130 من حديث: (قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر..)

 
10/357- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما قال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلَى ابنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ رضي اللَّه عنه، فَلَمَّا دَخَل قَالَ: هِي يَا ابْنَ الخَطَّابِ! فَوَاللَّه مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَلا تَحْكُمُ فِينَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ رضي اللَّه عنه حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللَّهِ مَا جاوزَهَا عُمرُ حِينَ تَلاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّه تَعَالَى. رواه البخاري.
11/358- وعن أَبي سعيدٍ سَمُرةَ بنِ جُنْدبٍ قَالَ: لَقَدْ كُنْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه ﷺ غُلامًا، فَكُنْتُ أَحفَظُ عنْهُ، فَمَا يَمْنَعُني مِنَ القَوْلِ إِلَّا أَنَّ هَهُنَا رِجالًا هُمْ أَسَنُّ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
12/359- وعن أَنسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَا أَكْرَم شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْد سِنِّه رواه الترمذي وقال: حديثٌ غريبٌ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في شرعية العناية بأهل الفضل والعلم وكبار السن وذوي السلطة، في إكرامهم، وإنزالهم منازلهم، وحُسن الأدب معهم، والحذر من سُوء الأدب، وأنَّ الواجب على أهل العلم والإيمان وأهل الأخلاق الفاضلة وأهل المُروءة: التَّقيُّد بالأخلاق الفاضلة، والحذر من الأخلاق السيئة، وأخلاق السُّفهاء.
وفي حديث قصة عُيينة بن حصن الفزاري -رئيس فزارة- أنه قدم على عمر في خلافته ، وكان الحرُّ بن قيس من جُلساء عمر، وكان عمر يُجالس القُرَّاء والعلماء والأخيار وذوي المروءة، وكانوا هم أهل مجلسه، شيبًا كانوا أو شُبَّابًا، ومنهم ابن عباس مع شبابه ، فقال عُيينةُ للحُرِّ: "استأذن لي على هذا الأمير حتى أُكَلِّمه"، فاستأذن له الحُرُّ، فدخل عُيينةُ على عمر فقال عبارةً جافَّةً غير لائقةٍ: "هي يا ابن الخطاب!"، ما قال: يا أمير المؤمنين، وإنما قال: "هي يا ابن الخطاب! إنك لا تُعطينا الجَزْل، ولا تحكم فينا بالعدل"، وهذه كلمةٌ باطلةٌ خبيثةٌ، فإنَّ عمر يُضْرَب بعدله المثل، وهو أفضل الناس بعد الصديق، وهو أكمل الناس في عدله وتحريه للحقِّ بعد رسول الله ﷺ، وبعد الصديق ، ولكن هذا من رؤساء البادية الذين يغلب عليهم الجهل والجفاء؛ لأن الغالب على رؤساء البادية الجهل والجفاء وسوء الكلام، فكره ذلك عمرُ ، وهَمَّ أن يُوقِع به ويُؤَدِّبه على هذا الكلام السَّيئ، فقال له الحُرُّ : "يا أمير المؤمنين، قد قال الله لنبيه ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]"، وفي الآية الأخرى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63] في صفة عباد الرحمن، فلما تلا الحُرُّ هذه الآية: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، قال الحُرُّ لعمر: "والله إنَّ هذا من الجاهلين"، فأعرض عنه عمر ولم يُعاتبه على زَلَّته؛ لجهله وسُوء خُلقه، ولا بدّ أن الحُرَّ بن قيس نصحه وبيَّن له ما ينبغي.
فالمقصود أنَّ الواجب على المسلم أن يعرف قدرَ مَن يُخاطب، وأن يستعمل الخطابَ الحسنَ، والأسلوب المناسب، فهكذا المؤمن في أساليبه وكلامه: يستعمل الأساليبَ المناسبة، والكلامَ الطيب، ولا يستعمل خلافَ ذلك: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]، وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، فينبغي للمؤمن أن يتحرَّى الكلام الطيب في أساليبه مع الناس.
يقول سمرةُ بن جندب أنه كان شابًّا، وكان يحفظ بعض الأشياء عن النبي ﷺ، ولا يمنعه أن يتكلم إلا أنَّ هناك مَن هو أسنّ منه، فهذا فيه تقديرُ العالم الصغير للعلماء الكبار، فإذا حضر معهم يدع الكلامَ لهم، إلا إذا كان عنده علمٌ ليس عندهم فيُبَيِّنه، وإذا كان عندهم ما عنده فمن الأدب أن يدع الكلامَ لهم.
