَارِ للمريض ونحو ذلك .
الشيخ: وفيها رخصة من جهة وفيها عزيمة من جهة فأكل الميتة عند الضرورة يقال لها رخصة من جهة أنها حل بعد حرام كما يقال في صلاة القاعد والمصلي على جنبه رخصة من جهة أن الله يسر له هذا الأمر، وواجب من جهة الوجوب .... فهذه الأشياء وأشباهها رخصة من جهة وواجبة من جهة ....  فإذا جاءت العلة وجاءت المخمصة جاز له الأكل من الميتة وجاز له إذا كان مريضًا أن يصلي قاعدًا ويجب عليه من جهة أخرى لأنه واجب عليه يجب عليه أن يصلي؛ فلا يترك الصلاة يصلي قاعدًا، ويجب عليه أن يأكل من الميتة حتى لا يموت إذا كان عليه خطر الموت فهي عزيمة من جهة ورخصة من جهة.
.......
الشيخ: شيء لازم يعني.
س:....
الشيخ: وإذا مات بالجوع وهو عنده ميتة .. ولا أكل منها. هذا قاله مقاتل وهو قول قوي لأنها أعان على قتل نفسه بعدم الأكل
س:....
الشيخ: مثل ما قال المؤلف ... ويدل عليه حديث ... أنه إذا مر على حائط وأكل منه من غير خبنة أكل تمر أكل .. وهو محتاج فلا بأس عليه لكن لا يحمل معه.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ۝ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ۝ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي كُتُبِهِمُ التِي بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا تَشْهَدُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَكَتَمُوا ذلك لئلا تذهب رئاستهم وَمَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ عَلَى تَعْظِيمِهِمْ إِيَّاهُمْ.
الشيخ: ولهذا جحدوا نبوة محمد ﷺ ورسالته حتى لا تذهب هذه الأطماع وهذه الهدايا وهذا التعظيم فكتموا الحق من أجل ذلك نسأل الله العافية، وهذا ليس خاصًا باليهود بل عام، فكل من فعل فعل اليهود فالآية تعمه.فَخَشُوا- لَعَنَهُمُ اللَّهُ- إِنْ أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَنْ يَتَّبِعَهُ النَّاسُ وَيَتْرُكُوهُمْ، فَكَتَمُوا ذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَى مَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ نَزْرٌ يَسِيرٌ، فَبَاعُوا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ وَاعْتَاضُوا عَنِ الْهُدَى وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ، بِذَلِكَ النَّزْرِ الْيَسِيرِ، فَخَابُوا وَخَسِرُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ لِعِبَادِهِ صِدْقَ رَسُولِهِ بِمَا نَصَبَهُ وَجَعَلَهُ مَعَهُ مِنَ الْآيَاتِ الظَّاهِرَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، فَصَدَّقَهُ الَّذِينَ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَتَّبِعُوهُ، وَصَارُوا عَوْنًا لَهُ على قتالهم، وباءوا بغضب على غضب، وَذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فمن ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًاالشيخ: ......... ليكون عوضًا من هذا الكتمان نسأل الله العافية مثل ما قال جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان:6] يعني يعتاض لهو الحديث عن سماع القرآن وسماع الذكر.وَهُوَ عَرَضُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ أَيْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي مُقَابَلَةِ كِتْمَانِ الْحَقِّ، نَارًا تَأَجَّجُ فِي بُطُونِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً[النِّسَاءِ:10] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ، الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَالشيخ: (من سأل الناس أموالهم تكثرا؛ فإنما يسأل جمرا، فليستقل أو يستكثر) رواه مسلم نسأل الله العافية المقصود أن هذه المعاصي التي فعلوها طمعًا في الدنيا تكون عليهم وبالاً يوم القيامة ونارًا يوم القيامة.
وَقَوْلُهُ: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تعالى غَضْبَانُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَتَمُوا وَقَدْ عَلِمُوا، فَاسْتَحَقُّوا الْغَضَبَ، فَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَيَمْدَحُهُمْ بَلْ يُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.الشيخ: المقصود كلام الرضا ونظر الرضا؛ وإلا فهو لا يخفى عليه خافية ، ويرى عباده كلهم، ويكلم كل إنسان يوم القيامة، لكن أولئك الكفرة يكلمهم كلام غضب وإذلال كما قال في الحديث الصحيح: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فمن غضب الله عليه صار كلامه له شراً عليه ونظره له شراً عليه بخلاف نظره لأهل الإيمان وكلامه لأهل الإيمان فهو كلام رضا ونظر رضا ومحبة.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، هاهنا حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أَيِ اعْتَاضُوا عَنِ الْهُدَى، وَهُوَ نَشْرُ مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ الرَّسُولِ وَذِكْرِ مَبْعَثِهِ وَالْبِشَارَةِ بِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَاتِّبَاعِهِ وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه الضلالة وَهُوَ تَكْذِيبُهُ وَالْكُفْرُ بِهِ وَكِتْمَانُ صِفَاتِهِ فِي كُتُبِهِمْ وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ أَيِ اعْتَاضُوا عَنِ الْمَغْفِرَةِ بِالْعَذَابِ، وَهُوَ مَا تَعَاطَوْهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ عَظِيمٍ هَائِلٍ، يَتَعَجَّبُ مَنْ رَآهُمْ فِيهَا مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ شِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْأَغْلَالِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ أي فما أَدْوَمَهُمْ لِعَمَلِ الْمَعَاصِي التِي تُفْضِي بِهِمْ إِلَى النار.
وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أَيْ إِنَّمَا اسْتَحَقُّوا هَذَا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ كُتُبَهُ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، وَهَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ هزوا، فكتابهم أمرهم بِإِظْهَارِ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ، وَهَذَا الرَّسُولُ الْخَاتَمُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَهُ وَيُخَالِفُونَهُ وَيَجْحَدُونَهُ وَيَكْتُمُونَ صِفَتَهُ، فَاسْتَهْزَأُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ، فَلِهَذَا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَالنَّكَالَ، وَلِهَذَا قَالَ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.
الشيخ: وهذه الآيات وأشباهها فيها العبرة لأمة محمد عليه الصلاة والسلام والتنفير من أحوال المغضوب عليهم من اليهود وأشباههم ليحذر من جعل الله له في قلبه الهدى من أخلاقهم وصفاتهم ومثل ما قال بعض السلف: "مضى القوم ولم يعن به سواكم" يعني مضى أولئك اليهود وأشباههم مضى فيهم ما مضى من حكم الله لكن المقصود تحذيرنا وإنذارنا أن نعمل أعمالهم، فالذم لأهل الكتاب والذم لمن مضى على أعمالهم السيئة وكتمان الحق واتباع الباطل وإيثار الشقاوة كل ذلك مقصوده الحذر التحذير لنا أن نسلك مسلكهم، وأن نسير سيرتهم  فنستحق ما استحقوه من العذاب نعوذ بالله.
س:.....
الشيخ: هو ظاهر، لشدة ما هم فيه من النار يعني.. لا مفر لهم، .. وإلا فهم لا حيلة لهم نعوذ بالله، فهم وقود النار وحكم عليهم بها وليس لهم مفر منها، ولكن لشدة هوله ... ولكن الله كتب عليهم أن لا يموتوا فإن أهل النار لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها، هكذا حكم عليهم سبحانه وقال جل وعلا: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى [طه:74] نسأل الله العافية.

...