156 من حديث: (عن أبي نجيح عمرو بن عبسة السلمي قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة..)

 
27/438- وعن أَبي نجيحٍ عَمرو بن عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: كنتُ وَأَنَا في الجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شيءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رسولُ اللَّه ﷺ مُسْتَخْفِيًا، جُرَآء عليهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّة، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنَتَ؟ قَالَ: أَنا نَبيٌّ»، قلتُ: وما نبيٌّ؟ قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّه، قُلْتُ: وبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسلَكَ؟ قَالَ: أَرْسَلَني بِصِلَةِ الأَرْحامِ، وكسرِ الأَوْثان، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْء، قُلْتُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلى هَذا؟ قَالَ: حُرٌّ وَعَبْدٌ، ومعهُ يَوْمَئِذٍ أَبو بكرٍ وبلالٌ رضي اللَّه عنهما، قُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَستَطِيعَ ذلكَ يَوْمَكَ هَذا، أَلا تَرى حَالي وحالَ النَّاسِ؟! وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلى أَهْلِكَ، فَإِذا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِني، قَالَ: فَذهبْتُ إِلى أَهْلي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّه ﷺ المَدينَةَ، وكنتُ في أَهْلِي، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حينَ قَدِمَ المَدِينَةَ، حَتَّى قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِي المدينةَ، فقلتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قدِم المدينةَ؟ فقالوا: النَّاسُ إِليهِ سِرَاعٌ، وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُه قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ، فَقَدِمْتُ المدينَةَ، فَدَخَلتُ عليهِ، فقلتُ: يَا رسولَ اللَّه، أَتَعْرِفُني؟ قَالَ: نَعم، أَنتَ الَّذي لَقِيتني بمكَّةَ، قَالَ: فقلتُ: يَا رَسُول اللَّه، أَخْبِرني عمَّا عَلَّمَكَ اللَّه وَأَجْهَلُهُ، أَخبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَرتَفِعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورةٌ، حَتَّى يستقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمحِ، ثُمَّ اقْصُر عَنِ الصَّلاةِ؛ فإِنه حينئذٍ تُسَجَّرُ جَهَنَّمُ، فإِذا أَقْبَلَ الفَيْءُ فصَلِّ، فإِنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ مَحضُورَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ العصرَ، ثُمَّ اقْصُر عَنِ الصلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشمسُ؛ فإِنَّها تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شيطانٍ، وحينئذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفَّارُ.
قَالَ: فقلتُ: يَا نَبِيَّ اللَّه، فالوضوءُ حدِّثْنِي عَنْهُ؟ فَقَالَ: مَا مِنْكُمْ رجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ، فَيَتَمَضْمَضُ ويَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خطايَا وَجْهِهِ وفيهِ وخياشِيمِهِ، ثم إِذا غَسَلَ وَجْهَهُ كما أَمَرَهُ اللَّه إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يغسِل يديهِ إِلى المِرْفَقَينِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنامِلِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ من أَطرافِ شَعرهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَغْسِل قَدَمَيهِ إِلى الكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَع الماءِ، فإِن هُوَ قامَ فصلَّى، فحَمِد اللَّه تَعَالَى، وأَثْنَى عليهِ وَمَجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أَهلٌ، وَفَرَّغَ قلبَه للَّه تَعَالَى؛ إِلا انصَرَفَ مِنْ خطيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
فحدَّثَ عَمرُو بنُ عَبَسَةَ بهذا الحديثِ أَبَا أُمَامَة صاحِب رسولِ اللَّه ﷺ، فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَة: يَا عَمْرو بن عَبَسَةَ، انْظُر مَا تقولُ، في مقامٍ واحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟! فَقَالَ عَمْرُو: يَا أَبَا أُمامةَ، لقد كبرَتْ سِنِّي، ورَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلي، وَمَا بِي حَاجةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلا عَلَى رَسُوله ﷺ، لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُول اللَّه ﷺ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْن أَوْ ثَلاثًا -حَتَّى عَدَّ سبعَ مَرَّاتٍ- مَا حَدَّثْتُ أَبدًا بِهِ، ولكنِّي سمِعْتُهُ أَكثَرَ من ذلِكَ. رواه مسلم.
28/439- وعن أَبي موسى الأشعري ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: إِذا أَرادَ اللَّهُ تَعَالَى رحمةَ أُمَّةٍ قَبَضَ نبيَّهَا قَبْلَها، فجعلَهُ لَهَا فَرَطًا وسَلَفًا بَيْنَ يَدَيها، وإذَا أرادَ هَلَكةَ أُمَّةٍ عذَّبها ونبيُّهَا حَيٌّ، فَأَهْلَكَهَا وهوَ حَيٌّ يَنْظُرُ، فَأَقَرَّ عينَهُ بِهلاكها حِينَ كذَّبوهُ وعصَوا أَمْرَهُ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذان الحديثان كالأحاديث السَّابقة في الرجاء، وأن المؤمن يجب عليه أن يُحسِن ظنّه بالله، وأن يحذر سوء الظن، كما قال الله جلَّ وعلا: أنا عند ظنّ عبدي بي، وقال النبيُّ ﷺ: لا يموتَنَّ أحدٌ منكم إلا وهو يُحْسِن ظنَّه بالله، ولكن مع الحذر، وفعل ما أوجب الله، وترك ما حرَّم الله، ويُحسن الظنَّ بالله، ولا ييأس، ولا يقنط، مع الحذر.
