10 من حديث (قاتل الله اليهود: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)

حديث أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: قاتل الله اليهودَ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق عليه. زاد مسلم: والنصارى. والمعنى .....: قاتل الله اليهود والنَّصارى، هكذا بلفظ: قاتل.

وفي "الصحيحين" من طريقٍ آخر: لعن الله اليهود والنصارى، بلفظ اللَّعن اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد.

هذا يدل على تحريم اتِّخاذ المساجد على القبور، وأنَّ هذا من عمل اليهود والنصارى، وهم الغلاة في أنبيائهم، والغلاة في صالحيهم حتى عبدوهم من دون الله، نعوذ بالله، علَّمهم الغلوَّ حتى عبدوهم من دون الله.

وفي حديث عائشة الآخر الذي رواه الشَّيخان أيضًا: أنَّ أم حبيبة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما -وهما من أمهات المؤمنين- ذكرتا للنبي ﷺ كنيسةً رأتاها في أرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال النبيُّ عند ذلك عليه الصلاة والسلام: أولئك إذا مات فيهم الرجلُ الصالحُ بنوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله.

بيَّن أنَّ من عمل النصارى كاليهود: البناء على القبور، واتّخاذ المساجد عليها، ونصب الصور فيها؛ حتى تُعبد وتعظم، قال: أولئك شرار الخلق عند الله .

هذا يُبين لنا أنَّ عباد غير الله والمتسببين في ذلك هم شرار الخلق؛ الذين يبنون المساجد على القبور حتى تُعبد من دون الله، فإنَّ البناء عليها من وسائل عبادتها، فاليهود والنصارى قد اشتهروا بذلك، ثم تبعهم ضلال هذه الأمة، وغلاة هذه الأمة، وجهال هذه الأمة تبعوا اليهود والنصارى في هذا البلاء، وفي هذا الشرك، وفي هذه البدعة، وهذا مصداق قوله ﷺ: لتتبعنَّ سننَ مَن كان من قبلكم، حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لدخلتُموه، قد تابعوهم إلا مَن عصم ربك: بنوا المساجد على القبور، كما في بلدانٍ كثيرةٍ: في مصر، والشام، والعراق، وغير هذا، بلدان لا تُحصى، ودول لا تُحصى تُقام فيها المساجد على القبور، وتُعظم القبور وتُكسى وتُطيب ويُطاف بها، وتُدعا من دون الله، كما يُطاف بالكعبة: قبر الحسين في مصر، وغير ذلك، وكاظم في العراق، وغير ذلك.

فالحاصل أنَّ نفس الذي نهى عنه النبيُّ ﷺ وذكره عن اليهود والنَّصارى فعلته هذه الأمة، فعلته أمة محمدٍ ﷺ؛ لجهلها وقلَّة بصيرتها، وما غلب عليها من تقليد الأعداء، إلا مَن هداه الله منها وسلم من هذه البلية.

وكان في نجدٍ نصيبهم من ذلك: كان هنا في نجدٍ -وهي الحجاز- نصيبهم من ذلك؛ فكان على قبر زيدٍ بنية، زيد بن الخطاب في جبيلة، وهُدم في عهد الشيخ محمد رحمة الله عليه، وكانت دعوةُ الشيخ محمد رحمة الله عليه من أسباب إزالة هذا الشرك، وهذه البنايات على القبور، والغلو فيها، فرحمة الله عليه، وجزى الله خيرًا مَن ناصره وساعده على هذا الخير العظيم.

وكان في المعلاة بنايات كثيرة على القبور، وكان في البقيع في المدينة كذلك، مثلما جرى في أمصارٍ أخرى، وهُدمت في عهد آل سعودٍ الأولين، ثم هُدمت في عهد الملك عبد العزيز لما تولى مكةَ وأُزيلت والحمد لله.

ولا يزال الناسُ يدعون إلى هذا الشرِّ، وهم الغلاة والجهال، ويُريدون أن تعود الحالُ كما كان في الأمصار الأخرى؛ لجهلهم وضلالهم وغلوهم، وما وقع في قلوبهم من الشر والغلو في الصَّالحين وقلة البصيرة بما كان عليه النبيُّ وأصحابه عليه الصلاة والسلام.

فالحاصل أنَّ هذا هو حكمه ﷺ في القبور وسنته: ألا يُبنى عليها، وألا يُغلا فيها، وألا يُقام عليها المساجد.

وفي حديث مسلمٍ عن جابرٍ -كما يأتي- أنَّ رسول الله ﷺ نهى عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها؛ سدًّا لذرائع الشرك، وأخبر النبي ﷺ أنَّ هؤلاء الفاعلين هم شرار الخلق؛ لأنهم جروا الناس إلى الشرك، ودعوهم إليه بأفعالهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والحديث الرابع: حديث أبي هريرة : أنَّ النبي بعث خيلًا -وفي روايةٍ أخرى: إلى جهة نجدٍ- فجاءت برجلٍ -وهو ثمامة بن أثال المعروف، الحنفي، أحد سادات بني حنيفة وكبارهم- فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد. متفق عليه.

وكان النبيُّ بعث خيلًا فصادفوا هذا قد خرج إلى العُمرة، فأخذوه وجاءوا به إلى النبي ﷺ، فرُبط بساريةٍ من سواري المسجد، ولم يزل مربوطًا حتى أمر النبيُّ بإطلاقه، وكان رجلًا عظيمًا، وله شأن في بني حنيفة، ومن ساداتهم، مرَّ عليه النبيُّ ﷺ بعدما رُبط فقال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي ما تُريد، إن تقتل تقتل ذا دمٍ -يعني: ذا دمٍ عظيمٍ، له شأن في قومه- وإن تُنعم تُنعم على شاكرٍ -يُقدر الأمور- وإن تُرد المالَ فسَلْ تُعْطَه. يعني: إن كنت المال تريد تُعطه على سبيل الهبة، ثم تركه النبيُّ ﷺ، ومرَّ عليه اليوم الثاني وقال مثل قوله، فردَّ عليه ثمامة بمثل هذا القول، ثم اليوم الثالث فردَّ عليه ثمامةُ مثلما قال، فأمر بإطلاقه، وتوسم فيه الخير، وأنه شاكر إذا أنعم عليه، وصدقت فيه الفراسة بما ظنَّه النبي ﷺ.

ولما أُطلق توجَّه إلى بئرٍ هناك -نخل هناك- حول المسجد، فاغتسل فيه وجاء وشهد شهادة الحقِّ، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. ودخل في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه، وحلف أنه لا يذهب إلى مكة حبة حنطة من اليمامة إلا بإذن محمدٍ عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، إني خرجتُ للعمرة، وأخذتني خيلك وأنا أريد العمرة. فأمره النبيُّ أن يُتم عمرته رضي الله عنه وأرضاه.

المقصود أنَّ هذا فيه شاهد بجواز الرباط في المسجد، ولا بأس أن يُربط الكافر في المسجد؛ ليرى المسلمين، ويرى أعمالهم، ويسمع أذكارهم وقراءاتهم وعلومهم، ويُشاهدهم إذا صلوا، ويستفيد من هذا، وربما رقَّ قلبُه ودخل في الإسلام، وهذا الذي يريد وقع من ثمامة.

وهذا يدل على جواز دخول المشرك المدينة، الرسول ما منعه من المدينة، ولم يمنع وفد الطائف وهم مشركون، ولا وفد النَّصارى وهم نصارى، فدلَّ على أنَّ المدينة في هذا ليست حكمها حكم مكة، أما مكة فلا، لا يدخل المسجدَ الحرام مشركٌ، أما المدينة فلا بأس إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك: الوفود، أو لمصلحة مهمة لا يقضيها غيرهم، ونحو ذلك.

وفي جواز الرباط في المسجد -ربط الكافر في المسجد- مصلحة؛ يسمع الذكر، يسمع الوعظ، يسمع الدعوة، تُقام عليها الدَّعوى عند الحاكم في المسجد، يُستحلف، يحضر شاهدًا؛ لأسبابٍ شرعيةٍ لا بأس، كما دخلوا هذا المسجد وهو أشرف المساجد وأعظمها بعد المسجد الحرام، كما جاز دخوله -الكافر- فالمساجد الأخرى من باب أولى، ما عدا المسجد الحرام. والله أعلم.

وفيه أيضًا من الفوائد: جواز العفو عن إطلاق الأسير من غير فداءٍ إذا توهم فيه وليُّ الأمر الخير، وظنَّ فيه الخير؛ جاز أن يُطلق بغير فداءٍ؛ لأنَّ النبي أطلق ثمامةَ من دون فداءٍ لما ظنَّ فيه الخير وتوهم فيه أنه سوف يُسلم وسوف يُؤثر فيه إطلاق النبي وعطفه عليه الصلاة والسلام.

س: الفرق بين مكة والمدينة في دخول المشركين؟

ج: هذا من الفرق، هذا في مسجد النبي ﷺ ..... الحرام.

س: يعني مكة لا يجوز ولا المرور؟

ج: يُمنع، حتى قالوا: لو جاء وفدٌ من المشركين إلى الإمام وهو في مكة يخرج إليهم الإمام أو يُرسل إليهم مَن يُخبرهم خبره.

س: المدينة من دون إقامةٍ؟

ج: إذا دعت المصلحةُ إلى ذلك لا بأس.

س: يعني: من دون إقامةٍ؟

ج: لا، من دون إقامةٍ، الجزيرة كلها لا يُقيم فيها الكافر.

س: بناء المساجد في الدُّور والحارات ولو تقاربت المساجدُ يجوز ذلك؟

ج: لا، يعني على حسب الحاجة، ما ينبغي التَّقارب، يكون مضارةً وتفريقًا للمسلمين، لكن يكون على حسب الحاجة.

حديث عمر عن أبي هريرة في قصة عمر لما مرَّ على حسان بن ثابت الأنصاري -وهو شاعر الرسول ﷺ- وهو يُنشد في المسجد، يقول بعض أشعاره في المسجد، فلحظ إليه عمرُ كالمنكر عليه، التفت إليه بنظر المنكر، ونظر المنكر معروف، فقال له حسانٌ عند ذلك: "قد كنتُ أنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك" يعني: في المسجد، يعني: رسول الله عليه الصلاة والسلام. متفق عليه.

هذا فيه دلالة على جواز إنشاد الشعر الذي لا شرَّ فيه في المسجد، الأشعار التي فيها هجاء المشركين، وفيها دعوة إلى الله، وتوجيه الناس إلى الخير، وما يُشبه ذلك مما هو خير وإحسان.

