بَابُ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
728- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
729- وَعَنْ خَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ.
730- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
731- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا الْوَرْسُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
732- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
733- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: هذا الباب في الإحرام وما يتعلق به من الأحكام، الإحرام له أحكام، وفيه مسائل؛ ولهذا ذكر المؤلفُ رحمه الله أحاديث الباب، ذكر جملةً منها، وإن كان الباقي أحاديث كثيرة، لكن ذكر جملةً منها جيدةً.
والإحرام هو نية الدُّخول في النُّسك، هذا الإحرام، نية الدخول في النُّسك لحجٍّ أو عمرةٍ، يقال له: إحرام، إذا نوى دخوله في الحجِّ أو في العمرة يُقال له: إحرام، فيتجرد لهذا من المخيط ومن كشف الرأس ويُلبي.
والعامَّة إنما تعرف الإحرام باللبس، تقول العامَّة: أحرم، إذا لبس ملابس الإحرام، والصواب أنَّ الإحرام كما قال العلماء: النية، أما لبس الإزار والرداء فهذه ملابس الإحرام، وهذه مظهر الإحرام، أما الإحرام فهو في الحقيقة نية الدخول في النُّسك، نية القلب الدخول في النسك، هذا هو الإحرام، يعني: الدخول في النسك، في أحكامه، وإذا أراد ذلك شُرع له التَّجرد من المخيط وكشف الرأس؛ حتى ينوي وهو على حالةٍ تُناسب المحرم، ثم يُلبي.
والجمهور على أنَّ التلبية سنة، إذا تجرد ونوى يُلبي يقول: لبيك حجًّا، إن كان حجًّا، أو لبيك عمرة، إن كان عمرةً، وإن كان نواهما جميعًا قال: لبيك عمرةً وحجًّا.
ذكر أنس أنَّ الصحابة كانوا يصرخون بذلك، يرفعون أصواتهم بذلك كما في الصحيح، وكما يأتي في حديث خلَّاد بن السَّائب، وكان النبيُّ ﷺ أهلَّ بعمرةٍ وحجٍّ، حجة الوداع أحرم بهما جميعًا، ورفع بهما صوته حتى سمع الناسُ، فعل ذلك في الميقات، لما ركب راحلتَه أهلَّ، ولما سار إلى البيت أهلَّ، ولما علا البيداء أهلَّ؛ حتى عرف الناسُ إحرامه عليه الصلاة والسلام.
ويأتي ما يدل على أنَّ هذا الصواب: أنه أحرم بحجٍّ وعمرةٍ جميعًا.
وقال بعضُ الناس: إنه أفرد الحجَّ. وهذا جاء عن عائشة وجماعةٍ، ولكن الصواب أنه أحرم بهما، ومَن قال: إنه أفرد بالحجِّ، لم يسمع عن العمرة، ولم يدرِ بالعمرة، ومَن أثبت حُجَّة على مَن لم يُثبت، ومَن حفظ حُجَّة على مَن لم يحفظ، والصواب الذي رواه عدة من الصحابة كما يأتي أنه أحرم بهما جميعًا.
وقول ابن عمر في الحديث الأول: "ما أحرم رسولُ الله إلا من المسجد" يرد بذلك على مَن قال: إنه أحرم من البيداء. فالصواب أنه أحرم من المسجد، من عند الشجرة، في ذي الحُليفة، ويقال لها الآن: أبيار عليّ. ويُقال لها: وادي العقيق. أحرم من هناك من عند المسجد الذي صلَّى فيه عليه الصلاة والسلام، كان مسجدًا هناك مكشوفًا، صلَّى فيه عليه الصلاة والسلام، وأحرم بعدما ركب، كما رواه ابن عمر وابن عباس وجابر وجماعة، كلهم قالوا: إنه أحرم بعدما ركب.
وشذَّ خصيف بن عبدالرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ: أن النبي ﷺ أحرم لما فرغ من الصلاة، وأحرم لما ركب، وأحرم لما علا البيداء.
قال بعضُ أهل العلم: إنَّ هذا فيه جمع بين الروايات، وليس بجيدٍ، بل الصواب أنه ضعيف؛ فخصيف ليس ممن يُحتج به؛ لسوء حفظه. والصواب أنه ما أحرم في الأرض، إنما أحرم وهو على البعير، ولم يُحرم في الأرض.
وفي هذا من الحكم: أنه إذا فرغ من شؤونه في الأرض: من اغتساله، من طيبه، من إزاره وردائه، يركب بعد ذلك، هذا له فائدة كبيرة؛ الإنسان في الأرض قد ينشأ أشياء، فمن حكمة الله أن شرع أن يكون الإحرامُ بعد الركوب، بعدما يفرغ من كل شيءٍ؛ حتى يكون قد تهيأ التَّهيؤ الكامل، ثم يُلبي. هذه السنة، هذا هو المحفوظ للرجال والنساء، فإذا ركب السيارة لبَّى، أو الدابة لبَّى؛ اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
أما رواية خصيف أنه لبَّى بعدما فرغ من ركعتيه، فليس بجيدٍ، بل هو غير محفوظٍ، والمحفوظ هو ما رواه ابن عباس وابن عمر هنا وجابر وجماعة، كلهم رووه في الصحيح: بعضها في "الصحيحين"، وبعضها في "صحيح مسلم": أنه لبى وأحرم بعدما ركب الدابة، ولو لبَّى في الأرض لا بأس، يجدي، لكن المقصود: الأفضل أن تكون النيةُ بعد الركوب؛ حتى يفرغ من شؤونه في الأرض.
والحديث الثاني حديث خلاد بن السَّائب عن أبيه: أن النبي ﷺ قال: إنَّ جبرائيل أمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال.
هذا مثلما تقدم يدل على شرعية رفع الصوت بالتَّلبية، فلعل الحكمة في ذلك: أنَّ في هذا تذكيرًا للناس وتنبيهًا لهم على عظم هذا الشأن، وإظهارًا لهذه الشَّعيرة العظيمة التي إنما تجب في العمر مرةً، فيُصلي إظهارًا لهذه الشريعة، وتحريكًا للناس، ولفتًا للقلوب لأن تُقبل عليها، وتتعظ بما فيها من الخير العظيم، فيشرع الناس بذكر الله .
والتلبية فيها التوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريكَ لك"، هي ذكر عظيم، وفيه إشعار القلب بتوحيد الله، والإخلاص له، وأنه تجب طاعته وتلبية أمره؛ لأنَّ "لبيك" معناها: إجابة بعد إجابةٍ لأمرك، أو أنا مُقيم على طاعتك إقامةً بعد إقامةٍ، يقال: لبَّى في المكان إذا أقام به، فلبيك لفظ التَّثنية معنى ذلك: أنه يُجيب دعوة الله إجابةً بعد إجابةٍ مستمرة، فيُقيم على هذا إقامةً بعد إقامةٍ، وهذه تلبيته كما يأتي، تلبيته ﷺ بهذا كما يأتي في حديث ابن عمر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريكَ لك، وقد كان الناسُ يُلبون بأشياء ويُقرهم عليها عليه الصلاة والسلام كما يأتي، ولكنه لزم هذه التَّلبية، الرواية تأتي إن شاء الله في محلِّها في الحديث الآتي.
المقصود أنه ﷺ رفع صوته بالإهلال هو وأصحابه، فدلَّ ذلك على أنَّ السنة رفع الصوت، هذا هو السنة؛ لما تقدم من الحِكَم.
ومن الحِكَم أيضًا: أن يُذكِّر نفسه، يُذكرها أنه في أمرٍ عظيمٍ، وأنه في عبادةٍ عظيمةٍ، بخلاف لو أسرَّ: قد يسهو، قد ينسى، قد يغفل، لكن إذا جهر حرَّك نفسه وأشعرها بهذا الأمر وبعد عن الغفلة.
والحديث الثالث: حديث زيد بن ثابت الأنصاري، الخزرجي، الإمام المشهور، كاتب الوحي ، وإمام في الفرائض.
يقول أنَّ النبي تجرد لإهلاله واغتسل. رواه الترمذي، وفي إسناده بعض اللين، لكن له شواهد، ذكره الحافظُ الهيثمي، وذكر إسناده، جيد.
فمن السنة: التَّجرد للإحرام، فمن السنة أن يتجرد ويغتسل، وقد أمر النبيُّ بالغسل عائشة لما أحرمت بالحجِّ، وأمر بذلك أيضًا أسماء، وهي نفساء، فدلَّ ذلك على شرعية الغسل، فإذا شُرع في حقِّ مَن لا طهارةَ لها، فكيف بمَن له طهارة؟ وهو فيه تنظيف، وفيه تنشيط لهذا العمل الذي هو الإحرام، والمحرم يبقى أيامًا وليالي في حالة الإحرام، فشُرع له الغسل والتَّنظف والابتعاد عن الرَّوائح الكريهة، حتى شرع له الاغتسال بعد ذلك إذا قدم مكة أيضًا كما يأتي، لما قدم مكة اغتسل عليه الصلاة والسلام أيضًا.
فالاغتسال فيه خير عظيم، وفيه قطع للروائح، مع النظافة، مع التنشيط، فيُستحب الغسل عند الإحرام، وإذا قدم مكة أيضًا، حتى ولو كان في السيارات التي هي الآن سريعة، السنة تبقى.
والحديث الرابع حديث ابن عمر في ملابس المحرم: ذكر أنَّ النبي ﷺ لما سُئل عمَّا يلبس، ذكر ما لا يُلبس؛ لأنَّ ما يلبسه غير محصورٍ، لكن ما يُمنع منه محصور، ما يلبسه غير محصورٍ، فأجابه النبيُّ ﷺ بالشيء المحصور الذي يُمنع منه، قال: لا يلبس القميص.
القميص معروف: وهو الثوب الذي يُصنع للبدن كله، يقال له: قميص مخيط للبدن كله، وإن كان في النصف الأعلى فله أسماء، وهو ممنوع أيضًا، وهكذا النصف الأسفل: كالسراويل ممنوع أيضًا، والعمائم.
لا القميص، ولا العمامة، ولا السراويلات؛ وهي جمع: سراويل، والسراويل له جمع، ولكنه يُطلق على سروال واحد، ولا أذكر في اللغة لفظ: سروال، المذكور عند أئمة اللغة: أنَّ هذا اللباس جاء بلفظ الجمع، يقال للواحد: سراويل، والجماعة: سراويلات، ولا أذكر عن أحدٍ من أهل اللغة أنه نقل: سروال بالإفراد هكذا، إنما المحفوظ في اللغة: السراويل، وجمعه: سراويلات، وهو ما يُلبس من أسفل للرِّجلين، ما يُلبس من أسفل البدن ويكون له رجلان، فإن لم يكن له رجلان فهو الإزار، إذا لُبس أسفل مخيطًا للبدن فهذا الإزار، فإن كان له كُمَّان-لكل رجلٍ كمٌّ- فهذا هو السَّراويل، فلا يلبسه المحرم.
وكذلك الخفاف والبرانس، البرانس: قمص لها رؤوس متصلة بها، لها رؤوس متصلة بالبدن، إذا لبس القميص ففيه رأس يجعله على رأسه، مُعلَّق به، وهي ثياب مغربية تُصنع في المغرب، يقال لها: البرانس، فلا يُباح للمُحرم لبسها.
هذه خمسة: القميص، والعمامة، والسراويلات، والبرانس، والخفاف.
