206 من: (باب فضل الاختلاط بالناس، وحضور جمعهم وجماعاتهم, ومشاهد الخير..)

 
70- باب فضل الاختلاط بالناس، وحضور جمعهم وجماعاتهم، ومشاهد الخير، ومجالس الذكر معهم، وعيادة مريضهم، وحضور جنائزهم، ومواساة محتاجهم، وإرشاد جاهلهم،
وغير ذلك من مصالحهم، لمَن قدر عَلَى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقمع نفسه عن الإيذاء، وصبر عَلَى الأذى
اعْلم أَنَّ الاخْتِلاط بالنَّاسِ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ المختارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رسول اللَّه ﷺ وسائِرُ الأَنبياءِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عَلَيْهِمْ، وكذلك الخُلفاءُ الرَّاشدونَ وَمَنْ بعدهُم مِنَ الصَّحَابةِ والتَّابعينَ، ومَنْ بَعدَهُم من عُلَمَاءِ المسلمينَ وأَخْيارِهم، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم، وَبِهِ قَالَ الشَّافعيُّ وأَحْمَدُ وأَكْثَرُ الفُقَهَاءِ أَجمعين.
قال الله تَعَالَى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، والآيات في معنى ما ذكرتُه كثيرة معلومة.

71- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
قَالَ الله تَعَالَى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215].
وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].
وقال تَعَالَى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].
وقال تَعَالَى: وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ۝ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الأعراف:48، 49].
1/602- وعن عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ قَالَ: قالَ رسول اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا، حَتَّى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، وَلا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ رواه مسلم.
2/603- وعَنْ أَبي هريرة : أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: مَا نَقَصَتْ صَدقَةٌ مِنْ مالٍ، وَمَا زَادَ اللَّه عَبدًا بِعَفوٍ إِلَّا عِزًّا، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ رواه مسلم.
3/604- وعن أَنسٍ : أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم وقال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْعَلُهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآثار والأحاديث والآيات كلها تدل على أنه يشرع للمؤمن الاختلاط بالمؤمنين، والتعاون معهم على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هكذا ينبغي، وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام يختلطون بالناس؛ لتعليمهم وتوجيههم، وهكذا أصحابهم، وهكذا نبينا ﷺ وأصحابه، كانوا يختلطون بالناس للدعوة والتعليم، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهل وإرشاده، ومساعدة الفقير، إلى غير ذلك.
قال الله جلَّ وعلا: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء:215]، وقال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
ويقول ﷺ: المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يُخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
وتقدم في الدرس الماضي أنَّ ما ورد من فضل العزلة إنما هو عند فساد آخر الزمان وتغير الأحوال، لذلك كانت العزلةُ أسلم لدينه؛ بسبب اختلاف أهل الزمان في قريته أو في بلده، أو ظهور المنكرات وعدم قدرته على التّغيير، فالعزلة حينئذٍ التي ذكرها ﷺ لما سُئل: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمنٌ مُجاهدٌ في سبيل الله، ثم قال: ومؤمن في شعبٍ من الشّعاب يعبد الله ويدع الناس من شرِّه هذا عند الحاجة، أما إذا استطاع أن يختلط بالناس، وأن ينصح، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُعلم الجاهل؛ فهذا هو المشروع، وهذا عمل الرسل، وهذا طريقهم عليهم الصلاة والسلام.
ثم في الاختلاط بالناس: مساعدة الفقير، والتواضع لله جلَّ وعلا، وتعليم الجاهل، وإفشاء السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومصالح كثيرة.
ويقول النبي ﷺ: ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه، فالتواضع لله فيه الخير العظيم، والصَّدقة على الفقير والمحتاج، فالمؤمن يخفض جناحه للمؤمنين، ويتواضع، ويُعين الملهوف، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُرشد الجاهل، إلى غير هذا.
والصدقة لا تنقص الأموال، بل تزيدها، فالأموال تزداد بالصّدقات: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، ويقول الله جلَّ وعلا: يا ابن آدم، أنفق نُنفق عليك.
وفي حديث عياض بن حمار يقول النبيُّ ﷺ: إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا، حتى لا يبغي أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخر أحدٌ على أحدٍ، والله جلَّ وعلا يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا وليس: لتفاخروا لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فأكرم الناس عند الله أتقاهم وأقومهم بحقِّه وإن كان فقيرًا.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: كيف الجمع بين الحكم في العادة الشيطانية السرية وقول الإمام أحمد فيها؟
ج: العادة السرية منكرة، يقول الله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۝ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۝ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5- 7]، من ابتغى غير الزوجة والسرية فهو عادٍ ظالم، والعادة السرية سوى ذلك، وهي إخراج المني باليد ونحوها.
س: وعلامَ يُحْمَل قول الإمام أحمد؟
ج: ما أدري، أحمد عالم أم نبي؟!
س: عالم.
ج: العالم يُؤخذ من قوله ويُترك، منه ما وافق الحقّ، ومنه ما خالف الحقّ.
س: التسمية بأسماء الحيوانات كعياض بن حمار؟
ج: هذه من عادات العرب في الجاهلية، فكانوا يسمون: حمارًا، ويسمون: جحشًا، والعرب الآن يُسمون: جحشًا، ويُسمون: حمارًا، ويسمون: ثورًا، لكن الأحسن عدم التسمية بأسماء الحيوانات.
س: إذا أراد رجلٌ أن يُزكِّي مواشٍ لديه، ولم يجد المتصدقَ الذي يقبل الزكاة، فماذا يفعل؟
ج: يُخرجها كاملةً ويُعطيها للفقراء.
س: ما نقصت صدقةٌ من مال هل المقصود زيادةٌ في نفس المال أم الأجر؟
ج: الأجر والبركة في المال والخلف: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] يأتيه الخلف وهو ما يدري من بعض الجهات الأخرى، فيُخلف الله عليه في الدنيا، ويأجره في الآخرة.
س: مرور وقت قصير بين صلاة الاستخارة والدعاء، كأن يُصلي ويُسلّم ثم يُسَلّم على مَن بجانبه ثم يدعو؟
ج: لا، يبدأ بالدعاء، ولا يُسلّم على أحدٍ، إذا سلَّم من صلاته يبدأ بالدعاء.
س: كثير من الناس سيارته تتعطل يقول أصحابُها في الخطوط: لا نجد إلا الله عزَّ وجل ثم القراءة، فهل يُؤذن لنا في القراءة على السيارة على منطقة فيها أم لا يُؤذن؟
ج: ما أعرف لها أصلًا، فالقراءة والرقية تكون على ابن آدم.