وفيه قوة عمر وحرصه على الخير رضي الله عنه وأرضاه، فلما قال له حسان ما قال كفَّ عنه، ولم يقل له شيئًا، وفي هذا وقوف عند الدليل، وعدم تجاوزه الدليل رحمه الله.

وفيه قوة صاحب الحقِّ، وأنَّ صاحب الحقِّ ثابت؛ ولهذا قال حسان وهو ثابت الجأش: "قد كنتُ أُنشد وفيه مَن هو خيرٌ منك"، مع أنَّ عمر معروف، هو المعروف بالقوة والصَّلاة والهيبة، لكن صاحب الحق أقوى، وفي هذا قوة حسان أيضًا في إظهار الحقِّ، وأنه أظهر الحقَّ وبيَّنه ولم يخشَ في هذا أن يغضب عمر، أو ما أشبه ذلك، بل أظهر وبيَّن ما حفظه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وهكذا ينبغي لأهل العلم: أن يُبلغوا عن الله شرعه، وأن يصدعوا بالحقِّ، وألا يخافوا في الله لومةَ لائمٍ؛ لأنَّ الناس إذا تركوا إظهار الحقِّ اندرس الحقُّ وذهب بموت أهله، فلا بدَّ من إظهار الحقِّ؛ حتى ينقله جيلٌ عن جيلٍ، وحتى يعلمه الناس، وحتى لا يموت الحقُّ بموت أهله؛ ولهذا صدع حسان بذلك، وبيَّن أنه أنشد الشعر في حياة النبي ﷺ وهو يسمع عليه الصلاة والسلام في المسجد، كان يقول له النبيُّ ﷺ: اهجُهم -أي المشركين- والذي نفسي بيده، إنه لأشد عليهم من وقع النَّبل، وكان يقول أيضًا: اللهم أيِّده بروح القدس أي: بجبرائيل.

فإنَّ الشعر له أثر عظيم في تأييد أهل الحقِّ، وفي تشجيعهم، وفي تثبيط الباطل وأهله، وقمعه، وتفريق شمله، ولا سيما إذا كان شعرًا قويًّا يتضمن بيان أدلة الحقِّ ومصالح المسلمين، وفوائد ما هم عليه من الخير، وأضرار الكفر والعواقب الوخيمة له والمعاصي، فإن أثره عظيم في النفوس، أكثر من أثر النثر عند عامَّة الناس الذين لهم بصرٌ في الشعر ومعرفةٌ له.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة أيضًا، والثالث كذلك في احترام المساجد:

أحدهما: يقول ﷺ: مَن سمع رجلًا يُنشد ضالةً في المسجد يُنشد يعني: يطلب نشده، ينشده: طلبه، وأنشد الشعر بالرباعي قال الشعر، ونشد الضَّالة وأنشد الشيء: طلبه، فليقل: لا ردَّها الله عليك؛ فإنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا.

هذا من باب التَّعزير؛ لما تساهل وأتى بأمرٍ لا يُناسب، ولم يتأدب مع المساجد، ولم يسأل، ولم يتفقَّه في هذا الأمر؛ عُوقِب بأن يُقال له: لا ردَّها الله عليك.

هذا فيه أنَّ الإنسان قد يُعاقب، وقد يُعزر بنفس الدعاء.

التعزير أنواع: قد يكون التَّعزير بالضرب، قد يكون التعزير بالسجن، قد يكون التعزير بالكلام الشديد والتَّوبيخ، وقد يكون التعزيرُ بالهجر وعدم الرد وعدم الكلام، وقد يكون التَّعزير بالدعاء، يُدعا عليه، ومنها هذا الباب: الدعاء على مَن قال: مَن رأى الضَّالة؟ مَن رأى بعيري؟ مَن رأى كذا؟ في المسجد، يُقال له: لا ردَّها الله عليك.

فإنَّ المساجد لم تُبْنَ لهذا أي: لم تُبْنَ لنشد الضَّوال، وإنما بُنيت لعبادة الله وطاعة الله ، فإذا دعت الحاجةُ إلى هذا يقف خارج المسجد ويقول: مَن رأى كذا؟ ومَن رأى كذا؟ خارج المسجد.

كذلك قوله: وإذا رأيتُم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك هو من هذا الباب؛ لأنَّ المساجد لم تُبن للبيع والشراء، وإنما بُنيت للصلاة والذكر وتعليم العلم.

س: الذين يتسوَّلون في المساجد؟

ج: أمر التَّسول أسهل فيما نعلم، لا حرج، وإن كان بعضُ الناس يُشدد في هذا، لكن لا نعلم فيه حرجًا إذا لم يكثر الكلام، ولم يطول الكلام، بل أتى بكلامٍ قصدٍ، فلا بأس بهذا؛ النبي ﷺ لما رأى أناسًا فقراء من مُضر دخلوا عليه في المسجد، وهم فقراء، عليهم ظاهر الفقر، قام فصلَّى ثم خطب الناسَ وحثَّهم على الصَّدقة، قال: تصدَّق رجلٌ بدرهمه، بديناره، بصاع بُرِّه، بصاع شعيره إلى أن تجمع عنده شيء كثير فأعطاه هؤلاء الفقراء، هذا نوع من السؤال، حثَّهم على مواساة هؤلاء الفقراء والمساكين، وجاءت السنةُ بغير هذا مما يدل على جواز أنَّ الإنسان يُبين حاله أنه فقير محتاج.

والحديث الرابع: حديث حكيم بن حزام: أن النبي ﷺ قال: لا تُقام الحدود في المساجد، ولا يُستقاد فيها.

هذا وإن كان ضعيفًا، لكن معناه تشهد له الأدلةُ الأخرى؛ لأنَّ إقامة الحدود قد تُفضي إلى تلويث المسجد؛ لأنه إذا ضُرب أو قُطعت يده أو اقتصَّ منه في النَّفس قد يحصل تلويثٌ للمساجد بالدماء أو الأبوال أو ما أشبه ذلك؛ فلهذا تُمنع إقامة الحدود في المساجد؛ تنزيهًا لها، وصيانةً لها عمَّا قد يقع مما يُقام عليه الحدّ أو يُستقاد منه، وهكذا ما أشبه ذلك مما يُخشى منه من تلويث المساجد يُمنع؛ حتى لا تكون المساجدُ عرضةً للأبوال والنَّجاسات والدِّماء ونحو ذلك.

والحديث الخامس: حديث عائشة في قصة سعد بن معاذٍ سيد الأوس ، فإنه أُصيب يوم الخندق بأكحله، فاندمل عليه الجرح، وعاش وقتًا، وحضر نزول بني قريظة على حكمه؛ فإنَّ النبي لما حاصرهم طلبوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذٍ حليفهم، فحضر وحكم فيهم، ثم بعدما انتهى الحكمُ انتقض عليه جرحُه، وصار يسيل دمًا، فجعله النبيُّ في المسجد ليعوده من قريبٍ، وهو في الخيمة.

هذا يدل على جواز اتّخاذ الخيام في المسجد للمصلحة العامَّة، أو لحاجة الفقير، كما اتّخذ خيمةً للمرأة التي أسلمت، جعل لها خيمةً في المسجد، وكما يتّخذ خيمةً في أوقات الاعتكاف، هذا لا بأس به، يعني: أن يتّخذ في المسجد خيامًا للسكن عند الحاجة، أو الاعتكاف، بشرط ألا يضرّ الجماعة المصلين في المسجد، إذا فيه سعةٌ في رحباته يتّخذ خيمةً أو خيامًا: إما لكون الرجل ذا شأنٍ فيحتاج أن يعوده الناسُ من قريبٍ؛ لئلا يشقَّ على الناس إذا كان في مكانٍ بعيدٍ، وكانت المصلحةُ تقتضي أن يكون في المسجد، أو لأنه لا سكنَ له وضرب له خيمةً في المسجد حتى يتيسر له سكن، أو لأسبابٍ أخرى تقتضي ذلك، والله أعلم، لكن مع مُراعاة الصيانة.

س: إذا كانت الضَّالة إذا ضاعت في المسجد ما أنشده في المسجد؟

ج: ظاهر الحديث العموم، سواء كان في المسجد أو في خارج المسجد، يقف على الباب، ولا يُنشد في المسجد، هذا ظاهر الحديث وإطلاقه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيتُ رسولَ الله ﷺ يسترني وأنا أنظر الحبشةَ يلعبون في المسجد. الحديث متَّفق عليه.

هذا الحديث يدل على أنَّ نظر النساء في الجملة إلى جملة الرجال لا حرجَ فيه، كما ينظرن إلى الرجال في الأسواق، وفي المساجد، وأنَّ هذا لا يُخالف قوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، النظر العام للماشين والمصلين واللاعبين لا يضرّ؛ لأنه في الغالب لا يكون مع الشَّهوة، إنما يكون لمعرفة الطريق، أو التَّعرف على الشَّخص، أو معرفة ما يفعل من لعبٍ أو غيره. وإنما المحظور إذا كان لشهوةٍ، أو كان يُخشى أن يُفضي إلى ذلك، أما النظر العام الذي لا يترتب عليه شيء فلا حرجَ فيه، كما تنظر المرأةُ في طريقها وما أمامها من الرجال ..... من جانبٍ إلى جانبٍ، من طريقٍ إلى طريقٍ، وكما تنظر إلى مَن أمامها من المصلين، ومَن أمامها من لاعبين، كل ذلك لا حرجَ فيه؛ ولهذا رأت عائشةُ، كانت تنظر إلى الحبشة من جهة ستر النبي ﷺ، وهو يسترها، وهي تنظر إليهم، حتى ملَّت وتعبت وذهبت.

والحبشة طائفة قدموا من الحبشة، ولعلهم كانوا مع مَن قدم مع جعفر رضي الله عنه وأرضاه، أو قبله، أو بعده، كانت لهم طرق بالرمي بالحراب، وكانت لهم طرق في ..... الدرق، وكان هذا العملُ نوعًا من أنواع التَّدرب على السلاح وحمل السلاح وكيفية رمي الأعداء بالحربة ونحوها، وكانوا يلعبون بالدرق، ويلعبون بالحراب، فالنبي ﷺ أذن لهم بذلك، ولما أنكر عليهم بعضُ الصحابة -في روايةٍ أنه عمر- قال: دعهم، لتعلم يهود أنَّ في ديننا فسحةً.

