53 من حديث: (لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد هو ابن معاذ رضي الله تعالى عنه)

56 - كِتَابُ الجِهَادِ، والسِّيَرِ
بَاب إِذَا نَزَلَ العَدُوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ

3043 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ رضي الله تعالى عنه، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ.


الشيخ: وهذا من فضل الله على سعد، وتوفيق الله لسعد، وهو سيد الأوس ، وفقه الله لهذا الحكم؛ كونهم نقضوا العهد، وشايعوا أعداء الله، ونصروهم؛ فاستحقوا هذه العقوبة، وهي قتل المقاتلة، وسبي الذرية والنساء، وهم بنو قريظة من اليهود كانوا قد عاهدوا النبي ﷺ ألا يقاتلوه، وألا يظاهروا عليه فلما أحاطت قريش، ومن معها من الكفرة بالمدينة بعثوا إليهم، ولم يزالوا بهم حتى نقضوا العهد فلما رد الله كيد الكفرة، وهزم الأحزاب، ورجع الكفار خائبين خاسرين مما أرسل الله عليهم من الجنود حاصر النبي ﷺ قريظة فطلبوا النزول على حكم سعد - لأنهم حلفاؤه - فحكم فيهم بأن تُقتل مقاتلتهم، وتُسبى ذريتهم فقال ﷺ: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات، وهذا فيه جواز التحكيم فيما يراه ولي الأمر من المسائل التي يدخلها النظر، وأنَّ حكم الحاكم إذا اجتهد نافذ فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وهذا الحكم صرح فيه النبي ﷺ بأنه قد أصابه، وفيه منقبة لسعد .

فيه من الفوائد: القيام إلى القادم لمقابلة القادم قوموا إلى سيدكم أن القادم إذا قابله أهل مجلس لمصافحته فلا بأس في ذلك، إنما المكروه أن يقوموا من أمكنتهم من باب التعظيم، هذا هو المكروه، كان الصحابة لا يفعلونه مع النبي ﷺ إذا دخل، وهم في مجالسهم، ومن هذا: قيام الطلبة للأستاذ إذا دخل، وهم على كراسيهم، كل هذا من القيام المكروه، وفي الحديث يقول أنس : لم يكن أحد أحب إلينا من رسول الله ﷺ، وما كانوا يقومون له إذا دخل؛ لما يعلموه من كراهيته لذلك.

أما إذا كان المقصود به المقابلة لمصافحته، أو تهنئته، أو قدومه من سفر، أو ما أشبه ذلك فلا بأس، ومن هذا قصة سعد قوموا إلى سيدكم؛ لأنه قادم جريح به جرح عظيم، جاء للحكم، ومن هذا: قيام طلحة بن عبيدالله لكعب بن مالك لما تاب الله عليه، وعلى أخويه، وجاء كعب لما جاءت البشرى بتوبة الله جاء إلى النبي ﷺ وهو في الحلقة، النبي في الحلقة في المسجد، فدخل كعبٌ المسجد، والناس في الحلقة فقام له طلحة من الحلقة، وقابله، وصافحه، وهنأه بتوبة الله عليه، ولم ينكر النبي عليه الصلاة والسلام فدل ذلك على أن القيام للقادم للتهنئة، أو المصافحة، أو غير هذا من المقاصد، ليس داخلًا في القيام المكروه.

بَاب قَتْلِ الأَسِيرِ، وقَتْلِ الصَّبْرِ
3044 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: اقْتُلُوهُ.

الشيخ: وهذا فيه قتل الصَّبر، والأسارى حين قتلهم ﷺ يوم بدر عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، وطعيمة بن عدي، هم أسرى، إذا رأى ولي الأمر قتل بعض الأسارى له القتل، وهكذا قتل من استحق القتل ممن قدر عليه كابن خطل كان سبّابًا للنبي ﷺ يهجوه فأمر بقتله صبرًا.
والصبر معناه: الحبس، يعني: يحبس، يُوقف حتى يُقتل، يُمسك حتى يُقتل.
 
بَاب هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ، ومَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، ومَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ القَتْلِ
3045 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قال أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، وهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالهَدَأَةِ، وهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ، ومَكَّةَ، ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ، وأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وأَحَاطَ بِهِمُ القَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا، وأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، ولَكُمُ العَهْدُ، والمِيثَاقُ، ولاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ اليَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالعَهْدِ، والمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، وابْنُ دَثِنَةَ، ورَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الغَدْرِ، واللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ، إِنَّ لِي فِي هَؤُلاَءِ لَأُسْوَةً، يُرِيدُ القَتْلَى، وجَرَّرُوهُ، وعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ، وابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وقْيعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، أَنَّ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي، وأَنَا غَافِلَةٌ حتى أَتَاهُ قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ، والمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، واللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، واللَّهِ لَقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ، وإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الحَدِيدِ، ومَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ، وكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الحِلِّ، قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا،
ولست أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، وإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ، ومَا أُصِيبُوا، وبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا».

بَاب فَكَاكِ الأَسِيرِ
فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
3046 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأَسِيرَ، وأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ.

الشيخ: وهذا فيه الحث على هذه الخصال، عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا الأسير، فيه الحث على هذه الخصال، والعناية بالمرضى؛ لما فيها من التأثر بهم، ورحمة حالهم، والدعاء لهم؛ فهم ينشطون بذلك، ويتأثرون بذلك لما يرون من تأثر إخوانهم بهم، وحرصهم عليهم، وزيارتهم لهم؛ فالمريض يأنس بزيارة إخوانه، ويسرّه ذلك، وربما خفّ عليهم مرضهم؛ لما يحصل له من التأثر بزيارة إخوانه، والفرح بها؛ فإن فرح النفس، ووجود ما ينفعها، ويسرها، مما يزيد في قوة النفس، ومدافعة المرض، ولما في ذلك من الأجر العظيم أيضًا.
وإطعام الجائع معروف، وما فيه من الفضل، ومواساة الفقراء، والإحسان إليهم .
فك العاني: كذلك الأسرى من المسلمين كون الإنسان يسعى في فكهم من أيدي الكفار إذا كان عليهم مال؛ سلَّم المال، إذا كان غير ذلك؛ ساعد في إزالته لفك الأسير، ومن هذا السجناء بين المسلمين لهم شبه بهذا، شبه بالأسرى إذا سجنوا في المال، وهم فقراء؛ فالإحسان إليهم والوفاء عنهم فيه خير عظيم، فيه إطلاق سراحهم، وفيه الصدقة عليهم.
 
3047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قال حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قال حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، أَنَّ عَامِرًا، حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ : هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الوَحْيِ إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ، والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي القُرْآنِ، ومَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ»، قُلْتُ: ومَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «العَقْلُ، وفَكَاكُ الأَسِيرِ، وأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ».

الشيخ: وهذا فيه الرد على الرافضة القائلين بأن آل البيت خُصوا بشيء، وأن لهم أشياء غير الناس توجب الغلو فيهم، ودعاؤهم، والاستغاثة بهم، أو البناء على قبورهم، أو الاعتقاد بأنهم يعلمون الغيب، أو ما أشبه ذلك، كل هذا باطل، ولهذا بيّن علي  أن الرسول ﷺ ما خصهم بشيء دون الناس، لكنهم مع الناس في الأحكام لا يجوز الغلو فيهم، ولا اعتقاد ما يخالف الشرع فيهم، ما عدا ما حرم الله عليهم من الزكاة، حرم الله على آل البيت الزكاة على بني هاشم، يعم عليًّا وذريته، وغيرهم من بني هاشم، أما الغلو فيهم، وبناء القباب على قبورهم، ودعاؤهم من دون الله؛ كل هذا باطل.

