06 من غزوة الطائف

غزوة الطائف:

قَالَ عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَحَاصَرَ الطَّائِفَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا قَدِمَ فَلّ ثقيف -الطائف- أغلقوا عليهم أبواب مَدِينَتِهَا، وَصَنَعُوا الصَّنَائِعَ لِلْقِتَالِ، وَلَمْ يَشْهَدْ حُنَيْنًا وَلَا حِصَارَ الطَّائِفِ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ، كَانَا بِجُرَشَ يَتَعَلَّمَانِ صَنْعَةَ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَجَانِيقِ وَالضُّبُورِ.

قَالَ: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الطَّائِفِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حُنَيْنٍ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ:

قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ ريبٍ وخيبر ثم أجمعنا السُّيوفا
نُخبرها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ قَوَاطِعُهُنَّ: دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا
فَلَسْتُ لِحَاضِنٍ إِنْ لَمْ تَرَوْهَا بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنَّا أُلُوفَا
وَنَنْتَزِعُ الْعُرُوشَ بِبَطْنِ وجٍّ وَتُصْبِحُ دُورُكُمْ مِنْكُمْ خُلُوفَا
وَيَأْتِيكُمْ لَنَا سَرْعَانُ خَيْلٍ يُغَادِرُ خَلْفَهُ جَمْعًا كَثِيفَا
إِذَا نَزَلُوا بِسَاحَتِكُمْ سَمِعْتُمْ لَهَا مَمَّا أَنَاخَ بِهَا رَجِيفَا
بِأَيْدِيهِمْ قواضب مُرهفات يزرن المُصطلين بها الحتوفا
كَأَمْثَالِ الْعَقَائِقِ أَخْلَصَتْهَا قُيُونُ الْهِنْدِ لَمْ تُضْرَبْ كَتِيفَا
تَخَالُ جَدِيَّةَ الْأَبْطَالِ فِيهَا غَدَاةَ الزَّحْفِ جَادِيًّا مَدُوفَا
أَجَدَّهُمُ أَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيحٌ مِنَ الْأَقْوَامِ كَانَ بِنَا عَرِيفَا
يُخَبِّرهُمْ بِأَنَّا قَدْ جَمَعْنَا عِتَاقَ الْخَيْلِ وَالنُّجُبَ الطُّرُوفَا
وَأَنَّا قَدْ أَتَيْنَاهُمْ بِزَحْفٍ يُحِيطُ بِسُورِ حِصْنِهِمُ صُفُوفَا
رَئِيسُهُمُ النبيّ وكان صلبًا نقي القلب مُصطبرًا عزوفا
رشِيدَ الْأَمْرِ ذَا حُكْمٍ وَعِلْمٍ وَحِلْمٍ لَمْ يَكُنْ نَزِقًا خَفِيفَا
نُطِيعُ نَبِيَّنَا وَنُطِيعُ رَبًّا هو الرَّحمن كان بنا رؤوفا
فَإِنْ تُلْقُوا إِلَيْنَا السِّلْمَ نَقْبَلْ وَنَجْعَلْكُمْ لَنَا عَضُدًا وَرِيفَا
وَإِنْ تَأْبَوْا نُجَاهِدْكُمْ وَنَصْبِرْ وَلَا يَكُ أَمْرُنَا رَعِشًا ضَعِيفَا
نُجَالِدُ مَا بَقِينَا أَوْ تُنِيبُوا إِلَى الْإِسْلَامِ إِذْعَانًا مُضِيفَا
نُجَاهِدُ لَا نُبَالِي مَا لَقِينَا أَأَهْلَكْنَا التِّلَادَ أَمِ الطَّرِيفَا
وَكَمْ مِنْ مَعْشَرٍ أَلَبُوا عَلَيْنَا صَمِيمَ الْجِذْمِ مِنْهُمْ وَالْحَلِيفَا
أَتَوْنَا لَا يَرَوْنَ لَهُمْ كِفَاءً فَجَدَّعْنَا الْمَسَامِعَ وَالْأُنُوفَا
بِكُلِّ مُهَنَّدٍ لَيْنٍ صَقِيلٍ نَسُوقُهُمُ بِهَا سَوْقًا عَنِيفَا
لِأَمْرِ اللَّهِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى يَقُومَ الدِّينُ مُعْتَدِلًا حَنِيفَا
وَتُنْسَى اللَّات والعُزَّى وود ونسليها الْقَلَائِدَ وَالشُّنُوفَا
فَأَمْسَوْا قَدْ أَقَرُّوا وَاطْمَأَنُّوا وَمَنْ لَا يَمْتَنِعْ يَقْبَلْ خُسُوفَا

 وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَجَابَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيُّ.