هذا اللَّعب الذي يتعلق بالتَّدرب على السلاح، وحمل السلاح، وكيف يرمي به الأعداء، وكيف يتناوله الشخصُ من الآخر بسرعةٍ، إلى غير ذلك؛ كله داخلٌ في أسباب إعداد القوة، والله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فهذا من هذا الباب، ومَن كان ينظر إليهم في هذا الحال من النساء فلا حرجَ عليها في ذلك؛ لأنه نظر عام لا يترتب عليه محظور.

والحديث الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الوليدة ..... سوداء جاءت مسلمةً، كان قومها حصل لها منهم بعض الأذى -سادتها- فجاءت إلى النبي ﷺ مسلمةً، فضرب لها خيمةً في المسجد -خباءً في المسجد- وكانت تأتي إلى عائشة تتحدث عندها ببعض ما جرى لها، وكانت تقول:

يوم الوشاح من أعاجيب ربنا ألا إنَّه من ملة الكفر نجَّاني

فسألتها عائشة عن ذلك، فأخبرتها أنه كان وشاح لجماعتها -سادتها- أحمر، سقط من إحدى بناتهم، فجاءت الحدية فالتقطته تحسبه لحمًا، ثم ألقته في مكانٍ آخر، فاتَّهموها به، وفتَّشوها فلم يجدوا عندها ذاك، ثم وجدوه مُلقًى في جهةٍ أخرى، فظهرت براءتها، وأنها ليست سارقةً.

والحاصل أنه أسكنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بخيمةٍ في المسجد، فدلَّ على جواز مثل هذا في المسجد، وأن اللعب -وهو الذي يُراد به التَّدرب على السلاح ونفع المسلمين- لا بأس أن يكون في المسجد، كما أنه لا بأسَ أن يضرب الخيمة عند الحاجة في المسجد: من غريبٍ، أو حديث عهدٍ بالإسلام، والمريض الذي يُراد أن يُعاد من قريبٍ، أو لأسبابٍ أخرى، كما ضرب النبيُّ خيمةً لسعد بن معاذٍ كما تقدم، فلا بأس أن يسكن الإنسانُ في المسجد للحاجة؛ لكونه فقيرًا ما معه مسكن، أو لأسبابٍ أخرى تقتضي السكنَ في المسجد، ومثل أهل الصُّفة كذلك كما تقدم.

فالنوم في المسجد للحاجة ..... كل هذا لا بأس به، ولا حرج فيه، لكن مع مراعاة الصيانة، ومراعاة عدم الأذى للمُصلين والقارئين وحلقات العلم في المسجد، فيجمع بين المصالح، فلا حرجَ أن ينام فيه، ولا حرج أن يسكن فيه عند الحاجة، لكن مع مراعاة الصيانة والبُعد عمَّا يُؤذي المصلين والقارئين، وما يُقام هناك من حلقات العلم، لا بدَّ أن يُراعى هذا وهذا.

ويأتيكم أنَّ من الأجور التي رآها النبيُّ لأمته: أجر إخراج القذاة من المسجد، وسبق في حديث عائشة: أن الرسول أمر أن يُنظف، وأن يُطيَّب. فهذه الأمور قد يترتب عليها شيءٌ من عدم النَّظافة، ولكن لا يمنع ذلك من .....؛ لأنَّ المصلحة الراجحة مقدمة، وإذا وُجد شيء من أذى يُستدرك ويُزال، ولا شكَّ أن وجود السكن في المسجد، واللعب في المسجد الذي يتعلق بالجهاد والإعداد قد يترتب عليه شيء من بعض الأذى، لكنه مغمورٌ في جمع المصلحة الكبيرة، وهذا الشيء الذي قد يقع يمكن بداره بالإزالة؛ إزالة الأذى الذي قد يقع.

والحديث الثالث: حديث أنس بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنَّ النبي قال: البصاق في المسجد خطيئة، وكفَّارتها دفنها.

تقدم حديثُ أنسٍ أيضًا: أن النبي ﷺ قال: لا يبصقن أحدُكم، إذا كان في الصلاة فلا يبصقنَّ عن يمينه، ولا يبصقنَّ قِبَل وجهه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى، وفي لفظٍ: أو تحت قدمه.

وهذا يدل على أنَّ المراد هناك: إلا في المسجد، لا يبصق في المسجد، يعني: هذا إذا كان في خارج المسجد: كالذي يُصلي في الصحراء، أو في بيته، أو ما أشبه ذلك، الأفضل أن يبصق عن يساره تحت قدمه ويدفنها ويُزيل أذاها، أما إذا كان في المسجد فلا؛ لأنَّ البصاق في المسجد يُؤذي المصلين، وربما تعلق بأرجلهم وثيابهم فيُمنع؛ ولهذا سمَّاه النبي خطيئةً، والخطيئة: السَّيئة.

قال: وكفارتها دفنها، إذا وُجد شيءٌ من هذا فكفَّارته دفنه، وليس المعنى أنه يجوز أن يبصق ثم يدفن، لا، حيث لا يُقال له أن يُظاهر ويُكفر؛ لأنَّ الظِّهار محرَّم وسيئة، فليس له أن يُظاهر، وليس له أن يُحرم ما أحلَّ الله له، لكن إذا وقع كفَّر.

فهكذا هنا؛ ليس له أن يبصق في المسجد، ولكن لو وقع شيءٌ من ذلك فإنه يدفنه إذا كان فيه تراب، إن أمكن دفنه حتى لا يُؤذي أحدًا هذا البصاق، وإلا فوجب أن يُنقل ويُزال؛ ولهذا حكَّ النبيُّ ﷺ النُّخاعة من جدار المسجد، فإذا كان البصاقُ في جدار المسجد أو النّخاعة لا يمكن دفنها، ولو دُفنت لعادت؛ نُقلت، وجب أن تُنقل، وأن تُزال؛ حتى لا يبقى لها أثر في المسجد؛ حرصًا على نظافته وسلامته.

وفي لفظٍ آخر كما تقدم: أو يقول هكذا ..... ثوبه وبصق فيه وضمَّ بعضَه إلى بعضٍ: إما أن يبصق عن يساره تحت قدمه، أو يبصق في ثوبه على طرف ردائه ويضمّ بعضه على بعضٍ للتَّنشيف.

والحديث الرابع: حديث أنسٍ: يقول النبيُّ ﷺ: لا تقوم الساعةُ حتى يتباهى الناسُ بالمساجد يعني: حتى يتفاخروا أيّهم أحسن مسجدًا وأحسن بناءً وأحسن تزويقًا وفرشًا ونحو ذلك.

وهذا من تغير الأحوال، وكثرة الجهل، وغلبة المقاصد الدنيوية على المقاصد الأخروية، كانوا في الزمن الأول إنما يُعتنى بالمسجد ليكنَّهم من الحرِّ والبرد والشمس، ولم يكونوا يزوقون ولا يتباهون، كان المسجدُ سقفه عريشًا من جذوع النخل، ثم لما تقادم عهدُه غيَّره عثمانُ وبناه بناءً حسنًا، بناه بالحجارة المنقوشة، وسقَّفه بالسَّاج، وأنكر هذا بعض الصحابة عليه، وقال: إنكم غيَّرتم، حسنتم بيوتكم وغيَّرتم، فلا بدَّ أن يحسن بيت الله ، يعني بهذا المعنى، وقال أيضًا: إني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: مَن بنى لله مسجدًا بنى الله له مثله في الجنة، فأراد أن يُحسن هذا البناء، ويُزين هذا البناء باجتهاده رضي الله عنه وأرضاه، لما رأى الناسَ غيَّروا وحسَّنوا.

فدلَّ على أنَّ الناس سوف يقع منهم هذا التَّباهي في المساجد، كما وقع من اليهود والنَّصارى التَّباهي والتَّشييد والزَّخرفة، كما يأتي في حديث ابن عباسٍ إن شاء الله.

وعمل عثمان -وهو من الصحابة- يدل على جواز تحسين المسجد بالحجارة المنقوشة النَّظيفة، والأخشاب الطيبة والجصّ وأشباهه، وأنه لا بأس بذلك، وإن كانت حالة السَّلف الأول أولى وأفضل، لكن إذا غيَّر الناسُ مساكنهم ونفروا من البنايات القديمة، وصار ترك المسجد على حاله القديمة قد يُنفرهم من الصلاة والاجتماع في المساجد؛ فلا بأس أن يفعلوا ما فعل عثمانُ، وهو أن يُغيروا كما غيَّر عثمانُ.

وهكذا وقع: غيَّر الناس وتباهوا وزيَّنوا المساجد وزخرفوا كما وقع للماضين من اليهود والنصارى، ولكن إذا كان هذا على سبيل الإتقان وسبيل مراعاة حال الناس وترغيبهم بالصلاة فصاحبه قد يُشكر على هذا، ولا يكون من التَّباهي، إنما التَّباهي أن يفعله للمُفاخرة فقط، هذا هو الذي يكون فيه قد تأسَّى بأولئك الماضين من الجهلة من اليهود والنصارى، أما إذا فعله للمصلحة كما فعل عثمانُ فلا كراهةَ في ذلك ولا حرج؛ للمقصد الشَّرعي والمصلحة الشرعية؛ وذلك لترغيب الناس بالصلاة، وتشويقهم إلى أن يحضروا المساجد، وأن يجلسوا فيها، ويُقيموا حلقات العلم؛ لما فيها من النَّظافة، وأن تنظف، ونحو ذلك؛ ولهذه المقاصد الحسنة لا بأس.

س: ..............؟

ج: نظر المرأة للتلفاز ينبغي فيه غضّ البصر، إلا إذا كان على غير شهوةٍ، ولكن نظر مَن يخطب أو يتكلم للاستفادة، لا عن نظر شهوةٍ، ولا عن مقصدٍ سيئٍ؛ فلا حرج، أما الذي قد يُفضي إلى الشَّهوة، النظر الذي يُفضي إلى الشَّهوة: إلى المحاسن أو التَّلذذ بهذا النظر فالواجب ترك ذلك، مع أنَّ النظر في التلفاز قد يُفضي إلى شرٍّ كثيرٍ من جهة ما فيه من البرامج الضَّارة، فتجنبه أولى ما أمكن.

س: ...............؟

ج: ما ينبغي له، يُكره أن يُكتب في المسجد شيء، يُكره أن يُجعل أمام المصلي شيء من الألواح والكتابات؛ لأنه قد يُشوش عليهم صلاتهم ويشغلهم، فالأولى أن يكون سادة، الجدران تكون سادة، هذا الذي ينبغي.

