197 من: (باب ذكر الموت وقصر الأمل)

 
65- باب ذكر الموت وقصر الأمل
قَالَ الله تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].
وقال تَعَالَى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].
وقال تَعَالَى: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61].
وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ۝ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9- 11].
وقال تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۝ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۝ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ۝ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۝ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ۝ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ۝ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ إِلَى قَوْله تَعَالَى: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ۝ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ۝ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:99- 115].
وقال تَعَالَى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].
وَالآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة.
1/574- وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَخَذَ رَسولُ اللَّه ﷺ بِمنكِبِي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَو عابرُ سَبِيلٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي اللَّه عنهما يقول: إِذا أَمسَيتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِن صِحَّتِكَ لَمَرَضِك، وَمِن حَيَاتِكَ لمَوتِكَ. رواه البخاري.
2/575- وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: ما حَقُّ امْرِئٍ مُسلِمٍ لَهُ شَيءٌ يُوصِي فِيهِ يبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ متفقٌ عَلَيْهِ، وهَذَا لفظ البخاري.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: يَبِيتُ ثَلاثَ لَيَالٍ، قَالَ ابن عمر: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنذُ سَمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ ذلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
3/576- وعن أَنسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ ﷺ خُطُوطًا فَقَالَ: هَذا الإِنسَانُ، وَهَذا أَجَلُهُ، فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إِذ جَاءَ الخَطُّ الأَقْرَبُ رواه البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على أنه ينبغي للمؤمن أن يتذكَّر الموت، وأن يكون على باله، وأن يعدَّ العدة، وأن يحذر طول الأمل؛ فإنه ربما طوَّل الأمل ففرَّط في العمل، فينبغي له أن يحذر هجوم الموت، وأن يعُدَّ العدة؛ لأنه لا يدري متى يهجم عليه الأجل؟ هل يُصبح؟ هل يمسي؟ ما يدري! العلم عند الله، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، ويقول : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، وقال جلَّ وعلا: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [النحل:61]، وقال تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]، وقال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، وقال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197].
فالله عزَّ وجلَّ في كتابه العظيم أوصى العباد بأن يتَّقوه، وأن يعدوا العدة، وأن يحذروا طول الأمل، فليكن الإنسان على حذرٍ، فكم من خارجٍ من بيته لم يرجع! وكم من مُصْبِحٍ لم يُمْسِ! وكم من مُمْسٍ لم يُصْبِح! وأنتم تنظرون الآن الحوادث في السيارات وغيرها، فالإنسان لا يدري متى يهجم عليه الأجل؟ ومتى ينتقل من هذه الدار؟ فالحزم والكيس أن يعُدَّ العدة، وأن يحذر، وأن يكون دائمًا على حذرٍ في ليله ونهاره، فيُؤدي الفرائض، ويترك المحارم، ويتزود من الخير والإحسان إلى الناس، ويحفظ لسانه وجوارحه عمَّا حرم الله.
يقول ابنُ عمر : أخذ رسول الله بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيل، ومعلوم أن الغريب إذا مرَّ ببلدٍ ما يشتغل إلا بالشيء الذي يحتاجه، كأن يحتاج زيادة زاد فيأخذه، وإلا فهو سائر إلى بلده، هذا شأن الغريب وعابر السبيل، فأنت في الدنيا غريبٌ وعابر سبيلٍ، فتزود منها للآخرة، فالدار أمامك.
ولهذا كان ابن عمر يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء"، يُوصي أصحابه، "وخُذْ من صحَّتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"، هكذا ينبغي للمؤمن.
ويقول ﷺ: ما حقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيء يُريد أن يُوصي فيه يبيتُ ليلتين إلا ووصيتُه مكتوبة عنده يعني: إذا كان عنده شيءٌ يريد أن يُوصي فيه فليُبادر بالوصية، حتى لا يهجم عليه الأجلُ وهو لا يدري: عليه حقوق، عليه ديون، ما عليها وثائق، يُثبتها للناس، شيء يُوصي فيه: يُحب أن يُوصي بوقفٍ، أو بشيءٍ لأحدٍ، فليُبادر به قبل أن يهجم عليه الأجلُ.
