345 من حديث: (بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن..)

 
4/1077- وعن معاذٍ قَالَ: بعَثني رسولُ اللَّهِ ﷺ إِلى اليَمن فَقَالَ:  إِنَّكَ تأْتي قَوْمًا منْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلى شَهَادةِ أَنْ لا إِله إِلاَّ اللَّه، وأَنِّي رسولُ اللَّه، فَإِنْ أَطاعُوا لِذلكَ، فَأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه تَعالى افْتَرَض عَلَيْهِمْ خمْسَ صَلواتٍ في كلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فأَعْلِمهُم أَنَّ اللَّه افْتَرَض علَيْهِمْ صَدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيائِهم فَتُردُّ عَلى فُقَرائِهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلَكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِم أَمْوالِهم وَاتَّقِ دَعْوة َالمظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ متفقٌ عَلَيهِ.
5/1078- وعن جابرٍ قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يقولُ: إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ رواه مُسلِم.
6/1079- وعن بُرَيْدَةَ عن النبيِّ ﷺ قَالَ: العهْدُ الَّذِي بيْنَنا وبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ، فمنْ تَرَكَهَا فَقدْ كَفَرَ رواه التِّرمِذِيُّ وَقَالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على عظم شأن الصلاة، وأنها عمود الإسلام، وأن من تركها كفر، فالواجب على أهل الإسلام رجالا ونساء أن يحافظوا عليها وأن يقيموها كما أمر الله سبحانه بقوله سبحانه وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وفي قوله سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، وفي قوله سبحانه: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] فالصلاة أمرها عظيم وشأنها كبير، من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وتقدم ما ذكره نافع مولى ابن عمر قال: (كان عمر يكتب إلى أمرائه إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع)، وفي مسند أحمد بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: من حافظ على الصلاة كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف هذا وعيد عظيم يدل على كفر من ضيعها وتركها، ويدل على ذلك أيضا قوله ﷺ في حديث معاذ لما بعثه الرسول إلى اليمن قال له: إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب يعني من اليهود والنصارى عندهم بعض العلوم، يعني فتهيأ لهم واستعد لتوجيههم وإرشادهم ودعوتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يعني يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الرسول ﷺ والإيمان به، وفي اللفظ الآخر: فادعوهم إلى أن يوحدوا الله وأن يشهدوا أني رسول الله، وفي اللفظ الآخر: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة هذا يدل على أن البداءة تكون بالتوحيد والإيمان بالرسالة قبل كل شيء، وأن على الدعاة كما فعل الرسل أن يبدؤوا بالتوحيد والإيمان بالرسول ﷺ قبل كل شيء مع الكفرة، الكافر يدعى سواء كان يهوديًا أو نصرانيًا أو غيرهما يدعى أولًا لتوحيد الله وإخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه، وهذا هو معنى شهادة لا إله إلا الله لأن معناها لا معبود حق إلا الله كما قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] وهكذا الدعوة إلى الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، والشهادة بأنه رسول الله لا بدّ من ذلك، فلا إسلام إلا بذلك، ثم بعد الإقرار بالشهادتين والإيمان بهما يدعى القوم إلى الصلاة كما فعل معاذ بأمر النبي ﷺ، ثم الزكاة بعد الصلاة ثم قال: فإن أطاعوك لذلك فاتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب هذا يفيد أن الواجب على المؤمن وعلى الأمراء وعلى الدعاة أن يتحروا الحق والعدل في كل شيء ويحذروا الظلم فإن دعوة المظلوم مستجابة، فعلى الحاكم والأمير والداعي إلى الله وعلى كل مسلم أن يتقي الله، وأن يتحرى العدل في أموره كله والأمانة، وأن يحذر الجور والظلم أينما كان.

وفي الحديث الثاني من حديث جابر أن النبي ﷺ قال: إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة هذا يدل على أن تركها كفر أكبر؛ لأنه قال الكفر والشرك والكفر معرف والشرك معرف، الأصل فيه الكفر الأكبر والشرك الأكبر، فبين الكفر الأكبر والشرك الأكبر ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر. 
وهكذا جاء في حديث بريدة فيما رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح عن بريدة عن النبي ﷺ أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، والحديث رواه أحمد وأهل السنن أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن حصيب الأسلمي عن النبي ﷺ أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. هذا يعم الرجال والنساء العرب والعجم، يعم الجميع، فالواجب العناية بالصلاة والمحافظة عليها والحذر غاية الحذر من إضاعتها، وإضاعتها والتساهل بها من صفات المنافقين إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، وقال جل وعلا: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54] نسأل الله العافية، فللمسلم عظة فيما بينه الله ورسوله، وذلك يوجب له الحذر من التشبه بأعداء الله المنافقين في تخلفهم عن الصلوات والكسل عنها، بل الواجب العناية بها والمحافظة عليها في السفر والحضر، في جميع الأحوال، فهي عمود الإسلام وأول ما يفقد من الدين وأول شيء يحاسب عليه المرء يوم القيامة صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، نسأل الله العافية.
وفق الله الجميع.