س: هاتان الركعتان سُنة لمن صلى؟
الشيخ: لا شك أنها مستحبة، يختم حياته بالصلاة؛ لأن الرسول ما أنكرها، ولم يبلغنا أنه أنكرها، فعلها خبيب، واشتهرت.
س: ولمن قتل ظلمًا يا شيخ؟
الشيخ: إذا صلى ركعتين حسن، يختم حياته بصلاة.
س: قوله: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب لله؟ إلا بمعنى غير هنا؟
الشيخ: ما في تخصيص، ما عندنا شيء إلا هذا.
س: الاستثناء بقوله: إلا ما في كتاب الله؟
الشيخ: ليس تخصيصًا، وإنما سمعه من النبي ﷺ، وحفظه في..... العقل، وفكاك الأسير، وألا يقتل مسلم بكافر، ورواه غيره أيضًا من الصحابة.
 
بَاب فِدَاءِ المُشْرِكِينَ
3048 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ مِنْه دِرْهَمًا.
3049 - وقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ أتي بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ فَجَاءَهُ العَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ: خُذْ، فَأَعْطَاهُ فِي ثَوْبِهِ.
3050 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، قال حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قال أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وكَانَ جَاءَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، قَالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ».

الشيخ: وهذا فيه شرعية القراءة بطوال المفصَّل في بعض الأحيان في صلاة المغرب، النبي قرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بالأعراف، وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها بقصار المفصل، إذا قرأ تارة كذا، وتارة كذا؛ فهذا هو السنة.
س: مناسبة الحديث للباب؟
الشيخ: جاء ليسلم الفداء.
 
بَاب الحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ أَمَانٍ
3051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ: عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، وهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اطْلُبُوهُ، واقْتُلُوهُ. فَقَتَلَهُ، فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ.

الشيخ: لأنه جاء على أنه مسكين ينظر أمر المسلمين، وينظر عوراتهم حتى يبلغ قومه العدو، ولهذا أمر النبي بقتله؛ لأنه جاسوس.
 
بَاب يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، ولاَ يُسْتَرَقُّونَ
3052 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ ، قَالَ: «وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وذِمَّةِ رَسُولِهِ ﷺ، أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ ورَائِهِمْ، ولاَ يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ».

الشيخ: لأنهم تبع المسلمين، إذا أدوا الجزية صاروا تبع المسلمين، وقاتلوا عنهم فيمنع منهم عدوهم إذا بذلوا الجزية، والتزموا بشروطها.
 
بَاب جَوَائِزِ الوَفْدِ
بَاب هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، ومُعَامَلَتِهِمْ؟

3053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: يَوْمُ الخَمِيسِ، ومَا يَوْمُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الحَصْبَاءَ، فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وجَعُهُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَتَنَازَعُوا، ولاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، وأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ، وأَجِيزُوا الوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، ونَسِيتُ الثَّالِثَةَ، وقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، سَأَلْتُ المُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ: فَقَالَ: مَكَّةُ، والمَدِينَةُ، واليَمَامَةُ، واليَمَنُ، وقَالَ يَعْقُوبُ: والعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ.

الشيخ: أيش قال الشارح؟
الطالب: (قَوْلُهُ بَابُ جَوَائِزِ الْوَفْدِ)
(بَابُ هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، ومُعَامَلَتِهُمْ)
كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَبُّوَيْهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ تَأْخِيرَ تَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ عَنِ التَّرْجَمَةِ هَلْ يُسْتَشْفَعُ، وكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وبِهِ يَرْتَفِعُ الاشكال فَإِن حَدِيث بن عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما مُطَابِقٌ لِتَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ لِقَوْلِهِ فِيهِ، وأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِخِلَافِ التَّرْجَمَةِ الْأُخْرَى، وكَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِهَا، وأَخْلَى بَيَاضًا لِيُورِدَ فِيهَا حَدِيثًا يُنَاسِبُهَا فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ، ووَقَعَ لِلنَّسَفِيِّ حَذْفُ تَرْجَمَةِ جَوَائِزِ الْوَفْدِ أَصْلًا، واقْتَصَرَ عَلَى تَرْجَمَةِ هَلْ يستشفع، وأورد فِيهَا حَدِيث ابن عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما الْمَذْكُورَ، وعَكْسُهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وفِي مُنَاسَبَتِهِ لَهَا غُمُوضٌ، ولَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِخْرَاجَ يَقْتَضِي رَفْعَ الِاسْتِشْفَاعِ، والْحَضُّ عَلَى إِجَازَةِ الْوَفْدِ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمُعَامَلَةِ، أو لَعَلَّ إِلَى فِي التَّرْجَمَةِ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ هَلْ يُسْتَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وهَلْ يعاملون، ودلَالَة أخرجوهم من جَزِيرَة الْعَرَب، وأجيزوا الْوَفْدَ لِذَلِكَ ظَاهِرَةٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ، وسَيَأْتِي شَرْحُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما الْمَذْكُورِ فِي الْوَفَاةِ مِنْ آخِرِ الْمَغَازِي، وقَوله وحَدثنَا، وقوله: حدثنا قبيصَة قال حَدثنَا ابن عُيَيْنَة كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ، وكَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، ولَمْ يَقَعْ فِي الْكِتَابِ لَقَبِيصَةَ رِوَايَةٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِلَّا هَذِهِ، ورِوَايَتُهُ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وحكى الجياني عَن رِوَايَة بن السَّكَنِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فِي هَذَا..
الشيخ: تكلم على ونسيت الثالثة؟ العيني موجود ؟ تكلم على (ونسيت الثالثة)؟
الطالب: قال ابن التين: ورد في رواية أنها القرآن، وقال المهلب: هي تجهيز جيش أسامة بن زيد، وقال ابن بطال: كان المسلمون اختلفوا في ذلك على الصديق فأعلمهم أنه ﷺ، عهد بذلك عند موته، وقال عياض: يحتمل أنها قوله: لا تتخذوا قبري وثنا، فقد ذكر مالك معناه في إجلاء اليهود.
وههنا فرع ذكره في (التوضيح): وهو يمنع كل كافر عندنا، وعند مالك من استيطان الحجاز، ولا يمنعون من ركوب بحره.
الشيخ: بس.
س: المسلم الذي عنده زوجة كتابية هل له أن يدخلها جزيرة العرب؟
الشيخ: الأظهر، والله أعلم أنه ليس له ذلك إنما يكون إذا كان في غير الجزيرة كالشام، والعراق، ومصر، وأشباه ذلك؛ لأن الحديث عام، إخراج اليهود والنصارى من الجزيرة يعم زوجة المسلم وغيرها.
س: الذين يفدون بالعمال الآن من الكفار يعتبر هذا؟ يُوفّى لهم بعهدهم أم أنه لا بدّ أن يخرجوا؟
الشيخ: ظاهر النص المنع إلا من قدِم لحاجة مؤقتة مثل من يقدم بميرة يبيعها، أو الرسول البريد الذي يأتي من الكفار، أو ما أشبه ذلك، أما هؤلاء الذين يأتون، ويقيمون فيفسدون في الأرض، ويضرون المجتمع الإسلامي فلا يجوز استقدامهم للعمل هنا في الجزيرة إلا للضرورة التي تدعو لها مصلحة المسلمين من إعداد سلاح، أو طب خاص، أو ما أشبه ذلك من الأشياء الفردية التي يحتاجها المسلمون، أما إطلاق هذا الأمر أن الناس حتى يستقدموا من شاؤوا فهذا لا يجوز، وقد صدر قرار من مجلس هيئة كبار العلماء من سنوات بهذا الأمر، ورفع إلى ولي الأمر لمنع هذا التساهل، نسأل الله أن يعين على ذلك.
س: صاحب المؤسسة يأثم يا شيخ إذا جاء بهم؟
الشيخ: نعم، ما يجوز له استقدام الكفرة الواجب استقدام المسلمين، المسلمون هم في حاجة للنفع فيختار من المسلمين من يظهر صلاحه، لا يأخذ من هب ودب، بعض المسلمين يدّعي الإسلام وهو وثني يعبد غير الله؛ فينبغي للوكيل الذي يستقدم أو يتعاقد مع الناس ينبغي له أن يكون نبيهًا حتى لا يختار ولا يتعاقد إلا مع من عرف بالإسلام الصحيح، ولا يتساهل في استقدام الكفرة، أو المخلّطين المعروفين بالوثنية وهم يدّعون الإسلام.
س: والسفراء، سفراء الدول؟
الشيخ: السفير مستثنى؛ لأنه تدعو الحاجة إلى ذلك، مثل ما استثني في وجوده بين الكفار، النبي ﷺ بعث أبا عبيدة سفيرًا في نجران بين النصارى.
س: يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب استقدام الكفرة؟
الشيخ: على كل معصية، أما كونه كبيرة فمحل نظر، لكنه لا يجوز؛ لأنه ما فيه وعيد، فيه وصية بإخراجهم، والكبيرة لها شروط.
 
