141 باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى

 
49 - باب إجراء أحكام الناس عَلَى الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى
قَالَ الله تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5].
1/390- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتُوا الزَّكاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّه تَعَالَى متفقٌ عَلَيهِ.
2/391- وعن أَبي عبدِاللَّه طَارِقِ بن أشيم قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: مَنْ قالَ: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، محمدٌ رسولُ الله، وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ حَرُمَ مالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسابُهُ عَلَى اللَّه تَعَالَى رواه مسلم.
3/392- وعن أَبي مَعْبدٍ المِقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ لرسُولِ اللَّه ﷺ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعهَا، ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ للَّهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رسولَ اللَّه بَعْدَ أَنْ قَالَها؟ فَقَالَ: لا تَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّهِ قطعَ إِحدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذلكَ بَعْدَما قَطعَها؟! فَقَالَ: لا تَقْتُلْهُ فإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمنزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ متفقٌ عَلَيهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث والآيات فيها الدلالة على إجراء أمور العباد على الظواهر، وأما القلوب فإلى الله ، فيُحْكَم عليهم بما ظهر منهم، وتُوكَل سرائرُهم إلى الله؛ إلا إذا أظهروا من السَّريرة ما يدل على خلاف الظاهر، وإلا فالأصل أنهم مُؤاخذون بما أظهروا، إلا مَن عُرِفَ نفاقُه قال الله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]، وقال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة:11]، وبيَّن جلَّ وعلا أنهم متى أظهروا أمورَ الإسلام فهم إخواننا، ويُخلَّى سبيلهم، ولا يُفتش عن قلوبهم؛ إلا إذا أظهروا النِّفاق، فإذا تبين نفاقُهم صار لهم حكم المنافقين.
وهكذا قوله ﷺ في حديث ابن عمر: أُمِرْتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم، وأموالهم؛ إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله، مَن أظهر أمور الإسلام فحسابه على الله، يُكَفّ عنه ولا يُقتل.
وهكذا حديث المقداد في سؤاله عمَّن قطع إحدى يديه ثم لاذ بشجرةٍ وقال: أسلمتُ لله، أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، هل أقتله؟ فنهاه النبيُّ ﷺ عن قتله، وأخبر أنه متى قتله فهو بمنزلته قبل أن يقول ما قال، يعني: فهو حلال الدم، وهذا وعيدٌ شديدٌ، فالواجب الحذر من ذلك، فمتى أظهر التوحيدَ والإيمانَ عُصِمَ دمُه.

وهكذا حديث أسامة بن زيد في قصة الذي لحقه فلما أهوى إليه ليقتله قال: "لا إله إلا الله"، فقتله أسامة، فقال له النبيُّ ﷺ: أقتلتَه بعدما قال: لا إله إلا الله؟ قال: نعم يا رسول الله، إنما قالها تعوُّذًا! قال: هلا شققتَ عن قلبه؟! حتى تعلم أنه قالها تعوُّذًا! فأنكر عليه قتله بعدما أظهر التوحيد والإيمان، وهذا في حقِّ مَن لا يقول: لا إله إلا الله، ولا يشهد أن لا إلهَ إلا الله، وأمَّا مَن يقولها وهو يعبد القبورَ، وأصحابَ القبور فهذا ما تنفعه ولو قالها، يُستتاب فإن تاب وإلا قُتِلَ، يُستتاب من عمله: كمَن يعبد الأموات، ويستغيث بالأموات، أو بالأصنام، ويقول: لا إله إلا الله، ما تنفعه؛ لأنه ينقضها بأفعاله، ولا بدّ أن يدع أعماله الشّركية.

وهكذا حديث طارق بن أشيم: أنَّ النبي ﷺ قال: مَن قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعْبَد من دون الله؛ حرم ماله، ودمه، وحسابه على الله، وفي اللفظ الآخر: مَن وحَّد الله، وكفر بما يُعبد من دون الله؛ حرم ماله، ودمه، وحسابه على الله، هذا كله يُؤيد أن الحكم يُناط بالظاهر في الأحكام الظاهرة، وتجري عليه الأحكام الظاهرة، ولا يُفتش عن قلبه، لكن متى ظهر من أعماله الأخرى أوأقواله الأخرى أشياء تدل على خلاف ما أظهر حُكِمَ عليه بما تقتضيه أعماله، وأقواله.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: أحيانًا يكون هناك نقاش بين بعض الإخوان: يقول مثلًا: هذا فلان أفضل من الملتزم فلان، مثلًا أنَّ هذا من ............. يعني: أفضل من الشخص الملتزم؟
ج: ينبغي التَّثبت في مثل هذه الأمور، فالتفضيل خطير؛ فإذا عرف ما يدل على تفضيله فهذا شيءٌ آخر، لكن لا بدّ من التثبت في الأمور، وإذا أظهر أعمالَ الإسلام، والآخر أظهر المعاصيح ما يُقال: إنَّه أفضل منه، ما يُقال: إنَّه أفضل ممن أظهر المعاصي، لا بدّ أن يتثبت في الأمر، فالذي يُظهر الإسلام والسَّلامة من المعاصي هو أفضل.
س: ما الرواية الصَّحيحة في حديث أبي عبدالله طارق؟ فلا يوجد فيها أنَّ محمدًا رسول الله، موجود فقط: لا إله إلا الله؟
ج: المعروف في الأحاديث: مَن قال: لا إله إلا الله، وفي لفظٍ: مَن وحَّد الله هكذا رواه مسلم في "الصحيح"، أمَّا زيادة "محمد رسول الله" فلعلها في روايةٍ أخرى، أو وقعت سهوًا من المؤلف، أو من بعض النُّسَّاخ، لكن لا بُدَّ منها حتى لو ما وقعت فلا بد من شهادة أنَّ محمدًا رسول الله في الإسلام.
س: ما المقصود: بمنزلتك في الحديث الثاني؟
ج: من باب الوعيد يعني: أنَّك كافر حلال الدم.
س: هل يُقال: فلان ملتزم، أو: فلان مستقيم؟
ج: الأحسن أن يُقال: ظاهره الخير؛ لأنَّ الاستقامة والالتزام قد تخفى على الناس، قد يكون في باطن الأمر ليس كذلك.
س: ما يُقال بالتفصيل؟
ج: يقال: ظاهره الخير، أو: ظاهره العدالة، فالناس ليس لهم إلا الظاهر.
س: ما يقال: هذا سابقٌ بالخيرات، وهذا مُقتصِدٌ، وهذا ظالمٌ لنفسه؟
ج: لا، هذا صعب، ألا يضبط الأمور، لكن مَن أظهر الخير يُقال: ظاهره الخير، ونشهد له بالخير، والحمد لله، فالعمل على الظواهر.
س: إذا كان الإنسانُ في الظاهر ملتزمًا؛ لكن هناك شواهد تدل على أنَّه غير ملتزمٍ؛ هل يُبلغون وليَّ الأمر؟
ج: هذا فيه تفصيل، إذا أظهر المعاصي يُبَلَّغ ولي الأمر، إن كان فيها حدودٌ يُبَلَّغ حتى يُقام عليه الحدّ، بعد النَّصيحة، وبعد التَّوجيه.
س: إن كان ملتزمًا أو مستقيمًا: نحسبه كذلك يعني: مَن زاد: نحسبه كذلك؟
ج: كذلك، طيب.