خمسة أنواع، وهي أمثلة، كل ما شابهها مثلها؛ فلا يلبس العمامة ولا ما يُشبه العمامة: كالطاقية أو القلنسوة أو ما أشبه ذلك، كل ما يُجعل على الرأس-مُلتصق بالرأس- لا يلبسه، كذلك القمص بأنواعها كلها لا تُلبس، سواء كانت من قطنٍ، أو من كتانٍ، أو من شعرٍ، أو من صوفٍ، أو من وبرٍ، أو من أي شيءٍ، سواء كاملةً وافيةً، أو قاصرةً ناقصةً.
كذلك السَّراويلات، يلتحق بالقمص اللباس الذي يكون على الصدر: كالفانلة وما يُشبهها. ولا السَّراويلات أيضًا، ولا يلبس البرانس مطلقًا، سواء كان لها رأس، أو ما لها رأس.
ولا الخِفاف: ما يُلبس للرِّجلين ممنوع منه المحرم، في حقِّ الرجال خاصةً، أما النساء فلا بأس أن يلبسن القمص والسَّراويلات والخفاف، كل هذا في حقِّ الرجال، النساء عورات فلا بدَّ من لبس القميص والخمار والسَّراويلات وغير ذلك من اللباس؛ لأنهن عورة مطلوب في حقِّهن التَّستر والبُعد عن أسباب الفتنة، لكن يُمنعن من غير ذلك.
ولا يلبس شيئًا من الثياب مسَّه زعفران ولا ورس، يُمنعن من الورس والزعفران وأنواع من الطيب، هذا يشترك فيه الرجال والنساء بعد الإحرام، لا يتطيبن إلا بعد الحلِّ، سواء كان المحرم رجلًا أو امرأةً، هذا مُشترك.
كذلك لبس النِّقاب والبُرقع والقفازين ممنوع في حقِّ الجميع؛ فالرجل لا يُغطي وجهه -المحرم- كما في حديث الذي وقصته راحلتُه-كما يأتي- قال: لا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه، كذلك المرأة لا تُخمِّر وجهها بالنِّقاب، ولا بالبرقع، ولا يديها بالقفازين؛ لأنهما مخيطان لهذين العضوين؛ فالقفاز لليد، والنقاب والبرقع للوجه، فتُمنع منه المرأة، والرجل يُمنع من تغطية وجهه، كما في حديث ابن عباس الآتي.
ولا بأس للمرأة أن تُغطي وجهها بغير النِّقاب: كالخمار وما أشبه ذلك مما لم يخطّ على الوجه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كنا مع النبي ﷺ إذا دنا منا الرجالُ سدلت إحدانا خمارها على وجهها، فإذا بعدن كشفنا".
وروى سعيد بن منصور بإسنادٍ جيدٍ عنها: أنها كانت تأمر النساء أن يسدلن الخمرَ على وجههنَّ وهن محرمات إذا دنون من الرجال.
فالنقاب والبُرقع شيء، والخمار شيء آخر، والقفاز شيء مخيط من صوفٍ، أو من وبرٍ، أو من قطنٍ، على قدر الكفَّين كما يفعل ..... الصقر ونحوه؛ لئلا يُؤذي أيديهم، هذا مثله، وهو القفاز، قد يكون من جلدٍ، قد يكون من غير ذلك، فلا تلبسه المرأةُ وهي محرمة، ولكن لا بأس أن تُغطي يديها بغير ذلك؛ تُغطي يديها بثوبها، بخمارها، بغير ذلك، كما أنَّ الرجل لا يلبس القميص، ولكن يُغطي بدنه بالإزار والرداء، فهكذا يُغطي يديه بإزاره، بردائه، وهكذا المرأة تُغطي يديها بخمارها، بثوبها، ولا تُغطيهما بالقفازين.
أما الورس والزعفران فيُمنع منهما الجميع، وهكذا بقية الأطياب، روى البخاري في "الصحيح" عن ابن عمر زيادة لم يذكرها المؤلفُ هنا، كان ينبغي للمؤلف هنا، وهي حديث: لا تنتقب المرأةُ، ولا تلبس القفازين، هذا انفرد به البخاري رحمه الله، وذكره صاحب "العمدة".
وحديث عائشة رضي الله عنها الرابع، قالت: "كنت أُطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يُحرم، ولحلِّه قبل أن يطوف".
هذا يدل على شرعية الطيب عند الإحرام، وهذا عام للجميع: للرجال والنساء، وشرعية الطيب بعد الحلِّ، أما في حال الإحرام يتطيب عند الإحرام وبعد الحلِّ، طيَّبته بعدما رمى الجمرة وحلق، تطيب عليه الصلاة والسلام ثم ركب إلى البيت فطاف، هذا هو محل الطيب عند الإحرام؛ لأنه قد يتأخر فيحتاج إلى الطيب لإزالة الروائح الكريهة، ثم إذا حلَّ أيضًا تطيب؛ لأنه قد يكون هناك شيء من التَّشعث والريح، فيكون الطيبُ فيه ..... بذلك مع الغسل والتَّنظف.
والحديث السادس: حديث عثمان بن عفان الصَّحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، الخليفة الراشد، قال: إنه سمع النبي يقول: لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب.
لا يَنكح لا يتزوج، ولا يُنكح لا يُزوِّج غيره، لا يُزوج بنته، ولا أخته، ولا عمَّته، ولا غيرها من الموليات.
ولا يخطب لا يخطب المرأة؛ لأنَّ الخطبة وسيلة إلى النِّكاح، فنُهي عنها.
زاد ابن حبان: ولا يُخطب عليه أي: لا يتقدم إلى أحدٍ يخطب بنته أو أخته؛ لأنها وسيلة إلى أن يُوافقه لجهلٍ ونحوه، فلا يتقدم إليه وقت الإحرام، فلا يخطب هو، ولا يُخطب عليه، ولا يتزوج، ولا يُزوِّج، لا يتزوج ولا يُزوج؛ لأنَّ النكاح وسيلة للجماع، ولا سيما أنَّ النكاح والجماع ممنوع، وكونه يتزوج أو يُزوج هو وسيلة إلى الجماع، فإنَّ الرجل إذا تزوج في الغالب فإنه في أشد الحاجة أو الشوق إلى أن يُجامع، قد لا يصبر فيُجامع وهو محرم، فسدَّ هذا الباب، والخطبة وسيلة لذلك فمُنعت أيضًا.
ففي هذا شاهد لسدِّ الذَّرائع، والوسائل المفضية إلى الحرام ينبغي لولاة الأمور أن يعنوا بها، وأن يُلاحظوها؛ حتى لا يفتحوا على الناس طرق الحرام، بل يجتهدوا في سدِّ طرق الحرام مهما أمكن.
قال ابنُ القيم رحمه الله: وقد جاءت الشريعةُ بسدِّ الذرائع من طرقٍ كثيرةٍ.
الذرائع التي تُفضي إلى الحرام: قولية أو فعلية، من الشرك أو المعاصي. وذكر في كتابه "إعلام الموقعين" تسعة وتسعين دليلًا، تسعة وتسعون من بين آيةٍ وحديثٍ في سدِّ الذَّرائع، وسدّها رحمه الله.
س: ............؟
ج: ما في شيء؛ لأنه ما يُعين على باطلٍ.
س: .............؟
ج: معروف أنه كان في عهد النبي ﷺ، لكن قد يكون-يعني- شيئًا قليلًا من العلامات التي ..... مكشوف قليل.
س: ...............؟
ج: فيه إظهار النية، وفيه إظهار الشَّعيرة العظيمة هذه، وفيه تحريك القلب للنظر فيها، والتأمل فيها، واستشعار عظمتها، وتدبر ما في ..... من الخير، وإشعار الناس أنَّ صاحبها محرم .....
س: ..............؟
ج: ..... الخفَّين، الجمهور على أنها تقطع كما قال النبيُّ في حديث ابن عمر، كما تكون أسفل من الكعبين كالنِّعال، السنة للمُحرم أن يُحرم بالنِّعال، وقد جاء في الحديث الذي رواه جماعة ..... في إزارٍ ورداءٍ ونعلين، لكن إذا لم يجد النَّعلين فإنه يلبس الخفَّين، فلا بأس ولا حرج، فقد يقطعهما كما في حديث ابن عمر، هذا قول الجمهور: يقطعهما، من باب حمل المطلق على المقيد.
وحديث ابن عباسٍ رواه الشيخان: مَن لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين، ومَن لم يجد إزارًا فليلبس السَّراويل.
قال الجمهور: هذا مطلق، وحديث ابن عمر مقيد، فوجب حمله على المقيد، فلا بدَّ من قطعهما. وهذا قاعدة معروفة عند أهل العلم، معروفة لا غبارَ عليها.
وقال آخرون: لا تُقطع لأمرين:
الأمر الأول: أن حديث ابن عباسٍ متأخِّر، وحديث ابن عمر متقدم في المدينة، فالظاهر أنه ناسخ؛ لأنه في خطبة عرفات قال عليه الصلاة والسلام: مَن لم يجد إزارًا فليلبس السَّراويل، ومَن لم يجد نعلين فليلبس الخفَّين، ولم يقل بقطعهما هنا، وقد حضر هذا الموقف مَن لم يحضر في المدينة، وترك البيان في وقت الحاجة لا يجوز، فهذا يدل على نسخ قطع الخفين.
والأمر الثاني: أنه ﷺ أمر بلبس السَّراويلات عند فقد الإزار، ولم يأمر بقطعها -قطع السَّراويل- حتى تكون إزارًا، قالوا: فكذا الخفَّان ينبغي ألا يُقطعا قياسًا على السَّراويل.
وأيَّد بعضُهم هذا قال: إنَّ القطع فيه نوع إفسادٍ ونوع إتلافٍ للمال، وربما اختلَّ الخفُّ فلم ينفع بعد ذلك، فهذا مما يُؤيد النَّسخ.
هذا مما ذهب إليه جماعةٌ، وهو مذهب أحمد رحمه الله في الرواية المشهورة، وذهب إليه جماعةٌ من أهل العلم، اختاره شيخُ الإسلام ابن تيمية وجماعة، وهو أظهر إن شاء الله.
فحديث ابن عباسٍ ناسخ أو مُبين للجواز: إما ناسخ كما هو أحد القولين، أو مُبين؛ لأنَّ الأمر بالقطع ليس للوجوب، بل للاستحباب؛ لأنه ذكره تارةً، وأهمله أخرى، فدلَّ على أنه غير واجبٍ القطع، بل مستحبٌّ.
وهذا القول قول جيد: أنه غير واجبٍ، بل إما مستحب، وإما منسوخ، والله أعلم.
س: ............؟
ج: الأفضل إذا كان ساق الهدي يُحرم بحجٍّ وعمرةٍ، هذا أفضل، أما إذا كان ما ساق الهدي فالأفضل العمرة، يُحرم بالعمرة وحدها، فإذا لبَّى بالعمرة ثم ساق الهدي في أثناء الطريق يُدخل عليها الحجَّ، هذه السنة، هذا الأفضل.
س: ..............؟
ج: ما أذكره الآن، الذي أتذكر أنَّ فيه ضعفًا، لكن لا أذكر أسباب الضعف، أقول: لا أذكره الآن.
س: ..............؟
ج: لا، لا، كلٌّ يُلبي لنفسه.
س: .............؟
ج: لا، ما يُشرع، لا ما يتطيَّب.
س: .............؟
ج: الظاهر يغسله مثلما أمر النبيُّ الذي عليه الجبّة أن يغسله .....
س: .............؟
ج: الظاهر يُعفى عن هذا.
