27 من قوله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ..)

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
اشتملت هذه الآية عَلَى جُمَلٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَاعِدَ عَمِيمَةٍ، وَعَقِيدَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَامِرِ بْنِ شُفَيٍّ، عَنْ عبدالْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: مَا الْإِيمَانُ؟ فَتَلَا عَلَيْهِ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: ثُمَّ سَأَلَهُ أَيْضًا، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ: «إِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً أَحَبَّهَا قَلْبُكَ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً أَبْغَضَهَا قَلْبُكَ» وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، فَإِنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ عَنِ الْبَرِّ سَأَلْتُكَ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ فأبى أن يرضى كما أبيت أَنْ تَرْضَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَشَارَ بِيَدِهِ الْمُؤْمِنُ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً سَرَّتْهُ وَرَجَا ثَوَابَهَا، وَإِذَا عَمِلَ سيئة أحزنته وخاف عقابها ورواه ابْنُ مَرْدَوَيْهِ،. وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِعٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: لا ريب أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على كثير من خصال الإيمان وشعب الإيمان وقواعده وأصوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة:177] يعني ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والبر إذا أطلق هو الإيمان وهو الهدى وهو التقى ولهذا أشكل على بعض الناس تفسير الإيمان بهذا، ولكنه واضح لمن تأمل بأن البر والإيمان والهدى والصلاح والإسلام كل ذلك إذا أطلق شمل الجميع من خصال الإيمان وشعب الإيمان، فالبر هو الهدى وهو الإيمان وهو الإسلام وهو أداء فرائض الله وترك محارم الله والاستقامة على أمر الله، فالبار هو الذي استقام على ذلك وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189] فالمتقون هم الأبرار وهم أهل الإيمان وهم أهل الإسلام وهم أهل الصلاح وهم أهل الهداية فمن استقام على ما دلت عليه الآية فهو من الأبرار ومن أهل الإيمان ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين هذه أصول الإيمان الخمسة مع الأصل السادس المذكور في الآيات الأخرى وفي الأحاديث الصحيحة وهو الإيمان بالقدر، ثم قال: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ [البقرة:177] يعني أنفق وتصدق من الزكاة وغيرها وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] يعني جمعوا الخير كلهم ولهذا أطلق عليهم في صيغة الحصر أنهم أهل الصدق وأهل التقوى لأن من جمع هذه الخصال عن إيمان وعن صدق وإخلاص فقد جمع الإيمان كله وعد الإسلام كله.
فالواجب على المكلف أن يعنى بما فرض الله عليه، وأن يحذر ما حرم الله عليه، وأن يستقيم على ذلك على الإخلاص وإيمانًا بالله ورسوله ورغبة ورهبة وبذلك يكون من المتقين ومن الأبرار.
ومن شأن المؤمن أنه إذا فعل الحسنة سرته وأحبها، وفرح بها، ورجا ثوابها، ومن شأن الكافر أنه لا يبالي ما عنده بصيرة ما عنده إيمان وإنما يعلم ما يرتضيه هواه، أما المؤمن فيعمل عن إيمان وعن بصيرة وعن رغبة بما عند الله فتسره حسنته وتسوؤه سيئته ويفرح بالحسنة ويسر بها وينشرح لها صدره ويحزن عند السيئة ويبغضها ويحذرها ويندم على فعلها لأن إيمانه يدعوه إلى ذلك ويؤنبه إذا فعل ما لا ينبغي.
وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ حَوَّلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوسِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَ حِكْمَتِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ ، وَامْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، وَالتَّوَجُّهُ حَيْثُمَا وَجَّهَ وَاتِّبَاعُ مَا شَرَعَ، فَهَذَا هُوَ الْبِرُّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ فِي لزوم التوجه إلى جهة من المشرق أو الْمَغْرِبِ بِرٌّ وَلَا طَاعَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ.الشيخ: في هذا تعزية وتسلية لأهل الإيمان ورد على اليهود المعاندين الذين أنكروا على المسلمين لما انحرفوا إلى الكعبة بأمر الله وأنكروا عليهم ذلك، وقالوا تارة كذا وتارة كذا، فبين الله أنه ليس البر في استقبال جهة معينة من الشام أو الكعبة أو المشرق أو المغرب، ولكن البر في طاعة الله ورسوله والإيمان بالله ورسوله وفي امتثال أمر الله ورسوله، وأين ما وجه المؤمن يتوجه وإذا أمر أمتثل وإذا نهي انتهى، هكذا المؤمن ليس له رغب في غير طاعة الله ورسوله.
وَلِهَذَا قَالَ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْآيَةَ، كَمَا قَالَ فِي الْأَضَاحِيِّ وَالْهَدَايَا: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ [الْحَجِّ:37] .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَيْسَ الْبَرَّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا، فَهَذَا حِينَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْفَرَائِضِ وَالْعَمَلِ بِهَا، وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كَانَتِ الْيَهُودُ تُقْبِلُ قِبَلَ الْمَغْرِبِ، وَكَانَتِ النَّصَارَى تُقْبِلُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَقُولُ: هَذَا كَلَامُ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتُهُ الْعَمَلُ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ مِثْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَا ثَبَتَ فِي الْقُلُوبِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى أَنْ تُؤَدُّوا الْفَرَائِضَ عَلَى وُجُوهِهَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ... الْآيَةَ قَالَ: هَذِهِ أَنْوَاعُ الْبِرِّ كُلُّهَا، وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَامِ كُلِّهَا، وَأَخَذَ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله وأنه لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ سَفَرَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ.
وَالْكِتَابِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا وَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الذِي انْتَهَى إِلَيْهِ كُلُّ خَيْرٍ، وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ سَعَادَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَنَسَخَ بِهِ كُلَّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَهُ، وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
الشيخ: ويدخل في ذلك الأنبياء ويدخل في ذلك الرسل، لأن كل رسول فهو نبي فيعم ذلك، ولهذا قال جل وعلا: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] فإذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل أيضاً؛ لأن كل رسول نبي ولا ينعكس على المشهور، فالحاصل أنه متى ختم النبين فقد ختم الجميع يختم الرسل أيضاً، ومن آمن بالنبيين فقد آمن بهم جميعاً؛ لأن كل رسول نبي.
وفي الإيمان بالله الإيمان بأنه رب والإيمان بأنه إله والإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته، فيدخل في الإيمان بالله جميع أنواع التوحيد الإيمان بالله مالكًا ومدبرًا وخالقًا ورازقًا ومهيمنًا، وإيمان بالله إلهًا معبودا بالحق لا تصلح العبادة إلا له وحده لا شريك له، والإيمان بأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، هكذا الإيمان بالله يكون على هذا الوجه فلا يتم الإيمان بالله إلا على هذا الوجه من جميع الجهات الثلاث بأنه الرب الخالق المدبر، ومن جهة أنه الإله الحق المعبود بالحق وهو معنى لا إله إلا الله، والإيمان بأنه الموصوف بالصفات العلا والمسمى بالأسماء الحسنى، له الأسماء الحسنى وله الصفات العلا لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له فإذا آمن العبدعلى هذا الوجه فقد آمن بالله الإيمان الواجب الكامل.
ثم الإيمان بالملائكة على أصنافهم وأنواعهم وهم السفرة بين الله وبين رسله وهم القائمون بالأعمال التي يؤمرون بها على خير وجه.
ثم الإيمان بالكتب المنزلة من السماء التي أعظمها وأشهرها وخاتمها القرآن وأطلق الكتاب كما قال المؤلف ليشمل الجنس فيعم جميع الكتب، فالمؤمن هكذا يؤمن بهذه كلها.
أما الإيمان باليوم الآخر فهو الإيمان بالآخرة بما يكون هناك من حساب وجزاء وجنة ونار وغير ذلك، وهو البعث بعد الموت وبما يكون بعد ذلك من حساب وميزان ونشر صحف ودخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار كله داخل في الإيمان باليوم الآخر.
وقد تأتي النصوص ليس فيها إلا ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن الإيمان بالملائكة وبالكتب وبالرسل داخل في الإيمان بالله، الإيمان بالله سبحانه والإيمان بما أخبر به عن نفسه وعن ملائكته وكتبه ورسله فيدخل في الإيمان بالله، ثم يأتي الإيمان باليوم الآخر وهو ما يكون بعد الموت من الحساب والجزاء.
وبهذا يكمل الإيمان ويدخل في الإيمان بالله الإسلام وأركانه وأعمال البر كلها، كلها داخلة في الإيمان عند الإطلاق كما في الحديث الصحيح: الإيمان بضع وسبعون شعبة وفي اللفظ الآخر: بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان فإذا  أطلق الإيمان دخل فيه الإسلام بأعماله كلها، وإذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان بأعماله كلها.
وَقَوْلُهُ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أَيْ أَخْرَجَهُ وَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ رَاغِبٌ فِيهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ  .
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أَنْ تُعْطِيَهُ وأنت صحيح شحيح، تأمل العيش وَتَخْشَى الْفَقْرَ ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
(قُلْتُ) وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، وَسُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشيخ: وهذا يدل على إيثارهم لما عند الله والرغبة فيما عند الله فيعطي المال وهو يحب المال ويريده لمصالحه، ولكن لإيمانه بالله ورغبته بما عند الله يقدمه مع حبه له وعلمه بأنه فيه مصالح وقضاء الحاجات ولكن لرغبته بما عند الله يقدم مرضات الله ومحبته وما يرجوه لديه على هوى نفسه وعلى ميله للمال كما في الآية الأخرى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسان:8] ومن طبيعة الإنسان حب المال، ولكن لحبه لله وإيمانه بالله ورغبته بما عند الله يقدم تلك الأشياء التي يرجوها عند ربها، يقدمها على هوى نفسه فيطعم المال وينفق المال في سبل الخير ويرجو ما عند الله من المثوبة والمنزلة والخلف.وَقَالَ تَعَالَى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً. إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً [الْإِنْسَانِ:8-9] وَقَالَ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آلِ عِمْرَانَ:92] وَقَوْلُهُ: ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الْحَشْرِ:9] نَمَطٌ آخر أرفع من هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرُوا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: ذَوِي الْقُرْبى وَهُمْ قَرَابَاتُ الرَّجُلِ وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ
الشيخ: المساكين بالجمع؟ الرواية المعروفة المسكين بالإفراد لكن معناه صحيح.
فَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِكَ وَبِبِرِّكَ وَإِعْطَائِكَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ في غير مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.
وَالْيَتامى هُمُ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ، وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ ضُعَفَاءُ صِغَارٌ دُونَ الْبُلُوغِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَسُّبِ، وَقَدْ قَالَ عبدالرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ.