بَاب التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ
3054 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قال حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وجَدَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ، والوفد، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، أو إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، أو إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ، فَقَالَ: تَبِيعُهَا، أو تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ.

الشيخ: وهذا واضح في تحريم لبس الحرير، وأنه لا يجوز للرجال، وواضح في شرعية التجمل للوفود، وفي العيد، والجمعة؛ لأن إظهار الجمال، والتجمل، والمظهر الحسن عند الوفود، مما يرفع من شأن المسلمين، ومما يغيظ الكفار، يكون الأمير والسلطان والمقصود الذي يقصده الوفد يكون في بزة حسنة، وفي محل حسن يغيظ الكفار، وينفع شأن المسلمين، وهكذا في مجامع الجمعة، والعيد، ومجامع الناس، كون الإنسان يلبس الملابس الحسنة أمر مطلوب (إن الله جميل يحب الجمال).
 
بَاب كَيْفَ يُعْرَضُ الإِسْلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ
3055 - حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وجَدهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ورُسُلِهِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ، وكَاذِبٌ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: خُلِطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنْ يَكُنْهُ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وإِنْ لَمْ يَكُنْهُ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ.
3056 - قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه انْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَأْتِيَانِ النَّخْلَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ النَّخْلَ طَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ ﷺ، وهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: أَيْ صَافِ، وهُوَ اسْمُهُ، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ.
3057 - وقَالَ سَالِمٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، ومَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، ولَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وإنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ.