قَلْتٌ: وَقَدْ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بعد ذَلِكَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ فَأَسْلَمَ مَعَهُمْ.

قَالَهُ موسى بن عقبة، وأبو إِسْحَاقَ، وَأَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ، وَابْنُ الأثير، وغير واحدٍ.

وزعم المدايني أَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ، بَلْ صَارَ إِلَى بِلَادِ الروم فتنَصَّر ومات بها:

مَن كَانَ يَبْغِينَا يُرِيدُ قِتَالَنَا فَإِنَّا بِدَارٍ مَعْلَمٍ لَا نَرِيمُهَا
وَجَدْنَا بِهَا الْآبَاءَ مِنْ قَبْلِ مَا تَرَى وَكَانَتْ لَنَا أَطْوَاؤُهَا وَكُرُومُهَا
وَقَدْ جَرَّبَتْنَا قَبْلُ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ فَأَخْبَرَهَا ذُو رَأْيِهَا وَحَلِيمُهَا
وَقَدْ عَلِمَتْ -إِنْ قَالَتِ الْحَقَّ- أننا إذا ما أتت صُعْرُ الْخُدُودِ نُقِيمُهَا
نُقَوِّمُهَا حَتَّى يَلِينَ شَرِيسُهَا وَيُعْرَفَ لِلْحَقِّ الْمُبِينِ ظَلُومُهَا
عَلَيْنَا دِلَاصٌ مِنْ تُرَاثِ مُحَرِّقٍ كَلَوْنِ السَّمَاءِ زَيَّنَتْهَا نُجُومُهَا
نُرَفِّعُهَا عَنَّا بِبِيضٍ صَوَارِمَ إِذَا جُرِّدَتْ فِي غَمْرَةٍ لَا نَشِيمُهَا

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ عَارضٍ الْجُشَمِيُّ فِي مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الطائف:

لَا تَنْصُرُوا اللَّاتَ إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهَا وَكَيْفَ يُنْصَرُ مَنْ هُوَ لَيْسَ يَنْتَصِرُ
إِنَّ الَّتِي حُرِّقَتْ بِالسُّدِّ فَاشْتَعَلَتْ وَلَمْ تُقَاتِلْ لَدَى أَحْجَارِهَا هَدَرُ
إِنَّ الرَّسُولَ مَتَى يَنْزِلْ بِلَادَكُمُ يَظْعَنْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا بَشَرُ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَسَلَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -يَعْنِي مِنْ حُنَيْنٍ إِلَى الطَّائِفِ- عَلَى نَخْلَة الْيَمَانِيَّةِ، ثُمَّ عَلَى قَرْنٍ، ثُمَّ عَلَى المليح، ثم على بحرة الرغاء من ليلة، فَابْتَنَى بِهَا مَسْجِدًا، فَصَلَّى فِيهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَادَ يَوْمَئِذٍ بِبَحْرَةِ الرُّغَاءِ حِينَ نَزَلَهَا بِدَمٍ، وَهُوَ أَوَّلُ دَمٍ أُقِيدَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ؛ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ قَتَلَ رَجُلًا مَنْ هُذَيْلٍ، فَقَتَلَهُ بِهِ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِلِيَّةَ بِحِصْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ فَهُدِمَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ سَلَكَ فِي طَرِيقٍ يُقَالُ لَهَا: الضَّيِّقَةُ، فَلَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا فَقَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الطَّرِيقِ؟ فَقِيلَ: الضَّيِّقَةُ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ الْيُسْرَى، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا عَلَى نَخِبٍ حَتَّى نَزَلَ تَحْتَ سِدْرَةٍ يُقَالُ لَهَا: الصَّادِرَةُ، قَرِيبًا مِنْ مَالِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْنَا، وَإِمَّا أَنْ نُخَرِّبَ عَلَيْكَ حَائِطَكَ، فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِإِخْرَابِهِ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ ابْنِ أَبِي بُجَيْرٍ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله: هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ، وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَاسْتَخْرَجُوا مَعَهُ الْغُصْنَ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، بِهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى نَزَلَ قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، فَقُتِلَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنَّبْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ اقْتَرَبَ مِنْ حَائِطِ الطَّائِفِ، فتأخَّروا إلى موضع مسجده عليه السلام الْيَوْمَ بِالطَّائِفِ الَّذِي بَنَتْهُ ثَقِيفٌ بَعْدَ إِسْلَامِهَا، بَنَاهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ وَهْبٍ، وَكَانَتْ فِيهِ سَارِيَةٌ لَا تَطْلُعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ إِلَّا سُمِعَ لَهَا نَقِيضٌ فِيمَا يَذْكُرُونَ.

قَالَ: فَحَاصَرَهُمْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. قَالَ ابنُ هشام: ويقال: سبع عشرة ليلة، وَقَالَ عُرْوَةُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: عَنِ الزُّهري: ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الطَّائِفِ، وَتَرَكَ السَّبْيَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَمُلِئَتْ عرش مكة منهم، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْأَكَمَةِ عِنْدَ حِصْنِ الطَّائِفِ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ مِنْ وَرَاءِ حِصْنِهِمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ أَبِي بَكْرَةَ ابْنِ مَسْرُوحٍ -أَخِي زِيَادٍ لِأُمِّهِ- فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَثُرَتِ الْجِرَاحُ، وَقَطَعُوا طائفةً من أعنابهم لِيُغِيظُوهُمْ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ ثَقِيفٌ: لَا تُفْسِدُوا الْأَمْوَالَ؛ فَإِنَّهَا لَنَا أَوْ لَكُمْ.

وَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْطَعَ خَمْسَ نخلات وخمس حُبْلَاتٍ، وَبَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا فهو حرٌّ، فاقتحم إليه نفرٌ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ ابْنُ مَسْرُوحٍ -أَخُو زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ لِأُمِّهِ- فَأَعْتَقَهُمْ، وَدَفَعَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعُولُهُ وَيَحْمِلُهُ.

مُداخلة: إذا عُلم أنَّ قبور المشركين دُفن فيها شيء من الذهب أو الحُلي تُنبش؟

الجواب: ما في شكٍّ إذا عُلم، حتى لو هم مسلمون، المسلم والكافر؛ لأنه مالٌ ضائع.

سؤال: السن والأنف إذا كانا من ذهبٍ؟

الجواب: يُؤخذ، لا يُدفن؛ لأنه ينفع التركة، ينفع الميت.

سؤال: يعني: يُخلع؟

الجواب: نعم، ولا يضرّ الميت، وإن تُرك فلا بأس، الأمر سهل.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حدَّثَنَا يَزِيدُ: حدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَعْتِقُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْعَبِيدِ قَبْلَ مَوَالِيهِمْ إِذَا أَسْلَمُوا، وَقَدْ أَعْتَقَ يَوْمَ الطَّائف رجلين.

وقال أحمد: حدَّثنا عبدالقدوس بن بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ: حدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الطائف، فخرج إليه عبدان، فَأَعْتَقَهُمَا، أَحَدُهُمَا أَبُو بَكَرَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْتِقُ الْعَبِيدَ إِذَا خَرَجُوا إِلَيْهِ.

الشيخ: لأنَّ هذا فيه دعوة لهم إلى الإسلام، وإغاظة لمواليهم؛ لعلهم يُسلمون.

وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حدَّثَنَا نَصْرُ بن رئاب، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الطَّائِفِ: مَنْ خَرَجَ إِلَيْنَا مِنَ الْعَبِيدِ فَهُوَ حُرٌّ، فَخَرَجَ عَبِيدٌ مِنَ الْعَبِيدِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرَةَ، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

هَذَا الْحَدِيثُ تفرَّد بِهِ أَحْمَدُ، وَمَدَارُهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى هَذَا، فَعِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ جَاءَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عُتِقَ حُكْمًا شَرْعِيًّا مُطْلَقًا عَامًّا.

وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا شَرْطًا، لَا حُكْمًا عَامًّا، وَلَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ التَّشْرِيعُ الْعَامُّ أَظْهَرَ، كما في قوله عليه السلام: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ.

وَقَدْ قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: حدثني عبدالله بن المكرم الثَّقَفِيُّ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْلَ الطَّائِفِ خَرَجَ إِلَيْهِ رقيقٌ من رقيقهم: أبو بكرة عبدالحارث بن كَلَدَةَ، وَالْمُنْبَعِثُ وَكَانَ اسْمُهُ: الْمُضْطَجِعَ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمُنْبَعِثَ، وَيُحَنَّسُ، وَوَرْدَانُ فِي رَهْطٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ فَأَسْلَمُوا.

فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ أَهْلِ الطَّائِفِ فَأَسْلَمُوا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُدَّ عَلَيْنَا رَقِيقَنَا الَّذِينَ أَتَوْكَ، قَالَ: لَا، أُولَئِكَ عُتَقَاءُ اللَّهِ، وَرَدَّ عَلَى ذلك الرجل ولاء عبده فجعله له.

سؤال: يعني: يُرجع إلى سيده الولاء؟

الجواب: لا، لا، عتيق الله، الله الذي أعتقه.

سؤال: ..........؟

الجواب: هذا خبر ضعيف.

سؤال: ............؟

الجواب: نفيع بن الحارث.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حدثَنَا غُنْدَرٌ: حدثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَأَبَا بَكْرَةَ -وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ بِهِ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ هشام: أنبأنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ -أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ- قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ: لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا، قَالَ: أَجَلْ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ.

قال محمد بن إِسْحَاقَ: وَكَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأَتَانِ مِنْ نِسَائِهِ، إِحْدَاهُمَا أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَرَبَ لَهُمَا قُبَّتَيْنِ، فَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَهُمَا، فَحَاصَرَهُمْ وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَرَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ.

فَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَنْجَنِيقِ، رَمَى به أهلَ الطَّائف.

وذكر ابن إسحاق: أَنَّ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ دَخَلُوا تَحْتَ دَبَّابَةٍ ثم زحفوا ليحرقوا جدار أهل الطائف، فأُرسلت عليهم سِكَكُ الْحَدِيدِ مُحْمَاةً، فَخَرَجُوا مِنْ تَحْتِهَا، فَرَمَتْهُمْ ثَقِيفٌ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ رِجَالًا، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَطْعِ أَعْنَابِ ثَقِيفٍ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا يَقْطَعُونَ، قَالَ: وَتَقَدَّمَ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ حَرْبٍ وَالْمُغيرةُ بْنُ شعبة فناديا ثقيفًا بالأمان حتى يُكلِّموهم، فأمنوهم، فَدَعَوْا نِسَاءً مِنْ قُرَيْشٍ وَبَنِي كِنَانَةَ لِيَخْرُجْنَ إِلَيْهِمْ، وَهُمَا يَخَافَانِ عَلَيْهِنَّ السِّبَاءَ إِذَا فُتِحَ الحصنُ، فأبين، فقال لهما أبو الْأَسْوَدِ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَلَا أَدُلُّكمَا عَلَى خَيْرٍ مما جئتُما له؟ إنَّ مال أبي الأسود حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمَا -وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَازِلًا بوادٍ يُقَالُ لَهُ: الْعَقِيقُ، وَهُوَ بَيْنَ مَالِ بَنِي الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ الطَّائِفِ، وَلَيْسَ بِالطَّائِفِ مَالٌ أَبْعَدَ رِشَاءً وَلَا أَشَدَّ مَؤُونَةً وَلَا أَبْعَدَ عِمَارَةً مِنْهُ- وَإِنَّ مُحَمَّدًا إِنْ قَطَّعَهُ لَمْ يَعْمُرْ أَبَدًا، فَكَلِّمَاهُ فَلْيَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَدَعْهُ لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَرَكَهُ لَهُمْ.

وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ نَحْوَ هَذَا، وَعِنْدَهُ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِالْمَنْجَنِيقِ وَعَمِلَهُ بِيَدِهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ بِهِ وَبِدَبَّابَتَيْنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

سؤال: الرمي بالمنجنيق هل يصح عن النبي ﷺ؟

الجواب: مثل المدفع، لا، مرسل، سنده فيه نظر.