4/965- وعَنْ أَبي ثَعْلَبةَ الخُشَنِي قَالَ: كانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزلًا تَفَرَّقُوا في الشِّعابِ والأَوْدِيةِ، فقالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعابِ وَالأَوْدِية إِنَّما ذلكُمْ منَ الشَّيْطَان، فَلَمْ يَنْزلُوا بعْدَ ذَلِكَ مَنْزلًا إِلَّا انْضَمَّ بَعضُهُمْ إِلَى بعْضٍ. رواه أَبُو داود بإسنادٍ حسنٍ.
5/966- وعَنْ سَهْلِ بنِ عمرو –وَقيلَ: سَهْلِ بن الرَّبيعِ بنِ عَمرو- الأنْصَاريِّ، المَعروفِ بابنِ الحَنْظَليَّةِ، وهُو مِنْ أهْل بَيْعةِ الرِّضَوان قالَ: مرَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ ببَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ ببَطْنِهِ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّه في هذِهِ البهَائمِ المُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوها صَالِحَةً، وكُلُوها صالحَةً رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
6/967- وعَن أَبي جعفرٍ عبدِاللَّهِ بنِ جعفرٍ رضيَ اللَّه عنهما قَالَ: "أَرْدَفني رَسُولُ اللَّه ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَه، وَأَسَرَّ إِليَّ حدِيثًا لا أُحَدِّث بِهِ أحَدًا مِنَ النَّاسِ، وكانَ أَحبَّ مَا اسْتَتَر بِهِ رسولُ اللَّه ﷺ لِحاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ" يَعْني: حَائِط نَخْل. رواه مسلم هكذا مُختصرًا.
وزادَ فِيهِ البَرْقانيُّ بإِسناد مسلم بعد قَوْله: "حائشُ نَخْلٍ": "فَدَخَلَ حَائطًا لِرَجُلٍ منَ الأَنْصارِ، فَإذا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأى رسولَ اللَّه ﷺ جَرْجرَ وذَرَفَتْ عَيْنَاه، فأَتَاهُ النبيُّ ﷺ فَمَسَحَ سَرَاتَهُ -أَي: سنامَهُ- وَذِفْرَاهُ فَسكَنَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذا الجَمَلُ؟ فَجاءَ فَتًى مِنَ الأَنصَارِ فقالَ: هَذَا لِي يَا رسولَ اللَّه، فقالَ: أَفَلا تَتَّقِي اللَّه في هذِهِ البَهيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياهَا؟! فإنَّهُ يَشْكُو إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ، ورواه أَبُو داود كروايةِ البَرْقاني.
5/966- وعَنْ سَهْلِ بنِ عمرو –وَقيلَ: سَهْلِ بن الرَّبيعِ بنِ عَمرو- الأنْصَاريِّ، المَعروفِ بابنِ الحَنْظَليَّةِ، وهُو مِنْ أهْل بَيْعةِ الرِّضَوان قالَ: مرَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ ببَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ ببَطْنِهِ، فَقَالَ: اتَّقُوا اللَّه في هذِهِ البهَائمِ المُعْجَمَةِ، فَارْكَبُوها صَالِحَةً، وكُلُوها صالحَةً رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.
6/967- وعَن أَبي جعفرٍ عبدِاللَّهِ بنِ جعفرٍ رضيَ اللَّه عنهما قَالَ: "أَرْدَفني رَسُولُ اللَّه ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَه، وَأَسَرَّ إِليَّ حدِيثًا لا أُحَدِّث بِهِ أحَدًا مِنَ النَّاسِ، وكانَ أَحبَّ مَا اسْتَتَر بِهِ رسولُ اللَّه ﷺ لِحاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ" يَعْني: حَائِط نَخْل. رواه مسلم هكذا مُختصرًا.
وزادَ فِيهِ البَرْقانيُّ بإِسناد مسلم بعد قَوْله: "حائشُ نَخْلٍ": "فَدَخَلَ حَائطًا لِرَجُلٍ منَ الأَنْصارِ، فَإذا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأى رسولَ اللَّه ﷺ جَرْجرَ وذَرَفَتْ عَيْنَاه، فأَتَاهُ النبيُّ ﷺ فَمَسَحَ سَرَاتَهُ -أَي: سنامَهُ- وَذِفْرَاهُ فَسكَنَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذا الجَمَلُ؟ فَجاءَ فَتًى مِنَ الأَنصَارِ فقالَ: هَذَا لِي يَا رسولَ اللَّه، فقالَ: أَفَلا تَتَّقِي اللَّه في هذِهِ البَهيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياهَا؟! فإنَّهُ يَشْكُو إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ، ورواه أَبُو داود كروايةِ البَرْقاني.
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها والتي بعدها فيما يتعلق بآداب السفر والرِّفق بالحيوان والإحسان إليه.