الشيخ: وهذا ظاهر في عرض الإسلام على الصغير حتى يتعلم، ويدخل في الإسلام، وفيه بيان حال ابن صياد، وهو من اليهود كان كاهنًا عنده خرافات، واتهم أنه الدجال، والنبي ﷺ لم يجزم بأنه الدجال، ولهذا قال لعمر: إن يك هو فلن تسلط على قتله، وإن لم يك هو فلا خير لك في قتله، وليس هو الدجال لأنه مات، والدجال حتى الآن موجود، وسوف يخرج إذا شاء الله خروجه .
س: قوله: فرأت أم صياد، أو ابن أم صياد؟
الشيخ: أم ابن صياد، سقط منه.
س: ألم يسلم؟
الشيخ: يقال إنه أسلم، تظاهر بالإسلام، واحتج على الناس بهذا، وقال إني أسلمت، والدجال كافر، وقال إنه لا يدخل الحرمين، وأنا في المدينة.
س: أسلم في عهده أو بعد النبي ﷺ؟
الشيخ: لا، لا أذكر الآن، ولكن الظاهر أنه بعد النبي ﷺ، غالب ظني أنه بعد النبي، أيش قال عندك؟
الطالب: قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا عَرَّضَ النَّبِيُّ ﷺ الْإِسْلَام على ابن صَيَّادٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الدَّجَّالَ الْمُحَذَّرَ مِنْهُ، قُلْتُ، ولَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَمْرَهُ كَانَ مُحْتَمَلًا فَأَرَادَ اخْتِبَارَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَجَابَ غَلَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ، وإِنْ لَمْ يُجِبْ تَمَادَى الِاحْتِمَالُ، أو أَرَادَ بِاسْتِنْطَاقِهِ إِظْهَارَ كَذِبِهِ الْمُنَافِي لِدَعْوَى النُّبُوَّةِ، ولَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ أَجَابَهُ بِجَوَابٍ مُنْصِفٍ فَقَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ورُسُلِهِ، وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: كَانَ ابن صَيَّادٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْكَهَنَةِ يُخْبِرُ بِالْخَبَرِ فَيَصِحُّ تَارَةً، ويَفْسُدُ أُخْرَى فَشَاعَ ذَلِكَ، ولَمْ يَنْزِلْ فِي شَأْنِهِ وحْيٌ فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ سُلُوكَ طَرِيقَةٍ يَخْتَبِرُ حَالَهُ بِهَا أَيْ فَهُوَ السَّبَبُ فِي انْطِلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَيْهِ، وقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ ولَدَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ غُلَامًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ، والْأُخْرَى طَالِعَةٌ نَاتِئَةٌ فَأَشْفَقَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ، ولِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا: يَمْكُثُ أَبُو الدَّجَّالِ وأُمُّهُ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَضَرُّ شَيْءٍ، وأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً، قَالَ: ونَعَتَهُمَا فَقَالَ: أَمَّا أَبُوهُ فَطَوِيلٌ ضَرْبُ اللَّحْمِ كَأَنَّ أَنْفَهُ مِنْقَارٌ، وأَمَّا أُمُّهُ ففَرْضَاخَةٌ أَيْ بِفَاءِ مَفْتُوحَةٍ، ورَاءٍ سَاكِنَةٍ، وبِمُعْجَمَتَيْنِ، والْمَعْنَى أَنَّهَا ضَخْمَةٌ طَوِيلَةُ الْيَدَيْنِ، قَالَ: فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَذَهَبْتُ أَنَا، والزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، يَعْنِي ابن صَيَّادٍ فَإِذَا هُمَا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، ولِأَحْمَدَ، والْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله تعالى عنه قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ: سَلْهَا: كَمْ حَمَلَتْ بِهِ؟ فَقَالَتْ: حَمَلْتُ بِهِ اثَّنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَلَمَّا وقَعَ صَاحَ صِيَاحَ الصَّبِي ابن شَهْرٍ. انْتَهَى. فَكَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فِي إِرَادَةِ اسْتِكْشَافِ أَمْرِهِ. قَوْلُهُ: مَاذَا تَرَى قَالَ ابن صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وكَاذِبٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، ونَحْوِهِ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ: أَرَى حَقًّا، وبَاطِلًا، وأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ، وفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنه عِنْدَهُ: أَرَى صَادِقَيْنِ، وكَاذِبًا، ولِأَحْمَدَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى الْبَحْرِ حَوْلَهُ الْحِيتَانُ، قَوْلُهُ: لُبِسَ، بِضَمِّ اللَّامِ، وتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ خُلِطَ، وفِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ: تَعُوذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، قَوْلُهُ: إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خِبْئًا، بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وبِفَتْحِهَا، وسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزٌ، وبِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزٌ أَيْ أَخْفَيْتُ لَكَ شَيْئًا، قَوْلُهُ: هُوَ الدُّخُّ، بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ، وحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْفَتْحَ، ووَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الزَّخُّ بِفَتْحِ الزَّايِ بَدَلَ الدَّالِّ، وفَسَّرَهُ بِالْجِمَاعِ، واتفقَ الْأَئِمَّة على تغليطه فِي ذَلِكَ، ويَرُدُّهُ مَا وقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله تعالى عنه الْمَذْكُورِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ الدُّخَانَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ الدُّخُّ، ولِلْبَزَّارِ، والطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ، وكَأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّورَةَ، وأَرَادَ بَعْضَهَا فَإِنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وخَبَّأْتُ لَهُ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَان مُبين، وأما جَوَاب ابن صَيَّادٍ بِالدُّخِّ فَقِيلَ إِنَّهُ انْدَهَشَ فَلَمْ يَقَعْ مِنْ لَفْظِ الدُّخَانِ إِلَّا عَلَى بَعْضِهِ، وحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْآيَةَ حِينَئِذٍ كَانَتْ مَكْتُوبَةً فِي يَدِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يهتد ابن صَيَّادٍ مِنْهَا إِلَّا لِهَذَا الْقَدْرِ النَّاقِصِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكَهَنَةِ، ولِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: لَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ أَيْ قَدْرَ مِثْلِكَ مِنَ الْكُهَّانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِنْ إِلْقَاءِ شَيَاطِينِهِمْ مَا يَحْفَظُونَهُ مُخْتَلَطًا صِدْقُهُ بِكَذِبِهِ، وحَكَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ السِّرَّ فِي امْتِحَانِ النَّبِيِّ ﷺمَ لَهُ بِهَذِهِ الْآيَة الْإِشَارَة إِلَى أَن عِيسَى بن مَرْيَم عليه الصلاة والسلام يقتل الدَّجَّال بِجبل الدُّخان فَأَرَادَ التَّعْرِيض لِابْنِ صياد بِذَلِكَ، واسْتَبْعَدَ الْخَطَّابِيُّ مَا تَقَدَّمَ، وصَوَّبَ أَنَّهُ خبأ لَهُ الدُّخَّ، وهُوَ نَبْتٌ يَكُونُ بَيْنَ الْبَسَاتِينِ، وسَبَبُ اسْتِبْعَادِهِ لَهُ أَنَّ الدُّخَانَ لَا يُخَبَّأُ فِي الْيَدِ، ولَا الْكُمِّ ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَّأَ لَهُ اسْمَ الدُّخَانِ فِي ضَمِيره، وعَلى هَذَا فَيُقَال كَيفَ اطلع ابن صَيَّادٍ، أو شَيْطَانُهُ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ، ويُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ تَحَدَّثَ مَعَ نَفْسِهِ، أو أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَبِرَهُ فَاسْتَرَقَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ، أو بَعْضَهُ، قَوْلُهُ: اخْسَأْ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابٍ المُفْرَد، وقَوْلُهُ: فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ أَيْ لَنْ تُجَاوِزَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ فِيكَ، أو مِقْدَارَ أَمْثَالِكَ مِنَ الْكُهَّانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: اسْتَكْشَفَ النَّبِيُّ ﷺ أَمْرَهُ لِيُبَيِّنَ لِأَصْحَابِهِ تَمْوِيهَهُ لِئَلَّا يَلْتَبِسُ حَالُهُ عَلَى ضَعِيفٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي الْإِسْلَامِ، ومُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِ والتَّنَزُّلِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي دَعْوَاكَ الرِّسَالَةَ، ولَمْ يَخْتَلِطْ عَلَيْكَ الْأَمْرُ آمَنْتُ بِكَ، وإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، وخُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ فَلَا، وقَدْ ظَهَرَ كَذِبُكَ، والْتِبَاسُ الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَلَا تَعْدُو قَدْرَكَ. قَوْلُهُ: إِنْ يكن هُوَ كَذَا للْأَكْثَر، وللكشميهني أَن يكن على وصل الضَّمِير، واخْتَارَ بن مَالِكٍ جَوَازَهُ ثُمَّ الضَّمِيرُ لِغَيْرٍ مَذْكُورٍ لَفْظًا، وقد وقع فِي حَدِيث ابن مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه عِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي تَخَافُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَهُ، وفِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ عِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ إِنْ يَكُنْ هُوَ الدَّجَّالُ قَوْلُهُ: فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ جَابر رضي الله تعالى عنه: فلست بِصَاحِبِهِ إِنَّمَا صَاحبه عِيسَى بن مَرْيَمَ. قَوْلُهُ: وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وإِنَّمَا لَمْ يَأْذَنِ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَتْلِهِ مَعَ ادِّعَائِهِ النُّبُوَّةَ بِحَضْرَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ، ولِأَنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْعَهْدِ، قُلْتُ الثَّانِي هُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه عِنْدَ أَحْمَدَ، وفِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ: فَلَا يَحِلُّ لَكَ قَتْلُهُ ثُمَّ إِنَّ فِي السُّؤَالِ عِنْدِي نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ، وإِنَّمَا أَوْهَمَ أَنَّهُ يَدَّعِي الرِّسَالَةَ، ولَا يَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ [مريم:83] الْآيَة.
قَوْله: قَالَ ابن عُمَرَرضي الله تعالى عنهما: انْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ هُوَ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، هَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وقَدْ أَفْرَدَهَا أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ، ووَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، ومَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، ونَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، والْأَنْصَارِ، وأَنَا مَعَهُمْ، ولِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ أَيْضًا، وقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ شَرْحُ مَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ، وبَيَانُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ، وقَوْلُهُ: طَفِقَ أَي جعل، ويَتَّقِي أَي يسْتَتر، ويختل أَيْ يَسْمَعُ فِي خُفْيَةٍ، ووَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله تعالى عنه رَجَاءَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْئًا لِيَعْلَمَ أَصَادِقٌ هُوَ أَمْ كَاذِبٌ، قَوْلُهُ: أَيْ صَافٍ بِمُهْمَلَةٍ، وفَاءٍ، وزْنُ بَاغٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ هَذَا مُحَمَّدٌ، وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَقَالَتْ يَا عَبْدَالله هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ، وكَأَنَّ الرَّاوِيَ عَبَّرَ بِاسْمِهِ الَّذِي تَسَمَّى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وأَمَّا اسْمُهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ صَافٍ. قَوْلُهُ: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ أَيْ أَظْهَرَ لَنَا مِنْ حَالِهِ مَا نَطَّلِعُ بِهِ على حَقِيقَته، والضَّمِير لأم ابن صَيَّادٍ أَيْ لَوْ لَمْ تُعْلِمْهُ بِمَجِيئِنَا لَتَمَادَى عَلَى مَا كَانَ فِيهِ فَسَمِعْنَا مَا يُسْتَكْشَفُ بِهِ أَمْرُهُ، وغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ لِلزَّمْزَمَةِ أَيْ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا لِفَهْمِنَا كَلَامَهُ، لَكِنَّ عَدَمَ فَهْمِنَا لِمَا يَقُولُ كَوْنُهُ يُهَمْهِمُ كَذَا قَالَ، والْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: وقَالَ سَالم قَالَ ابن عُمَرَ هَذِهِ هِيَ الْقِصَّةُ الثَّالِثَةُ، وهِيَ مَوْصُولَةٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وقَدْ أَفْرَدَهَا أَحْمَدُ أَيْضًا، وسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي الْفِتَن، وفِي قصَّة ابن صَيَّادٍ: اهْتِمَامُ الْإِمَامِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الْفَسَادُ، والتَّنْقِيبِ عنها، وإِظْهَارِ كَذِبِ الْمُدَّعِي الْبَاطِلَ، وامْتِحَانِهِ بِمَا يَكْشِفُ حَالَهُ، والتَّجَسُّسِ عَلَى أَهْلِ الرَّيْبِ، وأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَجْتَهِدُ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ فِيهِ، وقد اخْتلف الْعلمَاء فِي أَمر ابن الصياد اخْتِلَافًا كَثِيرًا سَأَسْتَوْفِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ يحلف أَن بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا؛ لِقَوْلِهِ ﷺ لِعُمَرَ: إِنْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي تَخَافُ مِنْهُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنَّ الْمَيِّتَ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا لَمَا كَانَ بَيْنَ قَتْلِ عُمَرَ لَهُ حِينَئِذٍ، وكَون عِيسَى بن مَرْيَمَ ﷺ هُوَ الَّذِي يَقْتُلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَافَاةٌ، والله أعلم.
الشيخ: بارك الله فيك، المقصود أنه أخر الكلام هناك، نسأل الله العافية.
س: تجسس على أهل الريب، إذا علم أن هذا البيت مشتبه فيه خناء، وفيه خمور، أو غيره؟      
الشيخ: الظاهر أنه لولي الأمر أن يتعاهد المسؤولين إذا عرف بالأمارات، والعلامات حتى يزال..... من جنس ما جرى لابن صياد، ولحماية المسلمين من الشر، والفساد، وليس لنا التجسس إذا عرف ذلك بالبيّنات، أو بالأمارات الظاهرة؛ لأن هذا فيه وقاية المسلمين من شرهم، والقضاء على أسباب الفساد.
س: الرَّيب أو الرِّيَب؟
الشيخ: الرِّيَب جمع رِيبة، التهم يعني.
س: قال إن الدجال لا يوجد الآن، وإنما يكون وقت خروجه؟
الشيخ: الظاهر حديث الْجَسَّاسَةُ واضح في هذا أنه موجود، رواه مسلم في الصحيح.
 
بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِلْيَهُودِ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا
قَالَهُ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه.
بَاب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الحَرْبِ، ولَهُمْ مَالٌ، وأَرَضُونَ، فَهِيَ لَهُمْ
3058 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، قال أَخْبَرَنَا عَبْدُالله، قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟ قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا؟، ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ المُحَصَّبِ، حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الكُفْرِ، وذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَنْ لاَ يُبَايِعُوهُمْ، ولاَ يُؤْوُوهُمْ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: والخَيْفُ: الوَادِي.

س: استدلال المؤلف بالحديث، هل عقيل أسلم بعد ذلك أسلم لكن حينما؟
الشيخ: عقيل أسلم، وطالب مات على الكفر، أما عقيل، وجعفر، وعلي، الثلاثة أسلموا ، وطالب هو الأكبر، لم يسلم لكنه استدلاله على أنهم إذا أسلموا ......... كأنه يريد أن عقيلًا وجعفر وعليًّا لما أسلموا كان لهم ما حصل لهم في سابق قبل الدخول في الإسلام ما حصل لأبي طالب، ما كان عليه أبو طالب، ومات عليه خلفه لهم؛ لأن طالبًا تصرف، وهؤلاء بقيت حقوقهم فأسلموا عليها من مال أبي طالب، لعل هذا مراده -أيش قال الشارح عليه؟ - وهذه قاعدة إذا أسلم الناس فهم على بلادهم، الأنصار أسلموا وبقيت لهم أموالهم وبلادهم، أسلموا على ما بأيديهم، وهكذا أهل مكة لما أسلموا أعطاهم النبي ﷺ ما في أيديهم، ولم يقسم شيئًا، وقال: أنتم الطلقاء، وترك لهم ما في أيديهم؛ تأليفًا لقلوبهم، ولم يقسم شيئًا من أراضيهم، فكل طائفة في بلد أو في محل أسلمت فهي على أموالها وبلادها، أسلموا على ما لديهم.
س: لكن قول أسامة: أين تنزل غدًا، وقول النبي ﷺ: وهل ترك لنا عقيل منزلًا هل الرسول ﷺ شريك لعقيل في الميراث؟
الشيخ: الظاهر أنه باع ما لديهم، ما لديه مما استولى عليه من أموال بني هاشم الذين هاجروا وتركوا أموالهم، تصرف فيها عقيل قبل أن يسلم، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: قَوْلُهُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا، الْحَدِيثَ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا، وقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ، وشِرَائِهَا مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ بِتَمَامِهِ، وتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ، وفِيهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ هُنَا لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، والْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وسَيَأْتِي تَحْرِيرُ مَبَاحِثِ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ويُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا أَقَرَّ النَّبِيُّ ﷺعَقِيلًا عَلَى تَصَرُّفِهِ فِيمَا كَانَ لِأَخَوَيْهِ عَلِيٍّ وجَعْفَرٍ ولِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ الدُّورِ، والرِّبَاعِ بِالْبَيْعِ، وغَيْرِهِ، ولَمْ يُغَيِّرِ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ، ولَا انْتَزَعَهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَمَّا ظَفَرَ؛ كَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى تَقْرِيرِ مَنْ بِيَدِهِ دَارٌ، أو أَرْضٌ إِذَا أَسْلَمَ، وهِيَ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
الشيخ: هذا هو الظاهر، والصواب أن مكة فتحت عنوة؛ فإنه دخلها عنوة، وعلى رأسه المغفر، وقتل من قتل، وقتل من تعرض للمسلمين قتلوه، وقتل ابن خطل، ثم أعلن عفوه لما سأل قال: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم! فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟! ولم يأخذ شيئًا من أموالهم، فتركهم على ما أسلموا عليه، وعقيل ترك له تصرفه في أموال أخويه.
س: عقيل استولى على بيوتهم ثم باعها وتصرف فيها؟
الشيخ: تصرف فيها قبل أن يسلم.
س:..........................
الشيخ: والأنصار هكذا أسلموا على أموالهم.
الطالب: وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَنَّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِأَمْوَالِهِمْ، ودُورِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُسْلِمُوا، فَتَقْرِيرُ مَنْ أَسْلَمَ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
الشيخ: نعم، هو على كل حال فتحها عنوة، وسمح لهم بأموالهم، دخل فيهم من أسلم، ومن توقف كصفوان بن أمية، ثم أسلموا جميعًا، ولم يبق منهم كافر إلا من هرب، كان عكرمة ثم أسلم.
 
3059 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ : اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الحِمَى، فَقَالَ: «يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ المُسْلِمِينَ، واتَّقِ دَعْوَةَ المسلمين، فَإِنَّ دَعْوَةَ المَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، ورَبَّ الغُنَيْمَةِ، وإِيَّايَ، ونَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ، ونَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ، وزَرْعٍ، وإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ، ورَبَّ الغُنَيْمَةِ: إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا، يَأْتِنِي بِبَنِيهِ، فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ، فَالْمَاءُ، والكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ والوَرِقِ، وايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ المَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا».

الشيخ: وهذا واضح من أن ولي الأمر يحمي مصالح المسلمين كما رسول الله ﷺ، لا حمى إلا لله ورسوله، فولي أمر المسلمين يحل محل رسول الله صلى الله في ذلك، فله أن يحمي من الأرض ما يراه مناسبًا لدواب المسلمين من خيل وإبل للجهاد، ولهذا أمر عمر رضي الله عنه وأرضاه مولاه على أن يمنع عبدالرحمن بن عوف، وابن عفان؛ لأنهم أثرياء أغنياء، يلتمسون لها محلًّا آخر غير الحِمى، وأمره أن...... صاحب الصريمة والغنيمة الفقراء لأنهم في حاجة إلى ذلك، ولأنه إذا انتهى ماشيتهما يرجعان إلى ولي الأمر، بخلاف الأغنياء إذا هلكت ماشيتهم رجعوا إلى أموال أخرى، المقصود أن ولي الأمر يوصي من يقوم على الحِمى بالرفق بالناس والرأفة والرحمة وعدم الشدة.
 