الشيخ: الأيتام هم الذين لا أب لهم ولم يبلغوا الحلم فيحسن إليهم إذا كانوا فقراء، أما إذا كانوا أغنياء في أموالهم فلا حق لهم في الزكاة وليسوا أهلاً للصدقة، ولكن لما كان الغالب على الأيتام الحاجة جاء إطلاقهم في النصوص، وهذه الرواية من رواية جويبر، جويبر ضعيف عند أهل العلم لكن الحديث معروف من طرق أخرى، فالحاصل أن الأيتام الذين يعطون من الأموال ويتصدق عليهم هم الفقراء والمحاويج أما إذا كان لهم أموال تغنيهم فليسوا من أهل الزكاة، ولكن جاء إطلاقهم بالنظر إلى أنهم في الغالب محاويج.
وَالْمَساكِينَ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَسُكْنَاهُمْ، فَيُعْطُونَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتُهُمْ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ له فيتصدق عليه.الشيخ: الحديث له بقية: ولا يقوم فيسأل الناس ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس  يعني هذا الأحق باسم المسكنة وأولى بأن يراعى ويحسن إليه ؛ لأنه متعفف ليس عنده غنى ولا يجرأ على سؤال الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه ومن عرف هذا النوع من الناس فهم أولى بأنه يحسن إليهم ويعطون من الزكاة ويواسون وإن كان ذاك الذي يسأل الناس فقيرًا أيضاً يسمى مسكين، من يسأل الناس المحتاج الذي يسأل الناس مسكين، لكن أولى منه باسم المسكنة وأحق بهذا الوصف وأحق بالعناية هو الذي بينه النبي ﷺ وهو المتعفف الذي لا يجد غنى يغنيه من كسب ولا مرتب ولا نحوه، ولا يفطن له فيتصدق عليه لأنه متعفف مجهول الحال ولا يقوم فيسأل الناس حتى يعطى هذا هو أولى من غيره وهو الأحق باسم المسكنة، وهذا مثل ما قال ﷺ: ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب يعني ليس من يصرع الناس ويطرح الناس أولى بهذا الاسم وهو الصرعة بل أولى منه بهذا الاسم الذي يقهر نفسه ويمنعها عند الغضب بما لا ينبغي فهو أولى بأن يسمى صرعة، وهكذا قوله ﷺ من تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا: من لم يولد له يعني عقيم، فقال: ولكن الرقوب يعني أولى بهذا الاسم من لم يقرب من ولده شيئًا يعني من لم يمت له أطفال فهو أولى باسم الرقوب فمن قدم أطفالاً فهو في الحقيقة قد قدم خيرًا؛ لأن أطفاله من أسباب سلامته من النار إذا كان مسلمًا كما قال ﷺ: ما منكم من أحد يموت له ثلاثة أفراط لم يبلغوا الحنث إلا كانوا له حجابًا من النار قالت امرأة: يا رسول الله، وإن اثنين؟ قال: وإن اثنين ولهذا نظائر في شهر الاسم عمن هو ليس هو أولى به وإثباته لمن هو أولى به.
وابْنَ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُجْتَازُ الذِي قَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوصِلُهُ إِلَى بَلَدِهِ، وَكَذَا الذِي يُرِيدُ سَفَرًا فِي طَاعَةٍ فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الضَّيْفُ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ الذِي يَنْزِلُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ.الشيخ: ... ابن السبيل وهم من أصناف الزكاة ويعطى من الصدقة، وهو من أبناء السبيل، والسبيل هو الطريق، وأبناء السبيل هم الذين تنقطع منهم النفقة في بلد الغربة، جاء من بلاده لحاجة فانقطعت عنه النفقة جاء من مصر من مكة إلى الرياض من الشام من مصر بعيد وغير ذلك إلى الرياض إلى مكة إلى المدينة، ثم قطعت وذهب نفقته فهذا يعطى ما يوصله إلى بلاده ويصدق إذا كان ما يكذبه، إذا كانت هناك قرائن تدل على صدقه وشهد له بذلك من يعرف حاله فيعطى من الزكاة ومن الصدقات ويسمى ابن السبيل.
ومن هذا الضيف وهو الذي نزل بك وأبدى حاجته وأنه ليس عنده ما يرده إلى بلاده، جاء ليطلب الرزق أو جاء لحاجة  خصومة أو لطلب العلم أو لأسباب أخرى جاءت به فهذا الضيف يعد من أبناء السبيل كما قال علي .... فيعطى من الصدقات ومن بيت المال ومن الزكوات ما يرده إلى بلاده.
س: هل الضيف يأخذ من الزكاة؟
الشيخ: لا، الضيف لا، لكن ما يرده إلى بلاده، أما إكرام الضيف فمن مال الإنسان حق من مال الإنسان، يقول النبي ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه حق حسب طاقته.وَالسَّائِلِينَ وَهُمُ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ فَيُعْطَوْنَ مِنَ الزِّكْوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعبدالرَّحْمَنِ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهَا- قَالَ عبدالرَّحْمَنِ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.الشيخ: والمعنى في هذا أن السائل يعطى من الزكاة ويعطى من الصدقات ولو جاء على بعير أو فرس أو غير ذلك ما دام ليس هناك ما يدل على غناه فالسائلون أقسام ثلاثة:
السائل تعرف أنه محتاج وأنه فقير ولو كان عنده دابة يركبها أو سيارة لحاجاته لكنه فقير والسيارة عنده لا بدّ منها لحاجاته أو حمار أو بغل أو غير ذلك مما يركبه وقد تعرف أنه محتاج وفقير فيعطى.
