312 من: (باب إعانة الرفيق)

 
169- بابُ إعانةِ الرفيقِ
في الباب أحاديث كثيرة تقدَّمت: كحديث: والله في عون العبد ما كان العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ، وحديث: كُلُّ مَعْرُوفٍ صدقة وأشباههما.
1/969- وعن أَبي سعيدٍ الخُدْريِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ في سَفَرٍ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلةٍ لهُ، فَجعَلَ يَصْرِفُ بَصَرهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهر لَهُ، ومَنْ كانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا زَادَ لَهُ، فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَهُ، حَتى رَأَينَا أَنَّهُ لا حقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ. رواه مسلم.
2/970- وعَنْ جابرٍ ، عَنْ رسولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّه أَرادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ والأنصارِ، إِنَّ مِنْ إخْوَانِكُم قَوْمًا لَيْس لهمْ مَالٌ وَلا عَشِيرَةٌ، فَلْيَضُمَّ أَحَدُكم إِليْهِ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الثَّلاثَةَ، فَمَا لأحدِنَا مِنْ ظهرٍ يَحْمِلُهُ إلا عُقبَةٌ كَعُقْبَةٍ -يَعْني أَحَدَهمْ- قال: فَضَمَمْتُ إليَّ اثْنَيْنِ أَو ثَلاثَةً، مَا لِي إِلَّا عُقْبَةٌ كعُقْبَةِ أَحَدِهمْ مِنْ جَمَلي. رواه أَبُو داود.
3/971- وعنه قَالَ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخلَّف في المَسِيرِ، فَيُزْجِي الضَّعيفَ، ويُرْدِفُ، ويَدْعُو لَهُ .. رواه أَبُو داود بإِسنادٍ حسنٍ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها فيها الحثّ على رحمة الإخوان بالفقراء والإحسان إليهم في السفر، وفي الجهاد، وفي سائر الأحوال، وفي الحضر أيضًا؛ لأنَّ المسلم أخو المسلم.
وفي الحديث يقول ﷺ: مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ويقول ﷺ: والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه.
ومن هذا أنه كان عليه الصلاة والسلام يحثّهم على مساعدة إخوانهم والإحسان إليهم، وأنَّ معهم مَن ليس له مال من إخوانهم من المهاجرين وغيرهم، وهكذا في السّفر حثّهم على الحمل والرِّفد.
ولهذا كان الصحابةُ يعطف بعضُهم على بعضٍ، وإذا كانوا في سفرٍ ركبوا عُقْبَةً مراعاةً لمن ليس له ظهر -ليس معه مطيَّة- فكان الثلاثة والأربعة بالراحلة الواحدة يتعاقبون، كل واحدٍ يركب قليلًا حتى يسيروا إلى حاجتهم، وهكذا في الطعام: يُواسي بعضُهم بعضًا، ويُحسِن بعضُهم إلى بعضٍ.
ولهذا يقول ﷺ في حديث أبي سعيد: مَن كان له فضلٌ فليَعُدْ به على مَن لا فضلَ له فضل ظهر، فضل طعام، فضل ثياب، فضل شراب، إلى غير ذلك.
ويقول ﷺ: مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه، ويقول ﷺ: مَن نفَّس عن مؤمنٍ كُرْبَةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعْسِرٍ يسَّر الله له في الدنيا والآخرة، ومَن ستر مُسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه.
وكان يتخلَّف في الغزو حتى يُراعي الضَّعيف والمسكين فيما يتعلَّق بحاله، أو بجمله، أو بغير هذا من شُؤونه، ومرةً تخلَّف وراء الجيش فإذا هو بجابرٍ معه جمل قد أعياه، فضربه حتى سار سيرًا حسنًا، ثم اشتراه منه وقال: "أستعمله إلى المدينة" فشرط له ظهره إلى المدينة، فلما وصل إلى المدينة جاءه بالبعير فسلَّمه إلى النبي ﷺ، فأعطاه النبيُّ ﷺ الثَّمن وزاده، ثم قال: لك البعير أيضًا خذ البعير أيضًا، فأعطاه البعير وأعطاه الثمن.
فالمقصود أنَّ على ولي الأمر والأمير وشيخ القبيلة ورئيس الإخوان فيما بينهم وكبير القرية ورئيس الفرقة في الغزو أو في السفر ورئيس الحارة في البلد أن يتفقد إخوانه، ويتفقد أحوالهم؛ الفقراء والمحاويج، حتى يُواسي المنقطع والفقير.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: الأمر في حديث أبي سعيدٍ للوجوب أم للاستحباب؟
ج: الأمر للوجوب، ما هو للاستحباب، فالمسلمون شيءٌ واحدٌ، يُواسِي بعضُهم بعضًا، ويُحْسِن بعضُهم إلى بعضٍ، هذا هو الأصل في الأوامر.