122 من: (باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم)

 
41- باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم
قَالَ الله تَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22- 23]، وَقالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد:25]، وَقالَ تَعَالَى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23- 24].
1/336- وعن أَبي بكرةَ نُفَيْع بنِ الحارثِ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ؟ ثلاثًا، قُلنا: بلَى يَا رسولَ اللَّه، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وعُقُوقُ الْوَالِدَيْن، وكان مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلا وقَوْلُ الزُّورِ، وشهادة الزُّورِ، فَما زَال يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
2/337- وعن عبداللَّهِ بنِ عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما، عن النَّبي ﷺ قَالَ: الكَبَائرُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّه، وعقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، والْيَمِينُ الْغَمُوس رواه البخاري.
3/338- وعنه : أَن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: مِنَ الْكَبائِرِ: شَتْمُ الرَّجلِ والِدَيْهِ، قالوا: يَا رسولَ اللَّه، وهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟! قَالَ: نَعمْ، يَسُبُّ أَبا الرَّجُلِ، فيَسُبّ أَباه، ويَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبّ أُمَّهُ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكبائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ والِدَيْهِ، قِيلَ: يَا رَسُول اللَّهِ، كيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟! قَالَ: يَسُبُّ أَبا الرَّجُل، فَيَسُبّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّه، فيَسُبّ أُمَّهُ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث مع الآيات الكريمات كلها تتعلق بتحريم العقوق، وعقوق الوالدين من جملة قطيعة الرحم، ولكنَّه أشدّ ذلك، وأعظم ذلك، أعظم القطيعة قطيعة الوالدين، ويُسمَّى: العقوق، وهكذا عقوق الأجداد والجدَّات، وكل واحدٍ يُسمَّى والد، وما يتعلَّق بالإخوة وغيرهم يُسمَّى: قطيعة، وهو عقوق في المعنى.
فالواجب على كل مسلمٍ أن يحذر العقوقَ والقطيعة جميعًا، وأن يكون بارًّا بوالديه، واصلًا لأرحامه، وأن يتَّقي الله في ذلك، حتى ولو قطعوه، ولو أساؤوا إليه، يُؤدِّي ما عليه من الحقِّ، كما قال ﷺ: ليس الواصلُ بالمُكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمُه وصلها، يُقابل السيئةَ بالإحسان، هكذا أهل الحق -أهل السنة والجماعة- يصلون مَن قطعهم، ويُحْسِنون لمن أساء إليهم، يقول الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ۝ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22- 23]، يدخل في ذلك العقوق؛ لأنه أعظم القطيعة وأشدّها، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرعد:25]، لا حول ولا قوة إلا بالله، فنقض العهود وقطيعة الأرحام والفساد في الأرض بالمعاصي شرّها عظيم، وفسادها كبير.
فالواجب على المسلم أن يتَّقي الله، وأن يبتعد عن أسباب غضب الله وعقابه من جميع المعاصي: العقوق، والقطيعة، وغير ذلك مما حرَّم الله ، فالمؤمن يتحرَّى ما أوجب الله وما شرع، فيفعل ذلك، ويبتعد عمَّا حرَّم الله وما كره غاية الابتعاد، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله.
يقول النبيُّ ﷺ لأصحابه: ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ يُكررها ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان مُتَّكئًا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يُكررها حتى قلنا: ليتَه سكت، يعني: يُكررها تحذيرًا منها.
فالإشراك بالله هو أعظم الذّنوب، وهو أعظم الجرائم، قيل: يا رسول الله، أيّ الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نِدًّا وهو خلقك، فأعظم الذنوب وأكبر الجرائم: الشرك بالله والكفر به ، كما أنَّ أعظم الواجبات وأعظم الفرائض: توحيد الله والإخلاص له، ومن الجرائم: عقوق الوالدين وقطيعتهما، من أكبر الكبائر، ومن الجرائم: شهادة الزور، يقول جل وعلا: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، فشهادة الزور من أقبح القبائح؛ لما يترتب عليها من الشرِّ، وظلم الناس، والعدوان عليهم، واستحلال أموالهم بغير حقٍّ.
ويقول ﷺ: الكبائر: الإشراك بالله يعني: من الكبائر، وعقوق الوالدين، وقتل النَّفس، واليمين الغَمُوس كلها كبائر، يعني: من الكبائر، والإشراك أكبرها، ثم عقوق الوالدين، ثم قتل النفس، ثم اليمين الغموس، فكلها من الكبائر.
وفي الحديث الآخر: اجْتَنِبُوا السبعَ المُوبِقات، قلنا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله، والسّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتَّولي يوم الزَّحْف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
فالمسلم يحذر كلَّ ما حرَّم الله عليه، ويبتعد عن أسباب غضب الله أينما كان، ولا سيّما كبائر الذنوب؛ فإنَّ خطرها عظيم، ولا تُغفر إلا بالتوبة، قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، وقال ﷺ: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر، فالكبائر خطرها عظيم.
