234 من: (باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد)

 
86- باب الوفاء بالعهد وَإنجاز الوَعد
قَالَ الله تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا [الإسراء:34].
وقال تَعَالَى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل:91].
وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1].
وقال تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2، 3].
1/689- عن أبي هريرة : أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّث كَذَب، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ متفقٌ عَلَيهِ.
زَادَ في روايةٍ لمسلمٍ: وإِنْ صَامَ وصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسلِمٌ.
2/690- وعن عبدِاللَّهِ بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما: أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَنْ كَانَتْ فِيه خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِن النِّفاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَان، وإذَا حدَّثَ كذَبَ، وَإذا عَاهَدَ غَدَر، وَإذا خَاصَم فَجَرَ متفقٌ عَلَيْهِ.
3/691- وعن جابرٍ قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبيُّ ﷺ: لَوْ قَدْ جاءَ مالُ الْبَحْرَيْن قد أَعْطَيْتُكَ هكَذا، وهكذا، وَهَكَذا، فَلَمْ يَجِئْ مالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النبيُّ ﷺ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْن أَمَرَ أبُو بَكْرٍ فَنَادى: مَنْ كَانَ لَهُ عنْدَ رسول اللَّه ﷺ عِدَةٌ أوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأتَيتُهُ وقُلْتُ لَهُ: إنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لي كَذَا وكَذَا، فَحثَى لي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُها فَإذا هِي خَمْسُمِئَةٍ، فَقَالَ لِي: خُذْ مِثْلَيْهَا. متفقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث مع الآيات الكريمات فيها الحثُّ على الوفاء بالعهد والوعد، وأنَّ المؤمن يفي بعهده ووعده، ولا يتشبَّه بأهل النفاق، فالمنافقون ليس عندهم عنايةٌ بعهودهم ولا مواعيدهم، فالواجب على المؤمن أن يحذر صفاتهم وأخلاقهم، وقد قال ﷺ: مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم، فالمؤمن يتباعد عن أخلاق المنافقين وأخلاق الكافرين.
يقول الله جلَّ وعلا: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:91]، فالمؤمن يفي بعهده، ولا ينقض، ويقول جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2، 3]، ويقول في قصة نبيه ورسوله إسماعيل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، فالمؤمن يتحرَّى الوفاء بعهوده ووعوده، ولا يتساهل في الأمور؛ حتى لا يتشبَّه بأعداء الله المنافقين.
يقول ﷺ: آية المنافق ثلاثٌ يعني: علامته، إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان، هذه من صفاتهم الذَّميمة، وقال ﷺ: أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافقًا خالصًا يعني: نفاقًا عمليًّا، نفاقًا ظاهرًا، ومَن كانت فيه خصلةٌ منهنَّ كانت فيه خصلةٌ من النِّفاق حتى يدَعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، فالواجب على المؤمن أن يحذر هذه الصِّفات الذَّميمة، ويتباعد عنها؛ حتى لا يُشبه أعداء الله المنافقين.
يقول ابنُ القيم رحمه الله: "إذا استحكمت هذه الخصال في العبد فقَلَّ أن يسلم من النِّفاق الاعتقادي"، قد يجرّه هذا إلى النِّفاق الاعتقادي -نسأل الله العافية- ولهذا سمَّاه النبيُّ ﷺ منافقًا خالصًا، يعني: نفاقًا عمليًّا.
قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، فمن صفاتهم: الغفلة، وقلّة الذكر، والخداع للمؤمنين، والكسل عن الصَّلوات، وعدم الثَّبات في الدين، بل هم مُذَبْذَبُون، لا مع المسلمين، ولا مع الكافرين، فمَن تخلَّق بهذه الأخلاق فهو على خطرٍ عظيمٍ -نسأل الله العافية.
