127 من: (باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم)

44- باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلَى غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم
قَالَ الله تَعَالَى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ [الزمر:9].
1/348- وعن أَبي مسعودٍ عُقبةَ بنِ عمرٍو البدريِّ الأنصاريِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا في الْقِراءَةِ سَواءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُد في بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: فَأَقْدمُهُمْ سِلْمًا بَدل سِنًّا، أَيْ: إِسْلامًا.
وفي روايةٍ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكتَابِ اللَّهِ، وأَقْدَمُهُمْ قِراءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِراءَتُهمْ سَواءً فَيَؤُمُّهم أَقْدمُهُمْ هِجْرةً، فَإِنْ كَانوا في الهِجْرَةِ سوَاءً فَلْيَؤُمّهُمْ أَكْبرُهُمْ سِنًّا.
2/349- وعنه  قَالَ: كَانَ رسولُ اللَّه ﷺ يَمْسحُ منَاكِبَنَا في الصَّلاةِ وَيَقُولُ: اسْتَوُوا وَلا تَخْتلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنكُمْ أُولو الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يلونَهم رواه مسلم.
3/350- وعن عبداللَّه بنِ مسعودٍ قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلامِ والنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ –ثَلاثًا- وإِيَّاكُم وهَيْشَاتِ الأَسْواقِ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه ينبغي إكرام العلماء، والأخيار، والذين لهم قدم صدقٍ في الإسلام، وأن تكون لهم مراتب على قدر علمهم وفضلهم؛ لما في ذلك من التَّشجيع على الخير، والترغيب في الخير، وتقدير أهل الخير، ولهذا يقول جلَّ وعلا: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ، فلا شكَّ أنه لا يستوي أهلُ العلم وغيرهم، ولا يستوي الأخيارُ والفُسَّاق، ولا يستوي كبارُ السن وصغارُ السن، فينبغي إنزال الناس منازلهم، ولهذا يُروى عنه ﷺ أنه قال: أَنْزِلُوا الناسَ منازلهم، فكلٌّ له منزلته التي قدَّرها الله له على حسب علمه وأعماله واجتهاده ومنزلته في الإسلام.
ومن هذا حديث أبي مسعودٍ البدريِّ : يقول النبيُّ ﷺ: يؤم القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة يعني: سنَّة النبي ﷺ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة إذا كانوا مهاجرين، فإذا كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلْمًا، وفي روايةٍ: سنًّا يعني: فأكبرهم سنًّا، وإذا كانوا مُتقاربين فأقدمهم إسلامًا، إذا كانوا أسلموا أو وُلِدُوا في الإسلام، بعضهم أسلم قبل بعضٍ، فالأقدم سلمًا يكون في الغالب أعلم بالشريعة، وأكثر بصيرة بها، وهذا كله من باب إنزال الناس منازلهم، وإذا كانوا في الإسلام سواءً فأكثرهم قرآنًا كما في حديث عمرو بن سلمة: يؤمّكم أكثركم قرآنًا.
فإن نظر ولي الأمر في التقديم والتأخير ينظر في المتقدمين، فمَن كان أجودهم قراءةً وأكثرهم قرآنًا قُدِّم على غيره، ثم مَن كان أعلمهم بالسنة، وأبصرهم بالدين، يُقدَّم على غيره، ثم مَن كان أقدم هجرةً، إن كان فيهم مهاجرون وغير مهاجرين فأقدمهم هجرةً، وإن كانوا في السن سواءً فأقدمهم إسلامًا، إن كان أصلُهم كفَّارًا ثم أسلموا، وإن كان فيهم صغارٌ وكبارٌ في السن فأكبرهم سنًّا، إذا تساووا في العلم والفضل، كلّ هذا من باب إنزال الناس منازلهم.
ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يجلس في بيته على تَكرمته إلا بإذنه معناها: إذا كان له سلطان في مسجدٍ أو في البيت لا يؤمّه غيره، فلا يتقدم في المسجد على الإمام الراتب؛ لأنه سلطانه، ولو كان أعلم منه لا يتقدم إلا بإذنه، وهكذا في أي عملٍ إذا كان له سلطانٌ فيه فلا يتقدم عليه في سلطانه، ولكن يستأذن، وهكذا إذا كان له مكان في البيت -مجلس خاص وتكرمة خاصة- لا يتقدم إليه الضيف إلا بإذن صاحب المنزل، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه، يعني: على الشيء المُعدّ الذي يختص به ويجلس فيه، إلا بإذنه، كل هذا من باب الأدب، ومن باب إنزال الناس منازلهم.
وفي الحديث الآخر يقول ﷺ: ليلني منكم أولو الأحلام والنُّهَى، فكان يمسح مناكبَهم ويقول لهم: استووا ولا تختلفوا فتختلفَ قلوبُكم، ولِيَلِنِي منكم أولو الأحلام والنُّهَى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، المقصود حثّ أهل العلم والبصيرة والقَدم في الإسلام على أن يتقدموا على حُدثاء العهد بالإسلام والصغار، يتقدَّموا في الصف الأول، ويُسارعوا إلى الصلاة، فلا يكونوا مع المتأخرين، أهل العلم والبصيرة والخير وكبار السن ينبغي لهم أن يتقدَّموا، لا يكونوا في الآخرة، ينبغي أن يتقدَّموا ويُسارعوا إلى الصلاة، وليس معناه أنَّ مَن تقدَّم من الشباب يُؤَخَّر، لا، ما يُؤخَّر، مَن سبق فهو أحق، لكن معناه حثّ كبار السن والقَدم في الهجرة على أن يتقدَّموا، وأن يكونوا منافسين ومسارعين إلى الخيرات، مسارعين إلى الصف الأول قبل غيرهم، ومَن تقدَّم من الشباب قبلهم فهو أحقُّ بمكانه، مَن سبق إلى مكانٍ فهو أحق به، لكن يُشرع لأُولي الأحلام والنُّهَى أن يتقدَّموا، وأن يُسارعوا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، حتى يكونوا حول الإمام وقربه، يردون عليه إذا غلط، ويخلفونه إذا حصل له عذر، إلى غير ذلك.
وإيَّاكم وهَيْشَات الأسواق: ما يكون في الأسواق من الصِّياح واللِّجاج والاختلاف، يكون المؤمنُ فيها صاحب عقلٍ وفكرٍ وكلمةٍ راجحةٍ، لا يكون مع أهل السَّفَهِ والصَّيحات والشَّوشرة في الأسواق، يكون عنده تُؤَدَة، وعنده ركود، وعنده علم، وعنده بصيرة، ينفع الأسواق، ويُرشد أهل الأسواق، ويُحذِّر أصحابَه من الخلاف.
يقول: لا تختلفوا فتختلِفَ قلوبُكم حثَّ القُرَّاء والجيران والأقارب على التَّواصي فيما بينهم والتقارب وإحسان الحديث، حتى لا تختلف قلوبهم، يعني: ينبغي أن يتجنبوا كلَّ كلامٍ قد يُثير شحناء وعداوة، وقد يُفرّق الصُّفوف، فينبغي للجيران والأقارب والمجتمع كله أن يحرصوا على ما يُقرب القلوب، ويجمعها على الخير، ولا يُفرِّقها ويجعلها في تنازعٍ واختلافٍ، وهذا كله من نصحه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال جل وعلا في كتابه العظيم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران:103]، فحثَّ سبحانه على الاجتماع وعدم التَّفرُّق، قال: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]، فالتَّقارب والتَّعاون على جمع الكلمة أمرٌ مطلوبٌ: بين أهل القرية، بين الأقارب، بين الجيران، بين الزملاء، وهكذا.
نسأل الله للجميع التوفيق.

الأسئلة:

س: ما جاء في حديث أُبَيٍّ عند النسائي أنه وجد طفلاً في الصف فجذبه؟
ج: هذا اجتهاد منه ، ما يُسَلَّم له.
س: .................
س: ما صفة العالم؟
ج: العالم بالكتاب والسنة، الذي يعرف الكتاب والسنة ويتفقَّه فيهما، ما هو بعالم الحساب، ولا عالم الأنساب.