كذلك مثَّل النبيُّ ﷺ الإنسانَ وأجلَه، فخطَّ خطوطًا بيَّن فيها الآفات التي تُحيط بالإنسان، والخط الذي فيه أجله، فبينما هو يسير في دنياه وأعماله إذ هجم عليه الخطُّ القصير -الخط الأدنى- وهو الأجل، والخطوط هاهنا آفات وحوادث، ما يدري ماذا يُصيبه منها.
فأنت يا عبدالله لا تدري متى يهجم الأجل، ومتى تقع في الخطِّ القصير الذي هو موتك، فالحزم والكيس منك أن تكون دائمًا في ليلك ونهارك وجميع ساعاتك متأهِّبًا لنزول الأجل، فعليك بالتوبة الصادقة، والعمل الصالح، وتقوى الله، والحذر من حقوق الناس، ومن مظالم الناس؛ حتى تنتقل وأنت سليم.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: كتابة الوصية هل هي واجبة؟
ج: لا، مستحبة، لكن إذا كان له شيء يخشى عليه، مثل: ديون ما عليها وثائق، فعليه أن يُثبتها للناس حتى لا تضيع حقوقهم، أمَّا إذا لم يكن عليه شيء وإنما هي مجرد صدقة فمستحبٌّ له إذا كان عنده شيء يُوصي فيه، إذا كانت عنده سعة.
س:كيف نردُّ على مَن استدلَّ بحديث أنسٍ على جواز التَّمثيل؟
ج: هذا ما هو تمثيل، هذا يُبين واقع الإنسان، فإذا قال في نصيحته أن الإنسان على خطرٍ، وأن الحوادث محيطة به؛ ما يُسمَّى: تمثيلًا، فالتَّمثيل كونه يقف ويقول: أنا عمر بن الخطاب، أنا أبو جهل، هذا التَّمثيل، فهو يُمَثِّل نفسه.
س: توجيه المُحتضر اتجاه القبلة هل له أصل؟
ج: لا أعرف فيه إلا حديث: الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتًا، وفي سنده بعض المقال.
س: فاطمة بنت قيس حين سألت النبيَّ عليه الصلاة والسلام أنَّ معاوية خطبها فقال: إنَّه رجلٌ صعلوكٌ، ألا يتنافى هذا مع حديث: إذا أتاكم مَن ترضون خُلُقَه ودِينَه فزَوِّجوه؟
ج: لا، هذا من باب النصيحة، فهي تستشير النبي ﷺ، فيقول لها: إنه صعلوك لا مال له، فقد يضرها كونه ما عنده مال، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، ضَرَّابٌ للنساء، فالمستشار مؤتمن، يُشير بما يعلم، ولا يُسَمَّى هذا: غيبة، ولا يُسَمَّى: غِشًّا.
س: لا، كونه رجلًا صعلوكًا هل هذا يكون عيبًا؟
ج: لا، المعنى أنه ما عنده شيء يُنفقه عليها.
س: مأمومٌ أدرك الإمام في الركعة الثانية، فقام الإمام للخامسة دون أن يُنَبَّه، والمأموم شكّ، فعندما انتهى الإمامُ من الخامسة نُبِّه عليه، فسجد سجدتي السَّهو، فبينما هو يسجد قام المأمومُ ليقضي الركعة؟
ج: يسجد للسهو بعد قضاء ما عليه، إذا لم يكن سجد مع الإمام.
س: قبل السلام أم بعده؟
ج: يسجد قبل السلام، هذا هو الأفضل.
س: المستشار مؤتمن هل هو حديث؟
ج: يُروى عن النبي ﷺ، لكن ما أعرف حال سنده، ومعناه صحيح، فالمستشار مؤتمن، يجب عليه أن يُؤدي الأمانة.
س: هل من السنة أن يُقال بعد دفن كل ميتٍ: اسألوا لأخيكم التثبييت؟
ج: نعم، مثلما كان النبي ﷺ يفعل: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التَّثبييت.
س: تارةً وتارةً أم دائمًا؟
ج: المعروف أنه كان إذا فرغ من الدفن قال هذا.
س: عندما حضرت الوفاةُ عبدالله بن مسعود وأراد عمر بن الخطاب أن يُعطيه فقال له: "خُذْ حقَّك من بيت مال المسلمين الذي رفضته أو أعطي بناتك"، قال: "تركتُ لهم سورة الواقعة"، هل هذا صحيح؟
ج: ما أعرف لها أصلًا.