154 من حديث: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟..)

 
20/431- وعن ابنِ مسعودٍ قال: كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ ﷺ في قُبَّةٍ نَحوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ: أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَم، قَالَ: أَتَرْضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَم، قَالَ: وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلَّا كَالشَّعرَةِ البَيضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسْودِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ متفقٌ عَلَيهِ.
21/432- وعن أَبي موسى الأَشعري قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ دَفَعَ اللَّهُ إِلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ: هَذَا فِكَاكُكَ مِنَ النَّارِ.
وفي روايةٍ عنهُ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيامَةِ نَاسٌ مِنَ المُسْلِمِين بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الجِبَالِ يَغْفِرُهَا اللَّهُ لهمُ رواه مسلم.
22/433- وعن ابن عُمَر رضي اللَّه عنهما قالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: يُدْنَى المُؤْمِنُ يَومَ القِيَامَةِ مِن رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ، فَيُقَرِّرهُ بِذُنُوبِه، فيقولُ: أَتَعْرِفُ ذنبَ كَذا؟ أَتَعْرِفُ ذَنبَ كَذَا؟ فيقول: رَبِّ أَعْرِفُ، قَالَ: فَإِنِّي قَد سَتَرتُهَا عَلَيكَ في الدُّنيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ، فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حسَنَاته متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث كالتي قبلها في بيان شرعية الرجاء، وأنَّ المؤمن لا ييأس، فإنَّ فضل الله عظيم، وكرمه عظيم، وجوده كبير، فلا يليق ولا يجوز للمؤمن أن ييأس، بل يجب أن يُحْسِن ظنّه بربه، مع العمل الصالح، كما قال جلَّ وعلا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، أجمع العلماءُ على أنَّ هذه الآية في التَّائبين، قال تعالى: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، وقال تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، وقال في الأخيار من عباده: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
فجديرٌ بالمؤمن والمؤمنة حُسن الظن بالله، وحُسن الرجاء، والحذر من سوء الظن والقنوط، لكن لا يحمله ذلك على الإصرار على المعاصي، فهذا غرور، فمع الرجاء يجب الخوف، ويجب الحذر، وعدم الإصرار على الذنوب، تجب التوبة منها، هكذا كان الصَّالحون، وهكذا كان الأخيار من الأنبياء والصَّالحين: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا رغبًا: رجاء، ورهبًا: خوفًا، هذا هو الواجب، فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ ما قال: فليُفَرّط، فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا، وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، ثم قال بعدها: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر:53- 54] فمع التوبة الإنابة والجدّ في العمل، هكذا يكون المؤمن.
الحديث الأول
وفي هذا الحديث أنه ﷺ كان بين أصحابه ذات يومٍ، فقال: أترضون أن تكونوا ربعَ أهل الجنة؟ فكبَّروا، قال: أترضون أن تكون ثلثَ أهل الجنة؟ فكبَّروا، قال: إني أرجو أن تكونوا نصفَ أهل الجنة يعني: أمة محمدٍ ﷺ المؤمنين، يرجو أن يكونوا نصفَ أهل الجنة؛ لأنَّ المشركين ما لهم حقّ، والمؤمنون في المشركين كالشَّعرة السَّوداء في جلد الثور الأبيض أو العكس، فالمشركون لا يُحصيهم إلا الله كثرةً، قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وقال : وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، وقال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ص:24].
فالواجب عليك يا عبدالله أن تُحسن الظنَّ بربك، وأن تُحسن الرجاء، وأن تعمل: وَقُلِ اعْمَلُوا [التوبة:105]، لا بدّ من عملٍ: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ، فالواجب الحذر من الغرور، والواجب الحذر من الإصرار على السّيئات، والواجب البدار بالأعمال الصَّالحات.
الحديث الثاني
الحديث الثاني: أنه يُعطى لكلِّ مسلمٍ فكاكًا له من اليهود والنَّصارى؛ لأنَّ المسلمين هم أهل الجنة، فيكون فكاكُهم بعددهم من اليهود والنَّصارى وغيرهم من الكفرة الذين يُخلَّدون في النار بأعمالهم الخبيثة، فالمنازلُ المعدَّة للمؤمنين في النار لو كفروا تكون للكفرة، يحلّون محلهم؛ لأنَّهم آمنوا ووقاهم الله شرَّ جهنم، فيكون هؤلاء بدلًا منهم في صِلِيِّ النار -نسأل الله العافية.
الحديث الثالث
كذلك يُدْنِي الربُّ جلَّ وعلا عبدَه المؤمن حتى يُقرره بذنوبه، ويضع كَنَفَه عليه، ويقول: أتذكر ذَنْبَ كذا وكذا وكذا؟ فيقول: نعم، فيقول: إني سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فهذا فيه أنَّه سبحانه يُدْنِي عبدَه المؤمن، وهذا إدناء يليق بجلاله، لا يعلم كيفيَّته إلا هو، فلا يعلم كيفية الإدناء ولا كيفية وضع الكَنَف إلا هو سبحانه، نُؤمن به ونمرّه كما جاء، وفيه فضيلة ومنقبة للمؤمنين: أنَّ الله يُدْنِي عبدَه المؤمن، ويُقرره بذنوبه، ويغفرها له: إمَّا لعمله الصالح العظيم، وإمَّا لتوبته وندمه وإقلاعه، فالذنوب تُغْفَر: إمَّا بعفو الله بأعمالٍ صالحةٍ، وإمَّا لتوبةٍ صادقةٍ، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [آل عمران:135- 136]، فالله يغفر لمن يشاء، ويعفو عمَّن يشاء بأسبابٍ كثيرةٍ: من عمله الصالح، وتوبته الصَّحيحة، ومن دعاء إخوانه المؤمنين له، واستغفارهم له، ومن صَدَقَاته، ومن غير هذا من أعمالٍ صالحةٍ، وعفو الرب وفضله سبحانه وتعالى وراء ذلك.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: ..................
س: بعض الطلبة إذا مات عندهم ميتٌ يدفعون مبالغ لمشايخهم ويقولون: هذا فكاكه من النار، فما توجيهكم؟
ج: هذا ما له أصلٌ، إن كان عنده خيرٌ يتصدَّق على الفقراء، هذا من أسباب الخير، الصدقة تُطْفِئ الخطيئةَ كما يُطْفِئ الماءُ النارَ، أما أن يعطوا مشايخَهم فما له أصلٌ، .............، لكن إذا كان عندهم خيرٌ يتصدقون على الفقراء والمساكين عن ميّتهم.