136 باب فضل الحبِّ في الله والحثّ عليه وإعلام الرجل مَن يُحبه أنه يُحبه، وماذا يقول لَهُ إِذَا أعلمه

 
قَالَ الله تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ .. إِلَى آخر السورة [الفتح:29]، وَقالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9].
1/375- وعن أَنسٍ ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُما، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا للَّهِ، وَأَنْ يَكْرَه أَنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّارِ متفقٌ عليه.
2/376- وعن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ، ورَجُلان تَحَابَّا في اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقال: إِنِّي أَخافُ اللَّه، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ متفقٌ عَلَيهِ.
3/377- وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إنَّ اللَّه تَعَالَى يقولُ يَوْمَ الْقِيَامةِ: أَيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي رواه مسلم.
4/378- وعنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوه تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بينَكم رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذه الآيات والأحاديث فيها الحثّ على الحبِّ في الله، والحبّ في الله من أهم الواجبات في الإسلام، ومن أعظم أسباب الأُلفة، والتَّعاون على الخير، والتَّواصي بالحقِّ، وضده من أسباب الفُرقة والاختلاف.
فالواجب على المؤمنين أن يتحابّوا في الله، وأن يتعاونوا على البرِّ والتَّقوى، وأن يتواصوا بالحقِّ والصبر عليه، هذا واجبهم، قال جلَّ وعلا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، فهذه الرحمة تقتضي المحبَّة فيما بينهم، والتواصل والتعاون على البر والتقوى، قال جلَّ وعلا في الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ [الحشر:9]، ويقول الله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، ويُحبهم ويُحبونه يترتب عليه الحبّ في الله، والبُغض في الله، ويقول عليه الصلاة والسلام: ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحب المرءَ لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقْذَف في النار، ويقول الله يوم القيامة: أين المُتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظلُّهم في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظلِّي.
فيجب على المؤمن أن يُحب في الله، ويُبغض في الله، ويُعادي في الله، ويُوالي في الله، يرجو ثوابَ الله، ويخشى عقابه، هكذا المؤمن أينما كان، فالحب في الله من أهم واجبات الإيمان، ومن أوثق عُرى الإيمان، والله جلَّ وعلا أوجب على المؤمنين أن يتحابّوا فيه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقال تعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر].
وثبت عنه ﷺ أنه قال: يقول الله جلَّ وعلا: وجبت محبَّتي للمُتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، هذا رواه مالك رحمه الله بإسنادٍ صحيحٍ عن النبي ﷺ، يقول جلَّ وعلا: وجبت محبَّتي للمُتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، التَّزاور يكون في الله، والتَّجالس يكون في الله، والمحبَّة في الله، والتعاون على البرِّ والتَّقوى، والعطاء يكون لله.
فهكذا المؤمن، هذه المحبة تُثمر التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، وعدم التَّساهل؛ لأنَّ مُوجِب المحبَّة أن تأمره بالخير، وأن تنهاه عن الشرِّ، وأن تنصح له، شهد أو غاب، هذا من مُوجب المحبَّة.
رزق الله الجميع التَّوفيق والهداية.

الأسئلة:

س: الحثّ عليه يعني: إخبار الناس أنَّهم يتحابّون أم كيف؟
ج: نعم، يحث إخوانه على أن يتحابّوا في الله، ولا يتنازعون، ولا يتباغضون.
س: يقول الله تعالى: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، الخوف هنا؟
ج: الخوف ثلاثة أقسام: الخوف الواجب، والخوف الذي هو العبادة، والخوف الطبيعي.
خوف العبادة لا يصلح إلا لله ، ومَن خاف غير الله أن يسجر قلبه، أو أن يصدَّه عن الهدى بأسبابٍ خاصَّةٍ؛ فهذا شركٌ أكبر: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44]، أما إذا خافه من أجل شرِّه، واتَّقاه من أجل شرِّه، أو خاف لصوصًا وأخذ بالأسباب: كالحرس وغيره؛ فهذا لا بأس به، هذا من باب اتِّخاذ الأسباب، فلا يضر، أما إذا كان الخوفُ يحمله على ترك واجبٍ أو فعل معصيةٍ فهذا لا يجوز: كالذي يخاف من القتال، ويخاف أن يُقتل من غير عذرٍ شرعيٍّ، أو لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر يخاف أن يُصيبه شيءٌ هو .................؛ فهذا لا يجوز، أما الخوف الطبيعي وكونه يخاف المؤذيات: فيخاف الحية، ويخاف العقرب، ويتّخذ الأسباب، ويخاف اللصوص فيتخذ الحرس؛ فهذا لا بأس به.
س: الخوف من الجن؟
ج: يتعوذ بالله منه، ويأخذ بالأسباب: فيُسمِّي الله عند الدخول، ويقول: أعوذ بكلمات الله التامَّات من شرِّ ما خلق، إذا دخل المنزل، وإذا أصبح، وإذا أمسى، فيأخذ بالأسباب، مثلما يخاف من العدو فيأخذ بالأسباب.
س: حديث سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلِّه .. إلى آخره، بالنسبة لرجلٍ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ: هذه المسألة هل تنطبق أيضًا على المرأة إذا دعاها رجلٌ ذا منصبٍ وجمالٍ؟
ج: نعم، يُظلها الله في ظِلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، فالحكم واحد.
س: كون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما يعني: الاستقامة على طاعة الله، أم تقديم محبَّة الله على محبَّة الولد والناس أجمعين؟
ج: يعني هذا كمال المحبة، فكمال المحبة أن يُؤثر محبَّة الله على ولده وزوجته وأهل بيته، فإذا تعارضت محبَّةُ الله ومحبّتهم قدَّم محبَّة الله جل وعلا، ليس ممن يُرضي زوجته بمعصية الله، أو يُرضي ولده بمعصية الله، هذا نقصٌ في إيمانه.
س: السبعة الذين يُظلهم الله في ظِلِّه هل الرجال والنساء سواء فيها؟
ج: لا، الإمام ما يكون إلا رجلًا، فالمساجد للرجال، فتشترك في الأشياء التي ما تخصّ الرجال: المحبَّة في الله، والخوف من الله، والبكاء من خشية الله، والصَّدقة، هذا يعمّ، أما إمام عادل ورجل قلبه معلَّقٌ بالمساجد فهذا يختص بالرجال.
س: إذا كان شخصٌ يبغض شخصًا فهل يُخبِره أنه يبغضه في هذه الحالة؟
ج: إذا أخبره حتى يستعدَّ لترك الأسباب يقول: ترى معاصيك هذه تُوجِب البُغضَ في الله، وأنَّ إخوانك يُبغضونك في الله، فإذا تبتَ منها جاءت المحبةُ، كما يُحبّه في الله.
س: هل من السنة أن أذهب إلى مَن أحبُّه في الله وأُبلغه في بيته أو في أي مكانٍ؟
ج: نعم، يأتي الحديث، وتبليغه أحسن.
س: مَن صلَّى خمس ركعات مع الإمام؟
ج: إذا لم يكن عنده خبرٌ يُتابع الإمامَ وليس عليه شيءٌ.
س: ما يُعيد صلاته؟
ج: لا، ما يُعيد، ما دام أنه قد تابع الإمامَ فليس عليه شيءٌ، والإمام يسجد للسهو إن كان عنده شكٌّ، وإن لم يكن عنده شكٌّ فالعمدة على ما اعتقده.
س: ومَن صلَّى معه عالمًا أنها خمس، ويدري أنه قام للخامسة؟
ج: هل هو جاهل؟
س: لا، ما هو بجاهل، لكنه تابع.
ج: .................. جلس ونبَّه وقال: سبحان الله، سبحان الله.
س: يُعيد صلاتَه؟
ج: ما يمكن أن يكون عالمًا، إلا إنسان جَهِلَ أو سها، فالعالم لا يقوم، العالم يجلس حتى يُسلِّم الإمامُ فيُسلِّم معه، ويسجد للسهو معه.