س: ..............؟

ج: ولو فعله الأتراك، ما هم قُدوة.

س: .............؟

ج: لعلَّ الأسباب أنهم يخشون من ..... هؤلاء غيَّروا وبدَّلوا، قد يُقال ..... توقفوا؛ ولئلا يقال أنهم غيَّروا وبدَّلوا، وإلا ينبغي إزالتها، لو أُزيلت لكان أصلح، ولعلَّ لهم عذرًا.

س: بعض ..... يُقيمون حفلات في المساجد، حفلات العرس في المساجد؟

ج: ما أعلم فيه بأسًا إذا عُقد العقد في المسجد.

س: والوليمة في المسجد؟

ج: لا أعلم فيه شيئًا، إذا دعت الحاجةُ إلى هذا ما يضرّ، إذا دعت الحاجةُ إليه: ما عندهم منزل يسع، ولا يترتب عليه أذًى في المسجد، كما يأكل أهل الصُّفَّة في المسجد، ويأكل الصائم في المسجد، إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، ولا يترتب عليه أذًى، أما إذا خُشي الأذى فيُمنع، والغالب اليوم أنه يُخشى الأذى: أنَّ الناس يتساهلون في رمي بعض .....، أو حصول بعض الأوراق التي تسقط وكذا.

المقصود أنه إذا دعت إليه الحاجةُ من دون أذًى: كالغريب ..... المسجد، والغُرباء الذين يحتاجون المسجد، وما أشبه ذلك، لا بأس، أما إذا ما دعت الحاجةُ إلى هذا ينبغي أن يكون في البيوت؛ صيانةً للمسجد مما يُخشى من الأذى.

س: كل مَن يُقيم زواجًا يُقيمه في المسجد، والاستمرار على ذلك لا يكون بدعةً؟

ج: ما أعرف له أصلًا، التَّقرب بهذا ما أعرف له أصلًا، إنما يجوز للحاجة، إذا كان لقصد الحاجة فقط -حاجة الأكل فيه- أما اجتماع الناس فيه ليسمعوا الخطبةَ والموعظة فمعروف، هذا من عمل المساجد ..... يسمعون الخطبة والموعظة، هذا من أعمال المسجد، لا حرجَ، أما تقديم الطعام في المساجد فهو محل البحث، لا يُقدم في المساجد إلا إذا دعت الحاجةُ إليه: غرباء عن المكان نازلين في المسجد، يُقيم في المسجد، وما أشبه ذلك.

س: إذا حاضت المرأةُ وهي مقيمة في المسجد؟

ج: إذا تيسر لها مكان تنتقل إليه .....

س: .............؟

ج: البصاق فيه خطيئة، سمَّاه النبيُّ: خطيئة.

س: طيب، ما يكون دفنه حسنةً؟

ج: ولو؛ لأنَّه لا يجوز أن يُخطئ ثم يقول: أفعل .....، بل يجب أن يتجنَّب الخطيئة، وإذا وقعت تاب منها، أما أنه يتعمد الخطيئةَ فلا.

س: الحاجة للبصاق في المسجد ودفنه؟

ج: لا، لا يجوز، البصاق خطيئة لا يجوز، هذا لو كان فيه تراب، أما مساجد اليوم فقطعًا لا يجوز البصاق فيها مطلقًا؛ حتى إنَّ مَن قال بجوازه إن كان فيه تراب، مساجد اليوم فرش وبلاط، لو تفل عليها آذت الناس كثيرًا، فعند جميع أهل العلم يحرم في مساجد اليوم، لا يُجيزه أحدٌ من أهل العلم، إنما يجوز عند بعض العلماء إذا كان ترابًا جاز له أن يتفل ثم يدفنها، يجمع بينهما، وهذا قول ضعيف أيضًا، الصواب أنَّه لا يتفل حتى ولو كان ترابًا لا يجوز له التَّفل، لكن على هذا القول إذا كان ترابًا حيث يمكن الدَّفن إن كانت المساجدُ ترابًا ورمالًا كما كانت في العهد الأول، أما اليوم إن كانت مفروشةً بالبلاط ويبرز فيها البصاق حرم.

..............

أما بعد: فيقول المؤلفُ رحمة الله تعالى عليه: عن ابن عباسٍ رضي الله تعالى عنهما.

ابن عباس إذا أُطلق فهو عبدالله، وابن عمر إذا أُطلق فهو عبدالله، وابن الزبير إذا أُطلق فهو عبدالله، وابن عمرو إذا أُطلق فهو عبدالله؛ لأنهم صحابة مشهورون، ولهم إخوة، لكن هؤلاء هم المشهورون؛ ولهذا إذا أُطلق واحدٌ منهم فالمراد به هو المشهور: فابن الزبير هو عبدالله، وابن عباس هو عبدالله، وابن عمر هو عبدالله، وابن عمرو هو عبدالله رضي الله عن الجميع.

أنَّ النبي قال: ما أُمرتُ بتشييد المساجد تشييدها: تحسينها وتجميلها بالشيد، وهو الجصّ ونحوه مما يُزين به الجدران.

هذا يدل على أنَّ هذا ليس من المشروع، وليس من القرب؛ لهذا قال: ما أُمِرْتُ، ولا يدل على النَّهي، ولا يدل على التَّحريم، لكن يدل على أنه لم يُشرع هذا الشيء، ولم يُؤمر به، بل يُكتفى في ذلك بما أكنَّ عن الحرِّ والبرد والشمس، من الطين واللَّبن والجذوع والخشب وأشباه ذلك، فالمقصود هو ما يُكنّ الناسَ عند صلاتهم، وعند جلوسهم في المسجد للقراءة والاعتكاف ونحو ذلك، يُكنُّهم عمَّا يضرهم: من مطرٍ أو شمسٍ أو بردٍ أو ما أشبه ذلك، وليس المقصودُ تشييدها وتجميلها وزخرفتها كما تفعل اليهود في كنائسها والنَّصارى كذلك، لا، لكن مثلما قال ابنُ عباس: "لتزخرفنَّها كما زخرفت اليهودُ والنصارى" يعني: لما طال العهدُ تغيرت الأحوال، وتباهى الناسُ بالمساجد -كما تقدم- وزيَّنوها ورفعوها.

والمشيد أيضًا هو المرفوع، يقال: مشيد ومُزين، ويقال: المشيد المرفوع، أصل المشيد يعني: المرفوع المعظم. ويحتمل أنه أُريد بذلك المزين بالشيد.

الحاصل أنَّ المساجد ينبغي أن يُراعى فيها عدم الزخرفة التي تشغل المصلين وتجعلهم ينظرون ويتأمَّلون، وهم مطلوب منهم الخشوع في الصلاة، والإقبال عليها، والاشتغال بما جاءوا من أجله: من قراءةٍ وتسبيحٍ وتهليلٍ ونحو ذلك، لا أن يُشغلوا بكتاباتٍ أو نقوشٍ أو ما أشبه ذلك مما يكون في الجدران من أنواع التَّجميل، هذا هو الأفضل، وهذا هو الذي ينبغي؛ لأنَّ النبي قال: ما أُمرتُ، ما قال: نُهيتُ، قال: ما أُمرتُ، وفرق بين العبارتين.

ومن هنا رأى عثمانُ رضي الله عنه وأرضاه أنه لا حرجَ في أن يُزين المسجد، لما رأى الناسَ زيَّنوا بيوتهم، وتغيرت أحوالهم في عهد عثمان، لما اتسعت الدنيا حسَّنوا البيوت وعظَّموها ووسَّعوها، فرأى أن يُغير المسجد أيضًا؛ فهدمه وزيَّنه وبناه بالحجارة المنقوشة، وسقَّفه بالسَّاج.

فهذا كله من باب الاجتهاد، وقد أنكر عليه بعضُ الصحابة رضي الله عن الجميع، ولكنه احتجَّ عليهم بأنهم غيَّروا وحسَّنوا بيوتهم وزيَّنوها، واحتج عليهم أيضًا بقوله ﷺ: مَن بنى لله مسجدًا بنى الله له مثله في الجنة، وقال: أنا أُحب أن يُبنى لي بيت حسن جميل في الجنة.

فالحاصل أنه لا بأس بتحسينها إذا كان ذلك لا يشغل الناس، مثل: تحسين ما فيه نقوش، أو نقوش خفيفة لا تشغل الناس، كما فعل عثمان، الشيء القليل الذي لا يشغل الناس لا حرج فيه، لكن تركه أفضل، كما كان في عهد النبي وعهد الصديق وعهد عمر، هذا هو الأفضل، لكن إذا زُين تزينًا لا يشغل الناس ولا يُؤذيهم ولا يصدّهم عن عبادتهم فلا حرج في ذلك، كما فعل عثمانُ رضي الله عنه وأرضاه، وفعل مَن بعده.

أما أن تُنقش تنقيشًا كثيرًا، ويُجعل فيها من الكتابات المشغلة؛ هذا أقلّ أحواله الكراهة؛ لأنه قد يشغل المصلي، وقد يشغل القارئ، ويشغل مَن جاء ليُسبح ويُهلل بالنظر والتَّأمل، وليس المقصود من المساجد هذا.

والحديث الثاني: حديث أنسٍ : أن النبي عليه السلام قال: عُرضت عليَّ أجور أمتي يعني: ما يحصل لها من الأجور عن أعمالهم، حتى القذاة يُخرجها الرجلُ من المسجد، يعني: حتى عُرض عليَّ في أعمالهم ما يقع من إخراج القذاة، وهي الشيء اليسير الذي يقع في المسجد: من عودٍ صغيرٍ، أو خرقةٍ صغيرةٍ، أو شبه ذلك مما يُعتبر قذًى، وهو الشيء الحقير الصَّغير الذي ينبغي أن يُنزه المسجد عنه، فكيف بما هو فوق ذلك؟! فهذا يدل على أنَّ إخراج القذاة وإخراج الأذى من المسجد وتنظيفه أمر .....

..... هو الأنصاري الخزرجي، الصَّحابي الجليل، أحد النُّقباء يوم العقبة.

أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بأم القرآن، في روايةٍ: بفاتحة الكتاب متفق عليه.