وفي حديث جابرٍ أنه قال للصِّديق : إنَّ النبي ﷺ قال: لو جاء مالُ البحرين لأعطيتُك هكذا، وهكذا، وهكذا، وأشار بيديه ثلاث مرات، يعني: حثيتُ لك منه، فتُوفي النبيُّ ﷺ قبل أن يأتي مالُ البحرين الذي أشار إليه النبيُّ ﷺ، وكان الصديقُ قد نادى في الناس وقال: "مَن كان له عند النبيِّ ﷺ عِدَةٌ أو دَيْنٌ فليأتنا نُعْطِه حقَّه"، رضي الله عن الصّديق، فجاء جابرٌ وقال هذا الكلام؛ فأوفى عنه الصّديق لما جاء مالُ البحرين، فحثى له حثيةً، فعدَّها فوجدها خمسمئةٍ، ثم قال له: "خُذْ مثلَيْها" يعني: وفاء لوعد الرسول عليه الصلاة والسلام.
فالمؤمن إذا وعد يتحرَّى الوفاء بالوعد، ولا يتشبَّه بأعداء الله المنافقين.
نسأل الله للجميع التَّوفيق والهداية.

الأسئلة:
س: مَن عدَّ ترك الصلاة كُفرًا عمليًّا؟
ج: هو كفرٌ عمليٌّ.
س: مُخْرِجٌ من المِلَّة؟
ج: نعم.
س: مَن قال أنه لا يُخرج من الملَّة؟
ج: الجمهور يرون أنَّه لا يُخرج من الملَّة؛ لأنَّ في بعض روايات عُبادة ما يدل على ذلك، وحديث عُبادة في سنده مقال.
س: إذا كانت عنده خصلةٌ من هذه الخِصال هل يجوز لي أن أقول له: يا منافق؟
ج: لا، تدعو له بالهداية وتنصحه؛ لأنَّك إذا دعوتَه بـ"يا منافق" تزيده شرًّا، لكن تنصحه وتقول له: يا فلان، هذه من خصال المنافقين، ونصيحتي لك أن تدعها، وأن تحذرها، فالمؤمن أخو المؤمن: ينصحه.
س: استقبال القبلة لقضاء الحاجة؟
ج: في البناء لا حرج، وفي الصَّحراء يحرم.
س: وفي البُنيان؟
ج: لا بأس به على الصَّحيح، كما ثبت عن النبيِّ ﷺ أنه قضى حاجتَه مستقبلَ الشام، مُستدبر الكعبة، في بيت حفصة.
س: هل القول الراجح في معية الله للمؤمنين أنها ذاتيَّة؟
ج: معية العلم قسمان: عامَّة، وخاصَّة، الخاصَّة مثل: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، أي: بعلمه ونصره وتأييده، والعامَّة مثل: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4] يعني: بعلمه وتأييده، وهو فوق العرش جلَّ وعلا، ليس مع الناس في الأرض.
س: ...............؟
ج: بعلمه وإحاطته ونصره وتأييده لأوليائه.
س: رجلٌ قال لعاملٍ مسلمٍ يعمل في الرياض: إن شاء الله سأحضر لك كتبًا إسلاميةً، وإلى الآن لم يفعل، يقول أنه ينسى، هل هذا من صفات المُنافقين: إذا حدَّث كذب؟
ج: على كل حال، هذا يختلف: إذا لم يكن عن عمدٍ ولا عن قصدٍ، بل غلبته أمورٌ أخرى؛ ما يدخل في هذا إن شاء الله، إنما يدخل في هذا مَن تساهل.
س: هل يُؤخذ من حديث جابر .............؟
ج: إذا وعده فطيّب جزاه الله خيرًا، لكن ما يلزم، إنما هو من مكارم الأخلاق.
س: قول المسلم لأخيه: ما أدري أنت مسلم أم من اليهود أم من النصارى؟
ج: إذا كان يشتبه فيه يسأله عن دينه.
س: ما يشتبه فيه، لكن قال ذلك من مُعاملته؟
ج: ما يقول هذا: مَن قال لأخيه: يا عدو الله، أو: يا كافر، وهو ليس كذلك؛ حار عليه رجع إليه، وصار هو الموصوف بهذا.