والثاني: معروف أنه غني، وإنما هو حريص على المال جشع في طلب المال وهو ليس بمستحق فهذا لا يعطى من الزكاة ولا من غيرها بل ينصح ويوبخ ويقال له: لا  يجوز لك هذا، ليس لك أن تسأل الناس وأنت في غنى، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر . فأنت مخطئ ولا يجوز لك هذا العمل.
الصنف الثالث: مجهول ما يعرف حاله غريب يسأله فهذا يعطى لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24، 25] ولقوله: وللسائلين وما جاء في معنى ذلك.
وَفِي الرِّقابِ وَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ فِي كِتَابَتِهِمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ مِنْ بَرَاءَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عبدالْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ؟ قَالَتْ: فَتَلَا عَلِيَّ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ وَرَوَاهُ ابن مردويه من حديث آدم بن إِيَاسٍ وَيَحْيَى بْنِ عبدالْحَمِيدِ كِلَاهُمَا عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَالِ حَقٌّ سوى الزكاة ثم قرأ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ- إلى قوله- وَفِي الرِّقابِ وأخرجه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَضَعَّفَ أَبَا حَمْزَةَ مَيْمُونًا الأعور، وقد رواه سيار وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ.الشيخ: والأدلة كثيرة وإن ضعف الحديث من جهة أبي حمزة لكن الأدلة كثيرة على أن المال فيه حق سوى الزكاة، الزكاة حق مفروض سنوي، أو على حسب ... الزروع والثمار ولكن في الأموال زكاة أخرى في حق الزوجة وحق القريب وحق الضيف في الحقوق ولهذا قال : وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177] وقال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36] فالمال فيه حقوق غير الزكاة لها أسبابها.
س: الضرائب التي تأخذها الدول هل هذا حق؟
الشيخ: لا، هذه قد تكون مكوس لا تجوز، ولكن الإنسان يسلمها بغير اختياره، وقد يكون لها مسوغ شرعي عند بعض أهل العلم، فالضرائب تختلف عن هذا تختلف عن الزكاة.
س: المال حق سوى الزكاة؟
الشيخ: فيه ضعف من جهتين: من جهة أبي حمزة ومن جهة شريك بن عبدالله القاضي، ومن جهة أبي حمزة ميمون.
وَقَوْلُهُ: وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ أَيْ وَأَتَمَّ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا وَخُشُوعِهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَرْضِيِّ، وَقَوْلُهُ: وَآتَى الزَّكاةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ زَكَاةَ النَّفْسِ وَتَخْلِيصَهَا من الأخلاق الدنيئة الرَّذِيلَةِ كَقَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشَّمْسِ:9، 10] وَقَوْلُ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى [النَّازِعَاتِ:18] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ [فُصِّلَتْ:7] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ زَكَاةَ الْمَالِ، كَمَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَيَكُونُ الْمَذْكُورُ مِنْ إِعْطَاءِ هَذِهِ الْجِهَاتِ وَالْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ.الشيخ: ذكرها مع الصلاة يدل على أنها الزكاة المعروفة وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ ذكر هذا مع الصلاة يدل على أنه يراد بها الزكاة المالية لأنه ذكر قبلها وآتى المال على حبه ذوي القربى ذكر الصدقات المزكية للنفوس والأعمال الطيبة المزكية للنفوس ثم ذكر إقام الصلاة وإيتاء الزكاة فذكرها معها يدل على أن المراد بها الزكاة المعروفة كما قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5] أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فسياق الآية يدل على أن المراد به زكاة المال، وأما الزكوات الأخرى والصدقات الأخرى فذكرت في مواضع منها ما قبل هذا وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى [البقرة:177].
ويَكُونُ الْمَذْكُورُ مِنْ إِعْطَاءِ هَذِهِ الْجِهَاتِ وَالْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ التَّطَوُّعُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ.الشيخ: وأما زكاة النفس بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة فتدخل في قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] وما جاء في معنى ذلك، فإن النفس إنما تزكو وتطهر بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ومن جملة ذلك الصلاة والزكاة فتدسا وتفسد وتذم عند اعتناقها الأخلاق الذميمة والصفات الذميمة والأعمال السقيمة.
 وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا كَقَوْلِهِ: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ [الرَّعْدِ:20] وَعَكْسُ هَذِهِ الصِّفَةِ النِّفَاقُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ وفي الحديث الآخر: وإذا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ.
وَقَوْلُهُ: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أَيْ فِي حَالِ الْفَقْرِ وَهُوَ الْبَأْسَاءُ، وَفِي حَالِ الْمَرَضِ وَالْأَسْقَامِ وَهُوَ الضَّرَّاءُ، وَحِينَ الْبَأْسِ أَيْ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَالْتِقَاءِ الْأَعْدَاءِ. وقاله ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَمُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وأبو مالك والضحاك وغيرهم، وإنما نصب الصَّابِرِينَ عَلَى الْمَدْحِ وَالْحَثِّ عَلَى الصَّبْرِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانَ.