س: ..............؟
ج: ما دام جهل ما عليك شيء، فقط لا تعود، لا تطيب في الإحرام.
س: .............؟
ج: ولو بخور لا تتطيب.
س: ..............؟
ج: تطيب قبل أن تلبس الإحرام، تطيب وأنت على ثيابك الأولى، وإلا تطيب بغير البخور، أنواع الطيب أنواع كثيرة، النبي كان يتطيب بالمسك عليه الصلاة والسلام.
س: .............؟
ج: مستحب فقط، لو أحرم بدون وضوءٍ، بدون غسلٍ، ما في شيء، مستحبٌّ فقط.
س: ............؟
ج: السعي أفضل، على طهارةٍ أفضل، وإلا ما هو بشرط، الطَّهارة في الطواف فقط، أما السعي لا يُشترط، لكن إذا طاف على طهارةٍ يكون أحسن وأفضل.
س: ............؟
ج: الجمهور يرون له ركعتين سنة، ركعتين، يعني: صلَّى وأحرم، ولكن ليس بصريحٍ حديث أنَّ النبي ﷺ قال: أتاني آتٍ فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة، فالجمهور قالوا: إنَّ هذه سنة مستقلة. وقال آخرون: "صلِّ" يعني: الفريضة، صلاة الفريضة، والأمر في هذا واسع، ولكن إذا توضأ يُستحب له أن يُصلي ركعتين سنة الوضوء.
س: .............؟
ج: مثل الصلاة، نعم.
س: .............؟
ج: أحسن، إذا توضأ يُصلي ركعتين، يجمع بين القولين: سنة الوضوء وسنة الإحرام عند الجمهور.
734- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ فِي قِصَّةِ صَيْدِهِ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ -وَكَانُوا مُحْرِمِينَ-: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
735- وَعَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ : أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
736- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
737- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
738- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، تَجِدُ شَاةً؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
739- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ مَكَّةَ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
740- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
741- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: هذه الأحاديث الثمانية كلها لها تعلق ببحث الحرم والإحرام، وهو داخل في قوله: "باب الإحرام وما يتعلق به"، فإن له تعلقًا، فإنَّ هذه الأحاديث بعضها يتعلق بالإحرام، وبعضها يتعلق بالحرم.
الحديث الأول من هذه الثمانية: حديث أبي قتادة، والثاني: حديث الصعب بن جثامة الليثي.
وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي الأنصاري المشهور، فيهما حكم الصيد إذا صاده الحلال من غير نية المحرم: كأن صاده لنفسه، لم يقصد صيده للمُحرم؛ فإنه يأكل منه المحرم إذا كان المحرم لم يُشارك في ذلك: لا بأمرٍ، ولا بإشارةٍ؛ ولهذا في حديث أبي قتادة: أن أبا قتادة لما صاد الحمار الوحشي وجاء به توقف بعض الصحابة في ذلك، توقفوا حتى سألوا النبي ﷺ، فقال: هل منكم أحدٌ أمره بشيءٍ أو أشار إليه؟ قالوا: لا، قال: فكلوا.
وفي قصة الحمار: أن أبا قتادة ذهب إلى طريقٍ غير طريق الناس، وهو غير محرمٍ، فرأى حمارًا وحشيًّا، فشدَّ عليه، فطلب منهم أن يُناولوه سوطه، فلم يُناولوه، فنزل فأخذ سوطه وشدَّ عليه حتى عقره وجاء به، فتوقَّفوا، استفتوا النبي ﷺ فأفتاهم بأنه لا حرجَ عليهم.
هذا يدل على أنَّ الصيد الذي يصيده الحلالُ لا بأس به للمُحرم، إنما حرم عليه الاصطياد لقوله جلَّ وعلا: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ [المائدة:96]، صيد مصدر، ليس المراد الصيد الذي هو الحيوان، بل المراد به الاصطياد: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ يعني: الاصطياد فيه والعمل ما داموا حرمًا، ولو كانوا في خارج الحرم حتى يُحلوا من إحرامهم، فإذا كانوا في الحرم حرم عليهم الصيد لأمرين: لإحرامهم وللحرم جميعًا، وإذا كانوا قبل الحرم حرم عليهم الصيد للإحرام فقط.
والصيد يحرم للإحرام، ويحرم للحرم، إذا دخل المحرمُ الحرمَ حرم عليه الصيد من جهة الأمرين: لإحرامه، ولكونه في داخل الحرم، أما ما صاده الحلالُ خارج الحرم ولم يقصد به المحرم فحديث أبي قتادة صريح في ذلك، وجاء معناه من حديث طلحة بن عبيدالله عند مسلم أيضًا؛ فإنه جيء إلى النبي بصيدٍ فأكل منه، لم يُصد له، أما ما صاده المحرم أو أعان فيه فإنه لا يحل للمحرم أكله، وإذا كان صاده المحرمُ فهو عند أهل العلم في حكم الميتة؛ لا يحلّ لا له ولا لغيره.
س: حتى للصَّائد إذا كان حلالًا إذا صاده للمُحرم؟
ج: لا، يحل له، لكن إذا صاده المحرمُ نفسه يحرم، الحكم حكم الميتة؛ لأنه ليس أهلًا لصيده وذكاته، بخلاف ما صاده الحلال؛ فإنه ولو نواه المحرمُ ليس بحرامٍ على الحلال، بل حلٌّ للحلال، حرام على المحرم.
ويدل على هذا حديث الصَّعب؛ فإنه أهدى للنبي حمارًا وحشيًّا، وفي لفظٍ: بعض حمارٍ، فرده عليه وقال: إنا حرم، فحُمل هذا على أحد أمرين، وهما: أن يكون الصعبُ أهدى حمارًا وحشيًّا حيًّا؛ فلهذا ردَّه النبي؛ لأنه لا يحل للمُحرم أن يتولى الصيد وهو محرم -الحي- وإن كان أهداه جزءًا كما في الرواية الأخرى: عجز حمارٍ، عضد حمارٍ، فهو لأنه نواه له.
وذكر الشارحُ أنَّ في رواية أحمد وابن ماجه أنَّ الصعب قال: صدته له، فإذا ثبت فالرسول ردَّه لأنه صيد له، أو لأنه أهدى حمارًا كاملًا حيًّا، فرده النبيُّ ﷺ، بخلاف ما إذا صاده الحلالُ ولم يقصد به المحرم؛ فإنه يحلّ كما في رواية جابر عند أهل السنن: صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يُصَدْ لكم، وهو لا بأس بإسناده، وهو يُقوي حديث أبي قتادة، وحديث طلحة بن عبيدالله، وما جاء في معناها.
وبهذا يُعلم أنَّ الصيد يحرم على المحرم بأمورٍ: منها أن يكون صاده، ومنها أن يكون أشار فيه أو أمر به، ومنها أن يكون صيد لأجله، فإذا كان ما صاده، ولا شارك فيه، ولا صيدَ لأجله؛ فلا يحرم عليه، وبهذا تجتمع الأخبار وينتظم شملها.
وفيه أيضًا من الفوائد: تطييب نفس مَن ردت عليه الهدية، يبين له السبب، فإنَّ الرسول لما رأى ما في وجهه من التَّغير لما رُدَّت عليه هديته قال: إنا لم نرده عليك، يُروى: "نردها" و"نردها"، ولا بأس: ردّ وردّ، "نردها" بالاتباع للضم، أو نرده عليه ..... ورده، والفتحة أصل المشدد، إذا جزم يفتح: لم يصحَّ، لم يحلَّ، لم يردَّ، إلا أنا حرم يعني: إلا لأننا حرم.
بيَّن أسباب الرد، وأنه إنما ردَّه من أجل هذه العلة، لا كراهة لهديتك، ولا عن شيءٍ في نفسنا عليك، إنما رددناه لأجل هذا؛ لأننا حرم، والحرم لا يصيد، ولا يأكل ما يصيد له، يعني: فطب نفسًا.
وهكذا إذا ردَّ الموظفُ الهديةَ على أحدٍ يقول: رددناها عليك لأنه ما يصلح أن نأخذ هديةً؛ لأنَّ هذه تُعتبر رشوةً، لو ردَّها القاضي أو ردَّها الموظفُ أو ما أشبه ذلك ممن يخشى على نفسه يُبين فيقول: إني رددتها عليك لكذا وكذا؛ حتى يعلم المهدي أسباب الرد، وإذا كانت حرامًا بيَّن؛ لأنها حرام؛ ولأنَّ الهدية أخذت بكسبٍ خبيثٍ كالربا؛ أو لأنها مغصوبة، أو ما أشبه ذلك من الأسباب، ويكون هذا فيه مصالح:
أولًا: تطييب نفس المهدي، إذا كان السببُ لا محظورَ فيه في نفس، ولكنه لا يصلح للمُهدى إليه.
وثانيًا: يكون فيه إنكار المنكر إذا كان المهدي أهدى شيئًا يستحق أن يُنكر عليه: كالرشوة، وإهداء المغصوب، وإهداء الخنزير، فإنها أشياء ما يصلح إهداؤها للمُسلم، فيُبين له أسباب الرد، ويُنكر عليه ما خفي عليه من نكارة هذا العمل.
والحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها فيما يُباح في الحرم وحال الإحرام من الدَّواب، قال: خمس من الدَّواب كلهن فواسق، فواسق يعني: مُؤذيات، والفاسق: ما خرج عن طبع غيره، يقال له: فاسق؛ لأنه خرج عن طبع غيره من الدَّواب غير المؤذية، كما يُقال للعاصي: فاسق؛ لأنه خرج عن طبيعة المؤمنين، خرج عن الطريقة المتبعة شرعًا.
فهذه الدَّواب فيها فسق، فيها خروج عن طبيعة الدَّواب السَّليمة النافعة، فالعقرب والغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور في الرواية الأخرى، والحية، وهي في مسلم في رواية ابن عمر والحية، جاءت الروايات الأخرى في الحية، وفي بعضها السبع العادي.
والمقصود أنَّ هذه وأشباهها مما يُؤذي يُباح للمُحرم قتلها، ويباح أيضًا في الحرم قتلها، حتى في بيوت الحرم، وظاهر العموم أنها لا تُحترم حتى في البيوت، قد نهى النبيُّ عن قتل جنِّ البيوت، فإما أن يكون منسوخًا، وإما أن يكون هذا بغير مكة، أما في مكة فقد أباح النبي قتلها في الحلِّ والحرم عليه الصلاة والسلام؛ لأجل راحة الحجاج والعمَّار وإبعاد الشرِّ عنهم.
وأذى هذه الحيوانات معروف: العقرب والحية معروف أذاهما، والعقرب معروف أذاه على الدَّواب والزروع، والحدأة كذلك، والكلب العقور معروف أذاه، والفأرة أذاها معروف في البيوت، والسبع العادي معروف، مثل: الذئب والنَّمر وأشباه ذلك.
وجاء في بعض الروايات: الغراب الأبقع .....، جاء للتنويع، وإلا فالغراب معروف عند الإطلاق أسود في الغالب، قد يكون أبقع في بعض الأحيان، لكنه قليل، والغالب عليه المعروف هو السواد، واستثنى بعضُ الفقهاء غراب الزرع يُقال: هناك غريب صغير له منقار أحمر، ورجلاه حمر، يأكل الزروع، ولا يُؤذي. فهذا محل نظرٍ؛ إذا كان لا يُؤذي، وأن طبيعته غير طبيعة الغراب المعروف، فقد يخرج عن هذا إذا عُرف أنه لا يُؤذي الدَّواب ولا الزروع؛ فإنَّ الغراب من طبيعته أنه يُؤذي الدَّواب؛ إذا كان فيها دبرة يقع عليها وينقر الدّبرة حتى يُحييها ويُسبب شرَّها، فقد يموت البعير بذلك، ويأخذ السنابل يقطعها ويطير بها، يُؤذي، وأكثر ما يُؤذي في دواب البادية.