وفي روايةٍ لابن حبان، وهو أبو حاتم محمد بن حبان البستي الشهير، المتوفى سنة 354، صاحب "الصحيح" و"التاريخ" وغيرهما، والدَّارقطني معروف، هو أبو الحسن علي بن عمر الدَّارقطني، الإمام الحافظ المشهور، المتوفى سنة 385.

لا تُجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب وفي روايةٍ لأحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها.

هذه الروايات كلها تدل على وجوب قراءة الفاتحة، وأنها ركنٌ في الصلاة لا بدَّ منها، وأنَّ الصلاة بدونها لا تُجزئ ولا تصح؛ ولهذا قال: لا صلاةَ، والأصل في النَّفي نفي الذات، نفي الحقيقة، لا المجاز، هذا هو الأصل، ويُؤيد ذلك رواية ابن حبان: لا تُجزئ.

ويُؤيد أيضًا هذا ما رواه مسلم في "الصحيح" عن أبي هريرة : أنَّ النبي ﷺ قال: مَن صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج غير تمام، والخداج: النقص، يقال: أخدجت النَّاقةُ: إذا أسقطت ما في بطنها.

فالحاصل أنَّ هذه الروايات وما في معناها تدل على أنه لا بدَّ من قراءة الفاتحة، وأنها فرض؛ ولهذا ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أنها ركنٌ في الصلاة في حقِّ الإمام والمنفرد، واختلفوا في غيرهما كالمأموم على قولين، بل على أقوال ثلاثة:

أحدها: أنها فرض عليه كالإمام والمنفرد مطلقًا. وهذا أرجح الأقوال وأظهرها في الدليل.

والثاني: أنها سنة في حقِّه، وليست فرضًا، وهذا هو المنقول عن الأكثر، وهو عن جماعةٍ من الصَّحابة .

والقول الثالث: أنها فرضٌ في السرية، لا في الجهرية، الجهرية عليه أن يسمعها ويكتفي، وفي السرية يلزمه أن يقرأها. وهذا قاله جماعةٌ من أهل العلم، وهو أقرب من الذي قبله؛ أقرب من القول بعدم وجوبها مطلقًا، ولكن القول بوجوبها مطلقًا هو أرجح الأقوال الثلاثة، وأوفق للدليل؛ ففي السرية يقرأها ويقرأ معها ما تيسر في الأولى والثانية في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي الجهرية يقرأها ويُنصت، إن سكت إمامُه قرأ في السَّكتة، وإن لم يسكت قرأها وإن كان يقرأ، ثم أنصت، مثل هذا من باب العام والخاص: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف:204] آية عامة، وفي الحديث: وإذا قرأ فأنصتوا حديث عام، وحديث: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب نصٌّ خاصٌّ، فالخاص يقضي على العام ويخصّه.

الحديث الثاني: حديث أنسٍ.

لكن إن تركها المأمومُ جهلًا بوجوبها عليه، أو تقليدًا لمن قال بعدم وجوبها، أو نسيانًا؛ فالأظهر صحّة صلاته؛ لأنَّ هذا مما تعمّ به البلوى، والقول بعدم وجوبها على المأموم مطلقًا في الجهرية قول له قوته، وله نوعٌ من الصحة، فهو قول له وجاهته، فإذا تركها المأمومُ جهلًا أو نسيانًا أو تقليدًا لمن قال بعدم الوجوب؛ فإنَّ صلاته صحيحة؛ لأنها تابعة لإمامه، وأما أن يتعمد ذلك وهو يعرف الأدلة الشَّرعية، فهذا هو محل الخطر ومحل الخلاف في صحة الصلاة وعدمها.

والحديث الثاني: حديث أنسٍ : أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]. في روايةٍ زيادة: "وعثمان". متفق عليه.

ومثله عن أنسٍ: أنَّ النبي ﷺ وأبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ما كانوا يذكرون البسملة في القراءة، فيبدؤون بقراءة "الحمد".

فدلَّ ذلك على أنها ليست من الفاتحة؛ ولهذا تُركت، ولو كانت منها لبُدء منها، ولجهر بها مع الفاتحة، فلما بدأ القراءة بـ"الحمد" دلَّ على أنَّ البسملة ليست منها، ولكنها مشروعة قبلها، وليست من آياتها، خلافًا لمن زعم ذلك، كما يأتي مزيد لذلك.

وذكر الصديق وعمر في هذا من باب استقرار السنة، وأنها شيء مُستقر لم يُنسخ، إذا كان الصَّحابي ذكر أبا بكر وعمر أو عثمان -الرَّاشدين- أو ما أشبه ذلك؛ فالمراد من هذا بيان أنَّ هذا الشيء قد استقرَّ وعُرف من الصحابة، ولم يُنسخ، وإلا فالحجَّة قائمة بفعل النبي ﷺ، ليست بحاجةٍ إلى مزيد أحدٍ، ولكن يذكرون الصّديق وعمر وعثمان وعليًّا والصحابة يذكرونهم في مثل هذا لبيان أنَّ الحكم لم يُنسخ ولم يُغير، بل هو مستقر.

زاد مسلم في روايةٍ: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" أي: لا يذكرونها جهرةً كما يأتي، وقد أعلَّها قومٌ وقالوا أنها شاذّة؛ لأنَّ الحفاظ الكبار لم يذكروها، لكن ذكر المؤلفُ -كما يأتي- أنَّ حملها على عدم الجهر أولى من العلة والحكم عليها بالشُّذوذ؛ فيكون النَّفي فيها على نفي الجهر، لا على نفي الوجوب، فهي موجودة يقرؤونها، ولكنها سرًّا.

وفي رواية أحمد والنَّسائي وابن خزيمة: "لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم"، وفي روايةٍ أخرى لابن خزيمة: "كانوا يُسرون"، أي: يُسرون بها ولا يجهرون، وهذا هو الأولى، وعلى هذا يُحمل النَّفي في رواية مسلم: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" أي: لا يذكرونها جهرةً، لا أنَّهم لا يذكرونها أصلًا.

وقال جماعةٌ من أهل العلم -كأبي العباس ابن تيمية وجماعةٍ من الحفاظ- قالوا: إنه لم يثبت عن النبي ﷺ أنه جهر بالبسملة في حديثٍ واحدٍ، لم يثبت ذلك، وإنما المحفوظ عنه والثابت عنه الإسرار بها وعدم الجهر بها. لكن جاء ذلك عن بعض الصحابة؛ جاء أنهم جهروا بها، ولعله للتعليم؛ ليعلم القارئ أنها تُقرأ، وأنها ليست مهملةً.

وجاء عن بعض الصحابة أنها آيةٌ من الفاتحة، ولكن الصَّواب أنها ليست من آياتها، وإنما هي آية مستقلة أنزلها الله فصلًا بين السور، وهي بعض آيةٍ من سورة النمل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، بعض آيةٍ من سورة النمل، وهي آية مستقلة نزلت فصلًا بين السور، ما عدا بين الأنفال وبراءة.

وهذا هو الأرجح؛ أنها آية مستقلة، ليست من الفاتحة، وليست من غيرها، ولكنها مستقلة، أنزلها الله فصلًا بين السور؛ ليعلم بها انتهاء السورة التي قبلها، وبدء السورة التي بعد نزولها، إلا أنها بعض آيةٍ من سورة النمل في قوله جلَّ وعلا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

وثبت في حديث أبي هريرة -وهو الآتي- أنه قرأ بها، ولما فرغ من صلاته قال: "إني أشبهكم صلاةً برسول الله ﷺ"، احتجَّ به بعضُ أهل العلم على أنَّ الجهر بها، ولكن ليس بصريحٍ؛ لأنه يحتمل أنه أراد -يعني- معظم ما فعل: كركوعه وسجوده وغير ذلك، ليس بالصريح، فالنصوص الصَّريحة كلها دالة على أنه لا يُجهر بها.

س: .............؟

ج: أولًا يُنظر في صحته، ثم إذا صحَّ فالمراد بهذا أنه كان ربما نقص التكبير ..... بصوته، أما البسملة فمحل نظرٍ، الحفَّاظ ذكروا أنه لم يُحفظ عن النبي ﷺ في أي حديثٍ صريحٍ، أما الحاكم فله موضوعات وضِعاف؛ فلا بدَّ من إعادة النَّظر في هذا.

س: ..............؟

ج: لا.

س: إذا كانت البسملةُ ليست منها تكون ستًّا؟

ج: لا، سبع، السَّابعة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ هذه السادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ هذه السابعة؛ لأنَّ الاستثناء لا يمنع من أن تكون آيةً: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1- 2] آيتان، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:3] هذه الآية الثالثة.

س: الرسم العثماني .......؟

ج: ما يضرّ، هذا غلط في الرسم .....

س: ...............؟

ج: يأتي فيها البحث، جاء عن بعض الصَّحابة، ولكن الصَّواب أنها ليست منها.

.................

وعن أبي هريرة : أنه صلى بالناس ذات يومٍ فقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم قرأ بأم القرآن، ثم لما قرأ وَلَا الضَّالِّينَ قال: "آمين"، وكان يُكبر كلما سجد، وكلما جلس، وكلما رفع، ثم يقول بعدما سلَّم: "والذي نفسي بيده، إني لأشبهكم صلاةً برسول الله عليه الصلاة والسلام.

هذا الحديث يدل على أنَّ التسمية تُقرأ، وأن القارئ يقول بعد: وَلَا الضَّالِّينَ يقول: "آمين"، وأنَّ المصلي يُكبر عند كل خفضٍ ورفعٍ، وأنَّ هذه هي سنته عليه الصلاة والسلام.

واحتجَّ بهذا مَن رأى الجهر ببسم الله؛ لأنَّ الراوي ذكر عن أبي هريرة أنه قرأ بها، وسمعها الناس، ثم قال بعدها: "إني لأشبهكم صلاةً برسول الله ﷺ"، وهذا مما احتجَّ به مَن رأى الجهر بها.

وتقدم في حديث أنسٍ: أنَّ النبي ﷺ كان لا يجهر بها، وهكذا الصديق وعمر، وفي روايةٍ: "وعثمان".

وفي حديث عائشة عند مسلم: أن النبي كان يفتتح الصلاةَ بـ"الحمد لله".

