235 من: (باب الأمر بالمُحافظة عَلَى مَا اعتاده من الخير..)

 
87- باب الأمر بالمُحافظة عَلَى مَا اعتاده من الخيرواستحباب طيب الكلام وطلاقة الوَجه عند اللِّقاء
قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
وقال تَعَالَى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92].
وقَالَ تَعَالَى: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88].
وقال تَعَالَى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
1/692- وعن عبداللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه ﷺ: يَا عبْدَاللَّه، لا تَكُنْ مِثلَ فُلانٍ؛ كَانَ يقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَك قيَامَ اللَّيْلِ متفقٌ عَلَيهِ.
1/693- وعَنْ عدِيِّ بنِ حَاتمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ متفقٌ عَلَيْهِ.
2/694- وعن أبي هريرة : أنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: والكلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صدَقَةٌ متفقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ بعضُ حديثٍ تقدَّم بطُولِه.
3/695- وعن أَبي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَلقٍ رواه مسلم.

الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الآيات الكريمات والأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله ﷺ كلها تتعلق بالحثِّ على الاستقامة على الخير مما شرعه الله، وعدم التَّفريط فيه، كما تتضمن أيضًا الحثّ على حُسن الخلق، وطيب الكلام، وطلاقة الوجه، من المؤمن مع أخيه، إلا إذا وجد أسبابًا تمنع ذلك، فإذا وُجِدَتْ أسبابٌ تُوجِب الهجرَ والشدةَ فلا بأس، وإلا فالأصل أن المؤمن مأمورٌ بحُسن الخلق، وطلاقة الوجه، وطيب الكلام، والحذر من ضدِّ ذلك.
يقول الله جلَّ وعلا في كتابه الكريم: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل:92]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، ويقول جلَّ وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وكان حَسَنَ الخُلُق عليه الصلاة والسلام، قال : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فكان طيبَ الكلام، طليق الوجه عليه الصلاة والسلام.
وقال جلَّ وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وقال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]، ولما بعث موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
فالمؤمن مأمورٌ بطيب الكلام ولين الجانب مع إخوانه، ومع أهل بيته، ومع جيرانه، إلا مَن اقتضى الشرعُ الإغلاظَ له وهجره لإظهاره المنكرات، فهذا شيءٌ آخر، مثلما قال جلَّ وعلا في أهل الكتاب: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46].
ويقول النبيُّ ﷺ لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: يا عبدالله، لا تكن مثلَ فلانٍ؛ كان يقوم الليل، فترك قيام الليل، وحثَّ على الاستمرار والثّبات على قيام الليل ولو قليلًا، قال الله في صفات المتَّقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:18]، هذه من صفات أولياء الله، وقال في صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، هكذا صفاتهم وأخلاقهم العظيمة، وقال لعبدالله بن عمر: نعم الرجلُ عبدالله لو كان يُصلي من الليل، قالت حفصةُ: فما زال عبدُالله يُصلي من الليل منذ سمع من النبي ﷺ هذا، ما كان ينام من الليل إلا قليلًا رضي الله عنه وأرضاه.
وفي "الصَّحيحين" أنه ﷺ أوصى أبا هريرةَ بصلاة الضُّحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والوتر قبل النوم، وأوصى أبا الدَّرداء بذلك أيضًا: بصلاة الضُّحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والوتر قبل النوم.
وقال لأبي ذرٍّ: لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ، طلق يعني: مُنبسط.
وقال لعدي بن حاتم : ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ، فالإنسان يفعل الخير ولو كان قليلًا، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ.
فعلى الإنسان أن يحرص على الخير: إمَّا بالصدقة والمعروف ولو بالقليل، وإمَّا بالكلام الطيب، كما في حديث أبي هريرة: يقول ﷺ: الكلمة الطّيبة صدقة، فالتَّسبيحة صدقة، والتَّحميدة صدقة، والتَّهليلة صدقة، وكل كلمةٍ طيبةٍ صدقة، فالصَّدقة القليلة تنفع، وتقدَّم قوله ﷺ: كل معروفٍ صدقة.
وفي "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان تسأل، فلم أجد في البيت إلا ثلاث تمرات، فدفعتُها إليها، فأعطت كلَّ واحدةٍ من ابنتيها تمرةً، ورفعت الثالثةَ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها التَّمرةَ الثالثة" يعني: أكلتا التَّمرتين، فكانتا أسرع منها، واستطعمتاها التَّمرةَ الثالثة، فشقَّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا، قالت عائشةُ: "فأعجبني شأنُها، فلمَّا جاء النبيُّ ﷺ أخبرته بشأنها، فقال: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة" يعني: أوجب لها بهذه الرحمة لهاتين الطّفلتين.
فهذا يدل على فضل الصَّدقة والرحمة والإحسان، وأن الله جلَّ وعلا يأجُر على هذا ويُثيب على هذا الثواب الجزيل، وفي هذا دلالة على أنه ينبغي للمؤمن القناعة والصبر على الشدة، فبيت النبي ﷺ ما وُجد فيه إلا ثلاث تمرات في بعض الأحيان، وهو بيت أفضل الخلق، فهذا يدل على أنه ينبغي للمؤمن التَّصبر والتَّحمل، ولو أصابه الفقرُ لا يجزع، بل يتحمّل ويأخذ بالأسباب التي شرعها الله، فله أسوةٌ في نبي الله ﷺ، فربما ربط الحجرَ على بطنه من شدّة الجوع عليه الصلاة والسلام، وهكذا كثيرٌ من الصَّحابة أصابتهم شدَّةٌ في المدينة، ثم وسَّع الله عليهم، والحمد لله.
نسأل الله للجميع التوفيق وصلاح النية والعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.