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانِهِمْ، لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْإِيمَانَ الْقَلْبِيَّ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لِأَنَّهُمُ اتَّقَوُا الْمَحَارِمَ وَفَعَلُوا الطَّاعَاتِ. والله أهلم
الشيخ: وهذا وصف عظيم لمن أدى هذه الأمور أنه هو الصادق وهو المتقي، وهذه صيغة مبالغة تقبل الحصر، والمراد حصر الكمال أن هؤلاء هم أهل التقوى على الحقيقة والصدق على العقيدة والإيمان لأنهم آمنوا بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، ثم عملوا هذه الأعمال العظيمة، فهذا يدل على صدقهم في إيمانهم وأنهم آمنوا حقًا قالوا وعملوا فما في القلوب فظهر في الأعمال والجوارح، فهكذا المؤمن يقول ويعمل، ولهذا قال أهل السنة والجماعة: الإيمان قول وعمل، قول بالقلب واللسان وهو عمل قلب والجوارح يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي هذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة قاطبة خلافًا لأهل البدع فكلما زاد عمل العبد الصالح زاد إيمانه، وكلما اعتراه شيء من غفلة أو معصية نقص إيمانه كما قال : وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا [التوبة:124] فجدير بالمؤمن أن يكون دائمًا حريصًا على زيادة إيمانه وكمال إيمانه بتقوى الله والاستقامة على أمره والوقوف عند حدوده والحذر من محارمه والمبادرة إلى أوامره حتى يكون أبدا في زيادة وفي قوة إيمان وليحذر من مجالس الغفلة وصحبة الغافلين وصحبة المخلطين فإنهم يجرونه إلى ما ينقص إيمانه ويضعف إيمانه، وقد يجرونه إلى ما يحبط إيمانه ويزيل إيمانه نسأل الله السلامة والعافية.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعبد بِالْعبد وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ۝ وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْعَدْلُ فِي الْقِصَاصِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، حُرُّكُمْ بَحُرِّكُمْ، وَعَبْدُكُمْ بِعَبْدِكُمْ، وَأُنْثَاكُمْ بِأُنْثَاكُمْ، وَلَا تَتَجَاوَزُوا وَتَعْتَدُوا كَمَا اعْتَدَى مَنْ قَبْلَكُمْ وَغَيَّرُوا حكم الله فيهم، وسبب ذلك قريظة والنضير، كَانَتْ بَنُو النَّضِيرِ قَدْ غَزَتْ قُرَيْظَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَهَرُوهُمْ، فَكَانَ إِذَا قَتَلَ النَّضَرِيُّ الْقُرَظِيَّ لَا يُقْتَلُ بِهِ، بَلْ يُفَادَى بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ، وَإِذَا قَتَلَ الْقُرَظِيُّ النَّضَرِيَّ قُتِلَ، وَإِنْ فَادَوْهُ فَدَوْهُ بِمِائَتَيْ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ ضعف دية قريظة، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْعَدْلِ فِي الْقِصَاصِ، وَلَا يَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الْمُحَرِّفِينَ الْمُخَالَفِينَ لِأَحْكَامِ اللَّهِ فِيهِمْ كُفْرًا وَبَغْيًا، فَقَالَ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى، الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعبد بِالْعبد وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.
وَذُكِرِ فِي سَبَبِ نُزُولَهَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عبداللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي عبداللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى يَعْنِي إِذَا كَانَ عَمْدًا الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَذَلِكَ أَنَّ حَيَّيْنِ مِنَ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ قَتْلٌ وَجِرَاحَاتٌ حَتَّى قَتَلُوا الْعَبِيدَ وَالنِّسَاءَ، فَلَمْ يَأْخُذْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ حَتَّى أَسْلَمُوا، فَكَانَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ يَتَطَاوَلُ عَلَى الْآخَرِ فِي الْعُدَّةِ وَالْأَمْوَالِ، فَحَلَفُوا أن لا يرضوا حتى يقتل العبد منا الحر منهم، والمرأة منا الرجل منهم، فنزل فِيهِمْ: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعبد بِالْعبد وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى مِنْهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [الْمَائِدَةِ:45].
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس قوله: وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى وذلك أنهم كانوا لَا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ، وَلَكِنْ يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةَ بِالْمَرْأَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]، فَجَعَلَ الْأَحْرَارَ فِي الْقِصَاصِ سَوَاءً فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَمْدِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِي النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستويين فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَمْدِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.
[مسألة] ذهب أبو حنيفة إلى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعبد لِعُمُومِ آيَةِ الْمَائِدَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُدُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم، قال الْبُخَارِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: وَيُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ، لِعُمُومِ حديث الحسن عن سمرة ومن قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن خصاه خصيناه وخالفهم الجمهور فقالوا: لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، لِأَنَّ الْعبد سِلْعَةٌ لو قتل خطأ لم يجب فيه دية، وإنما تجب فيه قيمته ولأنه لا يقاد بطرفه ففي النفس بطريق الأولى، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بالكافر، لما ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ولا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا يَصِحُّ حَدِيثٌ وَلَا تَأْوِيلٌ يُخَالَفُ هَذَا، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِعُمُومِ آيَةِ الْمَائِدَةِ.
الشيخ: .....  وهذا التخصيص تؤيده آية المائدة في قوله: والنفس بالنفس فيدل على أن النفس إنما تكفى بمماثلها وبمكافئها فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ويقتل الذكر أيضاً بالأنثى كما جاءت به السنة، فهو مخصص أيضاً لهذه الآية الكريمة، وقد قتل النبي ﷺ الذي قتل الجارية وهي جارية رض رأسه بين حجرين كما فعل، فالنصوص يقيد بعضها بعضًا ويخص بعضها بعضًا ولا يضرب بعضها ببعض.
