148 من: (باب الرجاء)

 
51- باب الرجاء
قَالَ الله تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، وَقالَ تعالى: وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ:17]، وَقالَ تَعَالَى: إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [طه:48]، وقال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156].
1/412- وعن عُبادَة بنِ الصامِتِ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحمَّدًا عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وأَنَّ عِيسى عَبْدُاللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وأَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ؛ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى مَا كانَ مِنَ العمَلِ متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ لمسلم: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رسُولُ اللَّهِ؛ حَرَّمَ اللَّهُ علَيهِ النَّارَ.
2/413- وعن أَبي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النبيُّ ﷺ: يقولُ اللَّهُ عزَّ وجَلَّ: مَنْ جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِها أَوْ أَزِيدُ، ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، ومَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتاني يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بمِثْلِها مَغْفِرَةً رواه مسلم.
3/414- وعن جابرٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلى النبيِّ ﷺ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما المُوجِبَتانِ؟ قَالَ: مَنْ مَات لا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئًا دخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ ماتَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ رواه مُسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث كلها تتعلق بالرجاء، وأنَّ الواجب على المؤمن ألا يقنطَ من رحمة الله، وأن يكون بين الخوف والرَّجاء، فيخاف الله ويرجوه، هذا هو الواجب، فيخاف الله، ويبتعد عن السيئات، ويرجوه، ويعمل بالطاعات، ويُحْسِن ظنَّه بربه، قال تعالى في أهل الإيمان من الرسل وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا رغبًا: رجاء، ورهبًا: خوفًا، وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
فالواجب على كل مؤمنٍ أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف الله، ويرجوه، ويعمل بطاعة الله، ويؤدي حقَّ الله، ويبتعد عن محارم الله، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] يعني: لمن تاب إليه، فالآية في التَّائبين بإجماع المسلمين، وهكذا قوله: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، فلا يجوز للمسلم أن ييأس ولا يقنط، بل يُحسِن ظنَّه بربه، ويتوب ويُبادر بالتوبة والعمل الصالح.
وهكذا جميع الأحاديث الواردة في الباب، كلها من هذا الباب، قال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، إذا كان يرجو فليعمل عملًا صالحًا، وقال تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44]، فيخشى الله ويرجوه، يضم إلى الرّجاء الخشية، ويضم إليهما العمل.
وهكذا الأحاديث الواردة في هذا الباب بابها واحد: حديث عبادة، وحديث جابر، وحديث أبي هريرة، كلها بابها واحد.
ومَن مات على التوحيد تُرجَى له المغفرة والنَّجاة من النار إذا استقام على دين الله، أمَّا إن مات على المعاصي فهو تحت المشيئة، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فالنصوص يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ، ويُفَسَّر بعضُها ببعضٍ، هكذا نصوص الكتاب والسنة، مُجملها يُفَسِّره مُفَسَّرها، ومُطلقها يُقيِّده مُقَيَّدها، وعامُّها يُقيِّده خاصُّها.
وحديث عبادة فيمَن شهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، هذا موعودٌ بالجنة إذا استقام –إذا ابتعد عن المعاصي- فهذا نصٌّ مُطْلَق مُقَيَّد بالنصوص الأخرى، فمَن جاء بالتوحيد والإيمان واجتنب المعاصي فهو موعودٌ بالجنة، وإن جاء بالمعاصي مع التوحيد فهو تحت مشيئة الله : إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفر له وعفا عنه.
وهكذا حديث: مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أَزِيدُ يعني: أو أزيد على العشر، ومَن جاء بالسيئة فله مثلها أو أغفر، ومَن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبْتُ منه باعًا، ومَن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً، فالله أسرع بالخير من عبده، فالواجب على عبده أن يُحْسِن ظنَّه بربه، وأن يُسارع إلى طاعته، والله أقرب إليه بالخير وأسرع بالخير جلَّ وعلا.
فالواجب على المؤمن أن يُحْسِن ظنَّه بربه، وأن يجتهد في طاعته، وأن يحذر المعاصي، فالمعاصي تهاونٌ بحقِّ الله، وتساهلٌ بحقِّ الله؛ ولهذا قال ﷺ: الموجبتان: مَن مات لا يُشرك بالله شيئًا دخل الجنةَ، ومَن مات يُشْرك بالله شيئًا دخل النار، أما ما دون ذلك من المعاصي فهو تحت المشيئة، لكن مَن مات على الشرك فله النار، ومَن مات على التوحيد فله الجنة وإن عُذِّب قبل ذلك، وإن جرت عليه خُطوبٌ، فكل الآيات التي جاءت في فضل التوحيد والإيمان وهكذا الأحاديث كلها مقيَّدة باجتناب الذنوب والمعاصي، أو بالتوبة إلى الله منها، فمَن مات على المعاصي والذنوب فهو تحت المشيئة؛ لأنَّ النصوص يُفَسِّر بعضُها بعضًا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
وهكذا ما جاء من الوعيد فيمَن زنا أو قتل بغير حقٍّ، توعده بالنار، يعني: إن لم يعفُ الله عنه فهو متوعَّدٌ بالنار على الزنا، على السرقة، على الظلم، متوعَّدٌ بالنار على الربا، إلا أن يعفو الله عنه، فهو تحت مشيئة الله .
فالواجب على المؤمن أن يبتعد عن أسباب الهلاك، وأن يحرص على أسباب النَّجاة أينما كان، وألا يغترَّ بأحاديث الوعد، بل يحذر، فيجمع بين أحاديث الوعد والوعيد، كلها نصوص –نصوص في الوعد والوعيد- ولا ينجو من هذا إلا مَن هداه الله إلى الحقِّ، واستقام على الهدى، وتاب إلى الله من معاصيه، ومات على توبةٍ صادقةٍ؛ فهذا هو الذي ينجو، أما مَن مات على المعاصي فهو تحت مشيئته: قد يُعذَّب، وقد ينجو؛ لأن الله قال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، هذه آيةٌ مُحكمةٌ مُفَصَّلةٌ تُقيد جميع ما جاء من نصوصٍ في الوعد والوعيد.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: الواجب على المؤمن في الدنيا هل هو تغليب جانب الخوف أو جانب الرجاء؟
ج: يقول بعض السلف: "ينبغي أن يكونا كالجناحين للطير، يسير إلى الله بين الخوف والرجاء"، كما قال تعالى في أهل الصلاح -الأنبياء والصَّالحين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، لكن إذا كان في حال المرض استحبّ له أن يُغلِّب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يُغلِّب جانب الخوف.
س: ...................
س: هل الصحيح في الجهمية هو القول بكفرهم؟
ج: الجهمية والمعتزلة كفَّار، نفوا الصفات والأسماء، الجهمية نفوا أسماء الله وصفاته، والمعتزلة نفوا صفات الله، أما مَن نفى بعض الصِّفات فهو محلّ نظر.
س: وعوامّهم؟
ج: إذا تابعوهم مثلهم، مثل: عوام النصارى، واليهود، عوامهم مثلهم.