ويقول ﷺ: من الكبائر: شتم الرجل والديه، وفي اللفظ الآخر: من أكبر الكبائر: شتم الرجل والديه، قال الصحابي: يا رسول الله، وهل يَسُبّ الرجلُ والديه؟ يعني: هذا مُستبعد في العقول والفِطَر، كيف يَسُبّ والديه؟! حتى الكافر استنكر سبَّ الوالدين: وهل يَسُبّ الرجلُ والديه؟! قال: نعم، يَسُبّ أبا الرجل، فيسبّ أباه، ويسبّ أمَّه، فيسبّ أمه يعني: تسبَّب، وإن كان لا يسبّهما مباشرةً، فالعاقل لا يسُبّ والديه ولو كان كافرًا، ما يسُبّ الوالدين إلا جاهل جهلًا مُركَّبًا، أو سفيه، أو معتوه، والداه اللذان ربَّياه وأحسنا إليه يسبّهما؟! هذا من أبعد الناس عن الفطرة، وعن الشرع، وعن كل خيرٍ -نسأل الله العافية.
قد يقع تَسَبُّبٌ: بأن يسُبّ أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه، يشتم والديه، فيشتم والديه، إذا سبَّ أمَّه، سبَّ أمَّه، وإذا سبَّ أباه، سبَّ أباه، مقابلة، وقد يقع من السّفهاء لضعف الإيمان وعدم الإيمان، فسبُّ الوالدين وإن كان خلاف الشرع وخلاف الفطرة لكن يقع من بعض السّفهاء ما هو خلاف الشرع وخلاف الفطرة؛ لجهلهم وسفههم وبُعدهم عن الخير، فإذا كان الكفار استنكروا ذلك، فكيف يليق بالمسلم أن يقع منه سبّ الوالدين؟!
والمقصود من هذا التَّحذير والتَّرهيب من عقوقهما والإساءة إليهما، وأنَّ الواجب برّهما والإحسان إليهما وإن أساءا إليك: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15]، لو أساءا فأحسن أنت، ولا تُقابل إساءتهما بالإساءة، بل إذا أساءا إليك فواجبك الإحسان إليهما، والرفق بهما، والترحم عليهما، واستعمال الأسباب التي تُزيل غضبهما.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: مَن تزوَّج بغير إذن والديه هل يُعتبر عاقًّا؟
ج: لا، ما هو بعاقٍّ، فالزواج واجبٌ عليه إذا كان يشتهي، لكن إذا شاورهما يكون أحسن وأفضل.
س: يعني: هما غاضبان عليه حتى يُطَلِّق، فهل يكون عاقًّا؟
ج: لا، ما هو بعاقٍّ، إذا كانت الزوجةُ مناسبةً وطيبةً وليس فيها بأسٌ عليهما فلا يلزمه الطلاق: إنما الطاعة في المعروف.
س: بعض العوام يسُبّ زميله أو صديقَه ويقول: أنا أمزح معه؟
ج: ما يجوز السَّبّ، لا مَزْحًا، ولا جِدًّا.
س: .............. الكبائر؟
ج: لا تُعَدُّ، فهي كثيرة، مثلما قال ابنُ عباس: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى سبعٍ".
س: ما كفَّارة قول الزور؟
ج: التَّوبة، كل شيءٍ تُكفّره التوبة، حتى الشرك.
س: إذا شهد بالزور في المحكمة؟
ج: عليه التوبة، وإذا ترتب على شهادته أخذ مالٍ فعليه أن يرد المالَ إلى صاحبه، أو قتل نفسٍ بغير حقٍّ يضمن -نسأل الله العافية.
س: ما صحة الحديث السابق: الوالد أوسط أبواب الجنة؟
ج: ما راجعتُ سنده، لكن ..
الطالب: السند معي.
ج: نعم.
الطالب: يقول: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السَّائب، عن أبي عبدالرحمن السُّلمي، عن أبي الدرداء قال: إنَّ رجلًا أتاه فقال: إنَّ لي امرأةً، وإنَّ أمي تأمُرني بطلاقها، فقال أبو الدرداء: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئتَ فأضع ذلك البابَ أو احفظه.
ج: سنده جيد؛ لأنَّ عطاء بن السائب اختلط، لكن سفيان سمع قبل الاختلاط.
س: ما حكم مَن يكتم الشَّهادة؟
ج: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283] –نسأل الله العافية.
س: بعضهم إذا طُلِبَتْ منه الشَّهادة يرفض ويقول: أخاف أن أُسبّب المشاكل؟
ج: لا، ما يجوز له أن يكتم الشَّهادة –نسأل الله العافية.
س: أخٌ من الرضاعة هل يدخل ضمن الرحم؟
ج: الأخ من الرضاعة ما هو برحم.