والأصل هو عدم النسخ، والقاعدة أن الجمع يقدم على النسخ ولا يصرح إلا بشروط منها العلم التاريخي من تاريخ المتقدم والمتأخر ومنها تعذر الجمع، والجمع هنا غير متعذر، وثبت أن الرسول ﷺ قتل الرجل بالمرأة،  الأنثى بالأنثى .... وأما العبد فالعبد فهو باق على حاله ولا يقتل الحر بالعبد فإنه سلعة من أمواله، ولهذا ذهب الجمهور إلى ذلك.
وهكذا لا يقتل المسلم بالكافر لأنه لا يماثله ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: ولا يقتل مسلم بكافر، فيؤخذ منه الدية ويعزر إذا قتله عن عمد وهو ... لكن لا يقتل به.
وأما حديث سمرة فهو ضعيف لا يقاوم .... من قتل عبده قتلناه جزاء بجزاء الضعيف ضعيف لايقام مقام نص القرآن الكريم، ويدل على ضعفه حديث: من قذف عبده فإنه يقام عليه الحد يوم القيامة، فلا يقام عليه الحد في الدنيا بل يقام عليه الحد يوم القيامة، فدل على أن القصاص لا يحصل في الدنيا ؛ لأن القصاص أشد وأعظم وإذا كان حد القذف لا يقام فمن باب أولى القصاص.
[مَسْأَلَةٌ] قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ لِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَلِقَوْلِهِ : الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لَا يُقْتَلُ بِهَا خَاصَّةً.الشيخ: وهذا ضعيف أيضاً والصواب أنه يقتل بها، أنه يقتل بالمرأة مطلقًا إذا كانا مسلمين أو كافرين.
[مَسْأَلَةٌ] وَمَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْجُمْهُورِ أن الجماعة يقتلون بالواحد، قال عمر فِي غُلَامٍ: قَتَلَهُ سَبْعَةٌ فَقَتَلَهُمْ، وَقَالَ: لَوْ تَمَالْأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ. وَلَا يُعْرَفُ لَهُ فِي زَمَانِهِ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ كَالْإِجْمَاعِ، وَحُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ، وَلَا يَقْتُلُ بِالنَّفْسِ إِلَّا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُعَاذٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعبدالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ والزهري وابن سِيرِينَ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا أَصَحُّ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ أَبَاحَ قَتْلَ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَسَبِيلُهُ النَّظَرُ.الشيخ: والصواب ما قاله الجمهور أن قتل الجماعة بالواحد ولا يلتفت إلى من شذ عن ذلك وهو الذي قاله به عمر رضي الله عنه وأرضاه وقال فيه النبي ﷺ: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ولهذا ما ذهب إليه الجمهور؛ ولأن فيه سدًا على التحريض في قتل الناس بالجماعة، فإنه إذا ترك قتل الجماعة بالواحد صار من هذا أعظم الوسائل في التعدي على الناس وقتلهم بغير حق فيجتمع اثنان وثلاثة وأربعة ويصلون إلى الواحد فيقتلونه ويقولون لا يقتل الجماعة بالواحد، فهو وسيلة إلى سفك الدماء وانتهاك الحرمات والقاعدة في الشريعة: سد الذرائع المفضية إلى الشر والفساد.
وقصة عمر في هذا واضحة في ذلك فإذا تجمع ثلاثة أو أربعة على قتل واحد تعاونوا عليه قتلوا به، وهكذا في قطاع الطريق يقتل الجماعة بالواحد ...... يقتل هذا ويقتل هذا سدًا لباب الشر والفساد وحماية للأنفس المعصومة من الظلم فالجماعة المتآمرون وجماعة قطاع الطريق كالشيء الواحد يقتلون جميعًا حسمًا لمادة الفساد والقضاء على أسباب الحيل والمكر وحفظًا للدماء والنفوس من عبث العابثين ولهذا ذهب إليه الجمهور، وهو مذهب أحمد ورواية ... شاذة مخالف لما قاله الجمهور والتي في كتب ... توافق ما في كتب الآخرين فيقتل الجماعة بالواحد.
 وَقَوْلُهُ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ يعني: فَمَنْ تُرِكَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ يَعْنِي أَخْذِ الدِّيَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ، وَذَلِكَ الْعَفْوُ، فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ يَقُولُ: فَعَلَى الطَّالِبِ اتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا قَبِلَ الدِّيَةَ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ يَعْنِي من الْقَاتِلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَا مَعْكٍ يَعْنِي الْمُدَافَعَةُ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيُؤَدِّي الْمَطْلُوبَ بِإِحْسَانٍ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ.
الشيخ: وهذا معناه أن الواجب على من عفي له عن القصاص وسمح الورثة بالدية أن يؤدي بإحسان وألا يماطلهم وألا يؤذيهم، بل يبادر ويسارع إلى أداء الحق لأن هذه المماطلة والأذى قد يفضي إلى أن يرجعوا عما سمحوا عنه وأن يقتلوه بعدما عفوا عن القتل، فتقع فتنة وفساد، فالواجب أن يبادر إلى إعطائهم الدية اغتنامًا لسماحهم لئلا يشوش عليهم الشيطان أو نواب الشيطان فينكثوا عما قالوا ويرجعوا عمن قالوا ثم يقتلونه بعد ذلك بدله فيستحقون القتل، فتكون فتنة فيجب البدار بالدية بعد أن عفي له أن يبادر ويسارع حسمًا للمادة وقضاء على أسباب الشر.