في الحديث الأول أنهم كانوا إذا نزلوا في السفر تفرَّقوا في الشِّعاب، فقال لهم: إنَّ هذا التَّفرُّق من الشيطان، فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا تقاربوا، ولا شكَّ أن تقاربهم أفضل؛ للتَّعاون فيما بينهم، ولأنَّ العدو لو نزل بهم لكانوا قريبين، في إمكانهم التَّحرز والحذر، بخلاف ما إذا تفرَّقوا، فإنَّ العدو قد يهجم، وربما أصاب بعضَهم على غِرَّة الآخرين في أوقات الحروب، والنبي ﷺ في المدينة ضده العرب حتى هداهم الله بعد فتح مكة.
فالمقصود أنَّ التَّفرق في المنازل قد يُفضي إلى شرٍّ، فينبغي أن يتقاربوا في منازلهم إذا نزلوا في السفر؛ لما فيه من المصالح والتعاون، ولا سيَّما إذا كان وقت حربٍ وجهادٍ، فإنَّ التقارب من أهم المهمات؛ حتى لا يطمع العدوُّ في بعضهم فيغتاله ويهجم عليه على غِرَّة الآخرين.
وفي الحديث الثاني أنَّه ﷺ رأى بعيرًا قد لحق ظهرُه ببطنه من شدة التَّعب والإعياء، فدعا صاحبه ونصحه وقال: اتَّقوا الله في هذه البهائم، فاركبوها صالحةً، وكلوها صالحةً، فالواجب على صاحب البهيمة أن يعتني بها، ولا يُجوِّعها، ولا يُتْعِبها في الشدّ والرحل، ولا يُكلِّفها ما لا تطيق، بل يُحمِّلها ما تطيق، مع الإحسان إليها، وإكرامها، فيأخذ حقَّه منها لكن مع إكرامها، ومع الإحسان إليها، ومع تكليفها ما تطيق.
هكذا حديث عبدالله بن جعفر في قصة البعير الذي لما رأى النبيَّ ﷺ جَرْجَر وصوَّت بعض الشيء، وطرح رأسَه، وذرفت عيناه، فجاء النبيُّ ومسح عليه -مسح على ذفريه وسراته- فسكن، فدعا صاحبه وقال: أحسنوا في هذه البهائم؛ لأنه يشكو إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدْئِبُه تُتعبه، فهذا يدل على أن الله جل وعلا ألهم هذا الجمل ما يفعل من شكوى لما رأى النبيَّ ﷺ، حتى نصح النبيُّ ﷺ صاحبَ الجمل وأمره بالإحسان إليه والرفق به.
وفي حديث عبدالله بن جعفر هذا الدلالة على إركاب الدابة لمن أركبه الدابة، وقد فعل النبيُّ هذا مرات: يُرْكِب الدَّواب، وهذا يدل على أنَّه لا بأس بالإرداف إذا كانت الدابةُ تطيق أن يركبها اثنان أو ثلاثة، إذا كانت قويةً، فقد فعل النبيُّ ﷺ ذلك في بعض أسفاره، فلما قدم جعل بعضَ الأولاد أمامه، وبعضَهم خلفه عليه الصلاة والسلام: الحسن، والحسين، وعبدالله بن جعفر، وابن الزبير، وأشباههم.
عبدالله بن جعفر هذا هو عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، ابن أخي علي رضي الله عنهما، كان أبوه قد قُتِل شهيدًا في حرب مُؤتة -حرب الروم- وهو صحابي صغير.
وفيه أنَّ الإنسان عند قضاء حاجته يستتر: في البرية، في السفر إذا أراد أن يقضي حاجته يلتمس هدفًا: جرفًا، أو دارًا، أو حائش نخلٍ، أو شبه ذلك مما يستره عن الناس.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: الآن في السباق يُجيعون الإبلَ حتى يلصق بطنُها بظهرها؟
ج: لا، هذا يُسمّونه التَّضمير، والظاهر فيه أنه ليس من هذا، فهو فقط يُخفّفها حتى تصير خفيفةً، فالتضمير هذا فعل خاصّ وطريقة خاصّة تُعدّ للمسابقة، حتى في عهد النبي ﷺ المُضَمَّرة شيء وغير المُضَمَّرة شيء؛ فالمُضَمَّرة يكون لها أمد بعيد في المسابقة، وغير المضمَّرة التي ما أُعِدَّتْ يكون أمدها قريبًا، فالتضمير طريقة خاصّة في علاجها وتهيئتها للمسابقة، ما هو بحملٍ عليها، إنما تنظيم لعَلَفِها وشُربها وأشباه ذلك.
س: التَّفرق في الشِّعاب لأجل الظلِّ؟
ج: لا بأس به إذا كان على حسب الحاجة وليس هناك خوفٌ من عدوٍّ.