176 من حديث: (لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة..)

 
13/503- وعن مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ، عن أَبي هريرةَ قَالَ: "لَقَدْ رأَيْتُني وإِنِّي لأَخِرُّ فِيما بَيْنَ مِنْبَرِ رسولِ اللَّه ﷺ إِلَى حُجْرَةِ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها مَغْشِيًّا عَلَيَّ، فَيَجِيءُ الجَائي، فيَضَعُ رِجْلَهُ عَلى عُنُقي، وَيرَى أَنِّي مَجْنونٌ، وما بي مِن جُنُونٍ، ما بي إِلَّا الجُوعُ" رواه البخاري.
14/504- وعن عائشةَ رضيَ اللَّه عنها قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رسولُ اللَّه ﷺ ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِند يهودِيٍّ في ثَلاثِينَ صَاعًا منْ شَعِيرٍ" متفقٌ عَلَيْهِ.
15/505- وعن أَنسٍ قَالَ: "رَهَنَ النَّبِيُّ ﷺ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، ومشيتُ إِلى النَّبِيِّ ﷺ بِخُبْزِ شَعيرٍ، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ سمِعْتُهُ يقُولُ: مَا أَصْبَحَ لآلِ مُحَمَّدٍ صاعٌ، وَلا أَمْسَى، وَإِنَّهُم لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ". رواه البخاري.
16/506- وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لَقدْ رَأَيْتُ سبْعينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُم رَجلٌ عَلَيهِ رِدَاء، إِمَّا إِزارٌ، وإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ ربطُوا في أَعْنَاقِهم، مِنهَا مَا يَبْلُغُ نِصفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنهَا مَا يَبلُغُ الكَعْبَينِ، فيجمعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أَن تُرَى عَوْرَتُهُ" رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث قد سبق أمثالها، وكلها تدل على ما أصاب المسلمين من الشدة في المدينة، وصبروا، ومنهم نبيهم عليه الصلاة والسلام، فقد أصابته شدَّةٌ، وربما مرت عليه الأيامُ الكثيرة لا يشبع فيها من خبز الشعير، فضلًا عن الحنطة.
وتقدم قول عائشة رضي الله عنها: "لقد هلَّ هلالٌ، ثم هلالٌ، ثم هلالٌ ما أُوقد في أبيات النبي ﷺ نار"، قيل: يا أم المؤمنين، ما كان يعيشكم؟ قالت: "الأسودان: التمر والماء".
وهكذا ما ذكره أبو هريرة من سقوطه بين المنبر وحجرة عائشة من شدة الجوع، وما أصاب المسلمين من الشدة، وما أصاب أهلَ الصُّفَّة من الشدة والحاجة؛ حتى إنَّ أحدهم لا يملك إزارًا ورداء، بل إمَّا رداء، وإما إزار؛ لشدة الحاجة وما أصابهم من الفقر، وهذا في أول الهجرة، ثم  وسَّع الله على المسلمين بعد فتح خيبر، ثم فتح الله مكة واتَّسع المسلمون بعد ذلك، ثم فتح الله عليهم الفتوح بعد موته ﷺ، وفتحوا كنوزَ كسرى وقيصر، وانتشرت الأموال بين المسلمين، والخير بين المسلمين؛ لما صبروا وجاهدوا في الله رضي الله عنهم وأرضاهم.
فالمقصود من هذا أن المؤمن لا يجزع، بل يصبر ويحتسب إذا أصابته شدَّةٌ، فالدنيا دار زوال، ودار غرور، ومتاع عاجل، فلا ينبغي للعبد أن يغترَّ بها، لا بالفقر، ولا بالغنى، بل ينبغي له أن يجتهد في كسب الحلال، ويصبر على ما قد يُصيبه من الشدة، فإنَّها أيام وتنتهي: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
ولا ينبغي للعاقل أن يغترَّ بأهل الأموال وأهل الشَّهوات، فيقع فيما وقع فيه الهالكون: كقارون وغيره، ولكن يتصبر ويعمل ويطلب الرزق، ويحرص على طلب الحلال، كما قال ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزنَّ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدر الله وما شاء فعل، ولما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال عليه الصلاة والسلام: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكفّ بها وجهه؛ خيرٌ له من سؤال الناس، أعطوه، أو منعوه.