فالوضوء الشَّرعي من أسباب دخول الجنة، ومن أسباب تكفير السيئات، وهكذا صلاة النافلة والفريضة، كلها من أسباب المغفرة، والوضوء الشرعي على وجهه الشرعي من أسباب حطِّ الخطايا، وتكفير السيئات، فينبغي للمؤمن أن يُحسن ظنّه بالله، وأن يرجو أن يمُنَّ الله عليه بالمغفرة بصلاته ووضوئه وأعماله الصَّالحة جميعًا.
وحديث عمرو بن عبسة واضحٌ في أنَّ الوضوء من أسباب المغفرة، وأن الصلاة مشروعة دائمًا، ما عدا الأوقات التي عيَّنها، فالإنسان يُمسِك عن الصلاة في أوقات النهي، ويعمل ما يسَّر الله له من الصلاة في الأوقات التي أباح الله فيها الصلاة: الضحى، والظهر، والليل كله، فكله محلّ صلاةٍ وتعبُّدٍ، وفضل الله واسع، والطهور إذا أحسنه كما ينبغي، وإذا صلَّى كما ينبغي، مع إنابته إلى الله، وتوبته إلى الله؛ كفَّر الله عنه سيئاته، وقد تقدَّم لكم قولُه ﷺ: الصَّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر، فالأحاديث يُفَسِّر بعضُها بعضًا، والله يقول سبحانه مُخاطبًا المؤمنين: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31].
فالواجب على جميع المؤمنين، وعلى جميع المؤمنات: الحذر من جميع الشّرور، والبُعد عمَّا حرَّم الله، وعدم الإصرار على المعاصي، مع حُسن الظنِّ بالله، ومع المجاهدة في سبيل الله بأعمال الخير، وصلاة النوافل، والوضوء، والصَّدقات، والتَّسبيح، والتهليل، وأنواع الذكر، فالمؤمن هكذا يُساهم في كلِّ خيرٍ، مع التوبة النَّصوح، والصدق فيها، وعدم الإصرار، ومع فعل الواجبات، وترك المحرمات.
وهكذا حديث: أنه ﷺ أخبر أنَّ الله إذا أراد بأُمَّةٍ خيرًا قبض نبيَّها قبلها، فيكون سلفًا لها، وشفيعًا لها، وإذا أراد بهم شرًّا أهلكهم وهو حيٌّ، كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، أُهْلِكوا وأنبياؤهم أحياء، فأقرَّ أعينَهم بذلك، وهكذا موسى، وعيسى، وهارون، كلهم أُهْلِكَتْ أُممهم وهم يُشاهدون؛ لتقرَّ أعينهم بذلك، لأنَّهم عصوا الله وخالفوا أمره فأهلكهم.
ونبينا ﷺ قبضه الله ولم يُهْلِك أمَّته، فهو رحمةٌ لها، وسلفُ خيرٍ، وفرطُ خيرٍ، فالواجب على الأمة أن تتقي الله، وأن تُراقب الله، وأن تسير على النهج الطيب تبعًا لهذا النبي العظيم عليه الصلاة والسلام، ورجاء شفاعته، ورجاء أن يغفر الله ذنوبها وتقصيرها بعفوه ورحمته، وبشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام، فإنه يشفع يوم القيامة، يقول: أُمَّتي، أُمَّتي، فيُشَفِّعه الله في أمته، كما في الحديث الصحيح أنَّه يوم القيامة يسجد بين يدي الله، ثم يُقال له: ارفع رأسك، وقُلْ يُسْمَع، وسَلْ تُعْطَه، واشفَعْ تُشَفَّع، وهذا المقام المحمود، فيشفع في أهل الموقف حتى يُقْضَى بينهم، ويشفع في أمته في دخولهم الجنة، وله شفاعات كثيرة فيمَن دخل النار من أُمَّته عليه الصلاة والسلام، ممن دخلها وهو مُوَحِّدٌ، لكن دخلها بالمعاصي، أما مَن دخلها بالشرك فهذا -نسأل الله العافية- لا شفاعةَ فيه، قال الله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]، وقال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ يعني: المشركين مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]، بل لهم الخلود الدَّائم في النار: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30] -نسأل الله العافية.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: .................
س: ما المقصود بـحينئذٍ تُسَجَّر جهنم؟
ج: يعني: يشتدّ وقودُها –نسأل الله العافية.
س: ..................