كذلك حديث: ما أكرم شابٌّ شيخًا إلا قيَّض الله له عند سِنِّه مَن يُكرمه، والحديث وإن كان غريبًا لكن الشواهد كثيرة، فالجزاء من جنس العمل، مَن أحسن يُحْسَن إليه، مثلما قال ربُّنا جلَّ وعلا: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وربنا هو أكرم وأفضل وأرحم بعباده، وأحكم الحاكمين، وهو سبحانه وتعالى يُجازي بالحسنة الحسنة ويزيد جلَّ وعلا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهو سبحانه ذو الفضل، وذو الجود والكرم، فإذا أكرم الشابُّ الشيخَ ورعاه في مساعدته، وفي تقديم حاجته إليه، وفي تقديمه في المجلس المناسب، أو في حاجته إذا عجز عنها، وما أشبه ذلك؛ يكون له أجره عند الله.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

طالب: سند حديث أنسٍ؟
ج: ...................
الطالب: سند الحديث معي، هل أقرأه عليك؟
ج: حديث مَن؟
الطالب: أنس.
ج: نعم.
الطالب: حدثنا محمد بن المثنى، أخبرنا يزيد بن بيان العُقيلي، حدثني أبو الرحال الأنصاري، عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله ﷺ: ما أكرم شابٌّ شيخًا لسِنِّه إلا قيَّض الله له مَن يُكرمه عند سِنِّه، هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ يزيد بن بيان، وأبو الرحال الأنصاري آخر، وفي "الجامع الصحيح" يقول: وأبو الرجال. انتهى كلامه.
ج: أيش قال عن الشيخين: يزيد وأبي الرحال، أو أبي الرجال؟
الطالب: في "تحفة الأحوذي" يقول: أخبرنا يزيد بن بيان العقيلي بالضم، أبو خالد البصري، ضعيف من التاسعة. وقال في "تهذيب التهذيب": يزيد بن بيان العقيلي أبو خالد البصري المعلم الضَّرير المؤذن، روى عن أبي الرحال الأنصاري عن أنسٍ حديث: ما أكرم شابٌّ شيخًا لسِنِّه .. الحديث. حدثني أبو الرحال الأنصاري -بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة- البصري، اسمه محمد بن خالد، وقيل: خالد بن محمد، اعلم أنَّ كون أبي الرحال -بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة- هو الصواب في هذا السند، وأما قول الترمذي في آخر هذا الباب: "وأبو الرجال الأنصاري آخر"، فهو بكسر الراء وتخفيف الجيم، فاحفظ هذا، وقد وقع في النسخة الأحمدية في هذا السند: أبو الرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم، قال في هامشها: قوله: أبو الرجال بالجيم، وفي آخر الباب بالحاء هذا ما وجدتُه في الكتب الدّهلوية، وفي نسخة صحيحة منقولة من العرب عكسه، وعليهما فيه علامة الصحة. قلت: ما في النسخة الصَّحيحة المنقولة من العرب من كون أبي الرحال بالحاء المهملة في هذا السند، وكون أبي الرجال بالجيم في آخر الباب: هو الصواب؛ لما عرفت آنفًا في عبارة "تهذيب التهذيب" من أن يزيد بن بيان العقيلي روى حديثَ الباب عن أبي الرحال؛ ولأن الحافظ رمز على أبي الرحال -بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة- بحرف تاء، ورمز على أبي الرجال -بكسر الراء وتخفيف الجيم- بحروف "خ. م. س. ق"؛ ولأنَّ الحافظ قال في ترجمة أبي الرحال بالحاء المهملة: "روى عن أنسٍ وغيره، وعنه يزيد بن بيان العقيلي وغيره"، فهذه الوجوه الثلاثة تدل بمجموعها على أنَّ في هذا السند أبا الرحال بالحاء المهملة، دون أبي الرجال بالجيم، وأبو الرحال -بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة- الأنصاري البصري اسمه محمد بن خالد، وقيل: خالد بن محمد، ضعيف من الخامسة، وأما أبو الرجال فقال ..
ج: المقصود أنَّ فيه ضعيفين: يزيد وأبا الرحال، كلاهما ضعيف؛ ولهذا قال الترمذي رحمه الله: "غريب"، لكن شواهده معروفة من أدلةٍ أخرى، فإكرام الشَّاب للشيخ شواهده معروفة.
س: ما المقصود بـ"والله ما جاوزها" في الحديث؟
ج: يعني: ما تعدَّاها، وقف عندها، فقد كان عمر وقَّافًا عند كتاب الله، مُتأدِّبًا مع كتاب الله.
س: إكرام الشيخ الكبير سواء كان من أهل الصلاح أو من غير أهل الصلاح؟
ج: كلٌّ على قدره، أهل الصلاح لهم مقدارهم، والشيخ الكبير الذي ليس من أهل الصلاح يُكرمه بالإحسان إليه، ودعوته إلى الله، وتعليمه، ورحمة حاله إن كان فقيرًا فيُساعده، وإن كان عاجزًا عن عصاه يُقدِّم له عصاه، ويُقدِّم له نعاله، كلّ هذا من الإحسان.
س: ...................