فالمؤمن يكتسب ويطلب الرزق من طريق البيع والتِّجارة، ومن طريق الصناعة، ومن طريق الاحتشاش والاحتطاب، إلى غير هذا حتى يُوسِّع الله عليه، ولا بدّ من الصبر.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

الأسئلة:
س: رجل يطلب الرزقَ بواسطة الإعلان في بعض الجرائد أو في الشوارع بأنَّ عنده أتوبيسات، ويأخذ بعض المدرسات خارج الرياض ما يُقارب 200 كيلو، ويقول: معي زوجتي أو محرم، ومعه ستّ مدرسات أو خمس؟
ج: الواجب ألا يُسافرن إلا ومعهن محرم، هذا هو الأحوط، وبعض أهل العلم يُرَخِّص في هذا عند الحاجة، وعند الأمن، ولكن ظاهر السنة عدم الجواز إلا بمحرمٍ؛ لقوله ﷺ: لا تُسافر المرأةُ إلا مع ذي مَحْرَمٍ.
س: لكن يقول: هذا الرزق الذي آخذه من المُدرسات هل أستمر فيه؟
ج: الأحوط له الترك، والتماس عمل آخر.
س: قول عائشة: "مات الرسول ﷺ ودرعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ"؟
ج: كذلك معاملة المشركين، وأنه لا بأس أن يُعامَلوا: فيُشترى منهم، ويُباع لهم، ولا حرج، فالنبي ﷺ اشترى من اليهود ورهن عندهم دِرْعَه عليه الصلاة والسلام.
س: وغير اليهود؟
ج: اليهود والنصارى وغيرهم.
س: رجلٌ يأتي عند مسجدٍ تكثر فيه الجنائز، فيأتي بعد الجنائز بأحد عشر مترًا، فيُصلي عليها وحده، ثم يذهب إلى مسجدٍ آخر يُصلِّي فيه، ويقول: ما حكم صلاتي؟
ج: يُصلي على الجنازة وحده؟
س: نعم، وحده.
ج: وأيش الدليل؟
س: يقول: حتى أجمع بين طلب العلم والصلاة على الجنازة.
ج: لا، إمَّا أن يُصلي عليها مع المسلمين، أو يُصلي في المسجد الذي يطلب فيه العلم، وطلب العلم أهم.
س: لكن هل صلاته على الجنازة وحده باطلة؟
ج: لا، ليست باطلةً، إذا صلَّى عليها لا بأس، لكن كونه يُصلي مع المسلمين الفريضة ثم يُصلي على الجنائز أفضل، وإذا كان قصده طلب العلم فعليه أن يلتمس المسجد الذي فيه طلب العلم، وهذا أفضل له من طلب الجنائز.
س: يريد أن يجمع بين الأمرين؟
ج: لا، لا يجمع بين الأمرين، يذهب إلى طلب العلم والحمد لله.
س: مدرس يقول: لأيّهما أتفرغ: لطلب العلم، أو لتربية الطلاب الذين أدرس لهم -تدريس قرآن، ورحلات، وتأليف قلوب، وتربيتهم تربيةً صالحةً؟
ج: إذا كان عنده علم لا بأس، وإذا لم يكن عنده علم فعليه أن يتعلم أولًا.
س: حديث الرسول ﷺ عن الكسب باليد: هل المقصود به الحِرَف، أو كل الأعمال التي تُفْعَل باليد؟
ج: كل الأعمال التي تكون باليد، حتى البيع والشراء.
س: ما أيسر طريقة لحفظ كتاب الله؟
ج: أيسر طريقة أن تُخصص وقتًا مُناسِبًا يكون قلبُك فيه فارغًا، ليلًا أو نهارًا، وتُداوم على الدراسة حتى يتيسر الحفظ، ولا بد أن يكون الوقت مناسبًا، ليس فيه شغلُ قلبٍ، في الليل، أو في النهار، وتُكرر الثّمن الذي تدرسه حتى يستقر، ثم الثمن الثاني، ثم الثمن الثالث، وهكذا، فتتحرى الأوقات السليمة من الشَّواغل.
س: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً [النساء:12] ما الكلالة؟
ج: مَن لا ولدَ له ولا والد، ليس له أبٌ، ولا أولادٌ، ولا ذرية، هذه الكلالة، فيموت عن إخوةٍ، أو أعمامٍ، أو عصبةٍ آخرين، فليس له ذرية، وليس له أبٌ ولا جدٌّ.
س: امرأةٌ شدَّد عليها أبوها ألا تأخذ حبوب منع الحمل، فالآن أبوها توفي، وأنجبت تسعة أبناء بين ذكور وإناث، وزوجها عليه ..................؟
ج: إذا كانت عليها مضرَّة لا بأس، وما عليها من كلام أبيها.
س: عليها مضرَّة في صحتها.
ج: إذا كانت عليها مضرَّة لا بأس ولو شدَّد.