بَاب كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي، وائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ  قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ، فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنَا: نَخَافُ ونَحْنُ أَلْفٌ وخَمْسُ مِائَةٍ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وحْدَهُ، وهُوَ خَائِفٌ.

الشيخ: هذه نزلت في الإحصاء، لا بأس بالإحصاء إذا رأى ولي الأمر الإحصاء، إحصاء الرجال، أي المقصود إحصاء المقاتلة، والمقصود -والله أعلم- القراء، يعني: المجاهدين من المهاجرين؛ لأن الأنصار جمع غفير، المقصود: لما ظهر الإسلام أن المهاجرين الذين قدموا المدينة، لمصلحة النظر في الجيوش، والشرائع التي تكاد تكون منهم ...........، وتبصير المسلمين بأعدائهم، كما ترى، والأحزاب، وما ترى من الخوف، ولكن الله نصرهم، وجعل العاقبة حميدة، سبحانه وتعالى. 
 
3061 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وكَذَا وامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: ارْجِعْ، فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.

الشيخ: وهذا واضح في وجوب المَحْرَم، النبي ﷺ قال: لا تسافر المرأة إلا مع ذي مَحْرَم فقدم ذهابه مع هذا على غزوه حفظًا لمحرمه، وحرصًا على سلامتها، قال: انطلق حج مع امرأتك؛ لمسيس الحاجة إلى وجود محرمها، فليس للمرأة أن تحج ولا أن تسافر لأي سفر إلا بمحرم، إلا ما كان من باب الضرورات، كالمهاجرة.
س: الذين عندهم عاملات في البيت، خادمات، وأرادوا الحج، ماذا يفعلون؟
الشيخ: يذهبون معهم، مثل عائشة أعتقت بريرة مع النبي ﷺ، مثل بقية الخادمات، لا يضيعونهن، تبع.
س: في طريق أخرى للحديث السابق قال: حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش، فوجدناهم خمسمائة، قال أبو معاوية: ما بين ستمائة إلى سبعمائة.
الشيخ: يمكن رواية، لأن الإحصاء يتعدد، قد يكون هذا أولا ثم يحصون بعد ذلك صاروا ألفًا وخمسمائة؛ لأن أمرهم بالإحصاء تأثر بالإسلام، قد تعدد، هذا في وقت، وهذا في وقت.
 
بَاب إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ
3062 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قال أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح، وحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قال حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قال أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا حَضَرَ القِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي قُلْتَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ اليَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِلَى النَّارِ، قَالَ: فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، ولَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ ﷺ بِذَلِكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُالله ورَسُولُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلًا فَنَادَى في النَّاسِ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ.


الشيخ: وهذا فيه فوائد، منها:

إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام، إنه قال إنه من أهل النار، ثم تبيّن أمره، وهذا من باب الوحى، أتاه الوحي بذلك أن الرجل هذا يكون من أهل النار؛ لأنه يقتل نفسه، ولأنه لم يقاتل دينًا، وإنما قاتل حَمِيَّةً، ولم يسلم، وأنه كان قال إنه لم يقاتل لجنتكم وناركم، وإنما قاتلت حمية لقومي، المقصود أن هذا مما أطلعه الله عليه، ومن أجل تعريفهم أنه رسول الله حقًّا، يأتيه خبر السماء، فيظهر شاهد ذلك ودليل ذلك فيما يقع في الأرض.

ومنها: الحذر من قتل النفس، وأنه لا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، ولو أصابته جراحات، لا يجوز قتل النفس، والله يقول وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، قال رسول الله ﷺ: ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة، ليس له أن يقتل نفسه.

وفيه: أنه قد يؤيد الدين ببعض الفجار، قد يكون أناس في الجيش لا خلاق لهم، ولكن يكون لهم نشاط، ولهم شهامة، قوة في القتال؛ فينفع الله بهم، كما قد يذهب المنافقون في بعض عزوات النبي ﷺ، ويكون مأواهم جنهم، لكن قد ينفعون في قتال، أو بذل الأموال، وغير ذلك مما قد يقع، هذا أمر واقع، قد يبذل الأموال من هو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر فيساعد المؤمنين فينفعهم، وقد يقاتل حميةً فينفع المسلمين، وهو ليس على دينهم، وهذا مستخلص: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم.

وفيه من الفوائد: أن الإيمان إنما ينفع إذا كان في القلب، وأما الدعوى الظاهرة والإسلام الظاهر هذا لا ينفع، هذا إسلام المنافقين، وإنما ينفع الإيمان بما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فلا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مسلمة حقًّا، لا نفاقًا، النفاق يضر أهله، وأهله في الدرك الأسفل من النار، وهم أشد عذابًا من الكفرة؛ لأنهم خادعوا الله والمسلمين، وأظهروا ما ليس عندهم، فصارت بلية عظيمة، وشرهم عظيم، أما المؤمن الصادق فله الجنة، ولو نزلت عليه الخطوب، ولو نزلت عليه المصائب، فهو له الجنة، منتهاه الجنة، لإيمانه الصادق، لكن إذا كان له ذنوب ومعاصٍ فهو تحت مشيئة الله، قد يُمتحن، قد يُعذّب في قبره، قد يعذب في النار ثم منتهاه الجنة، كما دلت عليه النصوص، وأجمع عليه سلف الأمة.
س: هذا الرجل كافر أو عاصٍ؟
الشيخ: إن كان على ما بَلَغ ما أخفي عنه أنه قاتل حمية، وليس عن إيمان؛ فهو كافر، وإن كان إنما دخل النار بأسباب قتل نفسه فهو عاصٍ؟
س: إذا كان ليس مسلمًا كيف يقاتل مع الرسول ﷺ؟
الشيخ: حميةً لقومه ولأنصاره، مثلما قاتل المنافقون، وهم على دين الكفر، عبدالله بن أُبَيّ، ومن أشبهه.

بَاب مَنْ تَأَمَّرَ فِي الحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ إِذَا خَافَ العَدُوَّ
3063 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُالله بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ الله عَلَيْهِ، ومَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ- أَنَّهُمْ عِنْدَنَا، قَالَ: وإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ.

