4/525- وعن أَبي بُردَةَ، عن أَبي موسى الأشعَريِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ في غَزاةٍ، ونَحْن سِتَّةُ نَفَرٍ، بيْنَنَا بَعِير نَعْتَقِبهُ، فَنَقِبتْ أَقدامُنا، وَنَقِبَتْ قَدَمِي، وَسَقَطَتْ أَظْفاري، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلى أَرْجُلِنا الخِرَقَ، فَسُمِّيت غَزوَةَ ذَاتِ الرِّقاعِ؛ لِما كُنَّا نَعْصِبُ عَلى أَرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقِ.
قالَ أَبو بُردَةَ: فَحَدَّثَ أَبو مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ: مَا كنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرهُ، قالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
5/526- وعن عمرو بن تَغْلِب : أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ أُتِيَ بمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقسَّمهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا، وتَرَكَ رِجالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا، فَحَمِدَ اللَّه، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعدُ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلكِنِّي إِنَّمَا أُعْطِي أَقوَامًا لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوامًا إِلى مَا جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنى والخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرو بنُ تَغلِبَ.
قَالَ عمرُو بنُ تَغْلِبَ: فَواللَّهِ مَا أُحِبُّ أَن لِي بِكلِمةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُمْرَ النَّعَمِ. رواه البخاري.
6/527- وعن حَكيمِ بن حِزامٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: اليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وابْدَأ بمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عنْ ظَهْرِ غِنًى، ومَنْ يَسْتَعْففْ يُعفّهُ اللَّه، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّه متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أَخصر.
قالَ أَبو بُردَةَ: فَحَدَّثَ أَبو مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ: مَا كنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرهُ، قالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
5/526- وعن عمرو بن تَغْلِب : أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ أُتِيَ بمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقسَّمهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا، وتَرَكَ رِجالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا، فَحَمِدَ اللَّه، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعدُ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلكِنِّي إِنَّمَا أُعْطِي أَقوَامًا لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوامًا إِلى مَا جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنى والخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْرو بنُ تَغلِبَ.
قَالَ عمرُو بنُ تَغْلِبَ: فَواللَّهِ مَا أُحِبُّ أَن لِي بِكلِمةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُمْرَ النَّعَمِ. رواه البخاري.
6/527- وعن حَكيمِ بن حِزامٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: اليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وابْدَأ بمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عنْ ظَهْرِ غِنًى، ومَنْ يَسْتَعْففْ يُعفّهُ اللَّه، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّه متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أَخصر.
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على القناعة ولزوم الاقتصاد، والحذر من البذخ والإسراف والتَّبذير والحرص على جمع المال الذي يشغله عن الآخرة ويصدّه عمَّا ينبغي له من طاعة الله ورسوله.
فالمؤمن يحرص على القناعة وما يكفيه ويسدّه ويقوم بحاله، حتى لا يحتاج إلى التطلع إلى ما في أيدي الناس، وحتى لا يُشغل بطلب الدنيا عن الآخرة، وتقدَّم قوله ﷺ: قد أفلح مَن أسلم، ورُزِقَ كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه.
فالإنسان يطلب الرزق، ويحرص على ما ينفعه، ولكن من غير تكلُّفٍ، ومن غير جشعٍ، ومن غير إسرافٍ ولا تبذيرٍ، ولكن يحرص على القناعة والكفاف والغنية عمَّا في أيدي الناس.
فهذا أبو موسى يقول أنَّهم غزوا مع النبي ﷺ ذات الرقاع، وكانوا ستةً يعتقبون جملًا واحدًا حتى نقبت أقدامُهم، ولفّوا عليها الخِرَق، وصبروا على الجهاد، مع أنَّ كثيرًا منهم لا يجد الرَّحْلَ، بل يعتقبون على الجمل الواحد الخمسة والستة؛ لقلَّة الظهر، وشدَّة الحاجة، وصبروا حتى فتح الله على أيديهم الفتوح، فالمؤمن هكذا يكون صبورًا.
ويقول ﷺ لما جاءه مالٌ وقسَّمه بين الناس، وبلغه أنَّ بعض الذين لم يُعطوا وجدوا في أنفسهم شيئًا، فقال ﷺ: إني لأُعطي أقوامًا وأذر آخرين؛ لما أرى في قلوب المعطين من الهلع والجزع، وأترك آخرين؛ لما أرى عندهم من الغنى والخير، منهم: عمرو بن تغلب، فقال عمرو : قال النبيُّ ﷺ كلمةً ما أحبّ أنَّ لي بها حمر النَّعم، يعني: كلمة حسنة طيبة خيرٌ من حمر النعم، يعني: خيرٌ لي من جميع ما في الدنيا من الإبل الحمر.