س:...؟
الشيخ: لا ليس لهم الرجوع لكن قد يزين لهم الشيطان إذا أبطأ عليهم قالوا هذا ما قدر إحسانًا ولا قدر عفونا فيزين لهم الشيطان أو نوابه فيرجعون فيستحقون أن يقتلوا هم أيضاً.
س:...؟
الشيخ: الأفضل العفو، وإن عفو عن الدية والقصاص فهو أفضل وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237] فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] لكن إذا رأوا أن العفو قد يفضي إلى شر وإلى فساد من قرائن الأحوال فقد يقال حينئذ أن القصاص أولى، إذا رأوا أن القصاص قد يفضي إلى فساد؛ لأن الناس فيهم السفيه وفيهم العاقل وفيهم قوي الإيمان وفيهم ضعيف الإيمان فقد يعفو ويلزمون صغارهم يعني سفاءهم بالعفو ثم .. يقتلون بعد ذلك، فالذي ينبغي للعافي أن ينظر ويتأمل ولا يعجل بالعفو فإذا رأى أن العفو مناسب وفي محله ولا يخشى منه فتنة عفا، يطلب الأجر من الله سبحانه، أما إن كان العفو قد يفضي إلى فساد وإلى فتن وإلى اختلاف وإلى قتال فالقصاص حينئذ أحسم للمادة، وهكذا في مسائل أخرى غير القصاص.
س:....؟
الشيخ: يسقط القصاص وليس لهم إلا الدية إذا واحد انتهى ما يتبعض.
س:....؟
الشيخ: لا بأس، إن عفا على عشر ديات أو عشرين دية، قد وقع هذا في عهد السلف الصالح، إذا عفا الورثة عن أكثر من الدية فلا حرج لأن هذا حق لهم، لكن ما يلزم إذا عفوا إلا برضاه أما الدية المعينة فلا بأس، ولو ما رضوا، أما أكثر من  الدية لا يلزمه يقول: اقتصوا مني، أنا ما أعطيكم إلا الدية لو ما رضوا بالدية فلا بأس وإلا خذوا القصاص مني، لا يلزمه الزيادة إلا باصطلاح بينهم، إذا اصطلحوا بينهم فلا بأس.
س:...؟
الشيخ: إذا عفا بعضهم سقط القصاص، لكن ينبغي للعافي أن لا يشق عليهم ويسبب فتنة، ينبغي التشاور في العفو حتى يتم الرأي عند الجميع بالعفو ؛ لأنه قد يعفو واحد ويسقط القصاص، ثم يقتل أولئك ولا يبالون فتقع فتنة.
س:...؟
الشيخ: هذا شبه العمد هذا فيه تفصيل، المقصود العمد واضح محض، أما إن كان قتل في شبه العمد هذا لا يقتل به، والخطأ لا يقتل به، فإن القتل أنواع ثلاثة: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
فالقصاص في النوع الأول، أما شبه العمد والخطأ فلا قصاص عليه، ضربه بالعصا ومات بالعصا، ما يكون فيه قصاص لأن هذا في العادة لا يموت به الإنسان هذا مما قتل به شبه العمد، يكون به الدية مغلظة ويكون فيه الكفارة أيضاً، كالخطأ.
[مَسْأَلَةٌ] قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي وأحمد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى الدِّيَةِ إِلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يرض.الشيخ: وهذا هو الصواب أن أولياء المقتول هم الذين لهم الخيار لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي ﷺ قال: من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين، إما أن يأخذوا العقل وإما أن يقتلوا فالخيار ليس للقاتل وإن كان القتل هو المتعين أولاً لكن إذا سمح عنه أولياء المقتول أو رضوا بالدية فقد رضوا بالأدنى فهم مشكورون...، فالخيرة لهم بنص الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
[مسألة] وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَخَالَفَهُمُ الْبَاقُونَ.
الشيخ: قول الباقين هو الصواب وأن الحق مشترك بين الذكور والإناث في الدية وفي القصاص فإذا قتل القتيل عن أبيه وأمه وعن ابنه وبنته فالخيرة للجميع للأب والأم وللابن والبنت عند جمهور أهل العلم لعموم قوله ﷺ: فأهله بين خيرتين فأهله يشمل الذكور والإناث، وقال بعض السلف يختص بالعصبة هم الذين لهم العفو عن القصاص إلا الدية، لأن العار يلحقهم أكثر بالعفو.  
والصواب: ما دل عليه الأحاديث وهو أنه حق مشترك بين الورثة من الذكور والإناث فإذا عفت الأم أو عفت البنت أو عفت الزوجة سقط القود وبقيت الدية وإن عفوا جميعًا كذلك من باب أولى.
س:....؟
الشيخ: لأن فيه العار لأنه قد يعير بأخذه المال، فهذه حجة لا وجه لها ولا يلتفت إليها.
س:....؟
الشيخ: على كل حال قد يكون الإناث أكثر لو مات ميت عن أم وابن وعشر بنات فمن الأكثر؟ البنات أكثر، ولو مات عن أم وزوجة وأربع بنات وابن، كذلك الأمثلة كثيرة.