الشيخ: وهذا في غزوة مؤتة لما بعث النبي ﷺ جيشًا إلى الشام، وأمر عليهم زيد بن حارثه، مولاه، قال فإن قتل فجعفر بن أبي طالب هو الأمير عليكم فإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحه، فاجتمعوا مع المشركين مع الروم في مؤتة في الأردن، فقاتلوا قتالًا شديدًا، وكان الروم ستين ألفًا، والمسلمون ثلاثة آلاف فقط، وقيل إن الروم كانوا مائة وعشرين ألفًا فقاتلوا قتالًا شديدًا، فقتل زيد بن حارثة الأمير، فأخذ الراية جعفر؛ لأنه الأمير بعده فقتل أيضًا ثم أخذها عبدالله بن رواحة؛ لأنه الأمير بعده فقتل أيضًا ثم اصطلح الناس على خالد بن الوليد............. كي يتأمر عليهم فتأمر عليهم، وقاتل الناس قاتلوا قتالًا شديدًا فنصرهم الله، وانحاز كل قوم إلى معسكرهم، ورجعوا بغنيمة، وفضل من الله، ونصر من الله جل وعلا على قلتهم، ولم يقتل منهم إلا عدد قليل، أكثر ما قيل أنهم اثنا عشر مع هذه الأمة العظيمة، والجيش العظيم من الروم، هذا من تأييد الله ونصره، ومن الآيات العظيمة في نصر دينه، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر [الحج:40، 41]، فالمسلمون لا يقاتلون الناس بكفاءتهم، ولا بسلاحهم، يقاتلونهم بقوة الإيمان، والصدق في اللقاء، والسلاح وغير السلاح من الأدوات، كلها وسيلة، كلها عون، ولكن المهم صدق القلوب، وصدق الإيمان، والثبات في الحق، هذا هو الأساس في نصرهم وتأييدهم، فإذا صدق المسلمون، واستقاموا على دين الله قولًا وعملًا، وأدوا فرائضه، وتركوا محارمه، واستقاموا على دينه، وتواصوا بالحق، والصبر عليه؛ نصرهم الله كما قال الله جل وعلا: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر [الحج:40، 41]، قال جل وعلا: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ۝ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51، 52]، كان المسلمون يوم بدر............... للمشركين، فنصرهم الله عليهم، وأيّدهم، وقد حاصرهم المشركون يوم الأحزاب في المدينة، كانت الأحزاب لهم عشرة آلاف مقاتل من سائر الكفرة من قريش وغيرهم، حاصروا المدينة من جميع جهاتها، وأصاب المسلمين شدة عظيمة ثم فرج الله كربتهم، وأزال شدتهم، وأيدهم بجنود من السماء لم يروها، وجنود من الملائكة، وبالريح العظيمة، حتى ألقى الله في قلوب عدوهم الرعب، وطرحت خيامهم، وكفأت قدورهم، وانقلبوا خائبين إلى مكة خاسئين لم ينالوا خيرا، ونصر الله أولياءه، وأيدهم، وحماهم، وأمر نبيه أن يقاتل قريظة لما خانت، ونقضت العهد فقاتلها، وسبى نساءها وذرياتها، وأخذ أموالها، كل هذا من نصر الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ۝ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ۝ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:9-11]، والله المستعان.
س: ..............................
الشيخ: صحيح....... إذا صدقوا، واستقاموا، لا يُغلبوا من قلة، وإنما يُغلبون بأشياء أخرى، إما رياء أو سمعة أو غير هذا من الأسباب، أو معاصٍ أصروا عليها.
 
بَاب العَوْنِ بِالْمَدَدِ
3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَاهُ رِعْلٌ، وذَكْوَانُ، وعُصَيَّةُ، وبَنُو لَحْيَانَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا، واسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، «فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ»، قَالَ أَنَسٌ : كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ، ويُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ، غَدَرُوا بِهِمْ، وقَتَلُوهُمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: وحَدَّثَنَا أَنَسٌ: أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا: أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا، فَرَضِيَ عَنَّا، وأَرْضَانَا، ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ.

بَاب مَنْ غَلَبَ العَدُوَّ فَأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثَلاَثًا
3065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ،

الشيخ: وفي قصة رعل وذكوان دلالة أنه سبحانه يبتلي عباده الأخيار بمحن وشدائد وظلم من الغير؛ لحكمة بالغة، وليرفع درجاتهم، ويكونوا قدوة وأسوة لمن يأتي بعدهم وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ والْأَنْفُسِ والثَّمَرَاتِ [البقرة:155]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، ولهذا ابتلى الرسل وهم أفضل الناس، هكذا المؤمنون، ومنهم القرّاء السبعون الذين ذهبوا للدعوة فقتلهم أولئك الأشرار.
س: هل يُدعى على المُعَيَّن في القنوت؟
الشيخ: نعم.
قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ» تَابَعَهُ مُعَاذٌ، وعَبْدُالأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: وهذه إقامة فيها مصالح: إذا ظهر على القوم أقام في عرصتهم ثلاثًا للتمييز والتكمين، ما يتعلق بالغزوة، وقسم الغنائم، ومن العناية بتفقُّد المسلمين، ومن سلم منهم ومن لم يسلم، إلى غير هذا من المصالح التي تترتب على الإقامة ثلاثة أيام، مثل ما أقام يوم بدر ثلاثة أيام بعد أن نصره الله عليهم؛ فالإقامة ثلاثة أيام فيها مصالح، وتمييز لما وقع، وإحصاء من قتل، وقسم الغنائم، ولئلا يتميز من القوم المقتولين بقية يُخشى شرها، إلى غير هذا من المصالح.
 
بَاب مَنْ قَسَمَ الغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ، وسَفَرِهِ
وَقَالَ رَافِعٌ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِذِي الحُلَيْفَةِ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا، وإِبِلًا، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ.
3066 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ قَالَ: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ».

الشيخ: هذا في غزوة الفتح لما فتح الله عليه مكة ثم عاد إلى الطائف، وتجمعت هوازن والطائف حولهم لقتاله ﷺ فالتقى معهم في حنين، وهزمهم الله، ونفل نبيه ﷺ ذريتهم ونساءهم وأموالهم، كان نصرًا عظيمًا كما في قوله جل وعلا: ويَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ ولَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ۝ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة:25، 26]، المقصود أنه جل وعلا منحهم أكتافهم، وسلط رسوله عليهم، وكان المسلمون قد حصل عليهم نكسة عند اللقاء ففروا لما رأوا كثرة هوازن ثم يسر الله جل وعلا، وتراجعوا، وصاح فيهم النبي ﷺ يدعوهم: يا أهل الشجرة، فرجعوا فهزم الله بهم هوازن، وكانت هوازن قد قدمت أمامها الإبل والغنم، وجعلوا خلفهم النساء والذرية حتى لا يفروا، ولكن لم ينفعهم ذلك، قدر الله جل وعلا أن تكون هذه للمسلمين غنيمة، وأن يهزمهم الله، فقسم غنائمهم في الجعرانة ثم اعتمر عليه الصلاة والسلام.
 
بَاب إِذَا غَنِمَ المُشْرِكُونَ مَالَ المُسْلِمِ ثُمَّ وجَدَهُ المُسْلِمُ
3067 -، وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ العَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ المُسْلِمُونَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: وهذا فيه.............. إذا ظهر عليهم المسلمون ردوا على صاحبه؛ لأن ملكه ما زال عليه، ولاية الكفار لا تنقل ملكه في.............، فإذا ظهر المسلمون على الكفار، وعندهم عبد لأحد المسلمين أو ناقة أو غير ذلك فإنه يرد إلى صاحبه، ولا يجعل في الغنيمة.
 
3068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، «أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ رضي الله عنه، فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِالله، وأَنَّ فَرَسًا لِابْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ، فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِالله»، قَالَ أَبُو عَبْدِالله: عَارَ مُشْتَقٌّ مِنَ العَيْرِ، وهُوَ حِمَارُ وحْشٍ، أَيْ هَرَبَ.
3069 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لَقِيَ المُسْلِمُونَ، وأَمِيرُ المُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَخَذَهُ العَدُوُّ فَلَمَّا هُزِمَ العَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ».

بَاب مَنْ تَكَلَّمَ بِالفَارِسِيَّةِ، والرَّطَانَةِ
وَقَوْلِ الله : وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4]
3070 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا، وطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَتَعَالَ أَنْتَ، ونَفَرٌ، فَصَاحَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا، فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ.
3071 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُالله، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَبِي، وعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَنَهْ سَنَهْ - قَالَ عَبْدُالله: وهِيَ بِالحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ -، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: دَعْهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَبْلِي وأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وأَخْلِفِي قَالَ عَبْدُالله: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ.