س: الأبقع ذات البقع؟
ج: الأبقع فيه بقعة بيضاء، أو مخالفة لسواده، وهذا قليل في الغربان كما بلغنا، قليل نادر، ولعل خزام يعرف هذا، تعرف الغراب الأبقع يا أخ خزام؟ قد رأيت شيئًا أبقع؟ قد رأيته؟ من النَّوادر .....
كذلك حديث ابن عباس: أن النبي احتجم وهو مُحرم. وجاء في معناه حديث عبدالله بن بحينة: أنه احتجم وهو محرم عليه الصلاة والسلام من وسط رأسه، وهو دليل على أنه لا بأس باحتجام المحرم، وأنَّ الإحرام لا يمنع الحجامةَ في أي مكانٍ، سواء في الرأس، أو في غيره، إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك.
واختلف العلماء إذا كانت الحجامةُ في الرأس فإنها تحتاج إلى أخذ بعض الشعر، فهل عليه فدية كما في حديث كعب بن عجرة أم يُعفا عنها لأنها شيء يسير؟ على قولين عن العلماء؛ لأنه لم يُنقل عن النبي أنه فدى عليه الصلاة والسلام، فقالوا: لأنه شيء يسير يُعفا عنه، ولا يكون فيه فدية، بخلاف كعب؛ فإنه حلق رأسه كله؛ ولهذا أمره النبيُّ ﷺ بالفدية.
ولعلَّ هذا القول أولى؛ لأنَّ النبي لو فدى لبيَّن، فيكون مما عُفي عنه، إذا احتجم فأخذ الشيء اليسير من الرأس للحاجة لعله مما يُعفا عنه للحاجة، وليس بحلقٍ، وإن فدى احتياطًا خروجًا من الخلاف فحسن.
أما حديث كعب فهو يدل على أنَّ حلق الرأس للحاجة جائز، إذا كان الإنسانُ محرمًا وأصابه ألم في رأسه، ومن دوائه حلق الرأس، فلا بأس أن يحلقه، كما جرى لكعبٍ : أن النبي قال: أيُؤذيك هوام رأسك؟ ..... تصيب مرض في رأسه اشتدَّ معه وجود الدَّواب -القمل- فأمره النبيُّ أن يحلق رأسه، وأمره بالكفَّارة، خيَّره بين ثلاثة أشياء: من ذبح شاةٍ، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام. هكذا جاء في الأحاديث بالتَّخيير، قال: انسك شاةً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاعٍ، في روايةٍ: من التمر.
فهذه هي الكفَّارة إذا احتاج الإنسانُ إلى حلق الرأس للأذى.
وأما هذه الرواية: هل تجد شاةً؟ جاءت في بعض الروايات، فإما أن تكون من تصرف الرواة، أو أنَّ الرسول ﷺ اختار له هذا أولًا إن تيسر فهو أفضل، فإنه بعيد أن يكون من تصرف الرواة، فلعل النبي ﷺ قاله وقال له الأمر الآخر، قال له: انسك هذا، وانسك كذا، وقال له: إن كنت تجد شاةً فهي أولى، محتمل هذا.
وبكل حالٍ، فهو مخير من الروايات الصريحة، كافية بهذا، وإذا قدَّم الشَّاة -ولا سيما عند الحاجة إليها- كانت أفضل، إذا قدَّمها عند وجود الفقراء والمحتاجين كان أفضل، أما في اليوم -يعني- أوقات اليوم التي كثر فيها الهدايا والحجاج فقد يكون صومه الثلاثة أيام أنسب؛ لقلة الحاجة إلى الشاة لقلة الفقراء في مواسم الحج بالنسبة إلى اللحوم، وإن أطعم ستة مساكين نصف صاعٍ من تمرٍ أو أرزٍ أو غيره كفى ذلك.
والحديث السادس حديث أبي هريرة في فتح مكة: أنه فتح رسولُ الله مكة، وحُبس عنها الفيل، فإنَّ أبرهة الحبشي غزاها مولد النبي ﷺ، فحبس الله عنها الفيلَ، وأنزل بهم العذاب المعروف، وردَّهم إلى بلادهم خاسئين، وأرسل إليهم طيرًا أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيل، كما نصَّ عليه القرآن الكريم، وحبس الفيل فرجعوا إلى بلادهم، وأصابهم مرض عظيم ووباء شديد بسبب ما رُموا به من الحجارة، وكان هذا تمهيدًا وإرهاصًا لبعث النبي ﷺ، وأنَّ هذا البلد يكون فيه خبر عظيم وحدث جليل، وهو وجود النبي ﷺ وبعثته عليه الصلاة والسلام، فحمى الله مكةَ ذاك الوقت، وأبطل كيد النصارى وردَّهم خاسئين.
وكان ميلاده ﷺ عام الفيل على المشهور، لكن الله سلَّط عليها رسوله والمؤمنين يوم الفتح فأخذوها عنوةً، وأنزل الله في قلوب أهلها الرعبَ فلم يستطيعوا المقاومة، ودخلها المسلمون في عشرة آلاف مقاتل، وقاتل بعضُهم قتالًا قليلًا، ولكنهم تركوا ذلك، وأمَّنهم النبيُّ ﷺ، وأزال الله به الشرك، وكسر الأصنام، ونشر دعوة التوحيد، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، والحمد لله.
وقال في الحديث: إنَّ الله جلَّ وعلا لم يحلّها لأحدٍ قبلي، وإنما أحلَّها لي ساعةً من نهارٍ، وفي رواية أبي شريح: وقد عادت حرمتُها اليوم كحُرمتها بالأمس، فليُبلغ الشاهد الغائب، وقال في رواية أبي شريح: فإن أحد احتجَّ بقتال رسول الله فقولوا: إنَّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم.
فالرسول ﷺ أُذن له ساعة دخوله؛ لإرهاب المشركين، والقضاء على الشرك والشر، ثم عادت حرمتُها كحرمتها سابقًا في تحريم القتال فيها وقتل صيدها وغير ذلك.
ثم بيَّن ﷺ أنَّ مَن قُتل له قتيلٌ فهو بخير النَّظرين، وبيَّن أنه لا يُعضد شوكها، ولا يُختلى خلاها، ولا يُنفر صيدها، كل هذا من خصائصها.
لا يُختلى شوكها يعني: لا يقصّ ولا يحشّ، وفي اللفظ الآخر: لا يُختلى خلاها يعني: حشيشها الأخضر، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها كل هذا مما يتعلق بالحرم: أنَّ له حُرمةً، وكذلك لا تحلّ ساقطتها إلا لمنشدٍ، إلا لمعرِّفٍ.
فهذه أمور تختص بالحرم، ومزايا الحرم، فالحرم له شأن، وله خصائص، منها: تحريم صيده وعدم تنفيره، ومنها: أنه لا يُختلى خلاه، ولا يُعضد شوكه، بل يُترك، وهذا فيه مصالح كبيرة للحجاج إذا جاءوا في إبلهم -وهكذا العمَّار- يرعون ويستفيدون، ويأمن الحيوان فيه من أنواع الصيود.
واللقطة كذلك تبقى حتى يجدها ربها؛ حتى لا تضيع عليه، ومَن أخذها فليُعرفها أبد الآباد حتى يجدها ربها، ولا يحلّ له أن يتملَّكها، أما في البلدان الأخرى فإنه يملكها إذا مضى عليها سنة، إذا عرَّفها سنةً ملكها إذا لم تعرف، أما مكة وهكذا المدينة فلا؛ لأنَّ الرسول حرَّمها كما حرَّم المدينة، فإن لُقطتها لا تحلّ، بل يجب أن يُعرفها دائمًا، أو يُسلمها لمن اختصَّ بذلك من المحاكم أو اللجان أو الهيئات التي تُعين وتخصص لحفظ اللقطات ولا يملكها.
والقتيل أهله لهم خيار بين القتل، أو بين الدية، وأمر ثالث وهو العفو، كما هو معروف، والنبي ﷺ لما قال ذلك قال له العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لقيننا وبيوتنا. وفي اللفظ الآخر: فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا. في السقوف في البيوت، وفي القبور تُلقى تحت التراب؛ لقلة اللبن عندهم، وضعف أرضهم وعدم تحملها، فقال النبي: إلا الإذخر، فدلَّ ذلك على حلِّ الإذخر، وهو نبت طيب الرائحة.
وقال أهلُ العلم أيضًا: يُباح في ذلك ما زرعه الآدمي، هذا محل وفاقٍ، ما زرعه الآدمي من الزرع وغرسه من الأشجار فهو له؛ لأنه ملكه، هو الذي أوجده في الحرم، وهكذا الثِّمار التي تُوجد في الحرم تُؤكل: كثمر السدر وأشباهها، ما تكون لها ثمرة تُؤكل: كالكباث وأشباه ذلك.
وحديث عبدالله بن زيد مثل حديث أبي هريرة: يدل على تحريم المدينة، وأن الرسول حرَّمها كما حرَّم إبراهيمُ مكة، وأنه دعا في صاعها ومدِّها بالبركة، كما دعا الرسول إبراهيم لأهل مكة بالبركة في طعامهم وشرابهم، فهكذا النبيُّ ﷺ دعا لأهل المدينة بذلك، في روايةٍ: "بمثلي" يعني: دعا لهم بالمضاعفة في المدينة، ونرجو أنَّ الله أجاب دعوته عليه الصلاة والسلام، ومَن سكن المدينةَ يعرف ذلك، يعرف ما فيها من البركة في طعامها وشرابها، وما يحصل لأهلها من الكفاية بالقليل، وأنه تظهر هناك البركة الكثيرة، ولا سيما في حقِّ أهل الإيمان والتَّقوى .....
وحديث عليٍّ -وهو الثامن- يدل على أنَّ حرمها محدد بعين وثور، عين من جهة الجنوب، من جهة الميقات، وثور جُبيل، ذكروا أنه ليس بالكبير، من جهة الشمال، تحت أحد أحمر، وهي بريد في بريد، فهذه مسافة الحرم، وهو حرم مثل حرم مكة، لا يُختلى خلاه، ولا يُعضد شجره، ولا يُصاد صيده، ولا يُنفر، إلا أنه جاء في كثيرٍ من الروايات استثناء ما يحتاجه أهل المدينة من الخشب لحاجة مزارعهم وآبارهم، كما احتاج أهلُ مكة للإذخر، فهم يحتاجونه مثلما يحتاجون إلى أخشابٍ للآبار والمحال وأشباه ذلك، فيأتي في روايات عديدة ما يدل على استثناء ذلك من حرم المدينة، والله أعلم.
س: ...............؟
ج: ظاهر الحديث لأنَّ النبي قاله في آخر حياته، ولم يستثنِ شيئًا من هذه الأمور في مكة، وحديث الاستثناء جاء في حديث زيد بن الخطاب وغيره وأبي لبابة في المدينة.
بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَدُخُولِ مَكَّةَ
742- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَجَّ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، فَقَالَ: اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ، وَأَحْرِمِي.
وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.
حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ.
ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَرَقِيَ الصَّفَا.
الشيخ: ............
حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى، حَتَّى إِذَا صَعدَتَا مَشَى إِلَى الْمَرْوَةِ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَت الشَّمْسُ، فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا، حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ، وَدَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ.
حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ.
ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرَ فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا، مِثْل حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا.
الشيخ: هذا الباب في صفة الحجِّ ودخول مكة، أراد المؤلفُ بهذا بيان ما ورد من الأحاديث في صفة حجِّه عليه الصلاة والسلام، وصفة دخوله مكة عليه الصلاة والسلام، وذكر فيه أحاديث، بدأها بحديث جابر بن عبدالله الأنصاري، وحديثه حديث عظيم، وهو مطول، لم يُرَ في الأنساك مثله، فقد عُني بحجته عليه الصلاة والسلام، واجتهد في نقلها إلى الناس رضي الله عنه ورحمه، وهو منسك مُستقل، حديثه هذا منسك مستقل، والمؤلف اختصره، فذكر الخلاصةَ، وهو حديث جليل عظيم، استوفى غالب أعمال الحجِّ.
يقول : إنهم خرجوا مع النبي من المدينة إلى مكة، يعني: في حجة الوداع، النبي ﷺ أمضى في المدينة تسع سنوات لم يحجّ، فلما كانت العاشرةُ تجهز للحجِّ، وأعلن ذلك للناس كما في حديث جابرٍ الذي اختصره المؤلفُ، وقدم المدينة بشرٌ كثيرٌ كلهم يريد أن يأتمَّ برسول الله ﷺ في الحجِّ، فخرج في خمسٍ بقين من ذي القعدة مُتوجهًا إلى مكة عليه الصلاة والسلام، وخرج معه بشرٌ كثيرٌ، ونزل في وادي العقيق في ذي الحُليفة، وأقام بذلك يوم السبت وليلة الأحد، ثم صلَّى الظهر يوم الأحد وأحرم وتوجَّه إلى مكة عليه الصلاة والسلام، وكان إحرامه بعد صلاة الظهر الفريضة.
وفي الصحيح من حديث عمر: أنَّ النبي ﷺ قال: إن جبريل أتاني فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجَّة، فصلى في وادي العقيق، وركب دابته، وأهلَّ عليه الصلاة والسلام.
وذهب الجمهور إلى أنه يُستحب أن يُصلي المحرمُ قبل أن يُلبي؛ تأسيًا بالنبي ﷺ، فإنه صلَّى ثم ركب، فإن وافق صلاة الفريضة صلَّى الفريضة وركب بعدها ولبَّى، فإن لم يُصادف فريضةً صلى ركعتين، ثم كانت التلبيةُ بعدها؛ أخذًا من إطلاق الأحاديث: صلَّى وركب، صلَّى وأحرم؛ ولعموم حديث: إنَّ جبريل أتاني فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجَّة.
فالجمهور أخذوا بهذا، وبعض أهل العلم توقف في سنيتها؛ لعدم النص عليها، والأمر في هذا واسع، وإذا أخذ بقول الجمهور فلا بأس، وإذا توضأ وصلَّى ركعتي الوضوء -سنة الوضوء- جمع بين المصلحتين: بين سنة الوضوء، وبين رأي الجمهور في هذا: أن يكون إحرامه بعد الصلاة.
والصواب أنه لم يُلبِّ ولم يُحرم إلا بعدما ركب، كما رواه جابر وغيره، هذا هو الصواب، ورواه ابن عمر وابن عباسٍ وآخرون.
أما رواية ابن عباسٍ التي رواها خصيف من أنه لبَّى وهو في الأرض بعدما صلَّى ركعتين فسمعه قومٌ، ثم ركب فلبَّى، ثم لما كان على البيداء لبَّى، فهو حديث ضعيف، والصواب أنه لم يُلبِّ ولم يُحرم إلا بعدما ركب دابته عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا أنه لبَّى على البيداء، وهذا أيضًا مما رواه جابر، وخفي عليه ما رواه ابن عمر وابن عباس وغيرهما، فهو لبَّى حين ركب الدَّابة، ولبَّى حين علا على البيداء، فلا منافاة، وكلٌّ أخبر بما حفظ؛ فجابر أخبر بما حفظ، مع عنايته بهذه الحجة، ولكن فاته ما رواه ابن عمر في "الصحيحين"، وما رواه غيره من أنه لبَّى لما ركب عند المسجد، ولا منافاةَ، فمَن حفظ شيئًا زيادةً على غيره قُدِّم، وكرر ذلك على البيداء ليعلم الناس؛ لأنَّ الناس كثيرون، فكرر ليعلم الناس، ويسمع الناس تلبيته عليه الصلاة والسلام فيتأسوا به عليه الصلاة والسلام.
وكان قد ساق الهدي، ساق معه ثلاثًا وستين من المدينة من الإبل، وأحضر عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه إبلًا كثيرةً من اليمن، سبعًا وثلاثين من الإبل، فكان الجميع مئة، وأشرك النبيُّ فيها عليًّا في هديه، كما جاء في الحديث الصحيح، وأحرم بالحج والعمرة جميعًا لأنه ساق الهدي، فقرن بينهما، كما صحَّت بذلك الأخبارُ عن رسول الله ﷺ: في حديث ابن عمر، وحديث أنس، وحديث ابن عباس، وجماعة من الصحابة بيَّنوا أنه حجَّ قارنًا عليه الصلاة والسلام، وقد خفي على بعض الناس: على عائشة، وعلى جابر، فظنوا أنه أحرم بالحج مفردًا.
وولدت أسماء بنت عميس زوجة الصديق في ذي الحليفة في الميقات، فأمرها النبي ﷺ أن تستثفر، يعني: تتحفظ بقطنٍ ونحوه من جهة الدم، وتُلبي مع الناس، تُحرم مع الناس، تغتسل، فدلَّ ذلك على أن الحيض والنفاس لا يمنعان الإحرام، فالمرأة تُلبي وتُحرم وإن كانت في حيضٍ أو نفاسٍ، لا يمنع ذلك.
وهكذا عائشة -كما في الحديث الآخر- لما حاضت قرب مكة وقد أحرمت بالعمرة، أمرها النبيُّ أن تغتسل وتُلبي بالحجِّ، وتكون قارنةً.
وكانت أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر الصديق الذي قُتل في أيام الفتنة بعد مقتل عثمان.
المقصود أنَّ محمدًا وُلد عام حجة الوداع، محمد بن أبي بكر الصديق، وأحرمت أسماء بنت عميس مع الناس رضي الله عنها وأرضاها، فدلَّ ذلك على ما تقدم من كون الحائض والنفساء لا حرجَ في إحرامهما ولا بأس، لكن لا تطوفان حتى تطهرا كما هو معلوم، كما قال النبي لعائشة، وهكذا في أسماء جاء في رواية في خارج الصحيح أنه قال لها ما قال لعائشة.
ثم لبَّى التلبية المعروفة: لبيك اللهم لبيك، قال جابر: أهلَّ بالتوحيد؛ لأنَّ التلبية فيها البراءة من الشرك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريكَ لك؛ فلهذا قال جابر: أهلَّ بالتوحيد، يعني: أهلَّ بالإخلاص لله وإفراده بالحجِّ كغيره من العبادات.
وهذه التلبية التي لزمها النبيُّ ﷺ في حجته رواها جابر وابن عمر وعائشة وغيرهم: أنه لبَّى بهذه التلبية عليه الصلاة والسلام، يعني بعدما قال: لبيك عمرةً وحجًّا اشتغل بهذه التلبية: لبيك اللهم لبيك.
ومعنى التلبية الإقامة واللُّبث على الشيء المطلوب: لبيك اللهم لبيك يعني: أنا مقيم على طاعتك واتِّباع شرعك إقامةً بعد إقامةٍ، يقال: لبَّى في المكان إذا أقام به، فالمعنى: أنا مقيم ومُجيب دعوتك إجابةً بعد إجابةٍ، وإقامةً بعد إقامةٍ، يعني: يعد ربه أنه يستمر في طاعته سبحانه، والثبات على دينه.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك لفظ التلبية مثنى، والمراد الجمع، المراد الكثرة، المراد أنه يستمر أبدًا على طاعته واتِّباع أمره: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك.
وقوله: لا شريكَ لك هذا عام: لا في الربوبية، ولا في الإلهية، ولا في الأسماء والصِّفات، هو لا شريكَ له ، فهذه الكلمة لا شريكَ لك كلمة عامَّة في نفي الشَّريك في جميع أقسام التوحيد: في الذات والصِّفات والعبادة، فلا شريك له في ذاته، بل هو الواحد الأحد ، مدبر الأمور: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2]، ولا شريك له في العبادة: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، إلى غير ذلك.
وهو واحد في أسمائه وصفاته، لا شبيهَ له، ولا كفء له، ولا ندَّ له: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريكَ لك جملة مستقلة يعترف بها الملبِّي، ويؤمن بها، الصواب في الرواية كسر الهمزة، رواية مستقلة: إنَّ الحمد والنعمة لك والملك يُخاطب ربَّه، لا شريكَ لك، فله الحمد الكامل، والثناء الكامل، وهو المستحق للحمد؛ لأسمائه وصفاته، ولعظيم حقِّه، ولذاته، ولإحسانه، فهو محمود لذاته وصفاته وإنعامه .
"والنعمة" كذلك له النعمة؛ لأنَّ جميع ما بالعباد من فضله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل:53]، فهو المنعم والمحسن جلَّ وعلا، فله الثناء الكامل، وهو المنعم على الكمال والتَّمام، وهو المنعم على عباده، والمحسن إليهم، فجميع النعم التي تصل إليهم كلها منه سبحانه: في أنفسهم، وفي غيرهم، وله الملك الكامل الذي لا شريكَ له فيه، وهو المالك لكل شيءٍ، والقاهر فوق عباده، وجميع الخلائق مقهورون مربوبون، ليس لهم تصرف في شيءٍ، بل هو الواحد الأحد، المالك لكل شيءٍ، والقادر على كل شيءٍ، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير.
هذه التلبية العظيمة يُشرع الإتيانُ بها لكل حاجٍّ ومُعتمرٍ، من رجلٍ وامرأةٍ، وصغيرٍ وكبيرٍ، كما أتى بها النبيُّ ﷺ، وقد كان الناسُ يُلبون بأشياء فيُقرهم عليها عليه الصلاة والسلام، وهو لازم تلبيته عليه الصلاة والسلام، فإذا لبَّى الإنسانُ بأشياء صحيحةٍ فلا بأس، مثلما لبَّى أنس بن مالك: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورقًّا"، ومثلما قال ابن عمر: "لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل"، كله كلام صحيح.
ورُوي عنه ﷺ أنه قال: لبيك إله الحقّ لبيك، لبيك ذا المعارج، هذا وأشباهه كله طيب، ولا بأس به، لكن تلبية النبي ﷺ أفضل لزومها والإكثار منها أفضل؛ لأنها تلبيته ﷺ التي لزمها؛ ولأنها ثابتة في الصِّحاح والمسانيد والسنن وغيرها، فهي ثابتة عنه عليه الصلاة والسلام في حجَّته عليه الصلاة والسلام، وفي عُمره، فالأولى لزومها والإكثار منها، وإذا لبَّى بغيرها في بعض الأحيان مما هو معروف مما لبَّى به السَّلف ومما له معنى صحيح فلا بأس.