والجمع بينهما أنه كان لا يجهر بها عليه الصلاة والسلام، وربما جهر بعض الأحيان ليُسمع الناس؛ حتى يفهموا أنه يقرأها، والغالب عليه أنه لا يفعل ذلك؛ ولهذا أخبر أنسٌ وأخبرت عائشةُ بافتتاح القراءة بالحمد، ليست فيه التَّسمية، وربما رفع صوته فيها بعض الأحيان حتى يسمعه مَن حوله، ويعلموا أنه يقرأها، كما جاء في حديث أبي قتادة، عن النبي : أنه كان يُسمعهم الآيةَ أحيانًا في السرية، يعني: ليعلموا قراءته، ويُعلم ما قرأ عليه الصلاة والسلام.

ثم هذا عام، ليس بصريحٍ، فعلى هذا كله، وقال: "أشبهكم بصلاة رسول الله"، فليس صريحًا في أنه نطق بها جهرةً، ليس بالصريح، وإنما عمم وأطلق، حديث أنس صريح في المقام، فلا يُترك الصريح بالمجمل العام.

وفي حديث أبي هريرة من الفوائد: أنَّ النبي ﷺ كان يُؤمن بعد قوله: وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فالمشروع للأئمة والمأمومين والمصلين جميعًا إذا قالوا: وَلَا الضَّالِّينَ أن يقولوا بعدها: "آمين"، معناها: استجب، فهي دعاء طلب الاستجابة.

وفيه أنَّ السنة أن يُكبر عند كل خفضٍ ورفعٍ، ذهب جمهورُ أهل العلم إلى أنَّ هذا سنة. وذهب أحمد وجماعة إلى أنه فرض؛ أنَّ التكبير في النَّقل فرض لا بدَّ منه؛ لأنَّ الرسول أمر بذلك وفعله، وقال: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، وبهذا قال مَن قال بأنه فرض، وهو الأرجح.

وذهب الأكثرون إلى أنه سنة، وليس بفرضٍ؛ لأنه من كمال الصلاة، لا من صلبها وأجزائها. وليس بالجيد، والصواب الأول: أن التكبيرات وسمع الله لمن حمده ..... هذه كلها من مهمات الصلاة، فيجب الإتيانُ بها على ظاهر السنة: صلوا كما رأيتُموني أُصلي؛ ولقوله: وإذا كبَّر فكبروا هذا عام، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فهو يدل على الوجوب.

ويدخل في هذا سجود التلاوة إذا سجد في الصلاة ..... سجودها، فيُكبر عند الخفض، ويُكبر عند الرفع؛ لأنه في هذه الحال من جملة سجود الصلاة وتابع للصلاة فيعمّه الحديث: تكبير النبي ﷺ في كل خفضٍ ورفعٍ عليه الصلاة والسلام.

بخلاف إذا سجد خارج الصلاة سجود التلاوة، تنازع العلماءُ في ذلك، وقد جاء في حديث ابن عمر: أنه كان يُكبر عند سجود التلاوة خارج الصلاة، ولم يثبت أنه كان يُكبر عند الرفع، ولا ثبت أنه كان يُسلم؛ ولهذا ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه ليس بها إلا تكبيرة واحدة إذا كانت خارج الصلاة -سجود التلاوة- وهو التكبير عند الخفض، وأما عند الرفع فلم يرد شيء.

وذهب الجمهور إلى أنه يُكبر ويُسلم إلحاقًا لها بالصلاة؛ تشبيهًا لها بالصلاة، وإلحاقًا لها بالصلاة.

والأول أرجح؛ لا يلزم ذلك، فالعبادات توقيفية، ولا مجال للقياس، فلما لم يُنقل فيها التكبير عند الرفع ولا السلام لم يُشرع شيء من ذلك، وإنما يُشرع التكبير عند الانخفاض للسُّجود، أما في داخل الصلاة فحكمه سجدة الصلاة؛ يُكبر عند كل خفضٍ ورفعٍ.

س: مروي عن عمر التَّكبير؟

ج: لا، عن ابن عمر، عبدالله بن عمر.

س: رفعه أو لم يرفعه؟

ج: رفعه، رواه الحاكم وأبو داود، أبو داود من طريق عبدالله بن عمر .....، وهو ضعيف، ورواه الحاكم من طريق ..... عبيدالله، وهو ثقة، فهو في الجملة لا بأس به.

الحديث الثاني: حديث أبي هريرة أيضًا: إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فإنها إحدى آياتها.

هذا احتجَّ به مَن يرى أنَّ البسملة من الفاتحة وجزء منها وآية منها، ولكن صوَّب الدَّارقطني وقفه، وأنه ليس بمرفوعٍ، والصواب عند أهل العلم أنه ليس في هذا شيء مرفوع عن النبي ﷺ، إنما جاء البحثُ فيها من كلام الصحابة ومَن بعدهم، أو مَن قالوا: إنها إحدى آياتها، قالوا: لا، تقدم أنَّ الصواب أن التَّسمية ليست آيةً من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها بعض آيةٍ من سورة النمل، وآية مستقلة فاصلة بين السور؛ ليُعلم بها انتهاء السورة التي قبلها، وبدء السورة التي بعدها، تنزل فصلًا بين السور، وبهذه التَّسمية عُرف أنَّ السورة انتهت السَّابقة، وأنَّ الوحي الذي ينزل تبدأ سورة جديدة، والفاتحة سبع بدونها، سابعتها: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] هذه السابعة، هذا هو الأرجح عند المحققين من أهل العلم.

والحديث الثالث: حديث أبي هريرة قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَه وَقَالَ: آمِينَ.

فيه أنَّ الأفضل رفع الصوت في الجهرية بآمين؛ تأسيًا بالنبي ﷺ.

وهذا رواية وائل بن حجر عند أبي داود والترمذي: إذا قال "آمين" رفع صوته، وقد وهم بعضُ الحفاظ؛ قال: خفض صوته. والصواب أنَّ المحفوظ رفع الصوت، فالسنة أن يرفع صوته، كما يرفع في القراءة فيقول: "آمين"، ويقول الناس: "آمين".

الحديث الرابع: حديث عبدالله بن أبي أوفى الأسلمي : أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا -يعني: ما عندي حفظ من القرآن، ما أستطيع أن أحفظ- فعلمني ما يُجزئني. يعني: إذا عجزت عن الفاتحة، قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هذا يدل على أنَّ التَّسبيح يُجزئ عن القراءة إذا عجز عنها، تقدم حديث رفاعة بن رافع في ذلك .....

فمَن كان عنده قراءة قرأ الفاتحة أو غيرها، ومَن لم تكن عنده قراءة قال هذا الذكر، وقد يُبتلى الإنسانُ فيعجز عن القراءة، يستطيع الذكر، كما جرى لزكريا لما وعد اللهُ بيحيى جعل له آيةً يستطيع أن ينطق بالذِّكر ولا ينطق بالكلام .....: فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:11]، فهو يُسبح ويذكر الله، لكن لا يستطيع أن يُكلم الناس .....، والله على كل شيءٍ قدير جلَّ وعلا.

قد يُبتلى بعضُ الناس بالعجز أن يقرأ قراءةً مستقيمةً، ولكنه يستطيع أن يقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

والحديث تمامه: قال رجلٌ: يا رسول الله، هذا لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، واجبرني، وارزقني، وفي روايةٍ: وعافني، علَّمه كلمات طيبة تجمع له خيري الدنيا والآخرة.

س: ..............؟

ج: لا بأس به، نعم.

س: يجوز أن يؤمَّ الناس جماعةً بالتَّسبيح؟

ج: ......... يصير مأمومًا.

ذكر المؤلف هنا أربعة أحاديث ..... عن النبي عليه الصلاة والسَّلام:

الأول: حديث أبي قتادة، وهو الحارث بن ربعي الأنصاري ، قال: "كان يُصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر بالركعتين الأوليين فاتحة الكتاب وسورتين، ويُسمعنا الآية أحيانًا، ويُطول في الركعة الأولى، ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب". متفق عليه.

وهكذا حديث أبي سعيدٍ ، وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري ، قال: "كُنَّا نَحْزُرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ: الم ۝ تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، .....".

هذان الحديثان يُبينان صفة قراءة النبي ﷺ في هاتين الصَّلاتين، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يُطول في الظهر، ويُخفف في العصر، وهذا هو السنة: تكون الظهر أطول من العصر، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وجاء في بعض الروايات أنه ربما دخل في الظهر فيذهب الذَّاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ويُدركه في الركعة الأولى، هذا يدل على أنه يُطيل أكثر مما ذكر أبو سعيدٍ، ويدل على أنَّ السنة للإمام أن ُيلاحظ حضور الناس، وألا يعجل، بل يعتني بالركود في الصلاة والقراءة فيها؛ حتى يتلاحق الناس، وحتى يُدرك الناسُ صلاته؛ ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يُعنى بهذه الأمور؛ فكان يُطول في الأوليين من الظهر، وذلك والله أعلم لأنَّ الناس يقيلون، وربما تأخَّروا، وربما حصل لأحدهم ما يمنعه من العجلة: من غسلٍ أو غيره، فكان عليه الصلاة والسلام يُطول في الظهر حتى يتلاحق الناسُ، ويُشبه هذا ما كان يفعله في العشاء من التأخير، حتى إذا رآهم اجتمعوا عجل عليه الصلاة والسلام.

فالسنة في الظهر أن يُطول في الركعتين الأوليين، وأن يقرأ بهما قدر الم ۝ تَنْزِيلُ السجدة، وفي روايةٍ من حديث أبي سعيدٍ في الصحيح: "قدر ثلاثين آية".

فإذا قرأ قدر ثلاثين آية أو ما يُقاربها أو زاد عليها بعض الأحيان، فهذا كله من السنة؛ لما في هذا من إدراك الناس للصلاة وتلاحقهم، ولا سيما في الركعة الأولى، وفي الثانية يقصر بعض الشيء، في الأولى أطول، وفي الثانية أقلّ في القراءة، كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام.

وفيه من الفوائد: أنه كان يُسمعهم الآيةَ بعض الأحيان؛ حتى يعلموا ما قرأ، وحتى يستفيدوا ويتأسّوا به عليه الصلاة والسلام، وإن كانت القراءةُ قد تُقدر وإن لم يسمعوها، تقدر بالزمان، ولكن إسماعهم الآيةَ كان هذا أكمل في البلاغ والعلم أنه كان يقرأ عليه الصلاة والسلام.