س: وإن عفا واحد؟
الشيخ: إذا عفا واحد سقط القود لأنه ما يتبعض.
س:.....؟
الشيخ: القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: القصاص والدية والعفو، فإن أخذوا القصاص فلهم بشروطه، وإن أخذوا الدية فلهم بشروطها، وإن عفو عن الجميع أو عن أحدهما فجزاهم الله خيرًا.
س: العفو مشترك بين الذكور والإناث؟
الشيخ: نعم.
وَقَوْلُهُ: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا شَرَعَ لَكُمْ أَخْذَ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ تَخْفِيفًا مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةً بِكُمْ مِمَّا كَانَ مَحْتُومًا عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ، كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُتِبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَّاصُ فِي الْقَتْلَى، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الْعَفْوُ، فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعبد بِالْعبد وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ.الشيخ: وهذا السند صحيح عن ابن عباس رحمه الله، فإن القصاص كان في اليهود وليس لهم الدية فإما أن يكون قصاص وإما أن يعفو، ويروى أن النصارى بعكس ذلك، النصارى ليس لهم إلا الدية وليس لهم القصاص، فإما أن يأخذوها وإما أن يتركوها ولا شيء لهم، والله سبحانه جعل لهذه الأمة الأمرين جميعًا تخفيفًا ورحمة وجعل لهم الخيار بين القصاص وبين الدية والعفو إن شاءوا أخذوا هذا أو هذا أو عفو. واتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان 
وقد رواه غير واحد عن عمرو، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بن دينار، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ رَحِمَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَأَطْعَمَهُمُ الدِّيَةَ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: إِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ وَعَفْوٌ لَيْسَ بَيْنَهُمْ أَرْشٌ، وَكَانَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ: إِنَّمَا هُوَ عَفْوٌ أُمِرُوا بِهِ وَجَعَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْقِصَاصَ وَالْعَفْوَ وَالْأَرْشَ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوُ هَذَا.
الشيخ: فإن النصارى مشهور أنه عندهم الدية .... ليس لهم إلا الدية واليهود لهم القصاص وليس لهم الخيار، وهذه الأمة لها الجمع بين الأمرين.
وَقَوْلُهُ: فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ يَقُولُ تَعَالَى: فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ أَوْ قَبُولِهَا، فَلَهُ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ أَلِيمٌ موجع شديد، وهكذا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ والحسن وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنِ حَيَّانَ أَنَّهُ هُوَ الذِي يُقْتَلُ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: من أُصِيبَ بِقَتْلٍ أَوْ خَبَلٍ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ، فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَارُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.الطالب: يقول حديث ضعيف فمحمد بن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث، وسفيان بن أبي العرجاء قال الحافظ الذهبي في الميزان: قال البخاري: في حديثه نظر.
يعني من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث وذكر الحديث، وقد أخرجه أبو داود وابن ماجه من طريق ابن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن هذا الرجل ولا يعرف بغير هذا الحديث وهو حديث منكر، ثم ذكره بسنده وقال بعد نهاية الحديث: أخرجه أبو داود  وابن ماجه عن محمد بن إسحاق انتهى.
وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب نحو هذا، ولكن تعقب الحافظ الذهبي في قوله أن سفيان لا يعرف إلا في هذا الحديث، فقال: كذا قال وقد أخرج له أحمد في مسنده حديثًا آخر من حديث ابن مسعود..
الشيخ: ...... حتى ولو ما صح هذا الحديث المقصود أن الواجب إما القصاص وإما الدية وإما العفو أما أن يأخذوا الدية ويقتلوه فهذا منكر ولا يجوز .... القصاص لأهل الدية ثم قتل.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عن الحسن عن سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا أُعَافِي رَجُلًا قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ يَعْنِي لَا أَقْبَلُ مِنْهُ الدِّيَةَ، بَلْ أَقْتُلُهُ.
وَقَوْلُهُ وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَقُولُ تَعَالَى: وَفِي شَرْعِ الْقِصَاصِ لَكُمْ، وَهُوَ قتل القاتل حكمة عظيمة وَهِيَ بَقَاءُ الْمُهَجِ وَصَوْنُهَا، لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ صَنِيعِهِ، فَكَانَ في ذلك حياة للنفوس، وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ فَجَاءَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي الْقُرْآنِ أَفْصَحُ وَأَبْلَغُ وَأَوْجَزُ وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: جَعَلَ اللَّهُ الْقِصَاصَ حَيَاةً، فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ فَتَمْنَعُهُ مَخَافَةَ أَنْ يُقْتَلَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مَالِكٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ.
يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ يَقُولُ: يَا أُولِي الْعُقُولِ وَالْأَفْهَامِ وَالنُّهَى، لعلكم تنزجرون وتتركون مَحَارِمَ اللَّهِ وَمَآثِمَهُ، وَالتَّقْوَى اسْمٌ جَامِعٌ لِفِعْلِ الطاعات وترك المنكرات.
س:.....؟
الشيخ: يحتمل هذا أو هذا يطلق على الجنون ويطلق على ..... فإذا فعل شيئًا عمدًا لا شبه فيه قتل بالقصاص وإن لا صار شبه العمد.
س: هل يقتل الوالد بولده؟
الشيخ: الصحيح لا يقتل به الدية فقط.
س: الدية لأمه؟
الشيخ: لأمه والباقي. والقاتل لا يرث.