ثم مشى ﷺ واستمر في طريقه يُلبي ويذكر ربَّه ويُعلم الناس ويُرشد الناس لما يحتاجون إليه عليه الصلاة والسلام، حتى وصل إلى مكة، فنزل بذي طوى كما جاء في حديث ابن عمر: نزل بذي طوى، وبات بها، واغتسل بها، ثم دخل مكة صباحًا عليه الصلاة والسلام، فيدل على استحباب النزول في ذي طوى أو غيرها؛ حتى يستريح بعد التَّعب، وحتى يغتسل، وهذا مما ذهب على جابرٍ، ورواه ابن عمر، فيُستحب أن يستريح قبل الطواف بعض الشيء، ويغتسل لينشط على العمل ويزول عنه آثار الغبار والتعب، ثم يدخل مكة فيبدأ بالطواف، وإن دخلها رأسًا ولم يغتسل فلا حرجَ، سنة.
فاستلم الركنَ أول شيءٍ، وترك هنا ما يتعلق بدخول المسجد، والسنة في المسجد مثلما تدخل المساجد الأخرى يُقدم رجله اليمنى، ويُصلي على النبي ﷺ ويقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، مثل بقية المساجد، هذا معروف في دخول المساجد، ولا يزال في التَّلبية حتى يستلم الركن.
وأما ما يُروى أنه لما رأى البيت رفع يديه وكبَّر، فهو ضعيف، فلم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، رواه ابن جريج وغيره، وهو لم يثبت في هذا الباب، وإنما ذكر أنه استمر حتى شرع في الطواف واستلم الركن أول شيءٍ، يعني: الحجر الأسود، كبَّر عليه الصلاة والسلام وطاف وقبَّله، وطاف سبعة أشواطٍ، هذا هو السنة: أن يستلمه ويُقبله ويُكبر، ثم يطوف سبعة أشواط، يجعل البيتَ عن يساره ويُكمل السبعة الأشواط.
قال: ورمل الثلاثة الأول، يرمل فيها يعني: يخبّ، يعجل في الأول، يخبّ فيها خبًّا، مع تقارب الخُطا، ثم يمشي مشيًا في الأربعة الأخيرة، هذا في طواف القدوم خاصةً، فعل هذا في حجة الوداع، وفعله أيضًا في عمرته لما اعتمر من الجعرانة عام الفتح، عام حنين.
فهذا هو السنة في طواف القدوم: أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأول، ويمشي في الأربعة الأخيرة، وهذا للرجال خاصة عند أهل العلم؛ لأنَّ النساء عورات، ولم يُنقل أنهن خببن، ولا أُمرن بذلك، فهذه من السنن المختصة بالرجال في الطواف وفي السعي بين العلمين، يخبّ بين العلمين كما يأتي، ومشى أربعةً، واستلم الركن اليماني أيضًا عليه الصلاة والسلام في طوافه.
فهذا هو السنة: أن يخبّ ثلاثًا في طواف القدوم، ويمشي أربعة، ويستلم الركن اليماني ويقول: بسم الله، والله أكبر كما في الرواية الأخرى: إذا استلم الركن اليماني، وإذا لم يستطع ذلك لم يُزاحم ولم يُشر إليه؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أنه زاحم ولا أشار.
ثم يقول بين الركنين كما في الرواية الأخرى من حديث عبدالله بن السائب: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، بين الركنين، فإذا وازن الحجر الأسود استلمه وقبَّله إن تيسر، فإن لم يتيسر ذلك أشار إليه وكبَّر كما فعله النبيُّ ﷺ في بعض أطوفته، طاف في بعض أطوفته راكبًا، ولما حاذاه أشار إليه وكبَّر عليه الصلاة والسلام، وهذه هي السنة: إن قدر وتيسر له ذلك استلمه وكبَّر وقبَّل، وإن لم يتيسر فعل المستطاع: استلمه بيده وقبَّل يده، أو استلمه بعصا وقبَّل طرفها، فإن لم يتيسر ذلك أشار من بعيدٍ وكبَّر ومضى، ولا يُزاحم المزاحمة التي تُؤذي، بل يمضي في طريقه حتى يُكمل الأشواط من دون مزاحمةٍ، وأخذًا من الأدلة الشَّرعية التي فيها التَّحريم بإيذاء المسلمين وإدخال السُّوء عليهم، بل يطوف طوافًا ليس فيه إيذاء لأحدٍ حسب طاقته وإمكانه، وليس فيه ذكر متعين، ولا دعاء متعين، بل يذكر الله بما تيسر، ويدعو الله بما تيسر في طوافه، ويقول في كل شوطٍ في آخره: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويذكر الله في بقية الطواف، ويدعو بما تيسر من الدَّعوات والأذكار.
وبعدما طاف ﷺ صلَّى ركعتين عند المقام، استقبل المقام وصلَّى ركعتين خلف المقام، وقرأ فيهما بسورتي الإخلاص: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون] وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، كما في بعض روايات جابر هذا، وفي رواية غيره، وهما سورتا الإخلاص، سورتا التوحيد، فيقرأ بهما في ركعتي الطواف، وقد شرع قراءتهما أيضًا في سنة الفجر وسنة المغرب هاتان السورتان؛ لما فيهما من توحيد الله والإخلاص له، والشهادة له بالوحدانية واستحقاق العبادة له .
ثم بعد هذا استلم الركن، مرَّ على الركن واستلمه، يُستحب ذلك قبل أن يخرج إلى الصَّفا، يُستحب لمن طاف طواف القدوم لحجٍّ أو لعمرةٍ أن يمر على الركن بعد ذلك فيستلمه إذا تيسر، أما إن كان هناك زحام فلا حاجةَ إلى ذلك.
ثم خرج إلى الصفا، فبدأ بالصفا وقال: أبدأ بما بدأ الله به، فصعدها وكبَّر، فوحَّد الله وكبَّره، وفي لفظٍ آخر: فحمده . وفي لفظٍ آخر: رفع يديه -كما رواه أبو هريرة وغيره- رفع يديه في الصفا والمروة. رواه مسلم في "الصحيح".
فهذه سنن: توحيده، وتكبيره، وتحميده على الصفا، ورفع اليدين، واستقبال القبلة، كل هذا ثابت في الأحاديث، وإن كان جابر ترك بعضه، فحديث جابرٍ يكمل بالأحاديث الأخرى.
فالسنة على الصفا أن يستقبل القبلة ويُوحد الله ويُكبره ويحمده ويُثني عليه، ويرفع يديه في ذلك، ويُكرر الدعاء والذكر ثلاث مرات كما في ذكر جابر هنا.
ثم ينزل ماشيًا ذاكرًا ربَّه جلَّ وعلا، حتى يأتي بطن الوادي فيُسرع ويخبّ بين العلمين المعروفين، وهذا للرجال كما تقدم أيضًا، فإذا صعد من الوادي مشى حتى يصل إلى المروة، ويشتغل في هذا بذكر الله ودعائه في هذا الطريق بين الصفا والمروة، فإذا صعد على المروة فعل مثلما فعل على الصفا: استقبل القبلة، ورفع يديه، وحمد الله وكبَّره ووحَّده، وكرر الذكر والدعاء ثلاث مرات، ثم ينزل بادئًا بالسعية الثانية إلى الصفا، فإنَّ ذهابه إلى المروة سعية، ورجوعه إلى الصفا سعية ثانية، وهكذا كلما نزل من جبلٍ إلى جبلٍ فهي سعية مستقلة، حتى يُكمل السبعة، فيبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
وقد ذهب بعضُ الناس غلطًا إلى أنها أربع عشرة سعية، فهو يجعل من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا واحدًا، هذا غلط، الذي عليه عامَّة أهل العلم -وهو الحق- أنَّ ذهابه من الصفا إلى المروة سعية، ورجوعه سعية ثانية، وهكذا، وقد يغلط بعضُ العامَّة فيسعى أربعة عشر، وهذا غلط.
فيجب التَّنبه لهذا، وتنبيه العامة والجاهل حتى لا يتعب التعب الكثير، فإنَّ السَّعي له شأن، وقد يتعب كثير من الناس لطول ما بين الصفا والمروة مع التَّكرار.
فالحاصل أنها سبعة أشواطٍ فقط: الأول من الصفا، والثاني من المروة إلى الصفا، والثالث من الصفا إلى المروة، والرابع من المروة إلى الصفا، وهكذا حتى يُكمل، فيبدأ بالصفا، ويختم بالمروة سبعة أشواط.
وبهذا تمت أركان العمرة: منها الإحرام والطواف والسعي، وبقي واجب من واجباتها وهو الحلق أو التَّقصير في العمرة إذا كان عمرةً، وأما إذا كان حجًّا كما فعله النبيُّ ﷺ هنا هذا يُسمَّى: طواف القدوم، وسعي الحج.
وبقي على إحرامه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه حجَّ قارنًا فلم يحلّ، وأمر الصحابة أن يُحلوا، لما طافوا وسعوا أمرهم أن يحلوا: يُقصروا ويحلوا، إلا مَن كان معه الهدي كما تقدم في حديث عائشة، وأما هو ومَن ساق الهدي فبقوا على إحرامهم إلى يوم النحر.
وأمر النبي ﷺ مَن ساق الهدي أن يُلبي بالحجِّ مع عمرته، لا يبقى قارنًا، ثم بقي في مكة عليه الصلاة والسلام، فإنه قدمها في اليوم الرابع من ذي الحجة من يوم الأحد، فبقي يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم خرج يوم الخميس إلى منى عليه الصلاة والسلام؛ لأنَّ الثامن كان الخميس، خرج يوم الثامن إلى منى مُلبِّيًا، وأمر الصحابة الذين حلوا أن يُلبوا عند الحجِّ من مكانهم من الأبطح، فلبوا من مكانهم، ولم يأمرهم بالدخول ليُودعوا أو ليطوفوا، بل أمرهم أن يُلبوا من مكانهم.
فدلَّ ذلك على أن الذي حلَّ في مكة من عمرته ليس عليه طواف وداع إذا أراد الخروج إلى منى، بل يُحرم من مكانه أو منزله ويكفي، ولا حاجة إلى دخول مكة، بل يُحرم من منزله، أو من مكانه ومُخيمه يتوجه إلى منى، من غير حاجةٍ إلى الدخول إلى مكة وطوافه هناك، بل يُحرم من منزله ومكانه كما فعله الصحابةُ بأمر النبي عليه الصلاة والسلام.
فصلَّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا بلا جمعٍ، هكذا جاءت الرواية عنه عليه الصلاة والسلام، في اليوم الثامن والليلة التاسعة صلَّى الظهر في منى ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين، ويُصلي الفجر بسنتها في منى، ولما طلعت الشمسُ توجه إلى عرفات بالمسلمين، وكان منهم مَن يُلبي، ومنهم مَن يُكبر، حين توجَّهوا إلى عرفات، كما قال أنس: منهم المهلّ، ومنهم المكبر، فلم يعب هذا على هذا، ولا هذا على هذا. فدلَّ ذلك على أنه لا بأس بالتكبير في أيام منى وعرفات، والتلبية أولى وأفضل في حقِّ الحاج.
فيتبين من هذا أنَّ السنة الإقامة في منى في اليوم الثامن والليلة التاسعة، وأن الحجاج يتوجهون منها صباح التاسع إلى منى، هذا هو الأفضل، ولكن ليس بواجبٍ عند أهل العلم، فلو أنه لم يخرج إلى منى، وإنما توجه إلى عرفات رأسًا صحَّ حجُّه، وفاتته هذه السنة، وهكذا ما يفعل بعض المطوفين: يخرج الحجاج إلى عرفات رأسًا، حجهم صحيح، لكن فاتتهم هذه السنة، وقد يُعذرون بسبب الزحام الكثير والمشقة الكبيرة.