وفيه من الفوائد: أن الظهر لا مانع من القراءة فيها في الثالثة والرابعة -حديث أبي سعيد- ولكن حديث أبي قتادة يدل على أنه في الغالب يقرأ بفاتحة الكتاب؛ لأنه صرح أبو قتادة أنه يقرأ في الأُخريين بفاتحة الكتاب، وهو أصح من حديث أبي سعيدٍ؛ خرَّجه الشيخان. وحديث أبي سعيدٍ أولى، ولكنه يدل على أنه ربما قرأ في الأُخريين زيادة على الفاتحة، فلا منافاة؛ فالأساس مُستقر: كان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ..... في الظهر والعصر، ولكن قد يزيد النبيُّ ﷺ في الأُخريين من الظهر ويقرأ فيهما زيادةً، كما دلَّ عليه حديثُ أبي سعيدٍ؛ يقرأ فيهما على قدر النصف: قدر خمس عشرة آية؛ الفاتحة ونحو ستّ آيات، سبع آيات، فهذا يدل على أنه قد يقرأ بهن زيادة عليه الصلاة والسلام، فلا يُكره ذلك.

أما العصر فكان يقتصر فيهما -الأخيرتين- على فاتحة الكتاب، على ما جاء في حديث أبي قتادة وأبي سعيدٍ جميعًا، كان يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب فقط: الأخيرتين من العصر.

وينبغي للمؤمن أن يتأسَّى بصلاة النبي ﷺ، وفي غير ذلك، وأن يُلاحظ ما فعله عليه الصلاة والسلام في الظهر والعصر، وأن تكون العصرُ على النصف.

ومن هذا حديث سليمان بن يسار: "كان يُطول في الظهر، ويمدّ العصر". وفي حديث أبي سعيدٍ ما يدل على أنها على النصف في القراءة، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي أن يكون الظهرُ أطول، وأن تكون العصرُ أخفَّ، هكذا كانت سنته عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث سليمان إيضاح تفصيل القراءة في الصَّلوات الخمس، وأنه في الظهر يُطول -كما تقدم في حديث أبي سعيد وأبي قتادة- وفي العصر يُخفف -كما دلَّ عليه حديثُ أبي سعيدٍ أيضًا- وكان في العشاء يقرأ بأوساط المفصل، فالعشاء ..... الظهر والعصر يقرأ فيهما بالأوليين من أوساط المفصل، أما المغرب فكان يقصر فيهما .....، وكان يقرأ مع الفاتحة من قصار المفصل، وهذا في بعض الأحيان، وليس كما تُوهمه رواية سليمان بن يسار، بل هذا في بعض الأحيان، وليس دائمًا.

وقال بعضُ أهل العلم: إنما كانت القراءةُ بالقصار في المغرب من سنة مروان بن الحكم لما كان أميرًا في المدينة، أما النبي ﷺ فلم تكن سنته المداومة على القصار، بل كان تارةً يقرأ من طوال المفصل، وتارةً من أوساطه، وتارةً من قصاره في المغرب؛ ولهذا حديث جبير بن مطعم المذكور هنا: أن النبي قرأ في المغرب بالطور، وهي من الطوال -طوال المفصل- فدلَّ ذلك على أنَّ الاقتصار على قصار المفصل في المغرب ليست من السنة الدائمة، بل فعله النبيُّ بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، لا في جميع الأحيان.

وهكذا ما روته أم الفضل عند مسلم؛ فإنها روت أنها سمعت النبيَّ ﷺ في آخر حياته يقرأ في المغرب بالمرسلات، من آخر ما سمعت منه عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنه يقرأ في المغرب بالمرسلات وما أشبهها من أوساط المفصل، ويقرأ فيها بطواله: كالطور والذَّاريات والقمر وأشباهها، ويقرأ بما بين ذلك في المغرب، ويقرأ من القصار: كالشمس وضحاها، والضحى، والعاديات، وأشباهها، فلا يقتصر على حالةٍ واحدةٍ، بل يقرأ تارةً من الطوال، وتارةً من الأوساط، وتارةً من القصار في المغرب؛ تنفيذًا للسنة التي فعلها عليه الصلاة والسلام.

أما الفجر فالسنة في الفجر بالطِّوال، هذا أمر معلوم من الأحاديث كلها، في الفجر يُطال فيها، والسرُّ في ذلك والله أعلم أنَّ الفجر ركعتان، ليست طويلةً، وبعد قيام الناس من النوم بنشاطهم، وهم بحاجةٍ إلى أن يسمعوا كلام الله، وأن يستفيدوا من كلام الله ..... الجهرية، فكان من حكمة الله أن شرع فيها الجهر والتَّطويل؛ ليستفيد الناسُ حال فراغهم وحال نشاطهم وحال رغبتهم في السَّماع، ففي هذه الحالة قد اجتمع لهم النَّشاط والراحة بعد النوم، مع قصر الفريضة -كونها ركعتين فقط- وكونها جهرية، فاجتمع لذلك ما يقتضي التَّطويل فيها؛ لما فيه من الفائدة العظيمة للإمام والمأمومين جميعًا.

س: ................؟

ج: جاء فيها أنَّ الملائكة تشهدها، وتشهد العصر أيضًا، والعصر لا يُطول فيها، يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، المتعاقبون يجتمعون لصلاة الفجر وصلاة العصر.

س: ...............؟

ج: يشهدها ملائكةُ الليل، وملائكة النهار تشهد أيضًا العصر، لكن ليس هذا هو السر والله أعلم، السر كما تقدم .....

س: هل ثبت أنَّ النبي ﷺ قرأ في المغرب بالأعراف؟

ج: ثبت هذا نعم، طولى الطوليين في البخاري.

س: هل لها سبب؟

ج: ما أعلم، أقول: ما أعلم، كأنه من بيان السنة؛ لبيان أنه يجوز هذا.

س: ..... الفجر والعصر؟

ج: هذا يتعاقبون في الناس، يأتون في صلاة الفجر، هؤلاء نازلون، وهؤلاء يصعدون بعد الصلاة ويجتمعون في صلاة العصر أيضًا، الذين كانوا معنا في النهار يصعدون بعد العصر، ويبقى النازلون بعد العصر إلى الفجر.

س: إسماع الإمام في الصَّلاة السرية للآية كإسماعه في الجهرية؟

ج: ما نعلم فيه تفصيلًا، المقصود أن يُسمعهم بعض الآية، يعني: جهرًا، ولا يلزم منه أن يكون مثل الجهرية، المقصود إسماعهم، قد يُسمع الصفَّ الذي يليه، في بعض الروايات: "يُسمع مَن يليه" من الصف الأول يعني، فيظهر من بعض الروايات أنه لا يكون مثل إسماعه في الجهرية، ولكنه إسماع دون إسماعٍ، يحصل منه البيان ..... قراءته باضطراب لحيته، لما سُئل عن ذلك قال: "كنا نعرف قراءته باضطراب لحيته"، هم يعلمون قراءته باضطراب لحيته، ويعلمونها أيضًا بما يقع من إسماعهم الآية بعض الأحيان.

س: الإسماع في الركعتين الأوليين أم يُسمعهم بعض الفاتحة في الثالثة والرابعة؟

ج: عام، مطلق، ما فيه تفصيل.

س: الإمام إذا وجد الذين يُصلون خلفه من الضعفة قصر، وإذا وجد الذين يُصلون خلفه ..؟

ج: الرسول ﷺ قال: واقتَدِ بأضعفهم المرضى والضُّعفاء .....

س: ..............؟

ج: تكون صلاته معتدلةً .....، لكن لو قدر أنه في بعض الأحيان ..... ضُعفاء معروفون، مرضى معروفون، أو في سفرٍ .....، أما المساجد العامَّة يُراعي فيها السنة.

هذه الأحاديث الأربعة فيها بيان شيء من صفات صلاة النبي عليه الصلاة والسلام كالتي قبلها:

في حديث أبي هريرة الدلالة على أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: الم ۝ تَنْزِيلُ السجدة المعروفة: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة:1- 2]، كان يقرأ بها في الركعة الأولى، ويقرأ في الثانية بـهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [الإنسان:1] بعد الفاتحة. خرَّجه الشيخان.

وفي رواية الطبراني من حديث ابن مسعودٍ: "يُديم ذلك". ولم أقف على سند رواية الطبراني، ولكن سكوت المؤلف يُشعر بأنَّ هذه الرواية لا بأس بها؛ لأنه ذكرها وسكت عليها، فظاهره أنه لا حرجَ فيها، ولا بأس بها.

وقد طُبع "المعجم الكبير" الآن -تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء- يمكن أن يُراجع فيه مسند ابن مسعودٍ ، وهو ظاهر أنه كان يقرأ، ظاهره الاستمرار عليه الصلاة والسلام، فالسنة الاستمرار فيها.

وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه يُستحب تركها بعض الأحيان؛ لئلا يظنّ ظانٌّ أنها واجبة، وهذا مقصد صالح، لكن المحافظة على السنة كما حافظ عليها النبيُّ ﷺ أولى، وبالإمكان التَّنبيه على أنها غير واجبةٍ بالكلام أيضًا، بالكلام و.....

وروى مسلم في "الصحيح" من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما مثلما روى أبو هريرة: كان يقرأ بصلاة الفجر يوم الجمعة: الم ۝ تَنْزِيلُ السجدة، وفي الثانية: هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ.

وقد جاءت هذه السنة من رواية أبي هريرة عند الشيخين، ومن رواية ابن عباس عند مسلم، ومن رواية ابن مسعود عند الطبراني .....

المقصود أنها سنة ثابتة، فينبغي للأئمة أن يأتوا بها، والمحافظة عليها، وكثير من الأئمة قد يتساهل في هذا ولا يقرأها، يقول: إنها طويلة! وبعضهم يُقسمها في الركعتين، وبعضهم يُقسم "هل أتى" في الركعتين، وكل هذا خلاف السنة، السنة أن يقرأهما كاملتين: الأولى في الأولى، والثانية في الثانية. هذا هو السنة.

وفي حديث حذيفة قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا يَسْأَلُ، وَلَا آيَةُ عَذَابٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْهَا".

هذا الحديث أصله في "الصحيح"، أو في "الصحيحين"، "صحيح مسلم"، أو في "الصحيحين" جميعًا: أن حذيفة صلَّى مع النبي ذات ليلةٍ في رمضان، فأطال القراءة عليه الصلاة والسلام؛ قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران، فما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل، ولا آية عذاب إلا تعوَّذ.

وفي بعض الروايات: "ولا آية تسبيح إلا سبَّح".

هذا هو السنة في التَّهجد -صلاة النافلة- أن القارئ يتدبر ما يقرأ، ويتعوذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، ويُسبح عند آية التَّسبيح؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام.