أذر آخرين لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، ومنهم: عمرو بن تغلب، وهذا يفيد أنَّ الجشع والحرص على المال ليس من أخلاق أهل الإيمان والاستقامة، ولكن أهل الإيمان والاستقامة يحرصون على الاقتصاد والغنى بما يسَّره الله، وطلب الرزق الحلال، والاكتفاء بالميسور حتى يفتح الله، كما قال ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزنَّ، وقال عليه الصلاة والسلام لما سُئل: أيّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
فالمؤمن يحرص على ما ينفعه من طريق الكسب الحلال: بيع، شراء، نجارة، حِدادة، احتشاش، احتطاب، فهو يطلب الرزق، لكن لا يحرص على جمع الأموال على وجهٍ يصدّه عن الآخرة، ويشغله عنها، ويكون همّه الاستكثار، لا، ولكن يكون حريصًا على ما يسدّ حاجته، ويُغنيه عمَّا في أيدي الناس، ويُعينه على طاعة الله ورسوله.
كذلك حديث حكيم: يقول ﷺ: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى اليد العليا: المنفقة المعطية، والسُّفلى: الآخذة السَّائلة.
وابدأ بمَن تعول فالإنسان في الصَّدقات والإحسان يبدأ بمَن يعول: من والديه، وأولاده، وزوجته، ومَن يلوذ بهم، يبدأ بهم ويُقدّمهم على البعيدين.
وخير الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى خير الصدقة ما كان عن فَضْلٍ، أمَّا القليل فيجعله فيمَن يعول، فإن فضل شيءٌ تصدَّق على البعيدين.
ومَن يستعفف يُعفّه الله، ومَن يستغنِ يُغْنِه الله يعني: مَن يستعفف عمَّا في أيدي الناس يرزقه الله العفاف، ومَن يستغنِ عمَّا في أيدي الناس يُغْنِه الله.
وتقدم قول النبي ﷺ للزبير: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه فيأتي بحزمةٍ من الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكفّ بها وجهَه؛ خيرٌ له من سؤال الناس: أعطوه، أو منعوه، وقول النبي ﷺ لعمر لما كان يُعطيه العطاء فيقول عمر: أعطه لمن هو أحوج إليه مني، فيقول له النبيُّ ﷺ: يا عمر، ما جاءك من هذا المال وأنت غير مُشْرِفٍ ولا سائلٍ فخذه، وما لا فلا تُتبعه نفسَك، فهذا يُستفاد منه أن الإنسان يحرص على القناعة والكفاف والغُنية عمَّا في أيدي الناس، وما يسدّ حاجته ويُغنيه عن الاستكثار والبذخ والإسراف والتَّبذير، بل يكون طالبًا للحلال والغُنية عمَّا في أيدي الناس.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: قوله: ومَن يستغن يُغْنِه الله يعني: عن السؤال؟
ج: يعني: يستغني عن السؤال وعمَّا في أيدي الناس.
س: الصدقة للميت؟
ج: تنفع الميت، إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له.
س: والصدقة في أثناء حياته؟
ج: إذا وقف وقفًا في وجوه البر ينفعه، أو تصدَّق عنه أولاده أو غيرهم نفعه ذلك.
س: بعد وفاته؟
ج: نعم.
س: بالنسبة لرؤية الله في المنام: هل ثبت للأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟
ج: ذكر الشيخ تقي الدين ابن تيمية أنَّ النبي قد يرى إمَّا نورًا أو كلامًا، فالله لا يُشبه خلقه سبحانه وتعالى.
س: وماذا عن موسى وعيسى عليهما السلام؟
ج: الله أعلم، ما بلغنا شيء.
س: هل تُعتبر الرؤية خاصَّة بالنبي ﷺ؟
ج: لا، حتى النبي ما رأى ربَّه، فإنه لما سُئِلَ قال: رأيتُ نورًا، نورٌ أنَّى أراه، والرسول ﷺ قال: واعلموا أنه لن يرى أحدُكم ربَّه حتى يموت، فالرؤية في الآخرة، يراه المؤمنون يوم القيامة، ويرونه في الجنة، أمَّا في الدنيا فلا.
س: والرؤية في المنام؟
ج: أما رؤيا المنام فتقع.
س: ما معنى قوله: ولكن إنما أُعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع؟
ج: الجزع، وهو شدة الحرص على المال، ويدع آخرين لما يرى في قلوبهم من الغنى والسّعة، فبعض الناس ما عنده مال، ولكنه غني القلب، كما تقدم: ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغنى غنى النفس، فبعض الناس فقيرٌ ولكن قلبه غني، ما عنده جزع، ولا حرص، ولا جشع، فهو غني القلب.
س: إمام سجد للسهو بعد السلام، فماذا يلزم مَن فاتته ركعةٌ؟ هل يُسلّم مع الإمام ويسجد؟
ج: لا، يُسلّم إذا قضى ما عليه ويسجد، فالمسبوق إذا قضى ما عليه يسجد للسّهو، إذا سلَّم مع الإمام سهوًا، أو سها فيما بينها، سواء سها مع إمامه، أو سها فيما انفرد به؛ يكون سجوده إذا قضى صلاته قبل أن يُسلِّم سجدتين.