فالأمر في هذا واسع إن شاء الله، ولكن مَن تيسر له أن يأتي منى يُقيم بها ذلك اليوم مع الليلة التاسعة فهذا هو الموافق للسنة.
فوجد القبَّة قد ضُربت له بنمرة، نمرة قرية معروفة أمام عرفات غربًا، قرية معروفة قديمة، اختلف الناسُ: هل هي من عرفات أم ليست من عرفات؟ على قولين مشهورين، والأظهر والله أعلم حسبما ذكر المحققون أنها ليست من عرفات، ولكنها أمام عرفات، فبقي بها حتى زالت الشمسُ، فلما زالت أمر بالقصواء فرحلت له، ثم ركب عليها وأتى بطن الوادي وخطب الناس وصلَّى بهم الظهر والعصر عليه الصلاة والسلام بأذانٍ وإقامتين، هذا يدل على أنه ..... لا حرج؛ ولهذا نزل النبيُّ بالقبة عليه الصلاة والسلام.
ويدل الحديث أيضًا على أنَّ السنة البدار بالخطبة يوم عرفة، والصلاة بعد الزوال، فإنه لما زالت الشمسُ نهض عليه الصلاة والسلام وركب دابته، وأتى بطن الوادي -وادي عرنة- وهو غربي عرفات، فوقف هناك على دابته، وذكَّر الناس وخطبهم عليه الصلاة والسلام، وذكَّرهم بالتوحيد وأمور الجاهلية وأشياء مما يتعلق بالمناسك، ثم صلى عليه الصَّلاة والسلام، وهي خطبة طويلة، أمر فيها جريرًا أن يستنصت الناس، يعني: أن يأمرهم بالإنصات؛ حتى يسمعوا خطبته، ففتح الله قلوبَ الناس وأسماعهم فسمعوا خطبته عليه الصلاة والسلام، سمعوا توجيهاته وإرشاده عليه الصلاة والسلام.
فكان مما قال لهم في ذلك: إنَّ أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدمي هاتين، وهكذا دماء الجاهلية، وقال: إنَّ أول ما أضع من الربا ربا عمي العباس، وأول ما أضع من الدماء دماء ربيعة بن الحارث، وبيَّن للناس ما يجب فيما يتعلق بحجِّهم ووقوفهم في عرفات عليه الصلاة والسلام، وبين أيضًا لهم ما يتعلق بالنساء، وأوصاهم بالنساء خيرًا.
وخطبته معروفة، ذكرها مسلم وغيره، وهي خطبة طويلة، وذكر عليه الصلاة والسلام فيها أيضًا ما يتعلق بالقرآن، وقال: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتُم به: كتاب الله، وأن أعظم ما فيها وأهم ما فيها أنه أوصاهم بالقرآن الكريم، وأخبرهم أنهم إن تمسكوا به لن يضلوا، المعنى: إن حادوا عنه ضلوا وهلكوا.
فالواجب على أهل الإسلام أن يتمسَّكوا بالقرآن، وأن يعضوا عليه بالنواجذ، وهكذا السنة الصحيحة؛ فإنها الأصل الثاني، فعلى أهل الإسلام أن يعضوا عليها بالنَّواجذ، ويتمسكوا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وجاء في رواية الحاكم وآخرين زيادة: وسنتي، إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنتي، وهي وإن لم تُذكر في رواية مسلم فهي مرادة؛ لأنَّ القرآن أمر بطاعة الرسول ﷺ، فالتمسك بالقرآن تمسك بالسنة، فوصيته بالقرآن معناها وصيته بالسنة؛ لأنَّ الله قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، فالقرآن مملوء بالوصية بطاعة الرسول ﷺ والأمر بها، فالوصية بالقرآن معناها وصية بالسنة وتعظيم لها؛ لأنَّ السنة هي الأصل الثاني، وقد أمر بها القرآن، وأرشد إليها، وأوجبها ربنا في كتابه العظيم.
ثم قال للناس: أنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغتَ وأديتَ ونصحتَ، فجعل يرفع أصبعه إلى السَّماء ثم ينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، يستشهد ربه أنه بلَّغ ما أمر به عليه الصلاة والسلام.
ونحن نشهد له بذلك، وكل مسلمٍ يخاف الله ويعلم الحقيقةَ يشهد بذلك؛ فإن المسلمين مؤمنون بأنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم يشهدون له بذلك عليه الصلاة والسلام: أنه بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا دلالة على أنَّ الله في السماء، في العلو، لما أشار إلى السَّماء دلَّ على أنَّ ربه في السماء، وأنه فوق العرش، كما أخبر به في كتابه العظيم، وفي هذا ردٌّ على الجهمية والمعتزلة وأشباههم من الحلولية، وأن ربنا فوق السَّماء، فوق العرش جلَّ وعلا.
وفيه جواز الإِشارة إلى الله هكذا، كما قال للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء، فهذا فيه الدلالة على الرد على مَن أنكر الإشارة، فإذا سُئلت: أين ربك؟ تقول: في السماء، يعني: فوق العرش ، فليس في هذا محذور ولا بأس.
وفيه أنه لما خطبهم صلَّى، أمر بالأذان فأذّن المؤذنُ بلال ثم أقام، فصلَّى الظهر ركعتين، وصلى العصر ركعتين، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا، يعني: ما أتى بالرواتب، ولا صلَّى نافلةً؛ لأنه مسافر، فصلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين فقط، بأذانٍ واحدٍ وإقامتين جمع تقديمٍ، ولم يخطب الناس خطبة الجمعة، بل هذه خطبة الحجِّ، خطبة التعليم والإرشاد والتوجيه، ولم يُصلِّ الجمعة، وكان يوم الجمعة، كانت حجةُ الوداع في يوم الجمعة، لكنه ما صلَّى الجمعة؛ لأنه مسافر عليه الصلاة والسلام، صلَّى ظهرًا وعصرًا؛ ولهذا خطبهم قبل الأذان، ولو كانت جمعة صارت الخطبةُ بعد الأذان، لا قبل الأذان، ولم يجهر بالقرآن، ولو كانت جمعة جهر بالقرآن، وهي السنة: الجهر بالقرآن في صلاة الجمعة، ولم يخطب خطبتين، والسنة في الجمعة خطبتان، ولم يخطب في حجة الوداع إلا خطبة واحدة.
كل هذا يدل على أنه صلَّى ظهرًا وعصرًا، لا جمعة، هذا هو الذي عليه أهل الحقِّ، وأوضحه العلماء، ومَن زعم أنه صلَّى الجمعة فقد غلط غلطًا فاحشًا.
ثم بعدما صلَّى الظهر والعصر في وادي عرنة توجَّه إلى الموقف على دابته، فوقف عند الصّخرات، جبل إلال المعروف، جبل هلال، ويقال له: جبل إلال، ويُسميه الناس: جبل الرحمة، وجبل الدعاء، وهو جبل معروف شمالي عرفة، يقف عنده الناس، عنه شرقًا وجنوبًا وشمالًا، ويستقبلون القبلة، هذا هو السنة: أن يقف الواقفُ هناك مستقبل القبلة، لا الجبل، بل السنة استقبال القبلة في أي مكانٍ كان، والقبلة أمامه غربًا، فالنبي وقف عند الجبل وجعل بطن ناقته القصواء إلى الصحراء التي هناك، وجعل ..... بين يديه.
وقد نظر العلماء في هذا المكان، وتحرر أنه جعل الجبل أمامه عن شماله، مستقبل القبلة عليه الصلاة والسلام، والصخرة أمام ناقته، وهي صخرة كبيرة هناك مُندثرة، والجبل عن شماله في جهة الغرب.
ولم يزل واقفًا عليه الصلاة والسلام حتى غابت الشمسُ: يذكر الله، ويدعو، ويرفع يديه عليه الصلاة والسلام، حتى غابت الشمس، وقال للناس: وقفتُ هاهنا وعرفة كلها موقف، بيَّن لهم أنَّ عرفة كلها موقف، فهي أرض واسعة بحمد الله، فكلها موقف.
وفي هذا دلالة على أنَّ الوقوف على الدابة أفضل لمن حجَّ على الدابة، وأن السنة أن يدعو ويجتهد في الدُّعاء ويُكثر ويرفع يديه حتى تغيب الشمسُ، وإذا وقف على الأرض وجلس على الأرض أو في الخيمة فلا حرجَ في ذلك، والحمد لله، والأمر واسع، أو وقف على السيارة فلا بأس بذلك، فالأمر في هذا واسع، مَن جلس في عرفات أو مشى في عرفات وهو بقصد الحجِّ يذكر الله ويدعوه، أو جلس في الخيمة، أو في السيارة، أو على الدابة، فكل ذلك بحمد الله واسع.
والسنة أن يبقى الحجاجُ حتى تغيب الشمسُ، ولا يسبقوها، بل يبقون كما بقي النبيُّ ﷺ حتى تغيب الشمسُ، وهذا عند الجمهور واجب: أن يجمع بين الليل والنهار إذا وقف نهارًا.
وقد جيء إليه بلبنٍ فشرب؛ ليعلم الناسُ أنه مفطر عليه الصلاة والسلام، فدلَّ ذلك على أنَّ الإفطار أفضل في عرفات، ومَن كان عليه صوم فليُقدمه على عرفات؛ حتى يجمع بين السنة، فإذا كان لا يستطيع الهدي صام ثلاثة أيام قبل عرفة؛ حتى يقف مُفطرًا ويحوز الفضل.
فلما غابت الشمسُ وذهب قرصُها وذهبت بعضُ الصفرة انصرف إلى مُزدلفة عليه الصلاة والسلام وعليه السكينة، وكان يحثّ الناس على السكينة ويقول لهم: السكينة، السكينة عليه الصلاة والسلام؛ لئلا يضرّ بعضُهم بعضًا.
هكذا ينبغي لأهل السيارات أن تكون السَّكينة السكينة حتى لا يضرَّ بعضُهم بعضًا.
حتى وصل إلى مُزدلفة، فصلَّى بها المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين عليه الصلاة والسلام قبل حطِّ الرحال، وقبل تناول الطعام وغير ذلك، بدأ بالصلاة قبل كل شيءٍ عليه الصلاة والسلام، صلَّى المغرب والعشاء بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا، فالمغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين مثلما فعل في عرفات في الظهر والعصر، لم يُصلِّ بينهما شيئًا، وهذا يعمّ مَن وصل إليها مُبكرًا، ومَن تأخَّر.
فالسنة في حقِّ الحجاج أن يصلوا جمعًا، سواء وصلوا إليها في وقت المغرب أو في وقت العشاء، وإنما قال العلماء أنه جمع تأخيرٍ؛ لأنَّ الغالب أنهم لا يصلونها إلا في وقت العشاء على الإبل، أما اليوم فإنهم يصلونها في وقت المغرب، كثير من الناس يصل في وقت المغرب بسرعة السيارات.
فالحاصل أنه متى وصل صلَّى جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ حسب وصوله إلى مُزدلفة، ثم يبيت، والنبي بات بعد ذلك، لما صلَّى اضطجع ونام عليه الصلاة والسلام، فالسنة النوم بعد الصلاة وعدم السَّهر والسَّمر؛ حتى يقوى بذلك على أعمال يوم العيد، فإنَّ النوم في الليل وأخذ الراحة في الليل يُعينه على عمل النهار من الوقوف بالمشعر، ورمي الجمرات، ونحر الهدايا، إلى غير ذلك.
ولا يمنع ذلك من الصلاة العادية: التهجد بالليل، وصلاة الوتر، فإن جابرًا لم يذكره، ولكن الأدلة الشرعية تدل على أنَّ هذا باقٍ، وليس هناك ما يدل على أن النبي تركه عليه الصلاة والسلام.
فلما طلع الفجر صلَّى الفجر مبكرًا بأذانٍ وإقامةٍ، وصلَّى سنتها كما جاء في الرواية الأخرى: صلَّى السنة، وصلَّى الفريضة.
قال ابن مسعودٍ: إنه ما صلَّى صلاةً قبل ميقاتها إلا يوم عرفة؛ صلى الفجر مبكرًا يوم النحر.
صلَّى الفجر مبكرًا، وصلى المغرب في وقت العشاء لما جاء من عرفات، فدلَّ ذلك على أنه بكَّر في الفجر؛ ليتسع وقت الذكر عند المشعر الحرام، فإذا طلع الفجرُ صلى الناس مُبكرين، ثم وقفوا عند المشعر وفي أماكنهم؛ لأنه وقف عند المشعر عليه الصلاة والسلام، وقف عند المشعر وقال: وقفتُ هاهنا، وجمع كلها موقف، كما قال في عرفات، فجمع كلها موقف، يذكر الله في أي مكانٍ منها، من المزدلفة، وإن أتى المشعر صعده ..... ودعا كما فعل النبيُّ ﷺ، فلا بأس كله خير.
فالحاصل أنها كلها موقف، ثم بعد ذلك توجه إلى منى قبل طلوع الشمس، كان الكفار لا يفيضون حتى تطلع الشمس في الجاهلية، فالنبي خالفهم وأفاض قبل طلوع الشمس، لما أسفر عليه الصلاة والسلام، هذه السنة، ورخَّص للضعفة من أهله أن يتقدموا بليلٍ من مُزدلفة، رخَّص للنساء والأولاد والضَّعفة أن يتقدموا، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس أن ينصرف الشيوخُ والمرضى والنساء قبل حطمة الناس من الليل، في آخر الليل، تقول أسماء: لما غاب القمرُ. أسماء بنت أبي بكر.
فالمقصود أنه رخَّص لهم أن ينصرفوا في آخر الليل إلى منى قبل حطمة الناس، وإذا انصرفوا فلهم أن يرموا، ولهم أن يُؤجلوا ويرموا نهارًا، وقد رمت أم سلمة ليلًا لما انصرفت رضي الله عنها وأرضاها كما يأتي حديثها إن شاء الله.
ثم انصرف قبل طلوع الشمس عليه الصلاة والسلام، لما أسفر انصرف من مُزدلفة والمسلمون معه قبل أن تطلع الشمس، فلما أتى محسرًا تحرك قليلًا، فدل على أنَّ السنة تحريك الدابة قليلًا، أو الماشي يتحرك قليلًا؛ لأنه موضع نزل فيه الغضب على الحبشة، وحُبس فيلهم، فالسنة أن يُحرك قليلًا، فالحبشة، أبرهة الحبشي قد جاء بفيله ليهدم الكعبة؛ لأسبابٍ معروفةٍ في التاريخ، فحبس الله فيله، وسلَّط عليه طيرًا أبابيل كما ذكره الله في كتابه العظيم، فرجع خائبًا مريضًا حتى مات هناك، فشتت الله شمله وجماعته، ورجعوا خاسئين، وكان ذلك العام هو العام الذي وُلد فيه النبيُّ عليه الصلاة والسلام، عام الفيل.
ثم مشى وسلك الطريق الوسطى المعروفة هناك حتى أتى جمرة العقبة، وهي الجمرة التي تلي مكة، كانت عندها عقبة -أي: جبل- فرماها بسبع حصيات، واستبطن الوادي عليه الصلاة والسلام، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وكبَّر مع كل حصاةٍ عليه الصلاة والسلام، ثم انصرف إلى المنحر.
هذه السنة: أن يبدأ الحجيج برمي جمرة العقبة، ولا في صلاة عيد، لا يُصلون صلاة العيد، غير مشروع لهم صلاة العيد، فيبدؤون برمي جمرة العقبة بعد وصولهم بعد طلوع الشمس، كما فعل النبي ﷺ، ويُكبرون مع كل حصاةٍ، ويرميها واحدة واحدة، مثل: حصى الخذف، صغار فوق الحمص، مثل: بعر الغنم الذي ليس بالكبير، فيرمي بها الجمرة، ثم ينصرف ولا يقف عندها في يوم العيد، بل يرميها وينصرف، ثم تُنحر الهدايا، النبي نحر هديه عليه الصلاة والسلام كما ذكر جابر هنا، ثم ركب إلى البيت.
وثبت في الصحيح من حديث عائشة وغيرها أنه حلق أيضًا قبل أن يركب إلى البيت، نحر هديه، مئة من الإبل نحرها، نحر ثلاثًا وستين، وكمل عليٌّ الباقي: سبعًا وثلاثين بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حلق رأسه ووزَّعه، وأعطى بعضه لأبي طلحة -زوج أم سليم- ووزع الباقي بين الناس؛ لما جعل الله في شعره من البركة والخير.
وبعد حلقه طيَّبته عائشة كما يأتي، طيَّبته بعد حلِّه، بعدما رمى وحلق طيبته عائشة، ثم ركب إلى البيت فطاف به طواف الإفاضة.
.....
الرمي أو ذبح قبل الرمي كله قال النبيُّ: لا حرج، لا حرج لما سُئل، يأتي في هذا أحاديث إن شاء الله.
س: إذا انصرف قبل نصف الليل من مُزدلفة هل عليه دمٌ؟
ج: فيه خلاف بين أهل العلم؛ الجمهور على أنَّ عليه دمًا، لا بدَّ أن يكون الانصرافُ بعد النصف، وذهب بعضُ أهل العلم إلى أن مُزدلفة ركن، ما هي بواجبٍ، ركن، ولكن الصواب أنها واجب فقط، لا سنة مجردة، ولا ركن، بل هو واجب.
س: .............؟
ج: الاضطباع سنة في طواف القدوم خاصةً، النبي اضطبع، وهذا فات جابر وما ذكره، لكن جاء في حديث يعلى بن أمية، وحديث ابن عباس في عمرة الجعرانة: أن النبي ﷺ اضطبع، والصحابة اضطبعوا.
والاضطباع: يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن، ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر، يبدو عضده الأيمن، هذا الاضطباع في طواف القدوم خاصةً، في جميع الأشواط السبعة، أما الرمل في الثلاثة، وأما الاضطباع ففي جميع السبعة؛ لأنه ما نُقل عن النبي أنه أزاله.
س: لو انصرف من عرفة قبل غروب الشمس وعاد في آخر الليل إليها؟
ج: يسقط عنه، الصحيح يسقط عنه، إذا عاد في الليل، أو في أوله، أو في آخره سقط.
س: ما هو سبب ضعف حديث التَّكبير عند رؤية البيت؟
ج: لأنه من رواية ابن جريج، ومعضل، ابن جريج من أتباع التابعين، ما أدرك النبيَّ ﷺ ولا سمع منه .....، قال ابن جريج: كان إذا أتى البيتَ رفع يديه وقال، كبَّر وقال: اللهم زده تعظيمًا وتشريفًا .. إلى آخره، فهو معضل، وجاء عن روايةٍ أخرى عن جابرٍ ضعيفة أيضًا.
س: على هذا ما يُشرع شيء؟
ج: لا يُشرع شيء إلا التلبية، التلبية حتى يستلم.
س: .............؟
ج: يُجزئ على الصحيح، لكن ينبغي ألا يفعله إلا الضَّعفة الكبار، والأقوياء ينبغي أن يُؤجلوا إلى الضُّحى، أما الضَّعفة فلا حرج، مثلما رمت أمُّ سلمة، ورمت أسماء بنت أبي بكر، وغيرهما.
س: ...............؟
ج: هذا في يوم النحر، يعني: في آخر الليل، سُئل يوم النحر قال: يا رسول الله، رميتُ قبل أن .....، قال: لا حرج يعني: في آخر النهار.
س: ..............؟
ج: بعد الزوال؛ لأنَّ السؤال في يوم النحر، ما هو في غيره، في آخر يوم النحر.
س: ..............؟
ج: النساء ما يرملون ولا يسعون، يمشون مشيًا.
س: خطيب الجمعة إذا رفع يديه بالدُّعاء؟
ج: بدعة، ما يصلح، لا يرفع يديه، الرفع إنما هو في الاستسقاء فقط.
س: في الاستسقاء في نفس الخطبة؟
ج: يرفع، النبي رفع في الاستسقاء في الجمعة وغيرها، في الاستسقاء يرفع يديه، لكن الخطبة العادية خطبة الجمعة، رأى بعضُ الصحابة بشر بن مروان يرفع فأنكر عليه ذلك وقال: ما كان النبيُّ يرفع يديه في الجمعة!
س: .............؟
ج: البيت هو القبلة، الكعبة هي البيت، وهي القبلة ......
س: بعض الناس يتأخَّر بسبب الزحام حتى ينتصف الليل وهو ما وصل مُزدلفة؟
ج: يُصلي في الطريق، لا يُؤخر .....؛ لأنَّ وقت العشاء إلى نصف الليل، فإذا زحم يُصلي في الطريق المغرب والعشاء، ولا يُؤجلها إلى بعد نصف الليل.
س: إذا صلَّى في عرفة المغرب والعشاء؟
ج: إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك؛ لأنه تعطلت سيارته، ما في بأس، أما إذا تعمد يكون خالف السنة.
س: هل يجوز للمرأة أن تطوف وحدها مع شدة الزِّحام؟
ج: تطوف وحدها، ما يحتاج محرمًا، لكن لا تُزاحم، تصير في أطراف الناس.
س: في أيام الحج يكون فيه زحام شديد؟
ج: ولو زحام تطوف، تطوف مع الناس، لكن لا تُزاحم، تصير في أطراف الناس.
س: يأتيها من خلفها ما يأتيها؟
ج: ولو، عصر النبي ﷺ أفضل العصور، وطاف النساء مع الرجال، ما لهم حيلة إلا هذا، أين يروحون؟! ما لهم حيلة، إلا إذا كان ربعها يتأخرون، تأخرت ما يخالف، لكن إذا ربعها يُسافرون ماذا تعمل؟ لا بدَّ من الصبر، لكن تكون في أطراف الناس.
س: .............؟
ج: ما في بأس، يمنع الحيض حتى لا يقع، لا حرج، ما فيه شيء.
س: .............؟
ج: نعم، إذا رمى جمرة العقبة انتهت التلبية، وشُرع له التَّكبير.
س: الطَّهارة في الطواف؟
ج: لا بدَّ منها على الصحيح، قول الجمهور هو الصواب؛ لأنَّ الطواف صلاة إلا أنَّ الله أباح فيه الكلام، والنبي توضأ، لما أراد أن يطوف توضأ ودخل وطاف عليه الصلاة والسلام، وقال: خذوا عني مناسككم، فالجمهور على أنه لا بدَّ منه.
س: المقصود بعرنة بطن الوادي فقط؟
ج: المعروف أنه بطن الوادي، عرنة بعد السيل، محل السيل.
س: الذي يصعد جبل الرحمة هو بدعة؟
ج: ما له أصل، الجبل ما يُصعد، ما يتعبد بهذا، العبادة في نفس عرفة، بطن عرفة، أما صعود الجبل ما له أصل.