وهذا كان في تهجده في الليل عليه الصلاة والسلام، ولم يُحفظ عنه هذا في الفرائض، لكن بعض الفقهاء قالوا: ولو في الفرض؛ لأنَّ الأصل أنهما سواء، ولكن عدم نقله في الفرض يدل على أنَّ الأولى ترك ذلك في الفرض لأمرين:

أحدهما: أنه لم يُنقل فيما نعلم، ولو كان سنةً لنُقل؛ لأنَّ الصحابة نقلوا كل شيءٍ رضي الله عنهم وأرضاهم.

الأمر الثاني: أنه قد يُسبب الطول ولا يفطن الإمام، قد يُطول على المأمومين، إذا قرأ ووقف عند كل آيةٍ قد تطول القراءة بسبب هذا، وقد يشقّ على المأمومين، فلعلَّ من الحكمة التي من أجلها ترك النبيُّ ﷺ ذلك أن ذلك من أسباب الطول؛ فلهذا فعله في النوافل وفي التهجد بالليل؛ لأنَّ هذه صلاة محل طولٍ، وليس معه أحد، فناسب فيها التَّدبر الذي يتضمن السؤال عند آية الرحمة، إلى آخره .. في كل قراءةٍ، لكن كونه يقف عند آية الرحمة إلى آخره هذا هو محل البحث.

والحديث الثالث: حديث ابن عباسٍ، وهو عبدالله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أُطلق فهو عبدالله، والعباس له أولاد كثيرون: الفضل وقثم وكثير وغيرهم، لكن متى أُطلق: ابن عباس، فهو عبدالله؛ لأنه لم يروِ أحاديث الفضل، مات قريبًا، الفضل هو الأكبر، لكن مات قريبًا في عهد الصديق، أو أول خلافة عمر، فالذي بقي وروى الأحاديث العظيمة الكثيرة وانتفع به المسلمون بعلمه وروايته هو عبدالله؛ ولهذا إذا أُطلق فهو عبدالله، وقد عاش إلى عام 68، توفي في خلافة ابن الزبير عام ثمان وستين من الهجرة رحمه الله ورضي عنه.

عن النبي ﷺ أنه قال: ألا إني نهيتُ أن أقرأ القرآنَ راكعًا وساجدًا، فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يُستجاب لكم يعني: قمن -بفتح الميم وكسرها- قَمَن وقَمِن، يعني: حري أن يُستجاب لكم.

هذا الحديث دلَّ على فوائد:

منها: أنه يُنهى عن القراءة في الركوع والسجود، وأنه ليس محلَّ قراءةٍ، فالقراءة محلها القيام، ومحلها القعود في حقِّ مَن يعجز عن القيام كالمريض، وأما الركوع فمحلّ تعظيم وتقديس، وهكذا السجود محل تعظيمٍ وتقديسٍ ودعاءٍ، فليس محل قراءةٍ.

فالقراءة اختُير لها القيام، والله هو الحكيم العليم ، فالقيام هو محل القراءة، وهكذا القعود عند العجز عن القيام، وأما الركوع فهو خضوع واستكانة لله وانكسار بين يديه، يُناسب فيه تعظيمه ودعاؤه والانكسار بين يديه بالتَّذلل والدَّعوات.

وجاءت الصلاة على هذا المنوال: فالقيام محل انتصابٍ، ومحل قوةٍ، فناسب أن يكون محلَّ قراءةٍ، ومحلَّ تدبرٍ، ومحل تعقل، والإقبال على القراءة وتعظيم كلام الرب . والركوع محل ذلٍّ وانكسارٍ، وهكذا السجود، فناسب أن يكون محل تعظيمٍ وتقديسٍ وتسبيحٍ ودعاءٍ وضراعةٍ.

وقد جاء هذا المعنى من حديث عليٍّ عند مسلم أيضًا: أن النبي نهاه أن يقرأ راكعًا وساجدًا.

وبهذا يُعلم أنه لا يجوز أن يقرأ المصلي في الركوع ولا في السجود، وإنما محلّ القراءة محل القيام، قال: وأما الركوع فعظِّموا فيه الرب، هذا يدل على أنَّ السنة تعظيم الرب في الركوع، يقال فيه: سبحان ربي العظيم، سبحانك الله ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. كما جاء في الأحاديث، فهو محل تعظيمٍ، والدعاء جاء فيه ضمنًا .....: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. جاء هذا الدعاء ضمنًا، وهو من التَّعظيم.

والسُّجود يُشرع فيه مع التَّسبيح والتعظيم والتَّقديس، يُشرع فيه أيضًا الدعاء، فإنَّ الله شرع فيه التَّسبيح: سبحان ربي الأعلى، وهو تعظيم لله، وتقديس له، وإيمان بأنه الأعلى، لما كان السجودُ محلَّ انخفاضٍ وذلٍّ وانكسارٍ ناسب أن يُنبه فيه على علو الله، والركوع لما كان محلَّ انكسارٍ نبَّه فيه إلى العظمة: سبحان ربي العظيم، فهو مُنَزَّه عن كل ذلك وكل انكسارٍ وكل ضعفٍ، فهو العظيم الذي لا أعظم منه، والكبير الذي لا أكبر منه، وهو العزيز الذي لا أعزَّ منه ، والسجود أشده الخضوع، وأشده الذل والانكسار، فناسب فيه زيادة: سبحان ربي الأعلى؛ إشارةً إلى أنه في العلو، لا في السفل ، فالله فوق الجميع، فوق العرش.

هكذا يعتقد أهلُ السنة والجماعة، كما جاء هذا في الآيات والأحاديث، قد أجمع أهلُ السنة قاطبةً على أنَّ الله سبحانه في العلو، فوق العرش، بائن من خلقه، وعلمه في كل مكانٍ ، كما قال ابنُ المبارك: "نعرف ربنا بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه". وهكذا قال الأوزاعي وغيره.

وقوله: "الأعلى" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1] إشارة إلى ما تقدم من علوه وفوقيته، والأدلة في هذا كثيرة جدًّا لا تُحصى: من الأحاديث والآيات، وعلو الله فوقيَّته، ردًّا على الجهمية والمعتزلة ومَن قال بقولهم: بأنَّ الله في كل مكانٍ! تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.

وفيه شرعية الدعاء، وأنه ينبغي للمؤمن أن يُكثر من الدعاء في حال السجود، وهو محل خضوعٍ، ومحل انكسارٍ، فينبغي فيه الإكثار من الدعاء؛ ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، فهذا يدل على أنَّ السجود حال قربٍ وخضوعٍ وذلٍّ وانكسارٍ بين يدي الله ، فناسب أن يُكثر فيه من الدُّعاء.

والحديثان يدلان على شرعية الدعاء في السجود، وأنه محل إجابةٍ، فينبغي فيه الإكثار من الدعاء.

ثم الدعاء ليس خاصًّا بما يتعلق بالآخرة، وليس خاصًّا بالمأثور كما يقول بعضُ الناس، لا، يجوز أن تدعو بغير المأثور، وبما يتعلق بالدنيا وحاجاتك؛ لأنَّ الرسول أطلق فقال: فأكثروا الدُّعاء، وقال: فاجتهدوا في الدعاء، ولم يقل: فيما يتعلق بالآخرة، ولم يقل: فيما يتعلق بالدين، بل أطلق، فدلَّ ذلك على أنه يُدعا في الفريضة وفي النافلة بالدَّعوات التي يحتاجها الإنسانُ، سواء تتعلق بالآخرة: اللهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة، أو تتعلق بالدنيا: كاللهم ارزقني رزقًا حلالًا، اللهم ارزقني دارًا حسنةً، أو دارًا واسعةً، أو زوجةً صالحةً، والزوجة الصَّالحة فيها مصالح الدنيا والآخرة، وما أشبه ذلك: اللهم ارزقني ذريةً طيبةً، وما أشبه ذلك.

فالحاصل أنه لا بأس بالدعوات المتعلقة بالآخرة والمتعلقة بالدنيا: اللهم فرِّج كُربتي، اللهم اقضِ ديني، اللهم يسِّر لي كذا وكذا من حاجاته العاجلة، وما أشبه ذلك، إن كان في السّجن: اللهم يسِّر خروجي من السجن، إن كان مُهدَّدًا بشيءٍ يسأل ربه العافية من هذا الشيء، وأن الله يكفيه شرَّ الظالمين، إلى غير ذلك، وما جاء في هذا المعنى فهو أصرح في الدلالة على أنه لا مانعَ من الدعاء بكل شيءٍ مما أباح الله.

قوله في رواية ابن مسعودٍ في "الصحيحين" لما علَّمه النبيُّ ﷺ التَّشهد قال: ثم ليتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، هذا صريح أنَّ المؤمن يتخير، وفي اللفظ الآخر: ثم ليختر من المسألة ما شاء، فهذان اللفظان صريحان في أن المؤمن يتخير وينظر في مصالحه.

فهذا الحديث من جنس رواية ابن عباسٍ، ومن جنس رواية أبي هريرة، إلا أن رواية ابن مسعودٍ أصرح في المعنى وأعمّ؛ لأنه قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، ثم ليختر من المسألة ما شاء، فإذا دعا لنفسه أو لوالديه أو لولاة الأمور بالصلاح والهداية؛ كل هذا من الدعوات الطيبة، أو دعا لنفسه أنَّ الله يُفرج كربته، ويقضي دَينه، ويرزقه زوجةً صالحةً وذريةً طيبةً ورزقًا حلالًا وما أشبه ذلك .....

ومما يدل على العموم قوله ﷺ: ما من عبدٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث .. الحديث، فلم يشترط دعوةً خاصةً، ولم يقل: في الصلاة، أو في غيرها، فعمّ الصلاة وغيرها، وعمّ الدَّعوات التي تتعلق بالآخرة، والدعوات التي تتعلق بغير الآخرة.

والحديث الرابع: حديث عائشة أيضًا: أن النبي ﷺ كان يقول في الركوع والسجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

وفي اللفظ الآخر: يُكثر أن يقول، في الصحيح: يُكثر أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.

وفي اللفظ الآخر: كان يقول هذا بعدما نزلت سورة النصر: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، كان هذا بعد نزولها؛ لقوله فيها: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، وكان بعد ..... يُكثر أن يقول هذا في ركوعه وسجوده، وفي غير ذلك أيضًا: جاء في قيامه وقعوده يُكثر من ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوَّل قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ.