229 من: (باب النَّهي عن سؤال الإمارة..)

 
81- باب النَّهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعيّن عليه أَوْ تَدْعُ حاجةٌ إِلَيْهِ
قَالَ الله تَعَالَى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].
1/674- وعن أبي سعيدٍ عبدالرحمنِ بن سَمُرةَ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه ﷺ: يَا عَبدَالرَّحمن بن سمُرَةَ، لا تَسْأَل الإمارَةَ؛ فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعِنْتَ علَيها، وَإنْ أُعْطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرَأَيتَ غَيرها خَيرًا مِنهَا؛ فَأْتِ الَّذِي هُو خيرٌ، وكفِّر عَن يَمينِكَ متفقٌ عَلَيهِ.
2/675- وعن أَبي ذرٍّ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه ﷺ: يا أبا ذَرّ، أَرَاك ضعِيفًا، وَإنِّي أُحِبُّ لكَ مَا أُحِبُّ لِنَفسي، لا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْن، وَلا تُوَلَّيَنَّ مَالَ يتِيمٍ رواه مسلم.
3/676- وعنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رسول اللَّه، ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ عَلَى مَنْكبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمانةٌ، وإنَّها يَوْمَ القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلَّا مَنْ أخَذها بِحقِّها، وَأدَّى الَّذِي عليهِ فِيها رواه مسلم.
4/677- وعن أَبي هُريرة : أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إنَّكم ستحرِصون عَلَى الإمارةِ، وستَكُونُ نَدَامَةً يَوْم القِيامَةِ رواهُ البخاري.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
ففي الأحاديث دلالة على التَّحذير من سؤال الإمارة؛ لأنها خطر، فقد يسألها ولا يقوم بالواجب، فينبغي له سؤال العافية، وعدم سؤال الإمارة.
ولهذا قال ﷺ لعبدالرحمن بن سمرة: لا تسأل الإمارة، فإنَّك إن أُعطيتَها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غير مسألةٍ أُعِنْتَ عليها، فإذا أُعطيها عن غير مسألةٍ وألزمها؛ فإنَّ الله يُعينه إذا صدق ونصح، أمَّا أن يسألها للعلوِّ في الأرض، أو لظلم الناس، أو لجاهٍ، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا خطره عظيم، كما قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]، فالإمارات خطرها عظيم، فإذا بُلِيَ بها الإنسانُ وصبر واستعان بالله عليها أُجِرَ، وأمَّا السؤال فلا ينبغي له أن يسألها.
وهكذا قال النبيُّ ﷺ لأبي ذرٍّ: يا أبا ذرّ، إني أراك رجلًا ضعيفًا، فلا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تُوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ، وهذا يُفيد أن الإنسان الضَّعيف لا ينبغي له أن يقبل الإمارةَ، ولا يتولَّى مال الأيتام؛ لأنه قد يضعف عن القيام بالواجب، ولا يُعطي الأيتام حقَّهم، ولا يُعطي الإمارة حقَّها، فينبغي لولاة الأمور أن يُولُّوا الأخيار الأقوياء على الإمارة، الذين يُرجا فيهم النَّفع الكبير.
ويقول ﷺ: إنَّكم ستحرصون على الإمارة، وستكون خِزْيًا وندامةً، إلا مَن أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها.
فالمقصود أنَّ الإمارة فيها خطرٌ، فينبغي للمؤمن تجنبها، إلا عند الحاجة إليها؛ إذا أمره وليُّ الأمر واحتِيجَ إليه فليَسْتَعِنْ بالله.
وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:
س: ما ضابط الإمارة؟ مدير الشرطة مثلًا أو مدير شركة أو ..؟
ج: الإمارة على البلد أو القرية أو القبيلة، هذه هي الإمارات، أمَّا هذه فوظائف، والنبي ﷺ لما قال له عثمانُ بن أبي العاص: اجعلني إمامَ قومي، قال: أنت إمامهم، وما أنكر عليه سؤال الإمامة، فكونه يسأل أن يكون في محلِّ كذا -موظف في الهيئة أو في شرطة البلد الفلانية أو قوة الأمير الفلاني- لا بأس به؛ لأنَّ الناس يحتاجون لهذه الأشياء، والمسؤول هو الأمير.
س: كيف يمكن الجمعُ بين قول يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ [يوسف:55]، وقول الرسول ﷺ: لا تسأل الإمارة؟
ج: هذا إذا دعت المصلحةُ، وشرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ شرعُنا بخلافه، فشرعنا جاء بالنَّهي عن تولي الخلافة، لكن ذكر العلماء أنه إذا تعيَّنت عليه واحتِيج إليه فلا بأس إذا رأى المصلحة في ذلك، لا للعلو في الأرض، ولا للفساد، ولا للطمع، ولكن لمصلحة المسلمين؛ تأسِّيًا بيوسف عليه الصلاة والسلام.
س: وإذا رأى الرجلُ في نفسه أنه كفؤٌ لهذا؟
ج: إذا رأى المصلحة للمسلمين، وليس لنفسه هو، والأحوط أن لا يسأل.
س: شرب الماء وهو جُنب هل فيه نهي؟
ج: ما فيه شيء.
س: والأكل؟
ج: الأفضل أن يتوضأ للأكل.
س: هل أكل الدّباء فيه شيء؟
ج: الدّباء هو القرع، ولا شيء فيه.
س: نهيه ﷺ لأبي ذرٍّ ألا يدل على أنَّ هذا عامٌّ في الموظف الصَّغير أو الإمارة الكبيرة؟
ج: لا تُوَلَّيَنَّ مال يتيمٍ هذا اليتيم، والإمارة لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين فيصير أميرًا.
س: يعني: هو عامٌّ أم خاصٌّ فقط؟
ج: لا، ينبغي للضعيف أن يحذر حتى لا يضرَّ نفسه، ولا يضرَّ الناس.
س: أليس كلام يوسف عليه السلام شرع مَن قبلنا؟
ج: شرعٌ لنا ما لم يأتِ شرعُنا بخلافه، وشرعنا نهى عن سؤال الإمارة.
س: وهو شرع مَن قبلنا أليس كذلك؟
ج: شرع مَن قبلنا ما لم يأتِ شرعُنا بخلافه.