الشيخ: ما ضبطها الشارع؟
الطالب: ذكر بالراء، ذال كاف وراء.
الشيخ: تكلم عليها أوْ لا؟
الطالب: قوله في آخره: قال عبدالله: فبقيت حتى ذكر؛ أي: ذكر الراوي من بقايا أمدًا طويلًا، وفي نسخة الصغاني وغيرها: حتى ذكرت، ولبعضهم حتى ذكن بمهملة، وآخره نون؛ أي اتسخ، وسيأتي في كتاب الأدب، وقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر الباب قال أبو عبدالله -هو المصنف-: لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه، يعني أم خالد.
الشيخ: يعني مثل ما قال لها: أبلي وأخلقي، أبلي وأخلقي، في ضمن ذلك الدعاء بطول العمر.

فيه جواز الكلام باللغة الأجنبية إذا دعت الحاجة إليها أو المصلحة أو المداعبة سنه سنه فإذا دعت الحاجة تكلم بها، تكلم بها؛ مثل ما أمر النبي ﷺ زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود حتى يقرأ عليه كتبهم، وحتى يكتب لهم بلغتهم، فتعلم اللغة الأجنبية إذا دعت الحاجة إليها أمر مطلوب لتفهيمهم، والفهم عنهم، وفي قصة جابر البهيمة والصاع من الشعير معجزة؛ لأن النبي ﷺ دعا أهل الخندق، وكانوا أمة كبيرة، فبارك الله في الصاع، وفي البهيمة، وأكلوا، وراحوا، وأكلوا، وشبعوا، وبقي فضله كما جاء في رواية المفصل، وهذه من آيات الله، ومن معجزاته نبيه عليه الصلاة والسلام.
س: فيه الدعاء بطول العمر بدون قيد؟
الشيخ: هو الأحسن أن يكون بقيد: أطال الله عمرك في طاعة الله، وفي ........، وفي الصالح، لكن إذا دعا وأطلق، وهو مراده ذلك؛ كفته النية.
الطالب: قلت: وإذا رآكم موسى بن عقبة لها دالًّا على طول عمرها؛ لأنه لم يلق من الصحابة غيرها.
تنبيه: خالد بن سعيد المذكور في السند شيخ عبدالله روى ابن المبارك هو خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد.

3072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ له النَّبِيُّ ﷺ بِالفَارِسِيَّةِ: كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.

الشيخ: بالهمزة إخ إخ؟
الطالب: بكسر الكاف: كِخ.
الشيخ: نعم يعني: الفظها، اتركها، كخ كخ المعنى: الفظها اتركها، وهذا فيه تعليم الصبيان والصغار ما يحتاجون إليه، وينهون عن ما حرم الله، ويؤمرون بما أمر الله؛ حتى يتمرنوا على الخير، فإن الحسن مات النبي ﷺ وهو في الثامنة، ولد في السنة الثالثة من الهجرة، وحين مات النبي ﷺ كان في الثامنة، وكان الحسين في السابعة، المقصود أن ولي الصبيان يعلّمهم ويوجّههم إلى الخير وإن كانوا صغارًا حتى يتمرّنوا عليه، ويعتادوه، ومن هذا أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا، وضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا؛ للتعليم والتدرُّب على الخير والنشأة عليه.

وفيه إنكار المنكر على الصغار فلا يجوز أن يُمَكّنوا مما حرم، فإن الصدقة محرمة على أهل البيت فلا يسمح أن يأكلوا منها، وهكذا لبس الحرير: لا يلبس الحرير ذكرٌ ولو صغير، ولا الذهب ولو صغير، يُمنع مما يُمنع منه الرجال.
كِخْ بلغة من؟
الطالب: بالفارسية.
س: الصبي يؤمر بالوضوء للصلاة.
الشيخ: يؤمر إذا بلغ السابعة.
س: قول الرسول ﷺ للحسن بالفارسية ظاهر الحديث أنه ليس لحاجة كلام الرسول ﷺ بالفارسية؟
الشيخ: كانت مستعملة، كخ كخ أصلها فارسية، ولكنها مستعملة عند العرب في المدينة، ولذلك استعملها النبي ﷺ؛ لأن الحسن إنما يعرف لغة قومه لغة أهل بلده، والظاهر أنها مستعملة عندهم: كخ كخ، وأصلها حبشية مثل: سنه سنه، أصلها حبشي، واستعملها النبي ﷺ مع أم خالد.
الطالب: في كلام نحو هذا، وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة أعجمية؛ لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون سنه أصله حسنة فحذف أوله إيجازًا، والثالث من أسماء الأصوات، وقد أجاب عن الأخير ابن المنير فقال: وجه المناسبة أنه ﷺ خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل، فهو كمخاطبة العجمي بما يفهم من لغته.

قلتُ: وبهذا يُجاب عن الباقي ويُزاد.

الشيخ: هذا هو الأصل: أن الإنسان يُخاطب بما يعقل، الرومي يُخاطب بلغته، والفارسي بلغته، وهكذا الآخرون؛ حتى يُفَهَّموا الحقَّ، وحتى يُجابوا عن الباطل بلغاتهم، حتى تُقوم عليهم الحجَّة، وإذا كانت اللغة الأجنبية قد فشت في الناس بين العرب واستعملوها صارت عربية بالنقل، فهذا في "كخ" من هذا الباب، لكن أصل...... أو غير ذلك، ثم استعملها العربُ فصارت عربيةً، يكون بالنقل.

وَيُزَادُ بِأَنَّ تَجْوِيزَهُ حَذْفَ أَوَّلِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلِمَةِ لَا يُعْرَفُ.

س: الطفل الذي عمره سبع سنوات ذَكَر يُبعد عن قضية الإسبال في الثياب ويُربَّى عليه؟

ج: نعم، يُمنع من الإسبال وإن كان صغيرًا.

س: ..........؟

ج: على وليه أن يأمره بالصلاة لسبعٍ، يجب على وليه وجوبًا، الرسول قال: مُرُوا، والأصل في الأوامر الوجوب، واضربوهم عليها لعشرٍ حتى يتمرَّنوا على الخير، وبعض الصبيان قد يبلغ بعد العشر، قد يبلغ في الحادي عشر والثاني عشر.

س: ...........؟

ج: طيب، هذا من التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام.

الطالب: في كلام للشارح قبل هذا، وأشار المصنفُ إلى بعض ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية: كَحَدِيثِ (كَلَامِ أَهْلِ النَّارِ بِالْفَارِسِيَّةِ)، وَكَحَدِيثِ (مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ زَادَتْ فِي خُبْثِهِ وَنَقَصَتْ مِنْ مُرُوءَتِهِ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَسَنَدُهُ وَاهٍ، وَأَخْرَجَ فِيهِ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ  رَفَعَهُ: (مَنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَلَا يَتَكَلَّمْنَ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ النِّفَاقَ) الْحَدِيثَ، وَسَنَدُهُ وَاهٍ أَيْضًا.

الشيخ: المقصود أنَّ هذه ضعيفة، والكلام فيها مطلوب، الكلام باللغة الأجنبية مطلوب إذا دعت الحاجةُ إليه، وإذا استُغني عنه فالمشروع أن يتكلم بالعربية، ولا يُخاطب الناس بما لا يعرفون، يُخاطب العرب بالعربية، وأما غيرهم فإن كانوا يفهمونها وإلا خاطبهم بلغتهم، وأصرح ما في هذا قصة زيد: أن النبيَّ أمره أن يتعلَّم لغة اليهود.

س: حديث أنها لغة أهل الجنة، العربية؟

ج: مشهور، ظاهر الحديث أنها لغتهم، لكن ظاهر الأحاديث المروية أنهم يتخاطبون باللغة العربية، ما ورد في الأحاديث الصحيحة أنهم يتخاطبون باللغة العربية.