339 من حديث: (أَلا أدلكم على ما يمحو اللَّه به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)

 
7/1059- وعن أَبي هريرةَ أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ رواه مسلم.
8/1060- وعن أَبي سعيدٍ الخدْرِيِّ عنِ النبيِّ ﷺ قَالَ: إِذا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسَاجِد فاشْهدُوا لَهُ بِالإِيمَانِ قال اللَّه : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَن بِاللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ [التوبة:18] الآية. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فهذان الحديثان كلاهما يتعلقان بالصلاة والمحافظة عليها والعناية بها مع العناية بالوضوء ومع العناية بالمشي إليها، وتقدم قوله ﷺ: إن أعظم الناس في الصلاة أجرًا أبعدهم فأبعدهم ممشى، وتقدم قوله ﷺ في الحديث الصحيح: مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات فهل ذلك يبقي من درنه شيء؟، وفي الحديث الآخر: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر وفي هذا الحديث يقول ﷺ: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات يعني يحصل به هذا وهذا، تكفير السيئات ورفع الدرجات قلنا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط يعني المشار إليه في قوله جل وعلا: اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا [آل عمران:200] فمن الرباط العناية بالصلاة وانتظارها، كلما فرغ من صلاة تكون على باله الصلاة الأخرى ينتظرها ويعزم على أدائها في الجماعة، فهو معتن بها محافظ عليها متأثر بها، كما أن الرباط في الثغور جهاد وعمل صالح ضد الأعداء، فهكذا الرباط في انتظار الصلوات والعناية بالصلوات في أوقاتها وفي أدائها في الجماعة كله رباط فيه الأجر العظيم، وإسباغ الوضوء في المكاره يعني في حال البرودة -برودة الجو وبرودة الماء- كونه يسبغ الوضوء في هذه الحال يدل على عظيم العناية بالوضوء والحرص على أن تؤدى الصلاة بوضوء شرعي سليم، ولهذا في اللفظ الآخر: في السبرات يعني وقت البرد، وأن الإنسان ما يتساهل بوجود البرد بل يعتني بالوضوء ويسبغ الوضوء.
وكثرة الخطى إلى المساجد تحصل ببعد المكان، كلما بعد المكان كثرت الخطى، وقد سبق قوله ﷺ لبني سلمة لما أرادوا الانتقال قرب المسجد، قال: بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم أي الزموا دياركم حتى تكتب لكم الآثار في ذهابهم إلى الصلاة ورجوعهم إليها، وهكذا حديث أنس في قصة الرجل الذي كان يأتي إلى مسجد النبي ﷺ من مكان بعيد في الرمضاء والظلماء وأشير عليه أن يتخذ حمارًا فقال: لا، إني أحب أن تكتب خطاي ذاهبًا وآيبًا فقال الرسول ﷺ: أخبروه أن الله قد جمع له ذلك كله وليس معنى الرباط أنه يبقى في المسجد لا يعمل لحاجاته ولا يذهب لقضاء حاجة أهله ولا يبيع ولا يشتري لا، المقصود: أنه يكون على باله الصلاة وعلى همته وعلى عزمه لا تذهب عن قلبه وفكره، بل كلما فرغ من صلاة فالصلاة على باله لا ينساها ولا يضعف عنها، بل هو مرابط في هذا الأمر بالتذكر والعناية والمحافظة والمسارعة كل صلاة في وقتها، والحديث الآخر حديث أبي سعيد يقول ﷺ: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان هذا الحديث فيه ضعف عند أهل العلم ولكن له شواهد، فإن الصلوات من حفظها حفظ دينه، والله يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ [التوبة:18] فعمار المساجد هم أهل الصلاة، هم أهل الاستقامة، هم أهل الإيمان الصادق، فلا شك أن انتظار الصلاة بعد الصلاة والمحافظة عليها من دلائل الإيمان ومن دلائل الصلاح ومن دلائل الخير، فالمحافظة على الصلاة والعناية بها من الدلائل الظاهرة والعلامات البينة على صلاح الرجل وقربه من ربه وبعده عن صفات المنافقين.
وفق الله الجميع.

الأسئلة:
س: هل يشهد للرجل بالصلاح بمجرد اعتياده للمساجد؟
الشيخ: مثل ما في الحديث هذا، وإن كان فيه لين لكن الأدلة العامة تشهد لذلك، فإن الرجل المحافظ عليها لا شك أنه من خيرة الناس وأنه يشهد له بالخير لأنه لا يحافظ عليها إلا مؤمن.
س: التعمد للذهاب إلى المسجد الأبعد مع وجود المسجد القريب؟
الشيخ: إذا كان مصلحة ما يخالف، إذا كان ذهابه إلى الأبعد ما يضر الأقرب ولا يسبب سوء ظن فلا بأس، أما إذا كان المسجد الأقرب يجمع الناس ويحصل به التذكير أو يحصل به موعظة لهم أو يخشونه فيحضر الناس جيرانه يعني يكون في حضوره مصلحة يصلي في الأقرب.
س: من تتبع الصوت الجميل؟
الشيخ: ما في بأس، مقصد صالح مثل التراويح وأشباهها، صلاة الفجر مقصود صالح.
س: أحيانا العوام يرون واحد يسمع أغاني ويصلي يقولون لا تصلي ما دام أنت تسمع أغاني فأنت تصير من المنافقين؟
الشيخ: لا، هذا غلط أعوذ بالله، يصلي ويحافظ على الصلاة ويهديه الله يبتعد عما حرم الله، والصلاة تنهاه عن هذا إذا حافظ عليها، منتهاه أن يترك هذه الأشياء إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] فمن حافظ عليها صادقًا نهته عن الشر.
س: سنة الجمعة...؟
الشيخ: لا، الأفضل أربع ركعات مطلقًا، بعضهم يستدل بأن النبي ﷺ كان يصلي في بيته ركعتين، لكن ما يدل على ترك الأربع، الأفضل أربع مطلقًا حتى في البيت لأن الرسول قال: من كان مصليًا فليصلي بعدها أربعًا، وفي الحديث الآخر: إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعًا هذا عام يعم البيت ويعم المسجد، كون النبي ﷺ صلاها في بيته ركعتين يدل على أن الأمر مخفف ميسر والحمد لله.